الحياة الفاضلة كحياة داخلية
الحياة الفاضلة هي حياة داخلية يعيشها الإنسان بغض النظر عن الموضع الذي يعيش فيه أو الظروف التي تحيط به، سواء الغنى أو الفقر، الصحة أو المرض، الكرامة أو الهوان.
* ليس الموضع هو الذي يخلص، بل طريقة السلوك والإرادة[96].
* ليس في إرادتنا أن نكون عظماء أو صغار، أما أن نكون صالحين ولطفاء، فهذا من نصيب قرارنا[97].
* أمامك أمثلة بلا حصر في الكتب المقدسة عن حياة أناس فاضلين، لك أن تختار من تريد ليكون مثلًا لك بعد السيد. منهم من أظهر الحياة الفاضلة خلال فقره، وإبراهيم خلال الغنى. خذ لك المثال السهل بالنسبة لك والمناسب لحياتك العملية.
أيضًا واحد أظهر الحياة الفاضلة خلال الزواج، وآخر خلال البتولية، إبراهيم خلال الزواج والآخر (إيليا) خلال البتولية. لك أن تتبع ما تريد، فإن الطريقين يقودان إلى السماء.
واحد أظهر الحياة الفاضلة بالأصوام مثل يوحنا، وآخر بدون أصوام مثل أيوب. الأخير اهتم بزوجته وأولاده وبناته وعائلته وكانت له ثروة عظيمة، أما الأول فلم يكن له إلا ثوب من الشعر.
داود أظهر حياته الفاضلة خلال مملكته. فإن الأرجوان والتاج لم يدفعانه إلى الرخاوة -أقصد موسى- تسلم قيادة الشعب كله في ظروف قاسية. وبقدر ما وجدت الصعوبات بصورة أقسى كانت قوته أعظم..
وعلى العكس، تأمل، فإن البعض هلك وهو في الزواج، والآخر وهو في البتولية. شمشون هلك وهو متزوج، ولم يكن الزواج هو سبب هلاكه، إنما سوء اختياره. في البتولية أيضًا هلك الخمس عذارى (الجاهلات). هلك البعض في الغنى مثل الغَني الذي احتقر لعازر، وهلك البعض في الفقر، إذ لا تزال أعداد بلا حصر من الفقراء يهلكون..
أتريد أن ترى جنديًا قد خلص؟ كرنيليوس..
أتريد حاكمًا خلص؟ خِصْي ملِكة كنداكة..
إن استخدمنا الثروة استخدامًا صالحًا لا تُهلكنا.. ليس لشيء ما سلطانًا أن يؤذي الإنسان المتيقظ.. متى كانت النفس نقية ليس من شيء يعوقها عن الحياة الفاضلة. من يجاهد ليس شيء خارجي أن يعوقه.
الإنسان الفاضل الذي تكرست حياته لله تعلن فيه هذه الحياة الفاضلة سواء كان يتمتع بثروة أو يلحقه فقر، في صحة أو يعاني من مرض، له كرامة عظيمة أو يصيبه هوان، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في مواضِع أخرى. ألم يعمل الرسول تحت كل الظروف. "بمجدٍ وهوانٍ، بصيت حسن وصيت رديء" (2 كو 6: 8)." هكذا يكون المصارع مستعدًا في كل شيءٍ، هذه هي طبيعة الفضيلة.
إن كنتَ تقول إني غير قادر على قيادة الكثيرين فاُسلك في حياة الوحدة، فأنت تسيء إلى الفضيلة التي تمارَس في كل الأحوال، وتُشرق في كل الأوضاع ما دامت قائمة داخل النفس. إن وجدتَ مجاعة أو كان هناك فائض، تُظهر الفضيلة قوتها، وكما يقول بولس: "أعرف كيف أغتني وكيف أكون في عوزٍ (في 4: 12؛ أع 28: 3)." هل احتاج أن يعمل؟ إنه لم يخجل، بل صار يعمل لمدة عامين. هل التزم أن يحتمل الجوع؟ إنه لم يخُر بسبب هذا ولا اضطرب. هل التزم أن يعاني من الموت؟ إنه لم ييأس، وإنما أعلن سموّ أفكاره وفنه في كل شيء.
إذن لنتمثل به، فلا نجد عمله للحين.
أخبرني، أي شيء له من القوة حتى يحزن الإنسان؟ لا شيء..
لنفترض أن إنسانًا صالحًا له زوجة وأولاده وغنى وكرامة عظيمة، يعيش في هذا كله حياة فاضلة. اِنزع عنه هذا كله يبقى أيضًا فاضلًا. لا تهزمه المصائب ولا ينفخه الغنى، إنما يكون كالصخرة راسخًا. إن كان البحر هائجًا أو هادئًا لا تحطمه الأمواج، ولا يؤثر فيه الهدوء. هكذا يبقى العقل الراسخ ثابتًا في الهدوء كما أثناء العاصفة.
لو أن أطفالًا يبحرون في سفينةٍ لكانوا يخافون، أما القائد فيجلس ضاحكًا بغير اضطراب. يضحك عليهم إذ يراهم مضطربين. هكذا أيضًا النفس الحكيمة بالحق تبتسم على الدوام مهما تغيرت الظروف، بينما يكون غيرها مضطربًا. تجلس في ثباتٍ كما لو كانت تمسك بذراع الدفة ومرساة الورع.
اَخبرني، أي شيء يقدر أن يُقلق النفس الورعة؟
الموت؟ إنه بداية حياة جديدة.
الفقر؟ إنه معين للنفس على الفضيلة.
المرض؟ إنها لا تبالي به، لا تبالي بالأمور المفرحة أو المحزنة، إذ تمارس حياة الألم بإرادتها.
الازدراء؟ لقد صلب العالم لها.
فقدان الأولاد؟ لا تخاف هذا إذ تنتظرهم بكل ثقةٍ في القيامة.
أي شيء أيضًا يمكن أن يعجبها؟ لا شيء.
هل الثروة ترفعها؟ كلا، فهي تعلم أن المال لا شيء.
المجد؟ لا، فقد تعلمت أن مجد الإنسان كزهر العشب (إش 4: 6).
الترف؟ لا، فهي تسمع قول الرسول: أما المُتنعِّمة فقد ماتت وهي حية (1 تي 5: 6).
بهذا فهي لا تغضب ولا تتضايق. أية صحة مثل هذه؟..
حقا إننا مواطنو السماء حيث لا يوجد فيها تغير.. لنعلن مواطنتنا السماوية ولنكن في هدوء على الدوام. فإن هذا لا يعتمد على الثروة أو الفقر، الكرامة أو الهوان، المرض أو الصحة.. إنما يعتمد على نفوسنا، إن كانت راسخة ومهذبة بعلم الفضيلة يكون كل شيءٍ بالنسبة لها سهلًا[98]."
الحياة الفاضلة هي حياة داخلية يعيشها الإنسان بغض النظر عن الموضع الذي يعيش فيه أو الظروف التي تحيط به، سواء الغنى أو الفقر، الصحة أو المرض، الكرامة أو الهوان...
"ليس الموضع هو الذي يخلص بل طريقة السلوك والإرادة".
"ليس في إرادتنا أن نكون عظماء أو صغار، أما أن نكون صالحين ولطفاء فهذا من نصيب قرارنا".
"أمامك أمثلة بلا حصر في الكتب المقدسة عن حياة أناس فاضلين، لك أن تختار من تريد ليكون مثلًا لك بعد السيد. منهم من أظهر الحياة الفاضلة خلال فقره، وإبراهيم خلال الغنى. خذ لك المثال السهل بالنسبة لك والمناسب لحياتك العملية.
أيضًا واحد أظهر الحياة الفاضلة خلال الزواج وآخر خلال البتولية، إبراهيم خلال الزواج والآخر (إيليا) خلال البتولية. لك أن تتبع ما تريد فإن الطريقين يقودان إلى السماء.
واحد أظهر الحياة الفاضلة بالأصوام مثل يوحنا، وآخر بدون أصوام مثل أيوب. الأخير اهتم بزوجته وأولاده وبناته وعائلته وكانت له ثروة عظيمة، أما الأول فلم يكن له إلا ثوبًا من الشعر.
داود أظهر حياته الفاضلة خلال مملكته. فإن الأرجوان والتاج لم يدفعانه إلى الرخاوة -أقصد موسى- تسلم قيادة الشعب كله في ظروف قاسية. وبقدر ما وجدت الصعوبات بصورة أقسى كانت قوته أعظم...
وعلى العكس، تأمل، فإن البعض هلك وهو في الزواج والآخر وهو في البتولية. شمشون هلك وهو متزوج، ولم يكن الزواج هو سبب هلاكه إنما سوء اختياره، وستجد المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلاهيمانوت في أقسام المقالات والكتب الأخرى. في البتولية أيضًا هلك الخمس عذارى (الجاهلات). هلك البعض في الغنى مثل الغَني الذي احتقر لعازر، وهلك البعض في الفقر إذ لا تزال أعداد بلا حصر من الفقراء يهلكون...
أتريد أن ترى جنديًا قد خلص؟ كرنيليوس...
أتريد حاكمًا خلص؟ خِصْي ملِكة كنداكة...
إن استخدمنا الثروة استخدامًا صالحًا لا تهلكنا... ليس لشيء ما سلطانا أن يؤذي الإنسان المتيقظ... متى كانت النفس نقية ليس من شيء يعوقها عن الحياة الفاضلة. من يجاهد ليس شيء خارجي أن يعوقه.
الإنسان الفاضل الذي تكرست حياته لله تعلن فيه هذه الحياة الفاضلة سواء كان يتمتع بثروة أو يلحقه فقر، في صحة أو يعاني من مرض، له كرامة عظيمة أو يصيبه هوان. ألم يعمل الرسول تحت كل الظروف. "بمجد وهوان، بصيت حسن وصيت رديء". هكذا يكون المصارع مستعدًا في كل شيء، هذه هي طبيعة الفضيلة.
إن كنتَ تقول أني غير قادر على قيادة الكثيرين فاُسلك في حياة الوحدة، فأنت تسيء إلى الفضيلة التي تمارَس في كل الأحوال، وتُشرق في كل الأوضاع ما دامت قائمة داخل النفس. إن وجدتَ مجاعة أو كان هناك فائض، تظهر الفضيلة قوتها، وكما يقول بولس: "أعرف كيف أغتني وكيف أكون في عوز". هل احتاج أن يعمل؟ إنه لم يخجل بل صار يعمل لمدة عامين. هل التزم أن يحتمل الجوع؟ إنه لم يخُر بسبب هذا ولا اضطرب. هل التزم أن يعاني من الموت؟ إنه لم ييأس، وإنما أعلن سموّ أفكاره وفنه في كل شيء.
إذن لنمتثل به فلا نجد عمله للحين.
اَخبرني، أي شيء له من القوة حتى يحزن الإنسان؟ لا شيء...
لنفترض أن إنسانًا صالحًا له زوجة وأولاده وغنى وكرامة عظيمة، يعيش في هذا كله حياة فاضلة. اِنزع عنه هذا كله يبقى أيضًا فاضلًا. لا تهزمه المصائب ولا ينفخه الغنى، إنما يكون كالصخرة راسخًا. إن كان البحر هائجًا أو هادئًا لا تحطمه الأمواج ولا يؤثر فيه الهدوء. هكذا يبقى العقل الراسخ ثابتًا في الهدوء كما أثناء العاصفة.
لو أن أطفالًا يبحرون في مركب لكانوا يخافون، أما القائد فيجلس ضاحكًا بغير اضطراب. يضحك عليهم إذ يراهم مضطربين. هكذا أيضًا النفس الحكيمة بالحق تبتسم على الدوام مهما تغيرت الظروف، بينما يكون غيرها مضطربًا. تجلس في ثبات كما لو كانت تمسك بذراع الدفة ومرساة الورع.
اَخبرني، أي شيء يقدر أن يُقلق النفس الورعة؟
الموت؟ إنه بداية حياة جديدة.
الفقر؟ إنه معين للنفس على الفضيلة.
المرض؟ إنها لا تبالي به، لا تبالي بالأمور المفرحة أو المحزنة، إذ تمارس حياة الألم بإرادتها.
الازدراء؟ لقد صلب العالم لها.
فقدان الأولاد؟ لا تخاف هذا إذ تنتظرهم بكل ثقة في القيامة.
أي شيء أيضًا يمكن أن يعجبها؟ لا شيء.
هل الثروة ترفعها؟ كلا، فهي تعلم أن المال لا شيء.
المجد؟ لا، فقد تعلمت أن مجد الإنسان كزهر العشب.
الترف؟ لا، فهي تسمع قول الرسول: أما المُتنعِّمة فقد ماتت وهي حية.
بهذا فهي لا تغضب ولا تتضايق. أي صحة مثل هذه...؟
حقا إننا مواطنوا السماء حيث لا يوجد فيها تغير... لنعلن مواطنتنا السماوية ولنكن في هدوء على الدوام. فإن هذا لا يعتمد على الثروة أو الفقر، الكرامة أو الهوان، المرض أو الصحة... إنما يعتمد على نفوسنا، إن كانت راسخة ومهذبة بعلم الفضيلة يكون كل شيء بالنسبة لها سهلًا".
_____
[96] De poe PG 49: 344.
[97] Ad illum PG 49: 236
[98] In Philip, hom 12.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/fr-tadros-malaty/chrysostom-virtuous-life/inner-life.html
تقصير الرابط:
tak.la/g34pyt9