نتمتّع في سرّ العماد بالميلاد الجديد وغفران الخطايا، وفي سرّ المسحة ننال الروح القدس ساكنًا فينا. ولمّا كان السرّان يتمّان غالبًا في وقتٍ واحدٍ، لهذا يتحدّث البعض عن سرّ العماد بمعنى واسع يضمّ معه سرّ المسحة.
وردت عبارة في كتابات العلامة أوريجينوس توضّح الاستخدام المحدّد والمتّسع لكلمة "العماد". إذ يقول: [في أعمال الرسل يُعطَى الروح القدس بوضع الأيادي في المعموديّة[2].] هذا هو المعنى الواسع للعماد، حيث يضم السرين معًا. ويكمل العلامة أوريجينوس بعد قليل: [كانت نعمة الروح القدس وإعلانه تُسلّم بوضع أيادي الرسل بعد العماد[3].] هنا المعنى المحدد للعماد. جاءت العبارتان تكمّلان بعضهما البعض، وتوضّح التمييز بين السرّين، مع ارتباطهما معًا.
يقول الأب ملشيادس Malchiades أسقف روما في القرن الرابع: [ينزل الروح القدس على مياه المعمودية فيعطي صحة في الجرن يهب كماله لكي يعطي براءة، وفي التثبيت يقدم ما هو أكثر، فينتج نعمة! في المعمودية تجددنا للحياة، أما بعد المعمودية فتقوَّينا للمعركة. في المعمودية اغتسلنا، أما بعد المعمودية فصرنا أقوياء[4].]
في القرن الثاني يتحدث العلامة ترتليان في مقالة عن المعمودية عن هذا السرّ كتهيئة لقبول الروح القدس في سرّ التثبيت الملتحم بالمعمودية: [لا ننال الروح القدس في المياه، وإنما نتطهر فيها بخدمة الملاك فنتهيأ للروح القدس.] [توضع اليد علينا في البركة ويُستدعَى الروح القدس... الذي يحل بإرادته من عند الآب على الأجساد التي تطهرت وتباركت[5].]
وجاء القديس كبريانوس غالبًا ما يحمل ذات الاتجاه، إذ يقول: [لا يولد الإنسان من جديد خلال وضع اليد حين يتقبل الروح القدس، أما في المعمودية إذ يولد الإنسان يتقبل الروح (ربما يقصد إنه يتهيأ لقبوله)، إذ يتخلص الإنسان من خطاياه في المعمودية يتقدس ويتشكل روحيًا كإنسان جديد، بهذا يكون مُهيأ لقبول الروح القدس[6].]
وفي حديث القديس كرنيليوس أسقف روما في القرن الثالث يقول: [أن نوفاتيوس Novatian لم ينعم بالروح القدس لأنه لم ينل ختم الأسقف.] [على أي الأحوال في شفائه من المرض لم ينل المواهب الأخرى التي يلزم للإنسان أن يتمتع بها حسب نظام الكنيسة ولم ينل ختم الأسقف. وإذ هو لم يحصل عليه كيف يقدر أن ينال الروح القدس؟![7]] يكشف هذا الحديث عن عطية الروح القدس التي تُمنح خلال ختم الأسقف، لكن الحديث ليس فيه نفي لحلول الروح القدس على المعمد قَبِل نواله الختم المبارك. يرى البعض في هذا الحديث أن القديس كرنيليوس يعبر عما حدث لنوفاتيوس الذي قبل العماد تحت ضغط المرض والخوف من الموت لكن قلبه كان منحرفًا، أي قبل المعمودية بنيّة غير صادقة فلم ينل عطية الروح.
جاء في حديث لأسقف أسباني في منتصف القرن السابع يسمَّى Hildefonus of Toledo: [وهكذا يدهن الإنسان بالمسحة المقدسة من الخارج، وتحل عليه قوة الروح القدس في الداخل، حتى أنه كما يتطهر الإنسان بكامله في الجرن يغتني بكامله بمسحة الروح، وإذ تتقبل النفس قوة من مسحة الروح القدس تعرف الله كساكنٍ فيها، وتحب ذاك الذي تقبلته داخلها، فتكون معه على الدوام يهبها الحكمة لتصنع مشيئته، فلا تحزنه إذ خُتم الإنسان به في يوم فدائه[8].]
ويميز باسيوس Pacian أسقف Barcelona في القرن الرابع بين السرّين بقوله: [بالجرن تغسل الخطايا وبالميرون ينسكب علينا الروح القدس، هذان الأمران يتحققان بيد الأسقف وفمه، بهذا يولد الإنسان كله مرة أخرى ويصير جديدًا في المسيح[9].]
← انظر كتب أخرى للمؤلف هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت.
يميّز القديس أغسطينوس بين العماد والمسحة، الأول يدعوه "ميلادًا بالروح" والثاني "قوتًا بالروح". بالعماد يولد المؤمن بالروح، فيتقبّل غفران الخطايا. هذه الهبة الأولى تهيئ لعطايا أخرى للروح. إنّها تهب قبول الروح نفسه الذي به نتطهّر حيث نقبل العفو، ويسكن فينا لعمل البرّ ونموّه وكماله[10].
* لسنا نقبل الروح القدس في مياه المعموديّة، بل نتطهّر في الماء... وبهذا نتهيّأ لقبول الروح القدس[11].
* تُوضع اليد علينا في البركة، داعيّا ومستدعيًا الروح القدس... عندئذ يحلّ الروح الكلي القداسة بإرادته من عند الآب على أجسامنا التي تطهّرت وتباركت[12].
* لا يولد الإنسان ثانية خلال وضع اليد عندما يقبل الروح القدس، وإنّما في العماد، فإذ يكون بالفعل قد وُلد ينال الروح القدس[13].
* لا يقدر الماء وحده أن يزيل الخطايا ويقدّس الإنسان، وإنّما فقط عندما يصاحبه الروح القدس... ليس من عماد حيث لا يوجد الروح القدس، فإنّه لا يمكن العماد بدون الروح.
_____
[2] De Principiis 1;2:1.
[3] De Principiis 1:2:7.
[4] S.T. 3:62:1. اقتبسها الأب توما الاكويني
[5] De Baptismo 6, 8.
[6] Epis 74:5, 6.
[7] Euseb: H.E. 4:43.
[8] De cagnitione Baptismi.
[9] Serm. De Bapt., Sec 6.
[10] Cf. Sermon 71:19, 33.
[11] De Baptism, 6.
[12] De Baptism, 8.
[13] Ep. 74:4.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/fr-tadros-malaty/chrism/baptism.html
تقصير الرابط:
tak.la/4z73qcd