1 - الشهادة لبتوليته:
عاش
بتولًا مع زوجته البارة تاسوني أنجيل. وقد شهدت السماء لقداسته عندما ردد
بلسانه وهو في خضم آلامه بعد منتصف ليلة الثلاثاء 20 مارس "السماء انفتحت".
وبعدها هدأت قلوبنا من تعلقها الشديد برجاء عمل معجزة من السماء لتعود له سلامة
جسده التي كانت تتناقص أمام عيوننا شيئًا فشيئًا. وسلمنا الأمر لإرادة الله إذ
انقطع الرجاء في بقاء أبونا
بيشوي معنا بالجسد على الأرض. وبادرنا نحن الواقفين
بجواره نقبل يده نودعه ونطلب بركته.
كما شهدت السماء أيضًا لبتوليته حيث فاضت روحه الطاهرة ونحن بجواره الساعة الثامنة إلا ثلثًا صباح اليوم التالي الأربعاء 21 مارس 1979 م الموافق 12 برمهات 1695 ش حيث يوافق هذا اليوم تذكار الملاك الجليل ميخائيل رئيس الملائكة الأطهار الذين شبه بهم السيد المسيح الذين سيسكنون السماء في قوله لجماعة الصدوقيين " فِي الْقِيَامَةِ لاَ يُزَوِّجُونَ وَلاَ يَتَزَوَّجُونَ بَلْ يَكُونُونَ كَمَلاَئِكَةِ اللَّهِ فِي السَّمَاءِ".
(مت22: 30)
ويوافق هذا اليوم أيضًا تذكار ظهور بتولية القديس الأنبا ديمتريوس الكرام البطريرك الثاني عشر الذي كان متزوجًا ولكنه عاش بتولًا. ولما اُختير للبطريركية أظهر الله حقيقة بتوليته بمعجزة باهرة رآها كل الشعب المجتمعين لصلاة القداس بالكنيسة. وكان ذلك بأمر إلهي للبطريرك لكي لا يعثر الشعب بسببه.
وقد كان معروفًا أمر بتولية أبونا بيشوي. حتى أنه من المداعبات اللطيفة للأب الفاضل القمص لوقا سيداروس في جلساتنا الروحية الضيقة قوله لأبونا بيشوي "أنت طقس واحنا طقس" وكان يقصد أن أبونا بيشوي في طقس البتولية أما نحن ففي طقس الزيجة. فكان أبونا بيشوي يبتسم ابتسامة خفيفة.
وإن كانت هذه الملابسات والأقوال علامة شهادة لبتوليته فهي شهادة لبتولية زوجته الفاضلة أيضًا.
إن البتولية تتضمن الموت عن الجسد وعن العالم وعن الذات وعن كل قنية ومن مات عن الجسد ظهرت فيه ثمار الروح، ومن مات عن العالم لم يصبح له هدف غير السماء، ومن مات عن الذات صار خادمًا للجميع، ومن مات عن كل قنية أصبح لا ينتظر شيئًا من أحد بل إن ماله هو لغيره. لذلك لا عجب إن ظهرت ثمار البتولية بكل هذه المعاني في حياة أبينا البار القمص بيشوي وفي خدمته. وقد كان لبتوليته تأثير كبير على حياته وعلى خدمته.
أ - فمن جهة حياته: كان حارًا في الروح، حاضر الذهن، متوقد الذكاء، سديد الرأي، دائب الحركة، كان متجردًا من كل ملكية وكل ما عنده ليس له سواء شقته أو ملابسه الكهنوتية أو كتبه أو أدواته الخاصة، كلها كانت تحت استخدام من يحتاج لها. لم يدخر شيئًا ولم يُبقِ مالًا بين يديه. أحب الصلاة وأحب الصوم وأحب القديسين، وأحب المسيح من كل قلبه. أحب الفقراء والمحتاجين والمرضى، كان رقيق المشاعر، دائم المشاركة الوجدانية مع الكل في الأحزان والأفراح.
كان حساسًا بحكمة نحو مشاعر الآخرين وطريقة تفكيرهم، ولم يحاول أن يُخجِل أحدًا مهما كانت الظروف فإذا طلب شيئًا أو خدمة من أحد أو وَجَّه توجيهًا معينًا لم يكن يضغط إطلاقًا بأي كلمة زائدة وكان يترك الحرية الكاملة للاستجابة من عدمها. وكان شديدًا وصريحًا في نفس الوقت مع مستويات روحية معينة وفي مواقف روحية حساسة. كان جريئًا وشجاعًا في المواجهة والتفاهم مع المسئولين على كافة المستويات. كانت صلته دائمة بآباء البرية وكان كثير التردد عليهم. وفي اتضاع حقيقي أطاع رئاسته الدينية وأعطى احترامًا وتقديرًا للكبير والصغير.
ب - أما من جهة تأثير بتوليته على خدمته: فكان بيته مفتوحًا دائمًا لصلوات السواعي والتأمل في كلمة الله لكل من يتواجد فيه. قداساته وعشياته كانت حارة ملتهبة، وصلواته صادرة من العمق. عظاته كان تأثيرها قويًا على سامعيه وسر تأثيرها أن المسيح كان المحور الرئيسي لكل موضوعاته. وامتازت بالتركيز في الموضوعات التي كان يلقيها بعيدًا عن الإسهاب والتطويل الذي في غير مكانه. وقته كان كله للخدمة وقد امتازت خدمته ببعض الملامح أهمها:
- اهتمامه بشركة السمائيين باحتفاله بغالبية آباء الكنيسة الكبار من البطاركة والشهداء والقديسين أبطال الإيمان بإحياء ذكراهم بالقداسات والعشيات وعمل حنوط رفاتهم وتوزيع نبذات سيرهم.
- اهتمامه بتنمية وحدانية الروح بين عائلات شعب كنيسته من خلال برامج الأنشطة الاجتماعية من رحلات وحفلات وموائد أغابي كثيرة ومستمرة طول العام وفي كل المناسبات.
- تلامسه مع مشاكل واهتمامات واحتياجات الأجيال الناشئة من خلال برامج التربية الكنسية وإعداد موضوعات اجتماعات الشبان والشابات والندوات والمحاضرات والمؤتمرات الدورية.
- كانت له أبوة متساوية موزعة على الجميع؛ الصغير قبل الكبير والفقير قبل الغني والضعيف قبل القوي، وترك الإحساس في كل نفس بأنه يخصها هي بأبوته وباهتمامه. وفي علاجه للمشكلات والمشكلين اتسم بسعة صدره في احتمال المشكلين والمتعبين والأشرار، وبسعة أفقه في عبور الإهانات والضعفات وحل الإشكالات والمصادمات.
- بروحانيته قاد كثيرين إلى حب البتولية والسير على دربها، وفي أيامه نزح كثير من خيرة الشبان والشابات الممتازين علميًا واجتماعيًا والموسرين ماديًا إلى الأديرة تاركين وراءهم العالم بكل ما فيه من مال وجاه ومنصب. وكان بداية لتبتل بعض كهنة الإسكندرية الذين لازالوا يعيشون بيننا. كما جذب كثيرين إلى تكريس ذواتهم للخدمة الكهنوتية وشجع فكرة المكرسين والمكرسات للخدمة.
- برسامته بدأت فترة جديدة في نظرة الشعب إلى الكهنوت. فكخادم سابق في مدارس الأحد وكأمين عام للخدمة اتسع إدراكه جدًا لمفهوم الخدمة. فمنذ بدأ خدمة الكهنوت تغير أسلوب الخدمة. حيث أصبحت جميع الخدمات الروحية والطقسية لا يُنتظر منها مقابل مادي. وكانت النتيجة أن بركة الرب زادت جدًا فأصبح الكاهن يُعطي ولا يأخذ وأصبح هناك مفهوم روحي لهذه الخدمات أكثر منه مفهومًا ماديًا.
- وتغيرت صورة الكهنوت من سلطة وسيادة إلى أبوة ورعاية. إذ صار هناك اهتمام بالافتقاد وبخدمة العمل الفردي وإعطاء وقت كافٍ للاعترافات. ومن الشواهد المعزية لتغير صورة الخدمة برسامة أبونا بيشوي توجيه أحد الكهنة الكبار سنًا وكهنوتًا في جيله قوله له وكان ثمة في بداية خدمته "أنا لي خمسة وعشرين سنة في الكهنوت ولم أتعلم الخدمة بعد. ولكني سأبدأ اليوم الخدمة من جديد".
- وارتفع المستوى الروحي في أيامه ونهضت الخدمة وزادت الغيرة لدى الكثيرين وبحكمته كسب كثيرًا من العائلات والأفراد إلى الكنيسة. واستطاع أن يوظف إمكانيات الكثيرين لخدمة المسيح والكنيسة، كلٌ في مجاله وحسب قدراته ومواهبه.
- وحسب القدرة التي أعطاها له المسيح كان خادمًا عامًا بحيث لم تتركز خدمته وجهوده في كنيسته وشعبها فقط بل امتدت إلى المدينة كلها بكل أحيائها ومناطقها. بل لم يتأخر عن من طلبه للخدمة والكرازة والتعليم في أي مدينة أخرى في كل أرجاء مصر. ولم يترك كنيسة أو كاهنًا من إخوته دون تعضيد ومساندة ومؤازرة في مختلف المواقف الصعبة. آمن بقوة الذبيحة وفاعلية صليب ربنا يسوع المسيح فعمل بكل جهده على شراء الأراضي والعقارات من أجل زيادة عدد المذابح. وخرجت كل مشروعاته في هدوء وصمت ولم يحس أحد بها إلا بعد ظهورها للعيان. كان الرب معه فأنجح طريقه. وكل ما امتدت إليه يده باركه، لأن غايته الأخيرة كانت خدمة النفوس لمجد الله.
- كما أصبحت كنيسة مار جرجس - سبورتنج منارًا ومركز إشعاع للروحانية ولمحبة المسيح. إذ انعكست روح أبونا بيشوي ليس على الشعب فقط بل على كل من له خدمة بالكنيسة من كهنة وشمامسة وخدام وخادمات وذلك مع تمايز كل كاهن وكل خادم بمواهبه وفضائله. لذلك توافرت الثمار في الرهبنة والكهنوت والتكريس والخدمة الباذلة إلى التمام.
أبي المحب - أبعث لك بهذه الكلمات التي كتبتها في 4/6/1969 منفعلًا بنهج حياتك راجيًا أن تذكرني مع أسرتي أمام عرش النعمة
أبي يا ساكن البرِّية بروحك بينما |
بِجدٍ تخدمُ وسط جماهير البِريَّة |
أبي المحب - أحيي تذكار انطلاقك للكنيسة المنتصرة بكلمات كتبتها في 15/6/1969 بعد حضوري لعشية من عشياتك الروحانية المعزية وبعدها التسبحة. اذكرني وأسرتي أمام الرب:
كلماتُ النعمة مِن فِيكَ نَغْتَرفُ |
تُحيي نفوسًا كادت للشر تنجرف |
هاتان التحيتان أقل ما يمكن أن توصف به شخصية أبونا بيشوي وخدمته والتسبيح في كنيسته، لأن تأثيره كان عميقًا في كل من سمعه أو تلامس معه وكذلك مع كنيسته. ومن محبة الكثيرين له أطلقوا على أبنائهم اسم "بيشوي". إن البركة التي لحقت الكنيسة بسببه واضح أنه كان وراءها نعمة الله الساندة لجهاده البتولي.
أما عن الانتقال المبكر لأبونا بيشوي فحيث قد انتهت في تقدير الله رسالة أبونا بيشوي على الأرض فكان لابد أن ينتقل إلى بيته الأبدي كما يقول الكتاب "ولما كملت أيام خدمته مضى إلى بيته" (لو1: 23). خصوصًا أنه كان قد جاء وقت على أبونا بيشوي أحس فيه أنه من الأفضل أن ينطلق. وذلك طبعًا ليس بسبب مرضه الأخير بل إن مرضه الأخير قد جاء ليمهد لانطلاقه. إلا أن حياة أبونا بيشوي ينطبق عليها القول "إن الحياة القصيرة الممتلئة خيرٌ من الحياة الطويلة الفارغة". وحجم ما بناه أبونا بيشوي في الخدمة والكرازة والعمل الرعوي يفوق كثيرًا زمن غربته على الأرض.
أما عن آلام مرضه فإن كان لسان حاله كان يردد بصددها " أُكَمِّلُ نقائص شدائد المسيح في جسمي" (كو1: 24) لكنه كان يدرك أن هذا المرض هو طريق عبوره إلى السماء، ولم يكن مرضه تزكية فقط لإيمانه واحتماله بقدر ما كان درسًا لنا نحن لكي نقتدي به في حمل الصليب.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/fr-salaib-hakim/sanctity-married/examples.html
تقصير الرابط:
tak.la/yk8qp93