St-Takla.org  >   books  >   fr-salaib-hakim  >   sanctity-married
 

مكتبة الكتب المسيحية | كتب قبطية | المكتبة القبطية الأرثوذكسية

كتاب القداسة في المسيحية بين المتزوجين - القمص صليب حكيم

9- الفصل الأول: واقع البتولية بين المتزوجين

محتويات: (إظهار/إخفاء)

1 - شهوة البتولية بين المتزوجين
2 - دعوة المتزوجين إلى البتولية
أ - قاعدة واحدة للبتولية والاستشهاد
ب - أمثلة لمن دعوا للاستشهاد
حـ - أمثلة للمتزوجين المدعوين للبتولية
3 - مجد البتوليين والشهداء
أ - أصحاب الإكليلين
ب - أصحاب الأكاليل واقع حقيقي
4 - درجات التبتل بين المتزوجين

البتولية حقيقة واقعة بين المتزوجين ولها أمثلة من آبائنا القديسين الذين سبقونا وتكللوا بأكاليل البر ومن الأحياء الأبرار المعاصرين الذين ينتظرون أكاليلهم ثم هناك درجات للبتولية التي يعيشها الإنسان المسيحي المتزوج.

St-Takla.org                     Divider of Saint TaklaHaymanot's website فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

1 - شهوة البتولية بين المتزوجين:

يوجد من بين المتزوجين أزواج يعزفون بإرادتهم الكاملة عن الحياة الجسدية بعد أن يعطيهم الله الأطفال الذين أنجبوهم. ليس عن عجز ولكن عن رغبة صادقة واشتياق لحياة البتولية. ولا يستقر هذا العزوف بطبيعة الحال كأسلوب حياة إلا برضا الزوجين اللذيْن قد
تتفق رغبتهما معًا. وأحيانًا تبدأ رغبة البتولية
من طرف واحد أولًا وهذا لا يحاول أن يضايق الطرف الآخر بالضغط عليه، بل يجتهد بالتفاهم الروحي والتشجيع بالتدريج إلى أن ينبع هذا العزوف من داخل الطرف الآخر. وبذلك يبدأ طريق التبتل برضا الطرفين رضاء كاملًا وبفرح. لأنه لا يصح انتهاج حياة التبتل من جانب واحد. لأن هذا يخالف قول الإنجيل "لا يسلب أحدكم الآخر إلا أن يكون على موافقة" (1كو7: 5).

ولربما كلمات معلمنا بولس التي يقول فيها "فأقول هذا أيها الإخوة الوقت منذ الآن مقصَّر لكي يكون الذين لهم نساء كأن ليس لهم.. والذين يستعملون هذا العالم كأنهم لا يستعملونه" (1كو7: 29، 31). لربما هذه الكلمات ترن أصلًا في آذان هذا النوع من الأزواج فتكون مشجعًا قويًا لهم للسير في حياة البتولية. محبة في البتولية من أجل رفع هم الانشغال بمطالب الحياة الجسدية عن كاهلهم. وإتاحة الفرصة لهم لحرية الانطلاق لممارسة مختلف أنشطة الحياة الروحية والتمتع بها، استعدادًا لحياة أكثر سعادة مع المسيح في السماء.

وقد يتأتى التبتل كحياة للزوجين بجهاد روحي قد يطول عدة سنوات بتدريبات روحية متواصلة حتى يبلغا درجة الزهد الكامل في أمور الجسد. ويتفاوت المتزوجون الراغبون في البتولية في مراحل السن التي يبلغون فيها لهذه الدرجة الزاهدة في الجسد ومتطلباته.

وهذا المستوى من المتزوجين المتبتلين لا يقدر عليه إلا القليلون، وهو استعدادٌ وموهبةٌ، تمامًا مثل الذين يدخلون سلك الرهبنة فغالبًا ما يكون لديهم استعداد طبيعي للحياة الرهبانية.

وظاهرة التبتل بين المتزوجين يذكر لنا تاريخ الكنيسة أمثلة كثيرة لها، مثل القديس الأنبا ديمتريوس الكرام البابا 12. الذي كان فلاحًا أُميًّا وأقام مع زوجته 47 سنة وهما في بكوريتهما ولم يعرف أحدهما الآخر، إلى أن اُختير بطريركًا بإعلان إلهي، ولكي يزيل الشك من الشعب من جهة بتوليته طاف هو وزوجته الكنيسة وفي بلِّينه وفي إزارها جمر ولم تحترق ثيابهما. ويدعوه تاريخ الكنيسة الأب البكر الطاهر مجاهد الشهوة وقاهر الطبيعة.

والقديس أبو مقار الكبير الذي زوَّجاه أبواه على غير إرادته، فتظاهر بالمرض واستأذن والده أن يمضى إلى البرية لتبديل الهواء. ولما عاد إلى بيته وجد زوجته قد ماتت وهى بتول، فاتجه إلى خارج بلده بادئًا حياة العزلة.

والقديس يوحنا كاما زَوَّجه والداه على غير إرادته، واتفق مع زوجته على أن يحييا بتولييْن، وكانا إذا رقدا ينزل ملاك ويظلل عليهما بجناحيه، ونبتت فوقهما كرمة لم يزرعها أحد وظللت خدرهما علامة على طهرهما. ثم أبدى رغبته لزوجته في الذهاب إلى الدير وأودعها هي ديرًا للعذارى.

St-Takla.org Image: A Catholic priest performing Holy Matrimony prayers (marriage) for a couple, 3 - People inside the Basilica of Santa Maria in Ara Coeli, Rome, Italy. Established in the 12th century. The Church beside the Military Museum. - Photograph by Michael Ghaly for St-Takla.org, September 21, 2014. صورة في موقع الأنبا تكلا: كاهن كاثوليكي يقوم بطقس صلاة سر الزيجة (الزواج) لعروسان جدد، 3 - صور أشخاص في كنيسة القديسة مريم سيدة هيكل السماء، روما، إيطاليا. وهي كنيسة كاثوليكية أنشئت في القرن الثاني عشر الميلادي، وتقع بجانب المتحف الحربي - تصوير مايكل غالي لموقع الأنبا تكلاهيمانوت، 21 سبتمبر 2014.

St-Takla.org Image: A Catholic priest performing Holy Matrimony prayers (marriage) for a couple, 3 - People inside the Basilica of Santa Maria in Ara Coeli, Rome, Italy. Established in the 12th century. The Church beside the Military Museum. - Photograph by Michael Ghaly for St-Takla.org, September 21, 2014.

صورة في موقع الأنبا تكلا: كاهن كاثوليكي يقوم بطقس صلاة سر الزيجة (الزواج) لعروسان جدد، 3 - صور أشخاص في كنيسة القديسة مريم سيدة هيكل السماء، روما، إيطاليا. وهي كنيسة كاثوليكية أنشئت في القرن الثاني عشر الميلادي، وتقع بجانب المتحف الحربي - تصوير مايكل غالي لموقع الأنبا تكلاهيمانوت، 21 سبتمبر 2014.

والقديس مينا أسقف تِمِّي زوجاه والداه بغير إرادته وأطاع ولكنه اتفق مع زوجته على أن يحتفظا ببتوليتهما ولبثا يعيشان عيشة الرهبان إلى أن فاتح زوجته في رغبته للذهاب إلى الدير فوافقته على ذلك وترهب في دير الأنبا انطونيوس واختاره الرب أسقفًا على تمى إلى أن تنيح بسلام بعد أن أعلمه الرب بنياحته.

ولا نستغرب أن نجد ظاهرة التبتل بين المتزوجين موجودة بين غير المؤمنين أيضًا. فيذكر لنا تاريخ الكنيسة عن القديس كونن أن والديه كانا من عباد الكواكب وكان هو رافضًا للزواج ولكنهما أزوجاه بامرأة فلم يقترب إليها، لا مانعًا له في ذلك برٌّ شرعي ولا ضعف طبيعي، بل كرهًا في الشهوة. وكان كثير الصلاة طالبًا الإرشاد إلى معرفة الإله الحقيقي، فظهر له الملاك ميخائيل وأرشده لأحد الرسل فعلَّمه الإيمان.

فإن كانت البتولية وحياة البرية رمزًا لحياة الكمال، إلا أن حياة الكمال المسيحي ليست قاصرة على آباء البرية والمتبتلين فقط بل هي ممكنة بين المتزوجين أيضًا. كما تذكر سيرة القديس أبو مقار؛ كيف سمع صوتًا يقول له "إنك لم تبلغ بعد يا مكاريوس إلى الكمال الذي بلغت إليه امرأتان متزوجتان وعائشتان معًا في منزل واحد بمدينة الإسكندرية" وقد حضر القديس مكاريوس إلى الإسكندرية وتحقق من صحة هذا الكلام.

لذلك إن كنا نعرض لمجد المتبتلين بين المتزوجين في مضمار حياة القداسة فهو لا يقلل من شأن المتزوجين الذين يعيشون حياتهم العادية في طهر وقداسة ومخافة الله.

St-Takla.org                     Divider of Saint TaklaHaymanot's website فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

2 - دعوة المتزوجين إلى البتولية:

أ - قاعدة واحدة للبتولية والاستشهاد:

إن هناك دعوة من الله لبعض المتزوجين لكي يعيشوا جزئيًا أو بنسبة معينة حياة البتولية، وهذه الدعوة تشبه كثيرًا دعوة بعض المؤمنين للاستشهاد، والدعوتان متشابهتان إلى حد كبير لأن لهما قاعدة واحدة هي الموت عن الجسد.

فالاستشهاد هو إقدام على تصفية مباشرة للجسد وشركة فعلية لعمل الصليب بتقديم الجسد على مذبح الشهادة ثمنًا للإيمان بفكر وعاطفة أُغلقا تمامًا عن تعلقهما بالعالم وبالجسد الترابي، وغايتهما الأخيرة هي المسيح وبلوغهما إليه، في تطلع إلى انطلاق سريع للروح وتتويجها بأكاليل نورانية وانضمامها لصفوف السمائيين في كورة الأحياء لتحيا مع المسيح إلى الأبد.

وهكذا البتولية أيضًا هي قتل للجسد بمعنى إبطال سلطانه وكسر شوكته الأمر الذي يختبره بالأكثر آباء البرية ويبدأ في مراحله الأولى بإماتة الحواس الجسمانية وإخضاع الجسد لقيادة الروح، وذلك بجهادات كثيرة يمر فيها المتبتل بتدريبات قاسية من أجل قمع الجسد وإذلاله بالصوم والزهد والتقشف والحرمان والسهر والمطانيات والعمل الشاق، ويظل المتبتل أعوامًا طويلة في هذا الجهاد إلى أن يستريح من شغب الجسد، وحينئذ يستطيع بعد مشقة أن يصعد إلى الأعالي لكي يسبح في لجة محبة الله ويتمتع ببهاء جماله مستشرقًا نور وجهه على قلبه وفكره صباح كل يوم مرنمًا ومُسبحًا "أما أنا فبالبر أنظر وجهك، أشبع إذا استيقظت من شبهك" (مز17: 15). وهذه شبه حياة السماء قبل الانتقال إلى السماء ذاتها.

وكما كان الاستشهاد شهوة الكثيرين في أزهى عصور المسيحية قوة في الإيمان فاستشهد مئات الألوف من المسيحيين، كذلك كانت البتولية شهوة الكثيرين فنزح عشرات الألوف من العالم نحو البراري وسكنوا الجبال والمغاير.

وفي الصورة الظاهرة قد فُرِضَ الاستشهاد على المسيحيين من الأباطرة الوثنيين، ولكن من أجل مجد الاستشهاد وعظمة إكليله كان المسيح له المجد يدعو نفوسًا كثيرة من محبيه لنوال إكليل الشهادة واعدًا إياهم بغنى عطايا ملكوته الأبدي.

ب - أمثلة لمن دعوا للاستشهاد:

وكانت دعوة المسيح لهؤلاء إما بذاته شخصيًا وإما بواسطة ملاك مثلما ظهر ملاك الرب في رؤيا الليل للقديس إسحق الدفراوي وأمره أن يمضي للوالي لينال إكليل الشهادة، والقديس يحنس السنهوتي ظهر له ملاك الرب وهو يرعى غنم أبيه وأراه إكليلًا من نور وقال له قم امض الآن وجاهد على اسم المسيح، والقديس سينوسيوس البلكيمي ظهر له ملاك الرب ليلًا وقال له قم واعترف بإلهك أمام الوالي. فلما استيقظ عرَّف والدته بأمره ومضى إلى الوالي واستشهد مع قديسة تسمى مريم. كذلك ظهر ملاك الرب للقديس ورشنوفيوس الذي استشهد مع أختين وأمهما، وللقديس أبا إسحق والقديسة لياريه. أما الأنبا بيما من البهنسا فقد أبصر في رؤيا كأن السيد المسيح يعطيه السلام ويقول له قم اعترف باسمي فإن الإكليل مُعَدٌّ لك، فلما استيقظ من نومه وزع كل ماله على المساكين وذهب واستشهد على اسم المسيح.

والقديس نهروه من الفيوم ذهب إلى الإسكندرية ليموت على اسم السيد المسيح فقيل له في رؤيا لابد لك أن تمضي إلى أنطاكيا. وإذ كان ينتظر سفينة ليركبها أرسل له الرب ملاكه ميخائيل الذي حمله على أجنحته من الإسكندرية إلى أنطاكيا وأوقفه أمام دقلديانوس الذي تعجب من حضوره بهذه الحالة. وبعد أن عذبه قطع رأسه ونال إكليل الشهادة.

هذه نماذج من أمثلة عديدة يذخر بها تاريخ الكنيسة دعاها المسيح له المجد لنوال إكليل الشهادة. ولا شك أن هذه الدعوة هي لحسن المجازاة ورفع القدر وتعظيم المكافأة السمائية.

حـ - أمثلة للمتزوجين المدعوين للبتولية:

كذلك المسيح له المجد دعا كثيرين لحياة البتولية ليس من المتبتلين العذراويين فقط بل من المتزوجين أيضًا ويذكر لنا تاريخ الكنيسة بعضًا ممن ترملوا وقضوا بقية عمرهم في البتولية وبعضهم انتظم في حياة الرهبنة هم وأبناؤهم. ومنهم والد القديسة مارينا الناسكة الذي ماتت زوجته في وقت مبكر من زواجه فتعهد مارينا بتربية صالحة حتى كبرت وأراد تزويجها ويذهب هو إلى الدير فحلقت شعر رأسها ولبست زى الرجال وصاحبته إلى أحد الأديرة حيث جاهد معها عشر سنين في عبادات حارة ثم تنيح وبقيت هي وحدها حيث ضاعفت جهادها. ولا زال المسيح يكرر دعوته لكثيرين. فكل من لم يصبه الدور للزواج أيًا كانت الأسباب سواء كان شابًا أم فتاة يعتبرها دعوة له من المسيح لحياة البتولية فيبدأ يكيف نفسه على الحياة على دربها مستمتعًا بسلامها وسعادتها وانطلاقها مريحًا نفسه من الانشغال في التفكير في هموم الزواج ومسئولياته. كذلك من يسمح الرب بترمله رجلًا كان أو امرأة فإنها دعوة مباشرة منه له بأن يحيا حياة البتولية. وكل من يسمح الرب بمرض شريك حياته بعد زواجه مرضًا يعطل الحياة الجسدية بينهما فإنها دعوة منه لهما لحياة البتولية. والذي يسمح الله ببطلان زواجه لأي سبب من أسباب البطلان فإنها دعوة له لحياة البتولية. وكل من تزوج بطرف تستلزم طبيعة عمله سفريات قد تطول عدة شهور وقد تبلغ سنة أو أكثر فإنها دعوة له لحياة البتولية مدة هذه السفريات. وتتفاوت سنو التبتل بين المتزوجين لكنها كلما طالت كلما هتف صاحبها بفرح "إكليلي لمَّاع في الأبدية" كما قال معلمنا بولس "لأن نجمًا يمتاز عن نجم في المجد. هكذا أيضًا قيامة الأموات" (1كو15: 41، 42).

St-Takla.org                     Divider of Saint TaklaHaymanot's website فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

3 - مجد البتوليين والشهداء:

ويعلن لنا الإنجيل مجد الشهداء والبتوليين فيما يقوله سفر الرؤيا عن البتوليين "عندك أسماء قليلة في ساردس لم ينجسوا ثيابهم، فسيمشون معي في ثياب بيض لأنهم مستحقون" (رؤ3: 4).

ويقول أيضًا "المئة والأربعة والأربعون ألفًا الذين اشتروا من الأرض. هؤلاء هم الذين لم يتنجسوا مع النساء لأنهم أطهار. هؤلاء هم الذين يتبعون الخروف حيثما ذهب" (رؤ14: 3، 4).

ويقول عن الشهداء "رأيت تحت المذبح نفوس الذين قتلوا من أجل كلمة الله ومن أجل الشهادة التي كانت عندهم. فأعطوا كل واحد ثيابًا بيضًا. وقيل لهم أن يستريحوا زمانًا يسيرًا أيضًا حتى يكمل العبيد رفقاؤهم وإخوتهم أيضًا العتيدون أن يقتلوا مثلهم" (رؤ6: 9، 11).

هذه الإعلانات فيها تعزية كثيرة وتقوية رجاء للمتزوجين الذين يتعرضون لظروف يحسبونها تجارب شديدة وهى تحمل في داخلها دعوة مقدسة وتخفى وراءها أكاليل نورانية وأمجادًا فائقة. ومن يخضع لإرادة الله فيما يمر به من تجارب ويحولها لفائدته الروحية يكمل جهاده بسلام. وإن كانت الشهادة لها إكليل والبتولية لها إكليل إلا أن هناك من يجمع بين الإكليلين وذلك لمن جمع بين البتولية والشهادة معًا.

أ - أصحاب الإكليلين:

فالذين تتوفر لهم أسباب بطلان زواجهم ولكنهم يفضلون عدم الانفصال، معتبرين أن هذا نصيبهم وأن هذه هي إرادة الله، خاضعين لإرادته ومحتملين في صبر عجيب كل ما يلاقونه من ضيق وألم، لأن أسباب البطلان إن كانت علة نفسية أو علة عضوية أو مرضًا نفسيًا أو غشًا، فإن أصحاب هذه الأسباب منهم مَنْ هو يُحتمل ومنهم مَنْ هو شديد الإيذاء للطرف الآخر.

فهؤلاء الطرف الآخر الذين يحتملون الإيذاء ومتاعب أصحاب أسباب البطلان يُضاف إلى إكليل بتوليتهم إكليل الشهادة. لأنه ليست شهادة للمسيح أكثر من حمل الصليب أي احتمال الألم بشكر وصبر. فكم هي سعادة هؤلاء أصحاب الإكليلين؛ إكليل البتولية وإكليل الشهادة وكم هو مجدهم في الأبدية! إنه حقًا يحق لهم أن يقولوا "لأن خفة ضيقتنا الوقتية تنشئ لنا أكثر فأكثر ثقل مجد أبديًا. ونحن غير ناظرين إلى الأشياء التي ترى بل إلى التي لا ترى. لأن التي ترى وقتية وأما التي
لا ترى فأبدية" (2كو4: 17، 18).

ويشترك مع هؤلاء في نوال إكليل الشهادة أولئك الذين يحتملون قساوة وجفاء وغباء الطرف الآخر. فإن الذين يحتملون هذه يشهدون أيضًا لبر وصايا المسيح ويدينون بقدوتهم الصالحة أعمال أولئك الذين يرسبون في تنفيذ وصايا الإنجيل ويلجأون للمحاكم لأخذ حكم بالطلاق تأسيسًا على استحكام النفور واستحالة العشرة.

ومن أصحاب الأكاليل أيضًا أولئك الأزواج الذين يعانون ألمًا نفسيًا وفكريًا لا يفارقهم بسبب ضبطهم لزوجاتهم متلبسات بفعل الزنا، ويعيشون في صراع مرير بين شعورهم بقانونية انفصالهم حسب الشريعة وبين رغبتهم الشديدة في الستر عليهن وعلى صورة الأسرة كلها، خصوصًا إذا كان لديهم بنينٌ وبناتٌ يحرصون على مستقبلهم وعدم تعييرهم بأم زانية. وكذلك الزوجات اللاتي يعانين من أزواج على صلة بسيدات يزنون معهن وبعضهم يسهر خارج البيت بعض الليالي وبعضهم يعيش كلية خارج البيت ولا يتردد عليه إلا بين حين وآخر. وهذا البعض وذاك البعض بطبيعة حالهم يهجرون زوجاتهم جسديًا من جهة ومن جهة أخرى لا ينفقون على بيوتهم سوى الفتات اليسير لأن أموالهم ينفقونها على الزواني.

فكم تكون أكاليل هؤلاء الأزواج أو الزوجات الذين أغلبهم يعيش في البتولية بجانب احتمالهم مرارة زنى الطرف الآخر الذي كثيرًا ما يكون قاسيًا ومتبجحًا لكي يغطي على زناه ولأنه فقد انتماءه ومحبته لزوجه وأولاده وشهوات الجسد قَسَّت قلبه على من هم أكثر قربًا له وهو أكثر مسئولية عنهم.

ب - أصحاب الأكاليل واقع حقيقي:

وأنا أكتب هنا عن الأكاليل أمامي قائمة بأسماء بعض ممن يسيرون في طريق نوال هذه الأكاليل. وإن كان ليس لنا أن نتكهن عمن سيكللهم الله. ولكن حسب وعد الكتاب "تمسك بما عندك لئلا يأخذ أحد إكليلك" (رؤ3: 11) نذكر بعض أمثلة واقعية تعيش تحت بصرنا وحياتها التي تعانيها تؤهلها في النهاية لنوال الأكاليل، ومن هذه الأمثلة:

- زوجة تعيش مع زوجها منذ أكثر من 15 سنة والكل يعلم أنهما لا ينجبان والحقيقة أن الزوجة لا زالت بكرًا بسبب علة الزوج العضوية ولم تخبر أحدًا بهذا ولم تطلب يومًا الانفصال عنه بالرغم أنها ليست محتاجة له ماديًا.

- زوجة كان يعاني زوجها من علة عضوية في بداية زواجهما واستمرت أكثر من عام وكان يسئ معاملتها ومع ذلك سترت عليه واحتملته إلى أن شُفى جزئيًا إلا أنه لعدم اتزانه استمر في معاملتها بقسوة ثم هجرها وامتنع عن الإنفاق عليها وعلى أبنائه ولا زال هاجرًا لها وبالرغم من ذلك تعيش في تقوى الله راعية لأبنائها ولم تفكر في الانفصال منه.

- زوجة لم تنجب من زوجها إلا مرة واحدة بسبب ضعفه الجنسي الناشئ عن كثرة أدوية العلاج النفسي وتعيش معه منذ أكثر من 20 عامًا دون علاقة زوجية بالإضافة إلى احتمالها لتصرفاته المرضية من شك متواصل وشتائم وهياج وامتناع عن إعطاء مصروف للبيت. ولكن حكمتها واحتمالها له تدفعانه بين الحين والآخر إلى البكاء والاعتذار لها عن قسوته معها. وقد لا تمضي لحظات حتى ينقلب عليها من جديد ومع ذلك لا تئن ولا تشكو لأحد ولا حتى لإخوتها وأخواتها ومحتملة له بصبر عجيب.

- زوجة أيضًا أنجبت من زوجها مرة واحدة وكان مريضًا نفسيًا واختار أن يعيش مع أهله الذين يعانون من نفس مرضه في سبيل أن يستغني عن زوجته ودفعها لترك مسكن الزوجية دون أن ينفق عليها مع اقتداره ويسره. ولم تفكر في الطلاق ولا في طلب نفقة منه، ولازالت تعيش محتملة وضعها هذا منذ أكثر من 20 عامًا. بل وتقوم بخدمات جليلة لإخوة الرب كما تواظب على عبادتها بتقوى في بيت الرب.

- زوجة أصيب زوجها بفيروس سي (حـ) في الكبد منذ أكثر من 10 سنوات، وحيث تنتقل عدواه عن طريق الدم فابتعدت عنه جسديًا ولا زالت تعيش في طهارة كاملة وفي خوف الله.

- زوج بدت أعراض المرض النفسي على زوجته من بعد زواجه وإنجابه منها، فأراحها من الخروج إلى العمل وبدأ يتابع تناولها للأدوية محتملًا شكوكها وشتائمها وهياجها بين الحين والآخر وامتناعها عنه. وقلما تقوم بأعمال البيت بسبب كثرة نومها بسبب الأدوية النفسية المهدئة. لذلك يقوم هو في أغلب الأحيان منذ 20 عامًا بأعمال البيت من تنظيف وغسيل وطبيخ.. ولم يفكر يومًا في طردها لبيت أهلها أو إيداعها مستشفى للأمراض النفسية، بل إنه يحتملها ويخدمها ويقدم لها الطعام بنفسه.

- زوجة يعيش زوجها منذ سنوات طويلة في حياة الخطية بعيدًا عن البيت وهى تقوم بالإنفاق على البيت ورعاية أبنائها وبناتها، وتواظب معهم على حضور الكنيسة والتقدم للأسرار المقدسة وترفع قلبها باستمرار تصلي من أجل توبة زوجها.

- وأمامي عدة أسماء من الرجال ماتت زوجاتهم في سن مبكر ومنذ أكثر من عشرين عامًا ولم يفكروا في الزواج ولا زالوا يعيشون في طهارة ولم يسقط أحدهم في الزنا. والرب قادر أن يحفظهم في طهارتهم ويجنبهم العثرات حتى يكملوا أيام غربتهم بسلام. أما السيدات المترملات القديسات فهن كثيرات ولربما هؤلاء وأولئك هم وهن بركة كبيرة للكنيسة وسبب رحمة الله على شعبه كما قال الرب لأبيمالك عن إبراهيم "إنه نبي فيصلي لأجلك فتحيا" (تك20: 7).

هذه مجرد نماذج من حالات متكررة لأن كل نموذج توجد منه أمامي أكثر من حالة، ولا ننكر أنه ليس الجميع يستطيعون احتمال هذه الحالات لقسوتها وشدتها. لذلك هذه النماذج هي أمثلة بطولية لأبنائنا وبناتنا؛ بطولةٌ بتوليةٌ وبطولةٌ استشهاديةٌ. ولولا سِرِّية حياة أبنائنا لذكرت بسبب فرحي بهم أسماءهم هنا واحدًا واحدًا وواحدة واحدة ولكن يكفي رفع القلب من أجلهم أمام مذبح الله لكي يثبتهم الله في جهادهم ويسندهم بنعمة روحه القدوس حتى ينالوا أكاليلهم المعدَّة لهم. وإذا رجعنا إلى التمايز بين البتوليين من المتزوجين نجدهم يتدرجون في مستوى تبتلهم من جهة المدد الزمنية التي عاشوها بعيدًا عن المعاشرة الزوجية.

St-Takla.org                     Divider of Saint TaklaHaymanot's website فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

4 - درجات التبتل بين المتزوجين:

يختلف مفهوم التبتل بين المتزوجين عن مفهومه بين المتبتلين، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في مواضِع أخرى. فدرجات التبتل بين المتبتلين انبنت على قاعدة درجة التوحد، أي مدى بعد الإنسان عن العالم وخلوه من أي علاقات تعامل مع أي إنسان حتى مع سكان البرية أنفسهم. أما درجات التبتل بين المتزوجين فمبنية على قاعدة مدى خلوهم من العلاقات الجسدية الزيجية.

وكما كانت الوحدة بين المتبتلين مقياسًا لاقتراب النفس إلى الله وانفرادها به، كذلك الخلو من العلاقات الجسدية بين المتزوجين مقياس لحرية الإنسان من عبودية شهوات الجسد وتفرغه أكثر لعبادة الله وخدمته. ويمكن ترتيب درجات التبتل بين المتزوجين كالآتي:

الكهنة المتبتلون - المتزوجون المتبتلون - المترملون - الكهنة الذين يعيشون في طقس الزيجة - المتزوجون الأبرار - المتزوجون المتدينون - المتزوجون العاديون - المتعثرون - الساقطون

 

أ - الكهنة المتبتلون: وتتأسس بتوليتهم على وحدة الهدف المشترك الذي يجمع الكاهن وزوجته على التفرغ الكامل لخدمة المسيح. بحيث نجد حياتهما كليهما مكرسة للخدمة. وخدمتهما تحفظ بتوليتهما وتسندها. وبتوليتهما تسمو بروحانية خدمتهما وتنميها.

ب - المتزوجون المتبتلون: وهم الذين يكونون متفقين أصلًا فيما بينهم على أن يتزوجوا مع بقائهم في حالة البكورية. أما سبب زواجهم فهو لكي يتعاونوا معًا على سبل الحياة والمعيشة، مع الاستغناء عن العلاقة الجسدية ليس احتقارًا لها ولكن حبًا في البتولية. وهؤلاء لابد أن ينظم حياتهم قانون روحي وبرنامج للخدمات الروحية والاجتماعية يملأ وقت تبتلهم.

حـ - المترملون: هؤلاء الذين انتقلوا إلى حياة البتولية لأنه قد انقطعت علاقتهم بالحياة الجسدية كلية، وأصبحوا مهيئين لتكريس جسدهم وروحهم لله. وأصبح لا هدف لهم سوى الحياة لله، وخصوصًا إذا كانوا قد انتهوا من مسئولية تربية أبنائهم وبناتهم. وهؤلاء يمكن استثمار وقتهم في كثير من الأنشطة التي تحتاجها الخدمات الكنسية المتنوعة.

وأصحاب هذه الدرجات الثلاثة أ، ب، حـ من المتبتلين لا تنفعهم بتوليتهم إلا إذا طابقوا حياتهم عليها ليس بمعنى أنهم سيذهبون إلى الأديرة لكي يصيروا رهبانًا أو راهبات، ولكن بمعنى استغلال كل طاقتهم ووقتهم للحياة في الله ومعه وله. وكمثال يقدم لنا معلمنا بولس نموذج أصحاب الدرجة حـ وهم المترملون فيذكر صفات التي تحسب بالحقيقة أرملة فيقول "التي هي بالحقيقة أرملة ووحيدة فقد ألقت رجاءها على الله. وهى تواظب الطلبات والصلوات ليلًا ونهارًا. مشهودًا لها في أعمال صالحة. أن تكن قد ربت الأولاد، أضافت الغرباء، غسلت أرجل القديسين، ساعدت المتضايقين، اتبعت كل عمل صالح" (1تى5: 5-10) ويميز بينها وبين الأرملة المتنعمة - والأرملة التي تسير سيرة غير حسنة فيقول "وأما (الأرملة) المتنعمة فقد ماتت وهى حية. كذلك الأرامل اللاتي يتعلمن أن يكن بطالات يطفن في البيوت. ولسن بطالات فقط بل مهذارات أيضًا وفضوليات يتكلمن بما لا يجب. هؤلاء لهن دينونة" (1تى5: 5-10).

وهذه الصفات السلبية والإيجابية هي بعض ما يمكن أن يقيس أصحاب هذه الدرجات الثلاثة حياتهم عليها بحيث تحسب بتوليتهم لهم أو عليهم. بما يعني أن البتولية ليست غاية في حد ذاتها بل بما يحققه صاحبها من طهارة وعبادة وخدمة. يلي ذلك ثلاث درجات للمتزوجين الصالحين.

د - الكهنة الذين يعيشون في طقس الزيجة: هؤلاء يقدسون أكثر من نصف العام في الأصوام الكنسية، والباقي من العام تملؤه القداسات العامة الأسبوعية والشهرية في تذكارات الملاك والعذراء والبشارة وتذكارات كبار القديسين، والقداسات الخاصة لتذكارات الراقدين أو للشكر أو للرعاية أو للنجاة من ضيقة، وهذه كلها تستوجب استعدادهم الجسدي مع استعدادهم الروحي، أي أن تبتلهم يستغرق معظم أيام السنة.

هـ - المتزوجون الأبرار: هم المتزوجون الذين يعيشون حياتهم العادية في طقس الزيجة. ولكنهم يعيشون في مخافة الله ويدققون في حفظ طهارتهم ويهتمون بحفظ جميع الأصوام وأيام الآحاد والأعياد ويحيون في بساطة وقناعة وتعفف ويتحلون بالوداعة والاتضاع ويواظبون على عمل الخير.

و - المتزوجون المتدينون: وهم الذين يتمسكون بأوامر الدين، ولكن لا تزيد قامتهم في البتولية أكثر من حفظهم الصوم الكبير وصوم يونان ويومي الأربعاء والجمعة وبرامونيّ الميلاد والغطاس. ويعيشون حياتهم الجسدية العادية في حدود علاقاتهم الزيجية المشروعة.

هذه الرتب الثلاثة د، هـ، و يتدرج أصحابها تنازليًا في الكم الذي يتمتعون به من حياة التبتل. أما الرتب الثلاثة التالية ز، ح، ط فهي خالية تمامًا من رائحة البتولية، وأصحابها يتدرجون أيضًا تنازليًا في تدهور نصيبهم من حياة الطهارة.

ز - المتزوجون العاديون: وهم الذين يعيشون على هامش الدين، لا يعرفون ولا يحفظون أصوامًا ولا آحادًا، ويعيشون حياتهم الجسدية بطولها وعرضها، ولربما فضيلتهم المتبقية لهم من جهة القداسة هو حفظهم وصية "لا تزن".

ح - المتعثرون: وهؤلاء هم الذين يسقطون في خطايا النجاسة والدنس ثم يندمون ويرجعون، ثم يضعفون ويعودون فيسقطون ثم يندمون ثانية وبعد ذلك يسقطون وهكذا. هؤلاء محتاجون إلى وقفة جادة مع أنفسهم لكي يقدموا توبة صادقة ويساعدهم على ذلك رفع قلبهم إلى الله وطلب معونته ومساندته مع ابتعادهم عن أسباب الخطية. ومن المعزي أن بعض هؤلاء يأتون باكين معبرين عن ضعفهم لمقاومة الخطية. وبعض هذا البعض يطلبون من تلقاء أنفسهم قوانين تأديبية لخطاياهم لعل الله يرحمهم ولعلها تقودهم إلى التوبة.

ط - الساقطون: وهؤلاء هم المغلوبون من خطاياهم وغارقون فيها ومستعبدون لها، ولكن يوجد في أعماقهم شعور بالذنب وخوف من نار الأبدية، ولكنهم عاجزون عن الخروج من وحل الخطية، والله من أجل محبته لا يترك هذه النفوس التي وإن كانت ساقطة ولكنه ينظر إلى اشتياقات أعماقها، فيوفر لها بطريقته الخاصة فرصة قيامها من موت الخطية إما بوسيلة التأديب أو بغيرها.

وهذه الرتب الثلاثة الأخيرة أوردناها لكي يتضح أمام أصحابها مدى فقرهم الروحي وتعرضهم لفقدان حياتهم الأبدية. ولكن في نفس الوقت طريق الخلاص مفتوح أمامهم والرجاء مقدم للجميع في قبول الله لكل نفس تنصت لصوته في داخلها مهما بلغت درجة سقوطها أو خطئها.

أما الرتب الستة الأولى فهى سلم يتطلع الطامحون من أصحابها إلى الأفضل بصعودهم عليه من درجة أقل إلى درجة أعلا كلٌ حسب قامته وحسب نعمة الله المعطاة له.


الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع

https://st-takla.org/books/fr-salaib-hakim/sanctity-married/chastity-in-reality.html

تقصير الرابط:
tak.la/q2qq6s8