كثير من المتزوجين
يهتمون بالبحث عن السعادة قبل اهتمامهم باقتناء القداسة، غافلين عن أن القداسة
هي طريق السعادة الحقيقية
وليس العكس. فإن الحياة الزوجية
المقدسة تسبق بالضرورة الحياة الزوجية السعيدة. لذلك يجب الاهتمام بالقداسة
أولًا ثم السعادة بعد ذلك. لأن السعادة الحقيقية تنبع من القداسة وتعتبر ثمرة
لها. فهناك سعادة مزيفة
تنبني على الثراء المادي والإشباع الجسدي والإمتاع الترفيهي والتزود بأحدث
الكماليات وتوفير كل مظاهر الغنى وحب الظهور والافتخار، وهذه كلها تزيد
الزوجين تعلقًا بمباهج الحياة وتطلعًا إلى المزيد منها، وقلَّما يصلان فيها
إلى حد محدود من الشبع
بها. فقد يجريان وراء ملذات العالم وينتهيان من لذة لينتقلا إلى لذة أخرى حيث
أن كل لذة محدودة ومنتهية ومن ثم فسعادتها سراب
ووهم، وفيها يقع الزوجان فريسة للتوتر والقلق ويُؤسَرَان تحت
سلطان عبوديتها. وقد ينحرفان إلى الجشع والشراهة ويندفعان في تيارهما حتى
يترديا في هاوية الموت الروحي فيفقدان سلامهما
وحريتهما. بل قد تتبخر هذه كلها في لحظة لأنه كم من أغنياء
صاروا فقراء. وهذه سعادة خادعة مزيفة والدليل على ذلك أن أي
خلاف بسيط يحدث بين هذين الزوجين يمكنه أن يكدر حياتهما،
ويفقدهما كل شعور بلذة الحياة التي يستمتعان بها على المستوى المادي والجسدي
والدنيوي. أما الحياة الزوجية
المقدسة فمركزها الله مصدر البركة والسلام وغايتها السماء، كما
ذكرنا أيضًا هنا في
موقع الأنبا تكلا هيمانوت في مواضِع أخرى. لذلك
فهي تنبني على
القناعة والتعفف وسعى الواحد لإسعاد الآخر واحتماله والتضحية من أجله، وتوحيد
الفكر معه ومنحه عواطف
المحبة الحقيقية المخلصة، وتشجيعه على دوام شركته
الروحية مع الله وحفظ مخافته في قلبه. ومثل هذه الحياة يتمتع فيها الزوجان
بالسعادة الحقيقية المبنية على الشبع الروحي والنفسي، والتي فيها لا يجد عدو
الخير منفذًا للدخول منه إليهما. ومن ثم تحفظ طهارتهما وقداستهما كل أيام
حياتهما ويظلان في سعادة لا تفسدها الظروف المتغيرة وأحوال الحياة المتقلبة. وبالإجمال الحياة
المقدسة هي حياة في الله وبه، وبدونها
يفقد الإنسان سعادته، مثلما أنه بدون الله لا يجد راحته، فالله هو
الحقيقة الوحيدة التي ترتوي منها النفس دون انقطاع لأنها الحقيقة اللامتناهية،
وكلما عرفته النفس كلما ازدادت شوقًا إلى معرفة أعمق، وكلما نالت منه فهمًا
ازدادت قدرة على الفهم وكلما ازدادت قربًا
منه زادت طهرًا وقداسة، فتزيد سعادتها ويستقر سلامها وتستشعر حريتها انطلاقًا
من تمتعها بطهارتها وقداستها. ومن ثم كانت
القداسة ضرورة للزوجين اللذين ينشدان السعادة الحقيقية ويسعيان
إليها في الله. وإن كان أحد
التحديات الكبرى في هذا العصر هو التصدي للعثرات الكثيرة التي أصبحت قريبة جدًا
إلى السمع والبصر وأصبحت تلاحق الإنسان في كل مكان وعلى مدى نهاره وليله. فقد
أصبحت الحاجة ماسة جدًا إلى نعمة الله الساندة والمعينة والمشددة للعزيمة
والمقوية للإرادة في مقاومة هذه العثرات والحارسة من فخاخ
إبليس. وليس سوى
الصلاة الحارة من القلب التي تستمطر نعمة الله من علياء سمائه للمعونة. فلنقتن حياة
الصلاة
ولنحرص على أن نسلك أمام الله بمخافته لكي نقتني طهارتنا وتدوم قداستنا.
← في نهاية الكتاب
يوجد: استدراك يخص كتابنا الأول عن القداسة، آثرنا وضعه مع الكتاب الأول هنا في
موقع الأنبا تكلاهيمانوت لاستكمال الفائدة، وليس هنا..
القداسة وبعدها
السعادة وليس العكس:
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/fr-salaib-hakim/sanctity-married/epilogue.html
تقصير الرابط:
tak.la/dcd8z43