St-Takla.org  >   books  >   fr-salaib-hakim  >   sanctity-chaste
 

مكتبة الكتب المسيحية | كتب قبطية | المكتبة القبطية الأرثوذكسية

كتاب القداسة في المسيحية بين المتبتلين - القمص صليب حكيم

9- الفصل الأول: الحياة بالروح

محتويات: (إظهار/إخفاء)

أ - الصلاة
ب - قراءة الكتب الروحية
ج - قراءة وسماع سير القديسين
د - الاستماع باستمتاع للتراتيل والألحان والقداسات
و - مزاولة الترتيل والتسبيح بأفواهنا باستمرار
ز - الاختلاء مع النفس
ح - علاج الفتور الروحي قبل أن يطول أمده

أمام الإنسان طريقان للحياة. إما أن يحيا حسب الجسد أي يحيا حياة جسدية، فيها ينصبُّ كل اهتمامه على جسده فيطعمه ويغذيه ويمتعه. أما روحه فكأنها غير موجودة وساقطة من حسابه كلية ولا ذكر لها إطلاقًا. لذلك تحسب فيه كأنها ميتة. كما يقول معلمنا بولس "إن عشتم حسب الجسد فستموتون" (رو8: 13). أي تموتون روحيًا. وكيف لا تموت هذه الروح وهى لا تجد طعامًا واحدًا روحيًا يُقيتها!

وإما أن يحيا الإنسان حسب الروح أي حياة روحية فيها يعطى اهتمامه لروحه ويقدم لها الأغذية اللازمة لتحيا وتقوى وتنمو وتمتلئ صحة وتسود على الجسد وتحكمه وتكسر شوكته وسطوته وتميت جموح ميوله وثورات شهواته.

هناك طريق ثالث متأرجح بين حياة الروح وحياة الجسد وهو حياة الفتور التي يرفضها الروح القدس في قوله لملاك كنيسة اللاودكيين "ليتك كنت باردًا أو حارًا هكذا لأنك فاتر.. أنا مزمع أن أتقيأك من فمي" (رؤ3: 16). وهى حالة هزال روحي. والروح الهزيلة تكثر أمراضها الروحية.

واضح إذًا أن سبيلنا إلى حياة الطهارة وبلوغ القداسة هو حياة
الروح. وليس حياة الروح فقط بل حياة الروح القوية الممتلئة. لأنه كلما قويت الروح كلما ذبلت شهوة الجسد واضمحلت سطوته وتمتع الإنسان بالحرية الحقيقية البعيدة عن عبوديته.

وكما يقوى الجسد ويصح بالأطعمة المغذية والمقويات، هكذا الروح أيضا تنمو وتقوى بمقدار ما نقدم لها من أغذية روحية. وهذه الأغذية نطلق عليها عادة وسائط النعمة. لأنه بها يتمتع الإنسان بنعمة السلام الحقيقي الكامنة في حياة الطهارة والقداسة.

ووسائط النعمة في حياتنا الروحية لبلوغ حياة القداسة قد رسمتها لنا تقاليدنا الكنسية ووصايا إنجيلنا وذلك في:

St-Takla.org                     Divider of Saint TaklaHaymanot's website فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

أ - الصلاة:

فالصلاة الحارة تطفئ شهوات الجسد. والصلاة بالروح والذهن تعطى اعتدالًا وحكمة للإنسان في ضبط ميوله. لذلك أوصانا المسيح أن "نصلِّى في كل حين ولا نمل" (لو18: 1) وأن نسهر ونصلى لكي ننجو من تجارب إبليس (1بط4: 7، 5: 8) ورتبت لنا الكنيسة صلوات السواعي موزعة على ساعات اليوم كله نهارًا وليلًا لكي نظل في نقاوة القلب وطهارة النفس طول اليوم كل أيام حياتنا.

St-Takla.org Image: Ethiopian icon of Jesus and an Angel, from St. Taklahimanot Ethiopian Church, Addis Ababa, from Saint Takla's site's Ethiopia 2008 journey photos صورة في موقع الأنبا تكلا: صورة السيد المسيح مع ملاك، أيقونة حبشية من كنيسة الأنبا تكلا هيمانوت الإثيوبية، أديس أبابا، من صور زيارة موقع القديس تكلاهيمانوت للحبشة 2008

وفاعلية هذه الصلوات في تقديسنا هي في ارتباطها بآلام المسيح، لأنها مرتبة على ساعات الصليب سر تقديسنا وتطهيرنا. ففي الساعة الثالثة صدر الحكم بالموت على المسيح وهو حكم بموت إنساننا الجسدي إنسان الخطية لكي نحيا بالروح. لذلك نصلى فيها "انقلنا إلى سيرة روحانية لكي نسعى بالروح ولا نتمم شهوة الجسد". وفى الساعة السادسة سُمِّرَ المسيح على عود الصليب وهو تسمير لجسد الخطية فينا وصلبٌ لشهواتنا لذلك نصلى فيها "اقتل أوجاعنا بآلامك المشفية المحيية. وبالمسامير التي سمرت بها أنقذ عقولنا من طياشة الأعمال الهيولية (الجسدية) والشهوات العالمية". وفى الساعة التاسعة ذاق المسيح الموت على الصليب وهو تتميم لموت إنساننا الخاطئ لذلك نصلى فيها "أمت حواسنا الجسمانية أيها المسيح إلهنا". ومن خلال هذه الصلوات نعيش يوميًا فكر آلام المسيح وغاية هذه الآلام من أجلنا. لكي تموت فينا حواس الخطية وتتقدس أفكارنا وأجسادنا. والذين يمارسون هذه الصلوات بفهم يختبرون قوتها في حفظ طهارتهم.

St-Takla.org                     Divider of Saint TaklaHaymanot's website فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

ب - قراءة الكتب الروحية:

والاستماع للعظات باشتياقٍ للمعرفة، ورغبة في استخدام ما تتم معرفته في إصلاح الضعفات وعلاج الأمراض الروحية ونمو الروح الداخلى وتغيير السلوكيات غير السوية. والقراءة أقوى من الاستماع في تثبيت المعرفة حسب القاعدة القائلة "أَثْبَتُ المعارف ما حصله الإنسان بنفسه" وكما يقول معلمنا بولس لتلميذه تيموثاوس "اعكف على القراءة والوعظ والتعليم" (1تى4: 13) والقراءة النافعة هي المصحوبة بالتأمل. وتعتبر القراءة من المصادر الغنية لاستقاء المعرفة، والمعرفة تبنى العقل وتمنح القدرة على التمييز بين الصحيح والفاسد خصوصًا إذا كانت مصادر القراءة موثوقًا بها. وتحصن الإنسان ضد البدع والضلالات والأفكار الهدامة والمنحرفة وتمنع في كثير من الأحيان من الوقوع في زلات يسببها الجهل ونقص المعرفة. والقراءات الروحية تجعل الفكر روحيا والفكر الروحي يقدس الجسد تماما كما أن القراءات الرديئة تدنس الجسد. وبذلك فالقراءة الهادفة حصن للقداسة والطهارة كما هي لكل فضيلة أخرى.

St-Takla.org                     Divider of Saint TaklaHaymanot's website فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

ج - قراءة وسماع سير القديسين:

تعتبر من أقوى المشجعات على حياة الطهارة ومحبة البتولية واشتهاء دربها، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في مواضِع أخرى. خصوصًا عندما تُزْرَعُ بذورها منذ الطفولة بالأسلوب المشوِّق والمملوء روحانية وعشق من المتكلم أو الكاتب لحياة البتولية ثم عندما يشتد عود الفتى وتبدأ نزعة المغامرة في الظهور في حياته تُعطَى له سير الأطهار بتقديم نماذجهم في صورة بطولات نادرة وإبرازها كأقوى بطولات في الوجود لأنها انتصار الروح على الجسد. وقوة الروح أقوى من قوة السيف. وبها يتحدى الإنسان العالم كله. حتى إن قيل له العالم كله ضدك فيقول وبقوة الروح القدس أنا ضد العالم. ويوصينا معلمنا بولس باقتفاء أثر آبائنا القديسين وتأملنا في حياتهم لكي نقتدي بإيمانهم في قوله "اذكروا مرشديكم الذين كلموكم بكلمة الله. انظروا إلى نهاية سيرتهم فتمثلوا بإيمانهم" (عب13: 7). ومصادر سير القديسين لدينا كثيرة. منها بستان الرهبان والسنكسار وكتاب تاريخ البطاركة وتاريخ الكنيسة للقمص منسى يوحنا ومطبوعات جمعية مارمينا العجايبي بالإسكندرية ومجموعة تاريخ الكنيسة للأستاذة إيريس حبيب المصري ومجموعة تاريخ الكنيسة للأستاذ زكى شنودة المحامى والموسوعة القبطية للأستاذ الدكتور عزيز سوريال عطية وقاموس الآباء القديسين للقمص تادرس يعقوب ومجموعة الشماس يوسف حبيب ومجموعة الشماس ساجي عزيز سليمان وفردوس الأطهار للقمص أنسطاسي الصموئيلي ومجموعة دير مارمينا بمريوط وكذلك مخطوطات الأديرة التي تحوى سير قديسين لم تظهر بعد إلى النور وغيرها من سير قديسين لمؤلفين آخرين.

St-Takla.org                     Divider of Saint TaklaHaymanot's website فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

د - الاستماع باستمتاع للتراتيل والألحان والقداسات:

بالأصوات المحببة إلى النفس. مع تتبع المعاني العميقة روحيًا ولاهوتيًا لكلماتها. مع نسيان كل ما يدور حول الإنسان. له تأثير قوى على راحة واسترخاء الجهاز العصبي ويزيل التوتر العصبي والنفسي، ويملأ النفس تعزية وهدوءًا وسلامًا. وقد يثير في النفس انفعالًا وهيامًا بالأحداث والشخصيات والمعاني الروحية التي يدور حولها هذا اللحن أو ذاك. والثمرة صفاء ونقاء للنفس، وخلاص من كل انفعالات وميول الجسد وشهواته. فالإنصات للموسيقى الروحية والألحان والتراتيل له تأثير عميق في إخماد ثورات الجسد وشهواته.

St-Takla.org                     Divider of Saint TaklaHaymanot's website فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

و - مزاولة الترتيل والتسبيح بأفواهنا باستمرار:

أي ترديدنا نحن للترانيم والمدائح والألحان وبعض صلوات القداس والتسبحة اليومية هي من الأدوية النافعة لعلاج الأفكار والشهوات الجسدية.

فعندما يرتل الإنسان ويُسَبِّح ينتعش روحيًا وترتفع أحاسيسه ومشاعره. وقد يهيم شدوًا وترنمًا إذ تتناغم أحاسيسه مع الإيقاع الموسيقى للترتيل والتسبيح ويمضى مستغرقًا في هذا الهيام. ولا يهدأ صوته إلا لكي يختم ترتيلةً أو لحنًا ويستأنف ليستكمل ترتيلَهُ وتسبيحَهُ في ترتيلةٍ جديدةٍ أو لحنٍ جديدٍ. ومع هذا الانتشاء من الهيام الروحي لا مجال إطلاقًا لفكر شرير أو شهوة جسدية حيث لا تصفو المشاعر فقط بل تسمو وتتقدس.

وعادة ينطلق اللسان بالتسبيح والترتيل في حالة الفرح الروحي. والفرح الروحي هو بالتوبة ونوال الغفران والتناول من ذبيحة المسيح والنجاة من التجارب ومن فخاخ إبليس. ولكن ما أبهج أن يتعود الإنسان على مزاولة الترتيل والتسبيح في كل الأوقات خصوصًا أن كنيستنا غنية بالتراتيل والألحان لكل مناسبات وظروف حياتنا سواء في الفرح أو الحزن وفى الضيق أو الفرج.

والترتيل في حد ذاته هو صلاة شجية النغم ومملوء طلبات وتضرعات وتماجيد وتشكرات ومفعم بالمواعيد والحقائق الإيمانية.

لذلك من يرتل بروح الصلاة يتمتع بكل هذا الملء. بالإضافة إلى تمتعه بشركة الملائكة وخدمتهم كما يقول القديس باسيليوس الكبير "عندما نرتل تأتى الملائكة وتخدمنا". فأي طهارة وأي قداسة في هذا الجو الروحاني الملائكي!

St-Takla.org                     Divider of Saint TaklaHaymanot's website فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

ز - الاختلاء مع النفس:

في بيوتنا أو في كنائسنا أو في بيوت الخلوة الروحية بالأديرة أو في ركن في حديقة هادئة أو في مكان منعزل على شاطئ البحر لقضاء فترة من التأمل الروحي الذي له موضوعات كثيرة. منها التأمل في محبة الله وعطاياه الروحية السماوية التي لا تُقدَّر بشيء مما في العالم. وفى الدينونة وافتضاح الخطايا التي لم تتم التوبة عنها بعد. وفى شناعة الخطية من جهة عصياننا فيها لوصايا الله المحب. وفى إفساد الخطية لصورة الله فينا التي تقدست بروحه القدوس. وفى إساءتها لشكلنا أمام الملائكة وسكان السماء وفى فرح وشماتة الشياطين في سقوطنا فيها "الذين يحزنونني يتهللون إن أنا زللت" (مز12: 4). وفى حرمان الخطية لنا من تمتعنا بميراثنا وأمجاد حياتنا الأبدية المعدة لنا من قبل تأسيس العالم. ثم صحبتنا لإبليس وجنوده في النار الأبدية. والتفكر في سرعة عبور سنى عمرنا دون بلوغ نقاوة القلب وقداسة الفكر والجسد. وكيفية معالجة التهاون في التيقظ للاهتمام بأبديتنا قبل مباغتة الموت لنا وانقضاء حياتنا من على الأرض. والتأمل في سير القديسين الذين ضربوا أروع الأمثلة في حياة الطهارة وقهر الجسد والانتصار على حيل إبليس. وغير هذا من موضوعات التأمل الروحي. وكلها لها تأثيرها القوى في توبتنا واقتنائنا للطهارة والقداسة.

St-Takla.org                     Divider of Saint TaklaHaymanot's website فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

ح - علاج الفتور الروحي قبل أن يطول أمده:

لأنه كلما طالت فترته كلما زادت حروب الجسد والأفكار، وزاد الكسل والتهاون والتأجيل لاستئناف نشاط الإنسان الروحي. مما يؤثر سلبيًا على طهارة الإنسان وقداسته.

ومن الوسائل السريعة لعلاج الفتور الروحي حضور الاجتماعات الروحية التي يتميز المتكلمون فيها بحرارة الروح وعمق الكلمة. وحضور اجتماعات الصلاة مع أناس محبين للصلاة ولديهم طلاقة في التأمل في أعمال محبة الله ولجج عطايا محبته للبشر، ومملوءين غيرة على خلاص كل نفس والاهتمام بذكرها والطلب من أجلها أمام الله. ولديهم شعور بالألم من أجل الضالين والمرتدين وغير التائبين والمحصورين في التجارب والضيقات والإحساس بالحاجة للتضرع من أجلهم. وكذلك مرافقة ومجالسة الروحانيين والحارين في الروح فإنهم يلهبون العاطفة الروحية ويرتفعون بأفكار الإنسان وميوله إلى الأمور الروحية والسماوية، فيتقدس الإنسان روحًا ونفسًا وجسدًا.

كذلك الصلاة الدائمة بترديد المزامير الصغيرة أو الطلبات القصيرة. لأنها حضور دائم لله في حياة الإنسان أو هي وجود دائم للإنسان في حضرة الله. وهذا الوجود الدائم يضيع الفرصة على تسلل أي فكر غير سوى. ثم إنه يوثق علاقة الإنسان بالله، وينمى المحبة في داخله نحوه ويملؤه بمخافته. وإذا اجتمعت محبة الله مع مخافته هربت كل أفكار وميول الخطية.


الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع

https://st-takla.org/books/fr-salaib-hakim/sanctity-chaste/soul.html

تقصير الرابط:
tak.la/7jy9cdx