قد يتساءل المرء: هل هناك من خسارة أو ضرر على المسيحي في مصاهرته للغرباء عن
إيمانه وعقيدته؟ هذا التساؤل نحن نضعه لأنه يتعرض له أبناؤنا ضعاف الإيمان
الذين يعجبون بأحد المخالفين لهم في الإيمان إعجابًا قد يكون بسبب حسن الشكل أو
نبل الأخلاق أو حسن الطباع أو جمال الذوق أو رقة المعاملة، أو بعض المميزات
الأخرى كالمركز الاجتماعي الكبير أو الغنى أو غيرهما. ثم يتعدون إلى ما هو أخطر،
ألا وهو التفكير والتساؤل فيما بينهم وبين أنفسهم في "ما المانع من الزواج من
هذا الغريب عن الإيمان"؟ وهم قد لا يعرفون الإجابة الكاملة على هذا السؤال، أو قد
يعرفون جزءًا من الإجابة في حدود معرفتهم الشخصية وخبرتهم المحدودة، ولكن أيًا
كانت معرفتهم يجب أن يعوا أولًا أنه توجد فعلًا موانع
كثيرة وجوهرية لهذا الزواج، ولكن قبل توضيح هذه الموانع لهم يجب
أن يعرفوا قبل كل شيء أنه ما كان يجب أن يصلوا في علاقتهم مع الغير إلى هذا
المستوى السلوكي الذي يضعون به أنفسهم في هذا الموقف
من التساؤل. فهم يسمحون لأنفسهم بعلاقات قد تبدو في نظرهم
في بداية الأمر وكأنها علاقات عادية، ثم يتركونها تنمو وتزداد حتى تتحول معهم
إلى علاقات شخصية عاطفية فلا يجدون من ثم مخرجًا لها
في نظرهم سوى التفكير في الزواج الذي يجعلهم في مواجهة ذلك التساؤل عينه. وهم في كل هذا في غفلة من حيل
الشيطان الذي يقف بالمرصاد
لإيقاعهم في الخطأ خصوصًا في مثل هذه الحالات التي يساعد فيها هو على نمو
أحداثها، ولكنه بمكر يقف من بعيد يرقب عن كثب تطورها فما أن يراهم قد وصلوا
إلى هذا الحد من التفكير وبدأ عندهم هذا النوع من التساؤل حتى يجدها فرصة سانحة
لتقديم كل المبررات والإقناعات لعقولهم لتتميم هذا الزواج.
تمهيد
المبررات التي
يقدمها الشيطان:
من هذه المبررات والإقناعات أنه قد يصور للواحد منهم أن
الفارق الديني بين طرفين معجبين ببعضهما لا يصح أن يكون حاجزًا يعطل سعادتهما
التي ستبنى على هذا الزواج، وقد يوهمهم أنه يمكن التغلب على هذا الحاجز أو حتى
تجاهله، وهو يأتي لهم بهذا الإيهام إذا ما لاحظ عندهم ضغط الفكر أو تنويه
الضمير بعدم سلامة هذا الزواج.
كما قد يصور لهم أنه ليس هناك ما يمنع من أن يحقق الإنسان لذاته الأرضية وشهواته الجسدية ويضع جانبًا إيمانه وعقيدته، طالما أن تحقيق هذه اللذات والشهوات يوفر له الآن الرضى النفسي ويشبع حاجاته الفطرية الطبيعية. وأنه لا مانع من أن يشتري الإنسان رضاء ومحبة الغريب الذي اندمج معه وتعلق به بدلًا من كسب رضاء الله ومحبته، طالما أن التلامس العاطفي الحسي يحياه في واقعه المنظور والملموس، أما محبة الله وكسب رضاه فهى أمور بعيدة عنه الآن ولا تبدو إلا مجرَّد تصورات أو أوهام أو أنه يجب أن تكون هكذا لأن التفكير فيها الآن قد يخلق عائقًا يحول دون تحقيق أهوائه ورغباته الشخصية التي تتسلط عليه.
وقد يصور الشيطان للإنسان أيضًا أنه يمكن أن يحقق مآربه الوقتية آنئذ حتى لو كانت خاطئة ثم يُرضي الله بعد ذلك سواء بالتأسف له أو بإظهار الندم أمامه أو بوعده بالحياة معه والتعهد بعدم تركه فيما بعد، وبذلك يستمر ذلك الإنسان مُنساقًا -طبعًا بخداع عدو الخير- في ذات الطريق المنحرف لتتميم مآربه بل قد يصبح غارقًا فيها.
وقد يلجأ الشيطان لإقناع الإنسان بأن التوافق النفسي الدموي بين طرفين والانسجام العاطفي والتواؤم الأخلاقي بينهما كعوامل مساعدة للزواج الموفق، يمكن أن يكتفي بها دون اعتبار للإيمان أو للغاية الروحية الإلهية من الزواج القائم على الإيمان الواحد بالمسيح لدى الزوجين معًا.
وبطبيعة الحال ماذا يهم الشيطان من تلك الغاية الروحية!
إنه يريد أبناءًا له وليس لله ويريد رفقاءًا له يشاركونه نصيبًا في النار الأبدية وليس لإرث الملكوت السماوي الذي فقد نصيبه هو منه بسقوطه من السماء لذلك فهو يطمس بصر وبصيرة الإنسان عن تلك الاعتبارات الروحية.
وأخيرًا قد يصور له أن كل تلك الاعتبارات يمكن تخطيها طالما أن الأمور الجسدانية العاطفية النفسية تحقق الغاية القريبة له والتي سيجني ثمرتها في هذا العالم، وأما الغاية الروحية فهي تتعلَّق بالحياة الأبدية، وأين هو من الحياة الأبدية، أو أين الأبدية منه الآن!!
ولا شك أن قبول هذه المبررات جميعها والانصياع لها يتسم بالتضحية بالإيمان بالمسيح وبالمواعيد الإلهية المعطاة فيه، ومن أجل نزوة زواج متهورة، يزين الشيطان صورتها حتى تجد توافقًا فكريًا وتعاطفًا قلبيًا عند الشخص الضعيف النفس الذي لا يتمسك بمبدأ، ويحيا واضعًا شهواته فوق عقله ورغباته فوق كرامته، ومحبة نفسه فوق محبة الله.
ومع ما تتضمنه هذه المبررات من اتجاهات خاطئة، ومع ما يتضمنه من قبولها من ميول طائشة، ومغالطات في معنى الإيمان باللَّه والحياة معه، وعدم تفطن إلى حدود التوبة يشير الانخداع بها أيضًا إلى الجهل تمامًا بحدود علاقة المصاهرة وعلاقة الزواج وهدفها الروحي والقواعد الشرعية والمدنية الضابطة لها والمضار المترتبة على الانحراف بها.
لذلك كان من الضروري أن يقف أبناؤنا على ما يبصرهم بهذه الأمور.
والكنيسة الكبيرة هي ملكوت المسيح على الأرض، وهى شبه السماء، لأنها تتكون من مجموع المؤمنين القديسين، كما يخاطب معلمنا بولس أهل أفسس بقوله "إلى القديسين الذين في أفسس والمؤمنين في المسيح يسوع" (أف1: 1).
والأسرة كجماعة مؤمنين يسميها الكتاب المقدس كنيسة كما يقول معلمنا بولس لفليمون "إلى الكنيسة التي في بيتك" (فل2)، أنظر أيضًا (رو16: 5، كو4: 15).
والأسرة كنيسة لأن الكنيسة والأسرة سر تكوينهما واحد فمعلمنا بولس يصف سر تكوين الأُسرة أي سر الزواج قارنًا إياه بسر تكوين الكنيسة بقوله "هذا السر عظيم ولكني أقول من نحو المسيح والكنيسة" (أف5: 32) أي أن السريْن متشابهان تمامًا.
فسر تكوين الكنيسة هو الروح القدس الذي حل في يوم الخمسين على الرسل فربطهم بشخص المسيح وبصليبه وقيامته وأقواله، وعمل في كرازتهم لربط المؤمنين (أي الكنيسة) بالمسيح، ولازال يعمل في الكنيسة وفي بقائها ووحدة الإيمان فيها. والروح القدس أيضًا هو نفسه سر تكوين الأسرة بعمله في سر الإكليل وفي أفراد الأسرة وفي حياتهم المشتركة وفي بقاء الرابطة والوحدة القلبية بينهم كعلامة لوحدتهم الأبدية مع الله.
والكنيسة رأسها المسيح (أف5: 23). كما أن الأسرة رأسها المسيح أيضًا، لأن الرجل رأس المرأة (أف5: 23) والمسيح رأس كل رجل (1كو11: 3) فيكون المسيح هو رأس كل أسرة.
وكما أن الكنيسة أعضاء كثيرون في جسد واحد هو جسد المسيح، ومواهب متنوعة في روح واحد هو روح الله القدوس (1كو12)، كذلك أيضًا الأسرة أفراد كثيرون كل حسب عمله ولكن تجمعهم حياة إيمانية واحدة وهى حياتهم بالمسيح، ويعمل في محبتهم وخدمتهم بعضهم لبعض الروح القدس الذي يؤلف قلوبهم مثل قيثارة فيكونون لحنًا موسيقيًا عذبًا وتفوح منهم رائحة المحبة كالطيب الكهنوتي الزكي، ويشيع بينهم السلام كندى مرطب للقلوب مثل ندى الجبال المقدسة (انظر مز 133).
والكنيسة تجتمع في صلاتها الجمهورية حول المذبح المقدس حيث يسوع الذبيحة الناطقة السمائية كما رآه يوحنا في وسط العرش في السماء (رؤ5: 6)، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في مواضِع أخرى. والأسرة كلها تجتمع في بيتها في عبادتها العائلية حول يسوع رأسها لتقدم له ذبيحة التسبيح والتأملات الروحية، هذه العبادة التي تؤهل أفرادها لشركة الذبيح الحقيقي على المذبح الكنسي المقدس.
وهكذا نرى الأسرة تعد أفرادها لشركة حياة الكنيسة لأن الأسرة مثال الكنيسة، ونرى الكنيسة تعد أفرادها لشركة حياة السماء لأن الكنيسة شبه السماء.
هذه هي الأُسرة التي كل مَن يسعى لتكوينها لابد أن يكون هدفه السماء، ولا سماء بدون المسيح لأن المسيح هو طريقنا إليها، فهو الطريق وهو الحق وهو الحياة. ولا حياة في المسيح ولا تأهيل للحياة الأبدية إلا بالروح القدس.
لذلك فالأسرة المبنية على المسيح وعلى عمل الروح القدس في أفرادها، تكون وحدة بنائية في جسم الكنيسة أي جسد المسيح، والكنيسة كجسد المسيح ممتدة عبر الزمن وممتدة من الأرض للسماء بامتداد عمل المسيح نفسه غير المتجزئ وغير المحدود.
ومجموعة الأسر التي تُكون الكنيسة على الأرض هي الخميرة وهى حبة الخردل.. التي يكون نسلها حسب الوعد الإلهي مباركًا، ويصير مثل نجوم السماء ورمل البحر.
وبذلك تكون هذه الأسر عينها هي المصدر والمنبع الفياض بسر فاعلية الروح القدس فيها، الذي يزود السماء بالأعضاء الجدد في الكنيسة المنتصرة.
إذًا تكوين الأسرة أو الزواج لم يشرعه الله لكي يشبع غريزة الجسد، إنما وضع غريزة الجسد أصلًا لقيام الزواج لأجل تكوين نسل مقدس، كما قيل لأبينا إبراهيم أب جميع المؤمنين "بإسحق (ابن الموعد) يدعى لك نسل. وفي نسلك تتبارك جميع قبائل الأرض" (تك21: 22، 28: 14).
فالله ليست غايته أن يطلب نسلًا جسديًا من أي زواج كان، يعيش للعالم الأرضي، ثم يرجع إلى التراب وينزل إلى الهاوية، لكنه يطلب نسلًا روحيًا من زواج مقدس، يحيا للوطن السماوي ويعد نفسه في الأرض بسيرة شبه ملائكية من أجل حياة السماء حيث سنكون هناك كملائكة الله ونتمتع بالنعيم الدائم والسعادة الأبدية مع الله وملائكته.
والله يطلب كذلك نسلًا للبنوة الإلهية لأنه أعطانا أن نكون أبناءه كما يقول "انظروا أية محبة أعطانا الآب حتى نُدعى أولاد الله" (1يو3: 1). وبالتالي يريدنا إخوة للمسيح لأن المسيح نفسه "لا يستحي أن يدعونا إخوة" (عب2: 11) وإن كنا إخوة للمسيح فنحن أولاد الله "وإن كنا أولادًا فنحن ورثة أيضًا، ورثة الله ووارثون مع المسيح" (رو8: 17). فأي مجد لنا كأولاد الله وإخوة للمسيح!!
إذًا هناك أغراض إلهية روحية سماوية للزواج، ومن يتزوج بأحد الغرباء يبعد كلية عن كل تلك الأغراض التي أرادها الله من الزواج بين ذوي الإيمان الواحد بالمسيح لأن من يتزوج بالغرباء يفقد أساسًا حياته مع المسيح لأنه يرتبط بهم ارتباطًا كاملًا، ليس بهم فقط ولكن بعائلاتهم وبديانتهم ويندمج معهم في وسطهم ويقطع نفسه من عائلته ومن وسطه الروحي ومن كنيسته، وكأنه انتقل إلى حياة أخرى في مجتمع آخر ثم إلى مصير آخر.
وهذا يوضح التأثير القوي الذي يحدثه الزواج من الغرباء في علاقات الإنسان الاجتماعية ومن ثم في حياته الإيمانية والدينية.
بالإضافة إلى أن تلك العلاقات الاجتماعية المختلفة يحياها الفرد بحريته الخاصة مع بقية أفراد المجتمع على اختلاف مشاربهم في الجنس والدين واللغة واللون وإلى غيرها من بقية الفوارق بين الناس.
أما علاقة المصاهرة أو الزواج فلها شروطها ولها قوانينها ولها نتائجها المترتبة عليها في حياة الفرد، ومن ثم لها التزاماتها وحدودها، وخصوصًا في المسيحية لها طابع الديمومة والارتباط المستمر، إذ لا تخضع للتبديل والتغيير طبقا لظروف الشخص وأحواله لأن رباطها رباط إلهي (مت19: 6) ولا تحل إلا بالموت (1كو7: 39) بالإضافة إلى مالها في كل المجتمعات وفي كل الديانات من أعراف وتقاليد جرت عليها عبر القرون.
كل هذه الضوابط التي تحد علاقة المصاهرة أو الزواج سواء في المسيحية أو خارجها جعلتها من أكثر العلاقات الاجتماعية تأثيرًا في حياة المجتمعات وفي حياة الفرد ذاته.
ومن ثم كان خروج الفرد عن هذه الضوابط يعتبر أمرًا شاذًا ويقلب أوضاع حياته ويضُّر به وبأسرته وبالمجتمع أيضًا، وذلك من ناحيتين أساسيتين:
وخروج المسيحي عن هذا القانون في زواجه يعرضه إلى مضار تغيير ديانته، لأن المسيحي شابًا كان أو فتاة.. إذا تزوج بطرف غريب عن الإيمان فإنه مضطر في نهاية الأمر إلى أن يتخلى عن إيمانه وعقيدته، كما أن أولاده ونسله يصبحون بالتالي تابعين له.
فالسائد في مجتمعنا أن المسيحي الذي يتزوج بطرف غير مسيحي لابد له أن يعتنق عقيدة ذلك الطرف، كما أن أولاده وبناته يتبعون عقيدة ذلك الطرف عينه ولو بعد حين لأن ظروف الحياة ستقوده حتما فيما بعد هو ومن أنجبهم إلى هذا التغيير.
لذلك ليس من الصعب على الإنسان أن يدرك لماذا يرحب المجتمع بمصاهرته ولا يمانع في ذلك بل يشجعه. وأقرب دليل على هذا التشجيع ما تردده بعض الصحف بين حين وآخر من قصص زواج مسيحية بغير مسيحي مثل الذي ورد في جريدة الأهرام. وقد علَّق عليه الدكتور ألفونس ميخائيل سعد -رشيد- بحيرة فكتب يقول "عندما قرأت الصفحة الثالثة من جريدة الأهرام التي أعتز بها كل الاعتزاز - السبت 21 مايو 2005 تحت عنوان (إيزادورا تعود من جديد) صرخت صرخة أسى لما صارت عليه الصحيفة التي كنت أعتز بها - فماذا يريد الكاتب من عرض هذه القصة وإخراجها بهذه الطريقة؟! وماذا يستفيد القارئ من هروب فتاة مسيحية وزواجها من مسلم بعيدًا عن ما أوصى به الدين والعرف والتقاليد؟! ولماذا حاول أن يقنعنا أن الحب المثالي والأوحد هو زواج المسلم من المسيحية؟! إنني لا أريد من الكاتب إجابة ولكن أريد أن يعرف جيدًا أن الحب الذي نعرفه ونؤمن به لا مجال فيه لعبث المرأة وخداع الرجل.. أدعو الكاتب إلى زرع الحب أولًا في روضة الأطفال، في المدارس، في النوادي، في الجامعات، في الشارع، في المصالح الحكومية.. ليلتقي المسيحي والمسلم معًا في الأفراح والأحزان في كل زمان ومكان لكن ليس بالطريقة التي يريدها. فلكم دينكم ولي ديني. لكم إيمانكم ولي إيماني" (جريدة وطني 12/6/2005 ص12).
إذًا يمكن أن نستنتج أن المجتمع يرحب بمصاهرة المسيحي:
أولًا: لكسب المسيحي الذي سيتحول عن دينه.
وثانيًا: لإرضاء المسيحي الراغب في مثل هذه المصاهرة.
فمن الضروري لكل شاب وفتاة أن يفطن إلى أن ترحيب العالم بأمر زواجه منه ليس في الدرجة الأولى لإرضاء رغبته المندفعة الطائشة لذلك الزواج، بل لغاية أبعد وأهم ألا وهى تغيير إيمانه، وخصوصًا أن تغيير الإيمان هنا ليس نتيجة أي عامل من خارج الشخص بل بإرادة المسيحي نفسه بسبب رغبته في الزواج.
ويتبع هذا التغيير بالضرورة تتميم الإجراءات الإدارية المتعلقة به عند زواجه من الطرف غير المسيحي. وهذه الإجراءات لازمة لجدية الموضوع ولتقييد الشخص بالتغيير الذي تم خصوصًا من جهة الانتماء للعقيدة، أما الارتباط بالزواج فيمكن فكه بعد ذلك لأن الشرائع غير المسيحية تسمح بهذا الفك.
ومعنى ذلك أن المسيحي الذي يندفع إلى تغيير إيمانه بغرض الزواج من الغرباء فإنه يصبح من المتعذر عليه أن يرتد عن هذا التغيير العقيدي، أما الزوجة التي ارتبط بها فيمكن أن يرتد عنها.
ولذلك يصبح من الواضح أن العالم يقبله لا من أجل زواجه منه بل من أجل تغيير إيمانه.
ولعل أصحاب أي دين لا يخطئون عندما يضمون إنسانًا إلى عقيدتهم طالما هذا ليس بالقسر أو بالإجبار، خصوصًا وأنهم يعتبرونه أمرًا مُرضيًا لله. فكل أصحاب دين يعتبرون الخير في دينهم. والعيب هنا ليس على من كسب شخصًا إلى دينه بل على من ترك دينه بسبب زواج فانٍ.
لذلك نحن نسأل أبناءنا الواهمين في تصوراتهم في حالة ما إذا قبل أحدهم زواجًا على شريعة غير شريعته، وقبل إثبات هذه الشريعة وما يتعلق بها من بيانات في أوراقه الخاصة
بهذا الزواج، كيف يستطيع أن يدَّعي أو يتوهم بعد ذلك أنه باقٍ على عقيدته. هل يستطيع أن يمارس أسرار الكنيسة ووسائط النعمة الأخرى؟إنه قد يعتقد أنه مسيحي في قلبه أو قد يقول إنه لم يترك المسيح وأنه لازال مسيحيًا، ولكن هيهات أن يوفق بين أن يكون مسيحيًا في الباطن بينه وبين نفسه كما يدعي وغير مسيحي في الظاهر أمام الناس، هذا الظاهر الذي يؤكده سلوكه المنظور أمام الآخرين والمستندات الرسمية المكتوبة الخاصة به والمثبت بها التغيير الفعلي.
إن هؤلاء المسيحيين المساكين في مثل هذه الحالات يقول الواحد منهم يكفي أنني مسيحي في قلبي!! ولاشك أنه قول واهم، وهو خداع ذاتي ينطلي على أبنائنا وبناتنا في حالة ضعفهم الروحي وسقوطهم الأدبي وانهيارهم تحت سلطان عبودية شهوة الجسد غير مميزين بين العواطف الشبابية المنحرفة وبين الزواج كوضع اجتماعي له قوانينه وحدوده الشرعية والدينية التي تحكمه، فيندفعون من أجل شهوة زائلة لإنكار المسيح بتهاون واستهتار كبيرين، ناسين كلمة ربنا يسوع "بكلامك تتبرر وبكلامك تدان" (مت12: 37) أي أن كلامنا الذي ننطقه من أفواهنا أو نثبته على أنفسنا في مستنداتنا بإنكارنا للمسيح سيديننا في اليوم الأخير. لأنه قال له المجد "من استحى بي وبكلامي في هذا الجيل الفاسق الخاطئ فإن ابن الإنسان يستحي به متى جاء بمجد أبيه مع الملائكة القديسين" (مر8: 38).
ويمضي أبناؤنا وبناتنا في غيهم وشرودهم متغافلين عن الأضرار والنتائج النفسية السيئة التي ستلحق بهم وبأبنائهم وبناتهم الذين سينجبونهم، نتيجة اختلاف ديانتهم عن ديانة من يقترنون بهم. هذه الأضرار والنتائج التي تنبه إليها أصحاب العقول المستنيرة في مجتمعنا ومنهم:
أ - الأستاذ / إحسان عبد القدوس. الأديب الروائي والكاتب الصحفي الذي عبَّر عنها بأسلوب قوي واضح في قصة بعنوان "الله محبة"(3) يقول فيها "هذه القصة تحكي مأساة شاب مسيحي تعلق بفتاة غير مسيحية وأراد أن يتزوجها، ولكن قام صراع شديد بين كل طرف منهما وعائلته وقف حائلًا أمام تتميم الزواج ودفع كلًا من الشاب والفتاة إلى أن يقدما على الانتحار ولكن نجا أحدهما بينما لقى الآخر حتفه".
وقد كتب الكاتب في مقدمة القصة عبارة صارخة وكأنها استغاثة موجهة لمَن يريد حل مشاكل المجتمع الذي تحدث فيه أمثال هذه القصة فيقول:
"ليس لي فضل في هذه القصة إلا فضل كتابتها... فقد سمعتها من فتاة... قصة كتبتها لأنها مشكلة تعيش في أكثر من بيت ويروح ضحيتها أكثر من قلب، مشكلة لن يحلها تجاهلها".
ومما تضمنته هذه القصة قول الكاتب "إن الزواج ليس مجرَّد الجمع بين طرفين وحسب، ولكن الزواج هو الأولاد والمجتمع. والإقبال على زواج فيه الطرفان مختلفان في الدين جريمة ترتكب في حق أولاد لم يولدوا وفي حق المجتمع، خصوصًا إذا تصورنا الأولاد عندما ينشأون وهم لا يدرون إن كانوا من هذا الدين أو ذاك، لا يعرفون إلهًا يقدسونه ولا يعرفون أولياء وشهداء يتشبهون بسيرتهم ولا يسمعون هذه القصص الدينية التي تترك في نفوس الأطفال خطوطًا عميقة تنمو معهم وتصون مبادئهم، ولا يمارسون هذه التقاليد والطقوس الدينية التي تحيط القلوب الصغيرة بأغلفة من السمو الروحاني وتقطر فيها الإيمان قطرة قطرة حتى تصبح قلوبًا كبيرة محصنة أمام الشر وأمام الخطية. إن صلاح الإنسان هو في طفولته ونشأته عندما ينشأ عارفًا دينه وإلهه وتتربى مخافة الله معه ويشرب الصدق والإخلاص وبقية المثل العليا من سن الطفولة.
وليس من العدل أن يخرج إلى الوجود أولاد يجدون أنفسهم حيارى بين أم تؤمن في قرارة نفسها بدين وأب يؤمن في قرارة نفسه بدين آخر، وكل منهما يخاف أن يروي لأولاده قصص دينه ويمارس أمامهم تقاليده وطقوسه". هذا رأي أحد كبار كتاب وصحفيي مصر في جيله.
ب - الأستاذة / أمينة السعيد. إحدى رائدات التوجيه النفسي والاجتماعي على مستوى الإعلام الصحفي في مصر حيث بنفس القوة والوضوح كتبت ردًا على شاب غير مسيحي عرض عليها مشكلة حبه لفتاة مسيحية قائلًا:
"بدأت مشكلتي منذ التحاقي بالجامعة وكانت زميلة لي بالكلية تختلف عن الأخريات في كل شيء. فهى ليست بالجميلة ولا بالأنيقة. مجرَّد فتاة عادية. ولكنها تميزت ببساطتها ووقارها وتحفظها مع سماحتها. قلما يوجد لها مثيل في بنات هذا الجيل. ولقد استوقفت شخصيتها اهتمامي منذ الأسبوع الأول لدخولي الكلية. وشعوري نحوها خلال الشهور الأولى لم يتخط حدود الإعجاب. ولكني لم آخذ حذري حتى أني لم أتنبه إلا وأنا أحبها. وأعترف بصراحة أنني قاومت هذا الحب وحاولت أن اتجه إلى نواح أخرى لأنني كنت أعرف أنه حب بلا رجاء ومن المستحيل أن يكلل بالزواج لأنها مسيحية.. ولكن هذا الحب كان يزداد على مرور الأيام"
هذا عرض موجز للمشكلة أما إجابة الكاتبة الصحفية عليه فكانت كالآتي:
"هكذا وقعتَ في المطب الذي سبقك إليه كثيرون ولسوف يقع بعدك كثيرون ونصيحتي أن تبتعد عن هذه الفتاة تمامًا وتقطعها من حياتك وأن تقضي على هذا الحب مهما كلفك هذا من ألم وعذاب. وكما قلتَ بنفسك إنه محكوم عليه بالموت. فمن مصلحتك أن يموت الآن قبل أن يتمكن منك فتكون العاقبة وخيمة.. تصور مصير أولادك وهم يولدون ويشبون بين والدين أحدهما من دين والآخر من دين آخر وما سوف يترتب على ذلك من بلبلة دينية شديدة مهما بذلت من جهود في أن تشربهم عقيدتك. وتعال بعد ذلك إلى موقف الناس منكما. فكونك من دين وهى من دين آخر سيجعل مجتمعك الذي من دينك كله منحازًا إليك مبتعدًا عنها كأن بينه وبينها جدارًا صلبًا. لن يعترفوا بها واحدة منهم. والأمر بالمثل في حالتها هي بل بالأكثر. فالمسيحيون لا يسمح دينهم بالزواج من غير المسيحيين، ومثل هذا الزواج يعتبر في رأيهم نكبة أشد من نكبة الموت. وأنا شخصيًا أعرف أن أُسرًا مسيحية مثقفة وراقية وعندما تزوجت ابنة لهم من شخص خارج دينهم نشروا في الصحف نعيًا رسميًا لها وأقاموا المأتم بكامله وبعد ذلك اعتبروها ميتة وقطعوا صلتهم بها تمامًا. وحتى عندما توفى البعض من أهاليهم لم ينشروا اسمها في النعي ضمن أفراد الأُسرة. ولم تُخطر بالوفاة حتى ولو بالتليفون. إن معظم زيجات غير المسيحيين بالمسيحيات كان فاشلًا والذي دفع الثمن هو الزوجة المسيحية التي خسرت من أجل الحب الجلد والسقط وخرجت من المعمعة وما من معين. وأنا أعرف زوجات مسيحيات قتلهن الحنين إلى آبائهن وأمهاتهن وبقية أقربائهن واستدعى الأمر دخولهن مصحات للعلاج.
ولابد أن أعترف بأن غير المسيحيين الذين تزوجوا بمسيحيات من أهل بلادنا -كثيرون منهم ولا أقول جميعهم- لم يحفظوا العهد ولم يرعوا مقتضيات التضحية التي قدمتها زوجاتهم ثمنًا لحبهن لهم فطلقوا وعددوا الزوجات. وافتروا كما اعتادوا أن يفعلوا مع الزوجات من دينهم. مما حطم قلوب ونفسيات وعقول الضحايا المسكينات"(4). هل هناك وضوح أكثر من هذا لفساد زواج المختلفين في الدين؟!
ولخطورة الآثار المترتبة على هذا النوع من الزواج نرى الإعلام العالمي يهتم به فيناقش على الهواء مباشرة "قضية زواج اثنين مختلفين في الدين" ويتساءل عن إمكانية نجاح مثل هذا الزواج مستطلعًا رأي أكثر من متكلم من أقطار عربية مختلفة ومن عرب يعيشون في دول غربية ومن مسلمين ومسيحيين. أما إجابات المشتركين في البرنامج فكانت هكذا:
دينا: يمكن أن ينجح هذا الزواج ولكن ليس في واقعنا العربي وإذا تم فإن الزوجة العربية تخسر أسرتها في هذه الحالة.
جمال (هولندا): ضغوط الأسرة هي المشكلة، ولكي ينجح الإنسان في هذا الزواج عليه أن يكون واثقًا من دينه، ووجود دينين في بيت واحد هو مصدر قوة. وفي تجربتي كل منا بقى على دينه وزوجتي مدرسة دين مسيحي. أنا أعلِّم أولادي الإسلام وزوجتي تعلمهم المسيحية. ولهم حرية الاختيار. ولا تشكل مسألة الدين مشكلة عندي لأن الدين هو من الله.
حسام: لي تجربة في الزواج ولكن لم تكتمل وأرى أنه يمكن أن تستمر العلاقة الزوجية بنجاح إذا كان هناك اختلاف في الدين. ولكن بعد إنجاب الأطفال تبدأ العقبات والمشاكل.
محمود (مصري في لندن): زوجتي برتغالية أسلمت بعد الزواج، ومع ذلك هناك اختلاف لأن الفروق الاجتماعية تظل موجودة بغض النظر عن الدين. يجب الاتفاق قبل الزواج على وضع الأبناء. بعد بلوغ كل من الابن والبنت سن الرشد له الحق أن يختار ما يريد.
محمود (الأردن): زواج المسلم بمسيحية أجنبية أسهل وأنجح بكثير من زواج مسلم بمسيحية عربية. والسبب إعطاء تضخيم كبير للمعتقدات الدينية في المجتمع العربي والذي ليس فيه تسامح للتفريط في الدين وضغوط العائلات هائلة.
ميشلين: ليس هناك تقبل سهل لهذا النوع من الزواج في المجتمعات العربية.
سالم العبد الله (موريتانيا): الدين يحرم هذا الزواج.
صلاح: تجربتي ناجحة. الدين لله. زوجتي كاثوليكية.
دكتور فيكتور: الزواج قيمة موروثة تعتبر قدس أقداس ويوجد استنكار لهذا الزواج لأن دوافعه تنتهي مع الوقت وتنتج عنه مشاكل وينتهي بالفشل الذريع. وضع المرأة في الشرق أخص جزئية في بناء الأسرة وزواج مسيحية من مسلم يعبر عن فساد تربوي. لي أصدقاء كثيرون مسلمون لأن العلاقة مع الآخر أمر طبيعي ولكن دون أن تصل إلى الزواج. قد تكون التجارب ناجحة في الغرب ولكن الحالات الناجحة من هذا الزواج حالات خاصة ونادرة.
صوان (الأردن): في حالة وجود أحد الطرفين متعصب لدينه لن ينجح هذا الزواج. في مثل هذا الزواج بعد عدة سنوات يفتر الحب وتبدأ المشاكل وخصوصًا بعد كبر الأولاد.
زياد (الأردن): ...
موريس عبد المسيح: الزواج سر مقدس، جسد ونفس وروح. والأمثلة التي ذكرت من زواج اثنين مختلفين في الدين لا تمثل نجاحًا. مثل هذا الزواج هو علاقة وليس زواجًا حقيقيًا، هو في الظاهر ناجح لكنه من الداخل تمزق وإلا لماذا الأخ جمال (هولندا) سمى ابنه حمزة ولم يسمه جون؟ لو فرض ووجد من هذا الزواج 30 زواجًا ناجحًا فيوجد مقابله 30 ألف زواجٍ غير ناجح.
دكتور فيكتور: مثل هذا الزواج فاشل حتى لو لم يظهر كذلك، زواج فيه العائلة ليست لها هوية. والزوج والزوجة لا يلتقيان لا مع نفسيهما ولا مع أبنائهما. الأم ستقول للابن المسيح هو الله والأب يقول له إن المسيحيين كفرة. الابن يسمع من أحد والديه الله واحد ثم يسمع من الآخر لا، ليس الله واحدًا فحسب. إن الأمثلة التي ذكرت لا تمثل زواجًا ناجحًا(5).
وخلاصة الآراء:
الجميع يستنكرون هذا الزواج ويجمعون على فساده ويرفضونه خصوصًا في المجتمعات العربية، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في مواضِع أخرى. أما الذين يقولون بنجاح تجربتهم في هذا الزواج فجميعهم يعيشون في المجتمعات الغربية. وقد بعدوا عن مفهوم الدين كممارسات وسلوكيات، ويحيا في كيان الإنسان ويشغل اهتمامه لعلاقته بمصيره الأبدي. وأنه عامل مشترك بين أفراد الأُسرة الواحدة يوحد أفكارهم ومبادئهم وأخلاقياتهم ويجمعهم حول إله واحد وعبادة واحدة ويربطهم بمصير أبدي واحد. أما هؤلاء فيبدو أن الدين عندهم أمر ثانوي أو أنه فكرة في العقل أو مجرد إيمان في القلب أو أنه بعض معلومات مخزونة في الذاكرة. لذلك فصلوا بين الدين والحياة ومن ثم فصلوا بين الدين والأسرة. كذلك بعدوا عن مفهوم الأسرة التي هي:
أولًا: زوجان صارا جسدًا واحدًا لأنهما أصبحا أصلًا فكرًا واحدًا وروحًا واحدًا ويجمعهما الحب الحقيقي الذي يشمل الجسد والنفس والروح وليس الحب الأناني الذي يتمركز في الجسد والنفس وحدهما. وثانيًا: الأسرة والدان وأبناء، وأبوة وبنوة، ومسئولية تعهد بالرعاية والتنشئة والتربية ليس للجسد والعقل وحدهما بل وللروح أيضًا. وإن كانت العلاقات الأسرية مبنية على الحب أصلًا فليس أحرى منها اهتمامًا بالمصير الأبدي لكل أفرادها، الزوج أو الزوجة أولًا والأبناء بعد ذلك.
لذلك تجريد الأسرة من وحدانية الدين عند هؤلاء هو تهميش للدين من جهة وتكوين أسرة ذات بنيان هش ضعيف من جهة أخرى. هذا من جهة الحكم العام على قول هؤلاء بنجاح زواجهم. أما تحليل أقوالهم فَيُظْهِرُ كثيرًا من المغالطات والمتناقضات.
فقولهم بالضغوط العائلية يعني رفض الوالدين دينيًا لهذا الزواج وهذا لا يبرر نجاحه. وقولهم بتوقف نجاح هذا الزواج على وثوق الفرد من دينه فهو على العكس لأن تمسك كلٌ من الزوجين بدينه يجعلهما وكأنهما في حرب مستمرة وحذر دائم من بعضهما البعض وهذا لا يعني نجاحًا لزواجهما.
أما قولهم بأن وجود دينين في الأسرة هو مصدر قوة لها فهو على العكس لأن من المعروف أن الديانات تختلف عن بعضها في أساسيات إيمانية جوهرية وكأن كل منها يضاد الآخر وهذا يسبب بلبلة كبيرة ليس بين الزوجين فقط بل بينهما وبين أبنائهما الذين في النهاية سوف يصيرون بلا دين. وهذا لا يعني نجاحًا لزواجهم.
أما قولهم بأن الأبناء عندما يكبرون لهم حرية اختيار الدين الذي يروق لهم فهو قول مغلوط أيضًا لأن الدين مسلَّمات تنغرس في نفوس النشء منذ الصغر. والنشء ليس عنده من القدرة أو الوقت لعمل "دراسة مقارنة للأديان" لكي يفضل أحدها على الآخر. نعم إنه قول خيالي غير واقعي.
هذا توضيح لتناقض أقوال أصحاب التجربة الناجحة الذين يرجع إحساسهم بنجاح زواجهم إلى تهميش الدين في مجتمعهم الغربي وإسقاط صبغته عن الزواج وأيضًا اكتفاؤهم بارتياحهم جسديًا ونفسيًا في علاقتهم مع الزوج الآخر.
والمحصلة الأخيرة التي ينتهي إليها الإنسان المسيحي أنه إذا ارتبط بهذا الزواج فإنه إما أن يترك إيمانه أي يكفر بدينه في المجتمع العربي أو يعيش ويموت في المجتمع الغربي في خطيته لأنه زنا. ومنه يظهر فساد هذا النوع من الزواج وضرورة الحرص على عدم الوقوع في مصيدته.
ولعل ما وضحه الكاتب الروائي والكاتبة الصحفية والإعلام العالمي عما يصيب الذين انحرفوا في مثل هذا الزواج يعبر فقط عن جزء من الأضرار والمتاعب التي تلحق بهم في حياتهم الخاصة، وحياة أبنائهم، ولكن هناك ما يلحق بوالديهم وإخوتهم وأقاربهم، وهو مالا يقدر أن يصفه إلا من عايش عن قرب تلك العائلات التي احتوتها معاناة تجربة ارتداد أبنائها عن الدين بسبب زواجهم من الغرباء ومن هذه المتاعب نذكر:
إن العائلة التي يخرج أحد أفرادها عن دينه تشعر بالخجل من الله والخوف من احتمال مسائلته لها في اليوم الأخير عن انحراف هذه النفس عن إيمانها، كما يسود عليها التفكير في: ماذا سيقول الناس عنها أو ماذا سيصفونها به؟
قد يقولون إنها أسرة غير متمسكة بالدين أو أنها أسرة لم توثق الصلة بين أفرادها، أو أنها أسرة لم تنجح في تربية أبنائها أو غرس المبادئ والقيم الأخلاقية فيهم..
نعم إنها أقوال تكون في أغلب الأحيان بعيدة عن حياة تلك الأسرة وتعتبر اتهامات باطلة في حقها، لكنها كثيرًا ما تقال لأن حياة الأسرة الخاصة والبعيدة عن علم الناس شيء والواقع الذي حدث وصار معلنا للكثيرين شيء آخر. وكلام الناس عمومًا في مثل هذه الحالات كثير وأحكامهم شديدة.
وأيًا كان الأمر فكل هذه وصمات تشغل بال تلك الأسرة على اعتبار أن الناس سيلصقونها بها، فتشين اسمها وتجعل أفرادها في حرج حتى لو كانت هذه العائلة بريئة من كل هذا لأن غالبية الناس لا يعلمون الطرق التي يستخدمها عدو الخير كوسائل لإسقاط البعض في مثل هذا النوع من الزواج.
ويزيد من إحساس الخوف من العار والفضيحة، تعرض العائلة للحرج من الذين يتقدمون لخطبة بناتهم أو الذين يتقدمون هم لهم ليخطبوا منهم لأولادهم، وخصوصًا عندما تنكشف هذه الحقائق، ولو أن العقلاء من أبنائنا لا يربطون بين سلوك شاذ لفرد من عائلة بمصير بقية أفرادها.
والمسيحي الذي يتزوج من غير المسيحيين يكون زواجه برغبته الخاصة المنفردة منفصلًا عن رغبة أهله ووالديه وخارجًا عن إرادتهم، ولا يحضر أحد منهم معه، بل يقاطعونه ويتنكرون لمعرفته.
وهذا أمر يجدون أنفسهم مضطرين إليه، لأنهم إن كانوا يفعلون هذا وأحيانا أكثر من هذا مع أبنائهم الذين يخرجون عن طاعتهم ويتزوجون بطرف هم غير راضين عنه وإن كان أصلا من دينهم فلا غرابة أن يكون موقفهم هكذا مع أبنائهم الذين يتزوجون من طرف غريب عن دينهم ودين آبائهم إذ أنهم بسبب هذا الزواج سيتركون دينهم حتما ويجحدون إيمانهم. والدين أو الإيمان لاشك أنه أمر عزيز جدًا عند كل نفس تقدره وتعيش به وتضع رجاءها كله فيه.
ولذلك فالمسيحي الذي يفعل هذا يقطع نفسه من الانتساب لعائلته المسيحية التي تعتز بدينها. وعائلته من شدة استيائها تحاول أن تتبرأ منه ولا تعترف بقرابته أو نسبته إليها، بل وتمتنع عن مخالطته ولا تشتهي أن يقع نظرها عليه في أي وقت ولا في أي مكان لأنه خان عائلته في أعز ما تملك وهو دينها وعقيدتها، ولأنه تزوج ضد رغبة والديه عاصيا لأوامرهما، خارجا عن تقاليد الأسرة وعاداتها، ولربما كان فقده بالموت أسهل عند عائلته من فقده بهذه الصورة. انظر (عد 25: 1-16).
أما إذا حدث ورحبت إحدى العائلات بمرتد من أبنائها أو بناتها وفتحت بابها له فإنما تفعل ذلك إذا وثقت في نيته للعدول عن فعله ورجوعه إليها وإلى حظيرة الإيمان.
هذا ولا يغيب عن الذهن أن غير المؤمنين بالمسيح لا يقع عليهم لوم في هذه الحالات مثلما يقع على المسيحي المرتد عن الإيمان الذي استهان بدينه بسبب زواج جسدي زائل.
للزواج المسيحي مراسيم لها قدسيتها وبهاؤها، وتضفي على الزواج نعمة إلهية وفرحًا روحيًا خاصًا.
هذه المراسيم لها طقس خاص يتضمن تقاليد معينة وقراءات محددة لفصول مناسبة منتخبة من الإنجيل وصلوات تضرعية يقدمها الكاهن لله ويطلب فيها منه بركة للعروسين فيحل الروح القدس عليهما وتتقدس الرابطة بينهما.
وبهذا يتم الزواج بمباركة الله له، ويصبح سرًا مقدسًا، لأن العروسين يكونان قد نالا فيه نعمة غير منظورة هي تقديس الشركة بينهما بالروح القدس تحت صورة المراسيم الدينية المنظورة التي يؤديها الكاهن بالرشومات الإلهية الثالوثية بالصليب المقدس وبرسمه، وبتقديم الصلوات ورفع البخور وتلاوة كلمة الله، ودهن بالزيت على مثال مسحة الملوك والكهنة والأنبياء، ولبس الثياب المقدسة، ويشمل ارتداء البرنس الملوكي والتوشح بزنار الوحدة أو الاتحاد الزيجي ثم التتويج بأكاليل المجد ثم إعطاء بركة الثالوث الأقدس للعروسين ثم تسليمهما لبعضهما البعض، وإعطائهما الوصايا الواجبة على كل منهما ثم منحهما البركة الختامية.
وتتم هذه المراسيم في أقدس مكان في الوجود، وهو الكنيسة المنيرة رمز السماء، بيت الملائكة ومسكن الله مع الناس. وتتم والجميع خاشعين بكل تقوى ووقار أمام هيكل رب الجنود ومذبحه المقدس. وهى تقام في العلانية أمام جمهور الناس من الأهل والأصدقاء، في موكب حافل تحيط به الشموع والأنوار يتقدمهم الكاهن وكيل سرائر الله حاملًا الصليب علامة الغلبة والخلاص، مرتديا ملابس المجد والبهاء ويتقدمهم الشمامسة أيضًا مرنمين بألحان البهجة وتراتيل الفرح.
هذا المشهد الحافل الذي يحمل صورة تشير إلى أفراح الأبدية المجيدة بكل عطاياها الثمينة وأمجادها، يقارن الأهل بينه كصورة مقدسة مبهجة وبين الصورة التي يتم بها زواج ابنتهم أو ابنهم في جو يسوده الاضطراب والخوف وضد رغبة الوالدين والأهل وضد مشيئة الله، وبين أناس غرباء، فيزدادون حزنا وحسرة.
فالشخص المسيحي الذي يتزوج بطرف غير مسيحي لابد له أن ينكر المسيح علنا ويثبت له هذا الإنكار في عقد زواجه وفي أوراقه الرسمية، وإذ يتمم هذه الأمور سواء راضيا مختارًا أو مكرهًا تحت الظروف التي دفع نفسه فيها بنفسه استكمالا لخطوات الطريق الذي اختاره لنفسه، فهو مسكين وبائس ويستحق الحزن عليه فعلًا، لأنه أنكر المسيح الإله الحقيقي وديان كل المسكونة، والذي ينكر المسيح على الأرض سينكره المسيح في السماء في اليوم الأخير كما قال "كل من ينكرني قدام الناس أنكره أنا أيضًا قدام أبي الذي في السموات" (مت10: 33). والذي ينكره المسيح أمام الآب السماوي ليس له نصيب معه في الحياة الأبدية.
نظرًا لأن معظم حالات هذا الزواج تجد الطريق سهلًا أمامها فإن الأهل يشعرون بقسوة الحياة وضغط الزمان وضيق الظروف الخانقة من جرائه. إذ يرون أمام عيونهم فقدان وضياع ابنهم أو ابنتهم بسبب هذا الزواج وأن أحدًا لا يتقدم لإغاثتهم خاصة وأن جميع حالات هذا الزواج لا يرضى عنها الأهل ويسعون بكل قوتهم لإيقافها وليس لهم من معين.
بل قد يظهر من يساند الفتى أو الفتاة في تحقيق رغبتهما بغض النظر عن توسلات الوالدين أو دموعهم.
كل هذه الإحساسات والآلام التي تلحق بعائلات المنحرفين تسبب لتلك العائلات أرقا واضطرابا وتحرمهم من النوم والراحة وتتلف أعصابهم وتؤدي بهم إلى الانهيار وتخيم على بيوتهم وحياتهم بالكآبة الشديدة، وكثير منهم يصابون بأمراض مختلفة وخطيرة قد تلازمهم حتى الموت.
هذا ما يتسبب فيه المنحرفون -وهم لا يدرون- لوالديهم وإخوتهم أعز من لديهم في الحياة. وهم باندفاعهم وراء نزواتهم وسيطرة الأنانية المطلقة عليهم إنما يرتكبون أبشع الجرائم وفي حق أقرب الناس إليهم، إذ يقتلونهم أدبيًا ونفسيًا وجسديًا بطريق غير مباشر. هذه النتائج كلها المترتبة على مصاهرة الغرباء تبين خطورة الأمر وتستلزم بالضرورة توضيح أوامر الله أمام أبنائنا في هذا الموضوع من خلال شريعته المقدسة ووصاياه المحيية، حتى يكون الطريق واضحًا في موضوع الزواج كما في حياتهم الإيمانية عمومًا. وهذا هو محور الكلام في الفصل التالي.
_____
(1) صلوات الخدمات في الكنيسة القبطية الأرثوذكسية ط 1971 ـ ص 93.
(2) انظر تحذيرات الكتاب المقدس في الفصل الثاني.
(3) إحسان عبد القدوس ، الوسادة الخالية ، ط2 ، الشركة العربية ، القاهرة 1957.
(4) المصور ـ العدد 3048 ـ 11 مارس 1983 ـ باب اسألوني ـ بقلم أ. س. ـ ص 80.
(5) إذاعة لندن: برنامج "آخر كلمة" مقدم البرنامج: سمير فرح. الموضوع "إمكانية نجاح زواج اثنين مختلفين في الديانة" الزمن: الثلاثاء 10/1/2005.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/fr-salaib-hakim/marriage-faith/strangers.html
تقصير الرابط:
tak.la/7cq7jc9