محتويات:
(إظهار/إخفاء) إن أكثر ما يدعم بناء وحدتنا مع
المسيح ويُجدِّد قوَّتها هو
الكنيسة التي نلتقي فيها معه بصورة مُتميِّزة. لأنَّ مشاعر التواجد في حضرة
الله في بيته، والنظام الجماعي للتسبيح والعبادة، والاستماع للشريعة، وشركة
المائدة المقدسة، وحضور
الملائكة والقديسين. هذا الجو السماوي الروحاني
بملابساته كفيل أن يرفع فكري وقلبي ويتيح لي لقاءً مباشرًا بين نفسي وبين
إلهها. إلاَّ أنَّ هذا اللقاء يتم من خلال ثلاث صور مُتدرِّجة على
ثلاث مراحل، المرحلة الأولى صورتي أنا العبد المخلوق الخاطئ أمام الله السيد
الخالق البار، وفيها أواجه الله ولكني أبدو إنسانًا يخاف من الله ويُركِّز على
ذاته أكثر من تركيزه على الله حيث هناك مسافة بيني وبينه بسبب خطاياي.
والمرحلة الثانية صورتي أنا الابن المفدي المقدس مع الله الآب الفادي القدوس
وفيها أقترب إلى الله كإنسانٍ مَحبوب منه، وتركيزي يكون فيها متبادلًا بيني
كمحبوب وبين الله المُحب. والمرحلة الثالثة هي الله وليس أنا وفيها أصير
الإنسان المُحب لله الذي تتعلَّق نفسه به فيصبح الله كل شيء له تائهًا في بهاء
جمال حبه وكأنه لقاء عُرس أبدي. وهذا ما يجب أن نتطلَّع إليه عند ذهابنا إلى
بيت الله. وهو ما يحتاج إلى بعض التأمُّل.
عندما أكمل
سليمان بناء بيت الرب قال له الرب " قدَّسْتُ
هذا البيتَ الذي بَنَيْتَهُ لأجل وضْعِ اسْمِى فيه" (1مل 9: 3). والاسم
يؤكِّد الهوية لأنَّ
موسى عندما أراد الله أن يرسله
لبني إسرائيل سأله عن اسمه
الذي يقوله لهم لكي يؤكِّد لهم إرساليته أجابه الله "أهيه الذي هو أهيه" أي
الكائن بذاته الغير منظور، الذي هو الكائن بذاته منظورًا في ابنه الكلمة. فنحن نأتي إلى
بيت الله لكي نتعامل مع الله بِاسمه الذي قال
عنه
المسيح "أنا أظْهَرْتُ اسْمَكَ للناس الذين أعطيْتني من العالم...
عَرَّفْتُهُمُ اسْمَكَ وسأُعَرِّفُهُمْ" (يو6:17، 26). أمَّا اسم الله الذي
أظهره
المسيح لنا وعَرَّفنا به هو "الآب" كما قال "أنا قَدْ أتيْتُ بِاسْمِ
أبي" (يو 5: 43). واسم "الآب " يَحمل ضمنًا اسم الثالوث الأقدس لأنه لا أبوة
بدون بنوة ولا أبوة وبنوة بدون حياة. فالأبوة والبنوة والحياة متلازمة
بالضرورة. إذًا اسم الله الذي أعلنه لنا
المسيح هو اسم الله الثالوث كما قال
لتلاميذه " اذْهَبوا وتَلْمِذُوا جَميع الأُمَم وعَمِّدُوهُمْ بِاسم الآبِ
والابن والرُّوح القُدُس" (مت 28: 19). هذا هو الله الثالوث الآب والابن والروح القُدُس الذي
نتقابل معه بِاسمه؛ به نبدأ صلواتنا وبه نختمها ومنه نطلب الرحمة والغُفَران
وله نُقدِّم السجود وإليه نرفع الطلبات والتَّضرُّعات وله نُقدِّم التسبيح
والتمجيد وبِاسمه ننال البركة وبِاسمه نتمم تقديس جميع الأسرار. ونحن نتلامس مع الله الثالوث في بيته في
شخص ابنه يسوع
المسيح. وهذا هدفنا الرئيسي عند مجيئنا إلى
بيت الله أن نتقابل مع
المسيح
ونتلامس معه. لأنَّ الآب أصلًا أعطانا له (يو 17: 6) وخطبنا له نحن كنيسته
كعروس لعريسها على فم هوشع النبي " أخْطُبُكِ لنفسي إلى
الأبد... أخْطُبُكِ لنفسي بالأمانة فتعرفِينَ الربَّ" (هو 2: 19 - 20).
لذلك شبَّه فرحه بنا كفرح العريس بالعروس بقوله "كفرح العريس بالعروس يفرح بكِ
إلهكِ" (إش 5:62). وقد شهد
يوحنا المعمدان عن
المسيح كعريس لكنيسته " إنِّي
قُلْتُ: لستُ أنا
المسيح بل إنِّي مُرْسَل أمامه. مَنْ لَهُ العروس فهو
العريس"
(يو 3: 28 - 29). وقد أكَّد
السيد المسيح هذا المعنى عندما سُئِلَ " لماذا
تلاميذك لا يصومون؟ " فأجاب "هل يستطيع بنو العُرْس أن ينوحوا ما دام العريسُ
معهم؟ ولكن ستأتي أيَّامٌ حين يُرْفَعُ العريسُ عنهم، فحينئذٍ يَصُومُونَ"
(مت 9: 15). وقد أعدَّ الله لنا وليمة عُرس ابنه كما وضَّحها
السيد المسيح لنا في تشبيه
ملكوت السَّموات بالملك الذي صَنع عُرْسًا لابنه، وهو
يدعونا إليه (مت 22: 2، 3). وكل مَنْ هو مُستعد مِثْل العذارى الحكيمات سيدخل
إلى العُرس ليتَّمتَّع بالوليمة السمائية (مت 25: 10). ويسمع التطويب الإلهي "
طوبى للمَدْعُوِّين إلى عَشَاءِ عُرْس الخرُوفِ" (رؤ 19: 9).
وما
هي مائدة وليمة العُرس سوى جلسة تبادل
حديث
المحبة بين العروسين؛ النفس وإلهها وامتلاء نظر كل منهما من جمال الآخر،
جمال العريس في حنانه وعطايا محبته الروحانية، وجمال العروس في فضائل خضوعها
واتضاعها وانجذابها القلبي نحو عريسها. حيث هناك العريس يُناجي العروس هامسًا
باشتياق "أسمعيني صَوْتَك
لقاء العروسيْن حول مائدة المحبة
أ - اللقاء مع الله بِاسمه
ب - لقاء العروس مع عريسها
حديث العروسين
تمتُّع العروسين بجمالهما
الطقس وانطلاق النفس لاتحادها بالله
إلمامة إجمالية
لقاء العروسيْن حول
مائدة المحبة:
أ - اللقاء
مع الله بِاسمه:
ب - لقاء
العروس مع عريسها:
حديث العروسين:
وإذ تستعذب العروس سماع كلمات العريس تُردِّد بفرح " صوت حبيبي. هوذا آتٍ.. صوت حبيبي قارعًا". وإذ تستشعر اقتراب نسمة روحه إليها فتناجيه " ها أنت جميل يا حبيبي. كالتُّفاح بين شجر الوَعْر كذلك حبيبي بين البنين. أنا لحبيبي، وإليَّ اشتياقه. تحت ظِلِّهِ اشْتَهَيْتُ أن أجْلِسَ. حَلْقُهُ حلاوةٌ وكُلُّهُ مُشتهيَاتٌ. هذا حبيبي، وهذا خليلي، يا بَناتِ أورُشَليم. حبيبي لي وأنا له" (نش 2، 4، 5، 7).
واضح من هذه المناجاة المفعمة بالحب بين العروس الحبيبة والعريس الحبيب أنها نابعة من إعجاب وانبهار كل منهما بجمال الآخر. فيا ترى ما هي مواطن الجمال التي يراها المسيح في نفوسنا؟
إن أكثر ما يبهج عين الله من جمال في نفوسنا هو انسحاقنا ووداعتنا وشعورنا بالاحتياج إليه لتطهيرنا وتقديسنا، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في مواضِع أخرى. ثم خضوعنا ورضاؤنا وشكرنا على كل ما يريده لنا في حياتنا من جميع النواحي،المُرّ منها والحلو، العوز والكفاية، ثم إرادتنا نحو حفظ وصاياه وعمل ما يرضيه، ثم طلبنا لرضائه عنا وقبوله لنا.
أمَّا أكثر ما يبهرنا من جمال في شخص المسيح فهو وداعته المتناهية في معاملته لنا لا كإله يجلس على كرسي القضاء لمحاكمتنا وإدانتنا وإنما كراع صالح يسعى في طلب الضال، فاتحًا لنا ذراعيه مُرحِّبا بنا ومُذكِّرًا إيَّانا بالصليب الذي احتمله لأجلنا، ضامًا لنا إلى صدره ليشبعنا من حنانه مُذكِّرًا لنا بالحربة التي جازت في جنبه فخرج منه دم وماء لتطهيرنا من خطايانا. مطمئنًا إيانا بقبولنا وإعادتنا إلى رتبتنا الأولى كأبناءٍ ورثةٍ ولنا كل حقوق البنوة.
ويبدو لنا جمال المسيح أيضًا في حلاوة حديثه الذي لا يخلو من كلام تشجيع لنفوسنا الخائرة، وتعزية لقلوبنا الحزينة، ووعودًا بالخيرات السماوية نظير اضطهاداتنا وآلامنا، وتعاليم ووصايا تهدينا إلى طريق الحياة وتحرسنا من طريق الضلال، وإعلانات مبهجة ومفرحة تكشف لنا أسرار ومكنونات السماء الباهرة والبعيدة عن معرفتنا وإدراكنا.
ويبدو لنا جمال المسيح كذلك في تقديم ذاته ذبيحة حب نتناولها لننال به حياة أبدية. أمَّا جمال المسيح الأعظم فهو جوهر لاهوته الذي لم يستطع التلاميذ أن يحدقوا بعيونهم إلى مجد بهائه على جبل التجلِّي، والذي أعجز عيني بولس الرسول عن البصر عندما أبرق حوله وهو في طريقه من أورشليم إلى دمشق. والذي وصف ملامحه يوحنا الرائي ودانيال النبي وعروس النشيد، وعبَّر عنه داود النبي بأنه "أبرع جمالًا من بني البشر" وهو ما سنتمتع به في السماء وليس على الأرض. لكننا عندما نتأمَّل جمال المسيح في صفاته هذه بعُمق لا يسعنا إلا أن نقول مع عروس النشيد "وَجَدْتُ مَنْ تُحِبُّهُ نفسي، فأَمْسَكْتُهُ ولَمْ أَرْخِهِ" (نش 3: 4).
هذا اللقاء العُرْسِي هو ما يمكن أن تستمتع به النفس في بيت الله أو في خلوتها معه. إلا أن ما يوفِّره لها أكثر في بيت الله هو لحظات هيامها بتسبيحه ومحاججته مُنطلقة في التسبيح والمحاججة بفعل وتأثير طقس الصلوات والألحان والتراتيل واللحن الذي تؤدَّى به. والصوت الذي يؤدِّيها وروحانية الصوت وجديته وليس حلاوته فقط لأن التعزية روحية وليست نفسية فقط.
ومما يُسهِّل انطلاق النفس في هيام تسبيحها هو قيام مَنْ يقودون الصلاة بجهد الأداء أمَّا أنا فأستقبل وأتذوَّق وأستمتع وأنطلق بمصاحبة ما أسمعه بفكري وقلبي نحو الله بألفاظ صامتة غير مسموعة وبرغبة في أن لا تنتهي الصلاة ولا يتوقَّف اللحن أو الترتيل. وقد يُصاحب هذا الابتهال دموع تسيل وفرح وتهليل حيث أنا والله ولا شيء آخر.
وكل مَنْ يتمتَّع بهذه الوحدة على الأرض فإنه يكون قد نال عربون وحدته مع الله وجماعة المؤمنين في السماء وليس هناك أمجد وأعظم للإنسان من هذه الوحدة.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/fr-salaib-hakim/church-heaven/wedding.html
تقصير الرابط:
tak.la/s9bx8xk