St-Takla.org  >   books  >   fr-salaib-hakim  >   church-heaven
 

مكتبة الكتب المسيحية | كتب قبطية | المكتبة القبطية الأرثوذكسية

كتاب الكنيسة طريقي إلى السماء - القمص صليب حكيم

6- الفصل الرابع: لماذا الوحدة

محتويات: (إظهار/إخفاء)

صور علاقتي بالكنيسة صور وحدوية
المحبة تحفظ الوحدة
طلب المسيح من أجل هذه الوحدة
أساسيات الوحدة وعربونها ومجدها
عمودان أساسيَّان للوحدة
الوحدة على الأرض عربون الوحدة في السماء
عظمة وغنى مجد الوحدة مع الله
وحدتي مع الله يجدد قوتها لقائي معه في بيته

صور علاقتي بالكنيسة صور وحدوية:

هذه الفصول الثلاث قدمت الكنيسة في فصلها الأول في صورة جسد له رأس تقود وترشد وأعضاء تعمل بتكامل مواهبها معًا من أجل خدمة بعضها البعض في المحبة لكي تحقق وحدتها في الجسد الواحد. وفي فصلها الثاني قدمت الكنيسة في صورة كرمة لها أغصان. المسيح هو أصل وجسم هذه الكرمة والمؤمنون فروعها وأغصانها وهم متأصِّلون في المسيح يغتذون منه ويثمرون به.

وفي فصلها الثالث قدمت الكنيسة في صورة هيكل؛ المؤمنون فيه هم الحجارة الحية التي تكوّن بناء الهيكل وهم يبنونه بالمحبة والمسيح يدعم وحدة هذا البناء بعمل روحه القدوس فيهم.

هذه الصور الثلاثة للكنيسة كلها صور وحدوية، لأنها ترسم العلاقة بيني وبين الكنيسة في وحدة واحدة، لأنه ماذا يفصل الجسد عن أعضائه أو الكرمة عن أغصانها أو البناء عن حجارته. إذًا أنا والكنيسة نقوم في وحدة كاملة، وإن كنت أنا جزءًا من كل ولكني محتوي في هذا الكل فأكون واحدًا معه.

كما أن هذه الصور الثلاثة مجتمعة معًا تشكل البناء الكامل لكيان الكنيسة. فصورتها كجسد تمثل العمل وصورتها ككرمة تُمثِّل الإثمار وصورتها كبناء تُمثِّل تشكيل الكيان. إنه تصميم إلهي مُدهش، عمل فثمر فقيام كيان يُمثّل كمال الوحدة.

St-Takla.org                     Divider of Saint TaklaHaymanot's website فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

المحبة تحفظ الوحدة:

St-Takla.org Image: Inside the church, wearing the Gaby - Ethiopians, from St-Takla.org's Ethiopia visit, Photograph by Michael Ghaly for St-Takla.org, April-June 2008 صورة في موقع الأنبا تكلا: داخل الكنيسة، و رداء الجابي - أحباش (إثيوبيين) - تصوير مايكل غالي لموقع الأنبا تكلاهيمانوت، من رحلة موقع الأنبا تكلا إلى إثيوبيا، إبريل - يونيو 2008

St-Takla.org Image: Inside the church, wearing the Gaby - Ethiopians, from St-Takla.org's Ethiopia visit, Photograph by Michael Ghaly for St-Takla.org, April-June 2008

صورة في موقع الأنبا تكلا: داخل الكنيسة، و رداء الجابي - أحباش (إثيوبيين) - تصوير مايكل غالي لموقع الأنبا تكلاهيمانوت، من رحلة موقع الأنبا تكلا إلى إثيوبيا، إبريل - يونيو 2008

ولكن ماذا لو سقط الحجر على الطريق إلا أن يُداس من الناس. وماذا لو انتزع الغصن من الكرمة إلا أن يَجف ولا يصلُح إلا للحريق. وماذا لو قُطِع العضو من الجسد إلا أن يفسد ويتعفَّن ويصبح جثة تجتمع حولها طيور السماء. هكذا كل فرد قطع نفسه من شركة الكنيسة يفقد كيانه الروحي للخلود ويُصاب بالعطب ولا قيمة له في مملكة المسيح.

ويا تُرى ما الذي يعرض الحجر للسقوط من البناء سوى تآكل المونة التي تربطه مع بقية حجارة البناء. وما الذي يعرض الغصن للنزع سوى عدم ارتوائه من عصارة الكرمة التي تثبته فيها. وماذا يتسبب في قطع العضو من الجسد سوى عدم تغذيته بالدم الذي يحفظ حياته مع بقية الجسد.

ويا تُرى ما هي المونة والعصارة والدم والماء العنصر المشترك بينها جميعًا التي تحفظ تماسك الجزء مع الكل بالنسبة لعلاقة الفرد بالجماعة أو المؤمن بالكنيسة التي هي جماعة المؤمنين سوى ناموس الله الذي يصب كله في قالب واحد هو المحبة التي هي رباط الكمال (كو 3: 14). وهى سِرّ ثبات المؤمن في كنيسته.

إن مَحبَّتنا لبعضنا البعض وللكنيسة ولرب الكنيسة هي التي تثبتنا فيها وتديم انتماءنا لها. وانتماؤنا للكنيسة هو مجد سماوي وعِزَّة إلهية وحياة روحانية وخلود أبدي. وهذه امتيازات مجيدة لعضويتنا في الكنيسة. لذلك ينبغي ألا يُعطّلنا شيء عن دوام علاقتنا بها بمواظبتنا على العبادة فيها. لأنَّ دوام علاقتنا بها هو تثبيت لعضويتنا فيها التي هي عربون لمواطنتنا السماوية.

St-Takla.org                     Divider of Saint TaklaHaymanot's website فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

طلب المسيح من أجل هذه الوحدة:

وبتأمُّل هذه الصور الثلاثة نجدها تُقدِّم أقوى رابطة بين المؤمنين بعضهم مع بعض وبينهم وبين إلههم تحت مُسَمَّى الكنيسة التي تقوم فيها وحدتهم المقدسة. وهى وحدة فريدة في نوعها ومهما عبرت هذه الصور عن قوتها إلا أنها أيضًا مُجرَّد تشبيهات. لأنَّ وحدتنا مع الله بابنه يسوع المسيح تفوق هذه الصور جميعها. هذه الوحدة التي طلب المسيح من أجلها في صلاته الوداعية قبل تقديم ذاته للصليب. أمَّا الأسباب التي قدَّمها المسيح أمام الآب لطلب هذه الوحدة فهيَ:

السبب الأول: تشبُّهًا بالوحدة القائمة بين الآب والابن مع الروح القدس "أسأل... ليكون الجميع واحدًا، كما أنك أنت أيها الآب فيَّ وأنا فيك" (يو17: 20 - 21). فالمؤمنون ينبغي أن يكونوا واحدًا مع بعضهم البعض على مثال وحدة الثالوث، أي مثال وحدة الآب مع الابن والروح القدس. وكما أن وحدة الآب مع الابن قائمة على المحبة الكاملة المتبادلة بينهما ووحدة الجوهر والطبيعة ووحدة المشيئة والإرادة ووحدة العمل، فهكذا وحدة المؤمنين تعني أن يكونوا كنيسة واحدة لهم إيمان مشترك واحد، ويحيون بالروح الواحد، ولهم قلب واحد وفكر واحد، مرتبطين برباط المحبة والأخوة. لهم حكم واحد في التمييز بين الخير والشر واتجاه وسلوك واحد نحو الطهارة والقداسة ويسعون إلى غاية واحدة كهدف مشترك هو ملكوت السموات، وشخصية واحدة يتجه نظرهم إليها هو الله محب البشر الصالح، ووسيط واحد هو يسوع المسيح طريقهم إلى الآب السماوي.

ومما يساعدهم على قيام هذه الوحدة هو ما بينهم من ثوابت مشتركة يتساوون فيها جميعهم أهمها البنوة الإلهية بالولادة الجديدة، والمسحة المقدسة وحق الشركة في ذبيحة المسيح، ووحدة التعليم من منبع واحد هو الإنجيل، ونظام واحد للعبادة العامة وهو طقس الليتورجيا "القداس الإلهي"، وتساويهم جميعًا بعد القيامة في وحدة الطبيعة حيث سيتغيَّرون كلهم إلى تلك الصورة عينها.

السبب الثاني لطلب الوحدة: هو ليكونوا واحدًا مع الآب والابن كما قال "ليكونوا هم أيضًا واحدًا فينا" (يو17: 21). فإذ صاروا واحدًا مع الابن "أنا فيهم" والابن واحد مع الآب "وأنت فيَّ" فيصيرون هم أيضًا واحدًا مع الآب. والنهاية ليكونوا مُكملين إلى واحدٍ.

أمَّا وحدتنا مع الآب والابن فتعني أننا جميعًا ليس لنا إله آخر، وتعني ثباتنا في الإيمان به وفي محبته وصدق انتمائنا إلى ملكوته وقبول سيادته وسلطانه، والخضوع لوصاياه وتعاليمه. والوحدة أيضًا تتضمن التكامل بمعنى أننا بوحدتنا مع الله نبني مملكته وندعم سلطانه ونعلن اسمه للعالم ليؤمن به العالم وهو يعمل فينا وبنا. هذا من الجانب الإيجابي للوحدة، أمَّا من الجانب السلبي فهو رفضنا للمقاوم لله ولابنه يسوع المسيح. والمقاوم هو إبليس وجنوده وكل مَنْ يتبنَّى أفكاره ونجاساته وقتالاته التي يجاهد أن يسيطر بها على العالم.

السبب الثالث لطلب الوحدة: هو لتعميق معرفتنا بالله وبابنه يسوع المسيح "وعَرَّفْتُهُمُ اسْمَكَ وسَأُعَرِّفُهُمْ" (يو17: 26). إن إنساننا الطبيعي لا يقدر أن يعرف الله "أيها الآبُ البَارُّ، إنَّ العالم لم يَعْرِفْكَ" (يو17: 25) ولكن وحدتنا مع المسيح تكشف لنا أكثر معرفة المسيح ومعرفتنا الأكثر بالمسيح تكشف لنا معرفة الآب "لو كنتم قد عرفتموني لعَرَفْتُمْ أبي أيضًا" (يو14: 7). فالمسيح هو الطريق الوحيد لمعرفتنا بالآب لأنه:

أولًا: هو الطريق الحي الحقيقي للمجيء إلى الآب كما قال "أنا هو الطريق والحق والحياة. ليس أحدٌ يأتي إلى الآب إلاَّ بي" (يو14: 6).

وثانيًا: لأنه هو الوحيد الذي يعرف الآب "لا أحد يعرف الآب إلا الابن ومَنْ أرادَ الابن أن يُعْلِنَ له" (مت11: 27). وهو يعرفه لأنه الوحيد الذي رآه لأنه منه "ليس أنَّ أحدًا رأى الآب إلاَّ الذي من الله. هذا قد رأى الآب" (يو6: 46). لذلك هو الذي يعرفه "الذي أرسلني هو حقٌّ، الذي أنتم لسْتُمْ تعرفُونَهُ. أنا أعْرِفُهُ لأنِّي منه" (يو7: 28، 29). والمسيح قد وعد أن يعلن ذاته لِمَنْ يحبه "الذي يُحِبُّنِي يُحِبُّهُ أبي، وأنا أُحِبُّهُ، وأُظْهِرُ له ذاتي" (يو14: 21). بل هو يَسعى نحو مَنْ يُرحِّب به "هنذا واقِفٌ على الباب وأقرَعُ. إن سَمِعَ أحدٌ صَوْتِي وفَتَحَ الباب، أدْخُلُ إليه وأتَعَشَّى معه وهو مَعِي" (رؤ3: 20). وما هو العشاء إلاَّ إعلان ذاته. لأنه عندما اتكأ على مائدة تلميذي عمواس "أخَذَ خُبزًا وبَارَكَ وكَسَّرَ وناولهما، فانفتَحَتْ أعْيُنُهُما وعَرَفَاهُ" (لو24: 31،30). ولأنه عندما قابل السامرية كان غذاؤه إعلان ذاته لها لأجل خلاصها لأنه عندما قدَّم له تلاميذه طعامًا ليأكل قال لهم "أنا لي طَعامٌ لآكُلَ لستم تعرفونه أنتم... طعامي أن أعْمَلَ مَشِيئَةَ الذي أرْسَلَنِي وأُتَمِّمُ عَمَلَهُ" (يو4: 32 - 34). ولأنَّ السعادة الأبدية تكمُن في التواجد مع الله في فرح دائم وهذا قد دعاه عشاء عُرس الخروف وهو بدء اكتمال المعرفة لأنه نهاية المطاف لبدء حياة الأبد مع الله في سمائه. لذلك سمع يوحنا تطويب المدعوين إليه "اكْتُبْ: طوبي للمَدْعُوِّين إلى عَشَاءِ الخروف" (رؤ19: 9).

ومعلوم أنه كُلَّما زاد الاقتراب والاتصال زادت المعرفة. فأي خطيبين إنما يبدأ اكتمال معرفتهما لبعضهما البعض عندما يرتبطان ويعيشان تحت سقف واحد ويصبحان واحدًا وليس اثنين. لذلك طالما نحن في الجسد فنحن لازلنا في فترة خطوبة (2كو11: 2) ومَعرفتنا يحدَّها كياننا الجسدي. ولكن عندما ندخل إلى العُرس الأبدي (مت25: 10) سنكون معه كل حين (1تس4: 17) وتكمل بالضرورة وحدتنا مع الله وحينئذ ستزول الحواجز وتتقدَّم معرفتنا بما يتناسب مع كياننا الروحي وتواجدنا في حضرة الله. فإن كُنَّا "ننظر الآن في مِرْآةٍ، في لُغْزٍ، لكن حينئذٍ وجْهًا لوَجْهٍ. الآن أعْرِفُ بعض المعْرِفَةِ، لكن حينَئِذٍ سأعْرِفُ كما عُرِفْتُ" (1كو13: 12). وإن كُنَّا نحيا الآن عربون الوحدة في فترة الخطوبة فستكمل وحدتنا مع الله في العُرس الأبدي. ومع كمال وحدتنا معه يكون كمال معرفتنا به.

والسبب الرابع لطلب الوحدة: هو اكتمال الحب. لأنه إذا كان بالوحدة تكمل المعرفة فبكمال المعرفة يكمل الحب إذ لا حب لمجهول. والمعرفة والحب والوحدة كلها مُرتبطة ببعضها وكل منها يقود إلى الآخر وقد جمعهم المسيح في قوله "هؤلاء عَرفوا أنك أنت أرسلتني. وعَرَّفْتُهُمْ اسْمَكَ وسأُعْرِّفُهُمْ (المعرفة)، ليكون فِيهِمْ الْحُبُّ (الحب) الذي أحْبَبْتَنِي به، وأكونَ أنا فِيهِمْ (الوحدة)" (يو17: 26).

وإن كانت معرفتنا بالمسيح تقودنا إلى محبته والوحدة معه فهذه تقودنا إلى معرفة الآب ومحبته والوحدة معه لأنه هو والآب واحد (يو10: 30).

أمَّا معرفتنا بالله فبرهانها حفظ وصاياه "بهذا نعرف أننا قد عرفناه: إن حَفِظْنا وصَايَاهُ" (1يو2: 3) والعكس صحيح "مَن قال: قد عرفته وهو لا يَحْفَظُ وصاياهُ، فهو كاذِبٌ وليْسَ الحقُّ فِيهِ" (1يو2: 4). وبحفظ وصاياه تكمل محبتنا له "أمَّا مَنْ حَفِظَ كَلِمَتَهُ، فَحَقًا في هذا قد تَكَمَّلَتْ مَحَبَّةُ الله" (1يو2: 5).

إذًا حفظ الوصية طريق معرفة الله ومحبته ويقودنا للتَّوحُّد معه. لأننا عندما نعرف الله نحبه ولمحبتنا له نحفظ وصاياه أي نتوحَّد معه لأنَّ مَنْ يَحفظ وصية الله يُوحِّد فِكْره مع فكر الله ويُوحِّد مشيئته مع مشيئة الله وكأنه ثابت في شخصه كما قال يوحنا الحبيب "إنْ ثَبَتَ فِيكُمْ ما سَمِعْتُمُوهُ مِنَ البَدْءِ، فأنتم أيضًا تَثْبُتونَ في الابن وفي الآبِ" (1يو2: 24) وما هو ثباتنا في الابن وفي الآب إلا علامة لوحدتنا معه.

وحفظنا وصايا الله يدخلنا في اختبارات جديدة معه تزيد معرفتنا به فيزيد حبنا له وبتوثيق مَحبَّتنا له تدوم وحدتنا معه.

والسبب الخامس لطلب الوحدة: هو لنوال المجد الأبدي، فإذ يصبح المؤمنون واحدًا مع بعضهم البعض وواحدًا مع الآب والابن فإنهم ينالون المجد الذي أعطاه الآب للابن "وأنا قد أعطيتهم المجد الذي أعطيتني". أمَّا أمثلة هذا المجد الذي نالوه وهم في العالم فهيَ الكرامة التي صارت لهم بأن يكونوا سفراء له بين الأمم (2كو5: 20) ويعلنوا اسمه للعالم بالكرازة (مت28: 19) ويؤسِّسوا ملكوته على الأرض (أع1: 8) ويظهروا قوته بصنع الآيات والمعجزات (مت10: 8) ويُجسِّدوا فضائله الإلهية بطهارتهم وقداستهم ومحبتهم لبعضهم البعض (يو13: 35) فيكونوا نورًا للعالم وسببًا لتمجيد أبيهم السماوي (مت 14:5و16).

أمَّا مَجدهم السماوي فأمثلته أن المسيح سيُغيِّر أجسادهم إلى صورة جسد مجده (في3: 21) وسيعطيهم قوة الصعود بها ليكونوا معه في السماء (أف2: 6)، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في مواضِع أخرى. وسيرثون معه ويَتمتَّعون بملكوته وسيجلسونَ معه عن يمينه في عرشه (رؤ3: 21) وسيشتركون في وليمة عُرسِهِ الأبدي (مت22: 2) وسيعيشون في نعيم وراحة وسعادة تدوم إلى الأبد. وكل أمجاد هذه العطايا تفوق كل وصف وتعجز لغة البشر عن التعبير عنها كما يقول مُعلِّمنا بولس "ما لم تَرَ عَيْنٌ، ولم تَسمَعْ أذُنٌ، ولم يَخْطُرْ على بالِ إنسانٍ: ما أعَدَّهُ الله للذين يُحبُّونَهُ" (1كو2: 9).

والسبب السادس لطلب الوحدة: هو لانتشار الإيمان بالمسيح. لأنَّ تَوحُّد المؤمنين يدفع العالم إلى الإيمان بالمسيح مُرسلًا من الله من السماء كما قال له المجد "ليؤمن العالم أنك أرسلتني" (يو17: 21). وأنَّ إرساليته علامة محبة الآب للعالم "بهذا أُظْهرَتْ محبة الله فينا: أنَّ الله قد أرْسَلَ ابنَهُ الوحِيدَ إلى العالم لكي نحيا بهِ" (1يو4: 9). وإذ يدرك العالم هذه الحقائق ويؤمن بالمسيح فإنه ينال خلاصه. وهذا كمال إرادة الآب "الذي يُريدُ أنَّ جَميعَ النَّاس يَخْلُصونَ، وإلى مَعْرفَةِ الحَقِّ يُقْبِلُونَ" (1تي2: 4).

فوحدة المؤمنين علامة قوية على صحة إيمانهم. وعلى العكس من ذلك فإن تفرقهم وانقسامهم يشير إلى عدم سلامة إيمانهم أو على الأقل عدم محبتهم لبعضهم البعض الذي أثمر هذا الانقسام. خصوصًا أن المحبة هي العلامة الرئيسية للشهادة لإيماننا أمام العالم كما قال المسيح له المجد "بهذا يَعْرِفُ الجميعُ أنَّكُمْ تلاميذِي: إنْ كانَ لكُمْ حُبٌّ بعضًا لبعض" (يو13: 35).

إذًا يجب أن نَعِي أن وحدتنا علامة محبَّتنا، ومحبَّتنا هي قوة كرازتنا لجذب الناس للمسيح.

St-Takla.org                     Divider of Saint TaklaHaymanot's website فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

أساسيات الوحدة وعربونها ومجدها

الصورة الكاملة لوحدتنا مع الله هي في السماء. إلا أنها لها أساسها الذي تقوم عليه ولها عربونها لنا هنا على الأرض كما لها أيضًا غناها ومجدها الأبديان.

 

عمودان أساسيَّان للوحدة:

لقد طلب المسيح من الآب في صلاته أمريْن هامَّيْن قبل طلبه من أجل هذه الوحدة:

أولهما: أن يحفظ المؤمنين به في اسمه "احفظهم في اسْمِكَ" أي يحفظهم في الإيمان به وذلك بحفظهم كلامه "قد حفظوا كلامك" وبأن يحفظهم هو من الشرير "أن تَحفَظَهُمْ مِنَ الشِّرِّيرِ".

الأمر الثاني: أن يُقدِّسَهُم "قدِّسْهُمْ في حقِّكَ". وكأن الأمريْن عمودان أساسيان لقيام وحدة المؤمنين مع الآب والابن، حيث تستحيل هذه الوحدة دون تثبيتهم في الإيمان ودون تقديسهم لأنه من جهة إيمانهم فلأنه هو الله وحده ولا أحد غيره، ومن جهة تقديسهم فلأنه قدوس ولا تجوز وحدتهم معه بدون تقديسهم. أمَّا حفظ إيمانهم وقداستهم فبحمايتهم من دخول الشرير إليهم.

 

الوحدة على الأرض عربون الوحدة في السماء:

هذه الصورة الوحدوية بين الله وشعبه ما هي إلا مثال لوحدتهم معه في سمائه، وهى إعداد لها، وشعورهم بقوتها ومتانتها علامة على مباركة الله لها بعمل روحه القدوس فيها، وتمتعهم بها هنا على الأرض هو عربون تمتعهم بها في السماء، وكأنها تثبيت لعضويتهم وشركتهم في المواطنة السمائية التي يتطلعون إليها بعد قضاء سني غربتهم على الأرض، باعتبار السماء هي الموطن الأصلي الذي انحدروا منه. لأنَّ أرواحهم أصلًا من الله ساكن السماء (تك2: 7). ولما أفسدوا صورتها تحنَّن عليهم بتجديدها بمنحهم نعمة الميلاد الثاني من فوق من السماء أيضًا بواسطة الماء والروح. إذًا العودة إلى الوطن السماوي يجب أن تكون هدفًا وغاية للمؤمنين مع ضرورة إحساسهم العميق بأنهم غُرباء هنا على الأرض، ويشبهون لاجئين مُقيمين في مُخيَّمات ينتظرون العودة إلى ديارهم ليتمتَّعوا بخيراتها وأمجادها.

 

عظمة وغنى مجد الوحدة مع الله:

إنَّ وحدة الإنسان مع الله أمر يثير الدهشة والتعجُّب لأنه يعلو على العقل إذ يفوق استحقاق الإنسان. ولكن يزول هذا التعجب عندما ندرك أن عربون هذه الوحدة قد صار لنا فعلًا في إيماننا بالمسيح وحياتنا معه. ويتأكَّد ذلك من قوله له المجد "أنتم فيَّ وأنا فيكم" (يو15: 4). وقوله "أنا الكرمة وأنتم الأغصان" (يو15: 5) وقوله "مَنْ يأكلني فهو يحيا بي" (يو6: 57) وقول مُعلِّمنا بولس "أمَا تعلمون أنكم هيكل الله، وروحُ الله يَسْكُنُ فِيكُمْ؟" (1كو3: 16).

فكون المسيح فينا ونحن فيه، وثباتنا فيه وهو فينا، وكوننا أغصانًا فيه هو ككرمة، وكوننا نتغذى به لكي نحيا به، أليست هذه كلها ليس فقط علامات للوحدة بل من أقوى عوامل الوحدة؟ وطبعًا وحدتنا مع المسيح هي وحدة لنا مع الله.

ومجد هذه الوحدة يظهر أكثر بالمقارنة بيني أنا المُقيم في هيكل من التُّراب وبين الله الروح السامي المُتعالي في علاه، وأنا الذي ملأتُ كياني من ظلمة الموت والله الحياة والنور، وأنا الذي دنَّستُ هيكلي بنتانة الخطية والله القدُّوس البارّ، وأنا الذي تغابيت في جهالتي والله الحكمة الخالدة، وأنا الذي أنقصت نفسي بعصياني والله كُلي الكمال، وأنا الذي تملَّكت عليَّ الأنانية والذاتية والله المحبة الخالصة. ولا شك أن وحدتي مع الله ستخلع عليَّ أشعة من نوره وحكمته وخلوده وقداسته ومحبته وكماله وتبدّد كل نقائصي. إذًا ما أغنى عطايا وحدتي مع الله في المسيح يسوع!! إنها ميراث الخلود.

 

وحدتي مع الله يجدد قوتها لقائي معه في بيته:

هذه الوحدة المملوءة بغنى العطايا الأبدية لكي يجسد المسيح قوتها ومتانتها ربطها بالوحدة بين الزوجين اللذيْن قال عنهما " يكون الاثنان جسدًا واحدًا" (مت 19: 5). لذلك شبَّه لقاء النفس بإلهها في مملكة السماء بلقاء العروس بالعريس عندما قال " يُشْبِهُ ملكوتُ السَّمَواتِ عَشْرَ عذارى، أخذْنَ مَصابيحَهُنَّ وخَرَجْنَ للقاءِ العريس" (مت 25: 1).

وإن كانت الكنيسة هي ظِلّ السماء على الأرض وهى المكان الذي يُجسِّد الوحدة بين الإنسان وإلهه فيكون لقاء الإنسان مع الله في بيته هو صورة للقائهما معًا في السماء، لقاء عروسين على المستوى الروحي الإلهي.


الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع

https://st-takla.org/books/fr-salaib-hakim/church-heaven/why-unity.html

تقصير الرابط:
tak.la/kf9tkx2