في العهد القديم هناك العديد من الأمثلة لاهتمام الرب بالشخص الواحد، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في مواضِع أخرى. فاهتم الله بنوح ثم اهتم بموسى بيونان وهكذا..
ولكن دعنا الآن نتناول شخصا كإيليا النبي لنر اهتمام الله به كفرد.
وعلى الرغم من أن إيليا النبي مجرد "واحد" من الشعب وعلى الرغم من اهتمام الله بشعبه الغفير إلا أن هذا لم يمنع الله من أن يهتم بذلك الواحد إيليا فيأمره -وقت انعدام المطر- قائلا له:
"انطلق من هنا واتجه نحو المشرق واختبئ عند نهر كريث الذي هو مقابل الأردن. فتشرب من النهر وقد أمرت الغربان أن تعولك هناك" (امل3: 17و4).
ثم عندما يبدأ النهر في الجفاف يأمره الرب ثانية:
"قم اذهب إلى صرفة التي لصيدون وأقم هناك هوذا قد أمرت هناك امرأة أرملة أن تعولك" (1مل9: 17).
وعندما مات ابن المرأة التي استضافت ايليا وأحس أن موقفه حرج للغاية لأنه رجل الله فصلى إيليا لأجل الطفل "فسمع الرب لصوت إيليا فرجعت نفس الولد إلى جوفه فعاش" (1مل22: 17).
وبعد ما قتل إيليا أنبياء البعل وكانت إيزابل تطلبه لكي تقتله وهرب إلى بئر سبع وسار مسيرة يوم ونام تحت الرتمة حزينًا مهمومًا حتى انه قال:
"... قد كفى الآن يا رب خذ نفسي لأنني لست خيرا من أبائي" (1مل4: 19).
لم يتركه الرب مهموما حزينا بل أرسل له الملاك الذي أطعمه بطعام قواه ليمشي أربعين يومًا إلى أن وصل إلى جبل حوريب، وهناك التقاه الله وكلمه وشجعه إذ قال له:
"وقد أبقيت في إسرائيل سبعة آلاف كل الركب التي لم تجث للبعل وكل فم لم يقبله" (1مل18: 19).
وهكذا اهتم الرب بإيليا النبي حتى اصعده إليه حيًّا في مركبة نارية.
لماذا كل هذا الاهتمام بالإنسان الواحد؟
يجيبنا الله فيقول لنا:
"... لذاتي مع بني ادم" (ام 8: 31).
نأتي الآن للعهد الجديد ففي حياة سيدنا المسيح -له المجد- على الأرض اهتم بكثيرين ولكنه اهتم أيضًا ببعض الناس كأفراد وفرادى، فنراه يهتم - مثلًا - بزكا.
فمن هو زكا هذا الذي يوليه مخلصنا كل هذا الاهتمام؟
كان رئيسًا للعشارين وكان غنيًّا، وتعد هذه مزايا فهو رئيس وغني، ولكنه قصير القامة وهذا عيب من الناحية الشكلية مما يترتب عليه تعرضه للسخرية من شكله، بلا شك أن زكا تعرض في طفولته لسخرية وتندر أصحابه عليه. ولأنه كان رئيسا للعشارين فنتوقع أن أهله ومعارفه كانوا يتبرأون منه على اعتبار انه خائن لأمته يتعاون مع الرومان المحتلين فيجمع لهم العشور من الناس بوحشية وبجشع.
كان في نفسه جرح عميق وان كان يبدو ظاهريًّا غني ورئيس.
هذا الألم النفسي الذي دفعه لمحاولة رؤية يسوع من هو؟
فلم يتورع أن يتسلق جميزه لكي يراه.
هل سبق لأحدنا أن رأى رجلا يتسلق شجرة؟
فلما وصل يسوع للمكان رفع عينيه إليه وناداه وقال له:
"...يا زكا أسرع وانزل لأنه ينبغي أن امكث اليوم في بيتك" (لو5: 19).
فرح زكا ورحب بيسوع.
وأما ما يسترعى الانتباه فهو نتائج الزيارة التي أتصور أن زكا صار فقيرًا بعدها.
فقد أعطى نصف أمواله للفقراء ورد أربعة أضعاف لمن ظلمهم.
هذه هي النتائج المالية السلبية ولكن تأملوا النتائج الروحية والنفسية الايجابية، فأخيرًا أحس براحة الضمير لأنه كان متألما بسبب ظلمه للناس ثم صار محبوبا من الناس ومن الفقراء وممن ظلمهم فقد رد لهم أموالهم مضاعفة.
ثم أحس بالفرح الروحي لأن المسيح له المجد وهبه الخلاص له ولبيته.
أتصور أن زكا بعد تلك الزيارة لم يعد يرى نفسه قصيرا بل عملاقا في الروح والنفس.
هذا هو العمل الفردي مع إنسان واحد هو زكا.
والسؤال الذي يدعونا للبحث:
ترى كيف صارت حياة زكا؟ ما عمله بعد تلك الزيارة؟
وهل كسب أحدًا للمسيح له المجد؟
نأتي لسفر أعمال الرسل الذي يذكر في بدايته عظة القديس بطرس الرسول التي اصطاد بها 3000 شخص، الذين قيل عنهم:
"فلما سمعوا نخسوا في قلوبهم وقالوا لبطرس ولسائر الرسل ماذا نصنع أيها الرجال الأخوة" (اع37: 2).
هذه البراعة والموهبة في الوعظ لم تنسي معلمينا بطرس ويوحنا الرسولين أهمية العمل الفردي فلما قابلًا الأعرج عند باب الهيكل.
لم ينظرا لاحتياجه الذي قرره هو (الاحتياج المادي) المتمثل في الصدقة بل اهتما بصحته البدنية والتي بلا شك كانت مؤثرة في صحته النفسية بل وتعوق نموه المالي لأنه لا يقدر على العمل.
لم يتركا الموقف يمر من دون عمل فردي فشفيا الأعرج الذي يظهر لنا سفر الأعمال نتائج ذلك العمل الفردي معه بقوله:
" وبينما كان الرجل الأعرج الذي شفي متمسكا ببطرس ويوحنا تراكض إليهم جميع الشعب إلى الرواق الذي يقال له رواق سليمان وهم مندهشون" (اع11: 3).
فكان تعلق الأعرج بالرسولين هو أول الثمار ثم كانت العظة الثانية لبطرس أمام الجمع هي الثمرة التالية التي نتج عنها: "كثيرون من الذين سمعوا الكلمة امنوا وصار عدد الرجال نحو خمسة آلاف" (أع 4: 4).
يتسع بنا المجال جدا لو أردنا سرد المواقف الكثيرة جدًا التي في الكتاب المقدس والتي توضح العمل الفردي لله أو للآباء الرسل أو لآخرين.
ولكن الكتاب المقدس هو كلمة الله للإنسان الذي هو مركز اهتمام الله.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/fr-raphael-nasr/not-alone/bible.html
تقصير الرابط:
tak.la/4qscxtn