الفصل الرابع عشر: 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8
إن فسد الرسم وجبت إعادته من الصورة الأصلية، وهكذا أتى ابن الآب لكي يطلب ويخلص ويجدد الحياة ولم تكن هنالك طريقة أخرى ممكنة لأن الإنسان إذ طمس بصيرته بنفسه، لم يستطع أن يبصر لكي يُشْفَى وشهادة الخليقة فشلت عن تحفظه أو ترده عن ضلاله، أما الكلمة فهو وحده الذي استطاع أن يتمم هذا ولكن كيف؟ ليس إلا بإعلان نفسه كإنسان..
1- وإن تَلَطَّخَت الصورة المرسومة على الخشب بالأدران من الخارج وَأُزِيلَت، فلا بُد من حضور صاحِب الصورة نفسه ثانية لكي يساعد الرسام على تجديد الصورة على نفس اللوحة الخشبية، لأنه إكرامًا لصورته يعزّ عليه أن يلقي بتلك اللوحة، وهي مجرد قطعة خشبية، بل يجدد عليها الرسم.
2- وعلى هذا المِثال عينه أتى إلى عالمنا ابن الآب الكلي القداسة، إذ هو صورة الآب the Image of the Father، لكي يجدد خِلْقَة الإنسان الذي خُلق مرة على صورته - ويجده كضال بمغفرة الخطايا، كما يقول هو نفسه في الإنجيل: “إني جئت لكي أطلب وأخلص الضال(44)“. ومن أجل هذا قال أيضًا لليهود: “إن كان أحد لا يولد ثانية(45)“. وهو لا يقصد بهذا -كما ظنوا- الولادة من امرأة، وإنما قصد التحدث عن إعادة ميلاد النفس، وتجديد خلقتها على مثال صورة الله.
3- ولكن إن كانت العبادة الوثنية، والمُعْتَقَدات الإلحادية، قد سادت العالم، وإن كانت معرفة الله قد أُخفيت، فَمَنْ ذا الذي كان يقوم بتعليم العالم عن الآب؟ إن قال أحد إن هذه هي مأمورية الإنسان أجبناه أنه لم يكن في مقدور الإنسان أن يجتاز إلى كل مكان تحت الشمس، لأنه ليس لديه القوة الجسدية التي تُمَكِّنه من أن يركض بهذه السرعة، ولا هو يستطيع أن يَدَّعِي القدرة على القيام بهذا الأمر، ولا هو يستطيع من تِلقاء نفسه - مقاومة غواية الأرواح الشريرة وحيلها.
4- لأنه إذ انحرف الجميع في تيار غواية الشيطان وأباطيل الأوثان، فكيف كان ممكنًا لهم أن يربحوا نفس الإنسان وعقله، وهم عاجزون حتى عن رؤية النفس والعقل، وكيف يُتَاح لشخص أن يجدد ما لم يبصره؟
5- ولعل أحدًا يقول أن الخِلْقَة كانت كافية. ولكن لو كانت الخلقة كافية لما حدثت كل هذه الشرور الجسيمة مطلقًا، لأن الخِلْقَة كانت موجودة فعلًا، وكان البشر لا يزالون يَتَخَبَّطُون في نفس الضلالة عن الله.
6- فإلى مَنْ إذن كانت تدعو الحاجة إلا لكلمة الله الذي يبصر النفس والعقل، والمُحَرِّك لكل ما في الخليقة، وبها يجعل معرفة الآب ظاهرة؟ لأن الذي كان يُعَلِّم البشر عن الآب بأعمال عنايته وبتدبيره لكل الأشياء، هو الذي يستطيع أن يجدد ذلك التعليم عينه.
7- وكيف كان ممكنًا أن يتم هذا؟ رُبَّ امْرِئٍ يقول أنه كان ممكنًا له أن يعلن الحق عن الآب مرة أخرى بنفس الوسيلة السابقة، أي بأعمال الخليقة، ولكن هذه لم تعد وسيلة مضمونة، بل بالعكس، أن البشر سابقًا رفضوا أن يبصروها، ولم يعودوا يشخصون بأبصارهم إلى فوق بل إلى أسفل.
8- لهذا إذ ابتغى منفعة البشر، كان طبيعيًّا أن يأتي إلينا كإنسان آخِذًا لنفسه جسدًا كسائر البشر، لِيُعَلِّمهُم من الأمور الأرضية -أي بأعمال جسده- حتى يستطيع مَنْ لا يدرون أن يعرفوه من أعمال عِنايته، وسلطانه على كل الأشياء أن يبصروا الأعمال التي عملها بجسده الفعلي، ويعرفوا كلمة الله الحال في الجسد، وفيه يعرفون الآب.
← انظر كتب أخرى للمترجم هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت.
_____
(44) (لوقا 19: 10).
(45) (يوحنا 3: 3-5).
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/fr-morcos-dawoud/incarnation-of-the-word/seek-save-renew-life.html
تقصير الرابط:
tak.la/g9s78yk