الفصل الخامس والثلاثون: 1 | 2 | 3 | 4
الخليقة إعلان عن الله سيما في النظام والتناسق اللذين يسودان الكل.
1- ولأن الله صالح ومحب للبشر، ويعني بالنفوس التي خلقها، ولأنه بالطبيعة غير منظور وغير مدرك، إذ أن شخصه فوق كل الكائنات المخلوقة(87)، الأمر الذي لأجله كان الجنس البشري عرضة ليضلوا عن طريق معرفته، لأنهم خلقوا من العدم، أما هو فإنه غير مخلوق. لهذا السبب أعطى الله الكون -“بكلمته”- نظامه الحالي، ليتمكن البشر من معرفته على أي حال بأعماله طالما كان هو بالطبيعة غير منظور. فكثيرًا ما عرف الصانع بصنعته حتى ولو كان غير منظور.
2- وكما يقولون عن فيدياس(88) النحات أن صناعته الفنية تنبئ عنه في الحال لكل من يراها حتى ولو لم يكن موجودًا، وذلك بسبب دقتها التامة وتناسق أجزاءها، هكذا إذا تأمل المرء في نظام الكون وجب أن يدرك الله صانعه وبارئه حتى وان كان لا يرى بالأعين الجسدية. لأن الله لم يكتف بطبيعته غير المنظورة (ولا يتخذن أحد ذلك حجة) ولم يترك نفسه غير معروف للبشر كلية، بل كما قلت سابقًا رتب الخليقة ونظمها حتى يعرف بأعماله وان كان غير منظور بالطبيعة.
3- ولا أقول من تلقاء ذاتي بل بقوة ما تعلمته من البشر الذين تكلموا بلسان الله، ومنهم بولس الذي كتب لأهل رومية قائلًا(89) “لأن أموره غير المنظورة تُرى منذ خلق العالم مدركه بالمصنوعات”. ولأهل ليكاؤنية صارخ قائلًا(90) “نحن أيضًا بشر تحت آلام مثلكم نبشركم أن ترجعوا من هذه الأباطيل إلى الإله الحي الذي خلق السماء والأرض والبحر وكل ما فيها. الذي في الأجيال الماضية ترك جميع الأمم يسلكون في طرقهم. مع أنه لم يترك نفسه بلا شاهد. وهو فعل خيرًا وأعطاكم من السماء أمطارًا وأزمنة مثمرة مالئًا قلوبكم طعامًا وسرورًا”.
4- لأنه من ذا الذي يرى دائرة السماء، ومجرى الشمس والقمر، وأوضاع وحركات سائر النجوم، إذ تتخذ أمكنتها في اتجاهات مضادة ومختلفة، ومع ذلك فإنها في اختلافاتها تحفظ نظامًا ثابتًا بالإجماع، من ذا الذي يرى هذا وينكر هذه النتيجة إنها لم تنتظم من تلقاء ذواتها، بل لها خالق يتميز عنها ويحفظ لها نظامها؟ أو من ذا الذي يرى الشمس تشرق نهارًا والقمر يضيء ليلًا متناقصًا ومتزايدًا بلا اختلاف، وفق نفس عدد الأيام، وبعض النجوم تسير في أفلاكها المختلفة والمتعددة، وبعضها تتحرك، ولكن دون أن تكون على غير هدى، وبعد ذلك يعجز عن أن يدرك أن لها يقينًا خالقًا يرشدها؟
← انظر كتب أخرى للمترجم هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت.
_____
(88) Phidias مهندس ونحات أثيني (500-422 ق.م.).
(89) (رو 1: 20).
(90) (أع 14: 15-17).
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/fr-morcos-dawoud/against-the-heathens/revelation-of-god.html
تقصير الرابط:
tak.la/6m5ajxb