وأصل العبادة الوثنية مماثل. وإذ أصبحت النفس مادية بتناسيها الله، وانجرفت في تيار الأمور الأرضية حولتها إلى الهة. فهوى الجنس البشري إلى هاوية من الضلالات والخرافات بدرجة تدعو إلى اليأس والأسى.
1- وإذ لم تقنع النفس البشرية باختراع الشر بدأت بالتدريج تجترئ على ما هو أسوأ وأشر. لأنها إذ اختبرت شتى الملذات، وتناست الإلهيات، وسرت بالأكثر بملذات الجسد التي وضعتها نصب عينيها، ولم تحفل بشيء سوى الأشياء الحاضرة والتأمل فيها، لم تعد تفكر انه يوجد شيء غير المنظور، أو انه يوجد خير سوى الأشياء الوقتية والجسدية، لذلك فأنها، وقد تحولت وتناست أنها كانت على صورة الله الصالح، لم تعد بالقوة التي فيها ترى الله الكلمة الذي خُلقت على مثاله. ولكنها إذ ابتعدت عن نفسها صارت تتوهم وتتخيل ما ليس له وجود.
2- لأنها -بمضاعفات الشهوات الجسدية- أخفت المرآة التي فيها، والتي بها وحدها تستطيع رؤية صورة الآب، لذلك لم تعد ترى ما يجب أن تراه النفس، بل حملت في كل تيار، وأصبحت لا ترى سوى الأشياء التي تقع تحت الحس. وبالتالي تثقلت بكل الأهواء الجسدية. وإذ ارتبكت وسط تأثيرات هذه الأشياء توهمت أن الله الذي نسيه تفكيرها يوجد في الأشياء الجسدية المنظورة، معطية الأشياء المنظورة اسم الله، وممجدة فقط تلك الأشياء التي تهواها، والتي تبهج أنظارها.
3- بناء على ذلك فالشر هو السبب الذي يجر العبادة الوثنية في أذياله. لأن البشر إذ تعلموا أن يخترعوا الشر الذي ليس له أصل في حد ذاته، فأنهم بنفس الطريقة تخيلوا لأنفسهم آلهة من الكائنات التي ليس لها وجود حقيقي. إذًا فكما أنه إذا غطس الإنسان في الأعماق، ولم يعد يرى النور ولا ما يظهر بالنور، لأن عينيه تحولنا إلى أسفل، والمياه كلها فوقه، وإذ أصبح لا يرى إلا الأشياء التي في الأعماق فأنه يتوهم انه لا يوجد شيء سواها، بل أن تلك التي يراها هي وحدها الحقيقية، هكذا أيضًا إذ فقد أناس العصر السابق عقلهم، وغرقوا في الشهوات وأوهام الأشياء الجسدية، ونسوا معرفة ومجد الله لبلادة عقولهم، أو بالحري لانعدام عقولهم، فإنهم جعلوا لأنفسهم آلهة من الأشياء المنظورة ممجدين المخلوق دون الخالق(13) إله، ومؤلهين المصنوعات دون السيد علتها وبارئها.
4- ولكن كما رأينا في التشبيه السابق عمن يغطسون في الأعماق أنهم كلما ازدادوا تعمقًا وصلوا إلى أمكنة أظلم وأعمق، هكذا الحال أيضًا مع البشرية، لأنهم لم يلبثوا في العبادة الوثنية في حالة بسيطة، ولم يستمروا فيها بدأوا به، لكنهم كلما طال بهم الزمن في حالتهم الأولى ازدادوا توغلًا في اختراع خرافات جديدة. وإذ لم يكتفوا بالشرور الأولى ازدادوا توغلًا في غيرها، وازدادوا تقدمًا في الخزي الذي لا مزيد له، وتنافسوا في أعمال الفجور. وعن هذا تشهد الكتب الإلهية إذ نقول “إذ جاء الشرير إلى عمق الشرور فانه يزدري”(14).
← انظر كتب أخرى للمترجم هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت.
_____
(13) (رو 1: 25).
(14) (أم 18: 3) (الترجمة السبعينية).
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/fr-morcos-dawoud/against-the-heathens/pagan-worship.html
تقصير الرابط:
tak.la/chmq277