الفصل الثالث والعشرون: 1 | 2 | 3 | 4 | 5
إن تنوع العبادات الوثنية يبرهن على بطلانها.
1- على أن المرء لا يحكم بإلحادهم لهذه الاعتبارات فحسب بل أيضًا من آرائهم المتناقضة عن الأصنام نفسها. لأنها أن كانت آلهة -حسب آرائهم وتأكيداتهم- فلمن منها يقدم المرء الولاء؟ ومن منها يحكم الإنسان بأنه هو الأسمَى، حتى يعبد الله باطمئنان؟ أو لكي يدركوا اللاهوت بواسطتها -كما يقولون- بدون غموض أو التباس؟ فليست نفس الكائنات تُدعى آلهة بين الجميع، بل بالعكس، أن لكل أمة تقريبًا إله خاص. وهنالك حالات ترى فيها المقاطعة الواحدة أو المدينة الواحدة في تناقض داخلي بصدد خرافاتهم الخاصة بأصنامهم.
2- فالفينيقيون مثلًا لا يعرفون تلك التي تُسمَى آلهة بين المصريين، ولا المصريون يعبدون نفس أصنام الفينيقيين. وبينما يرفض السكيثيون آلهة الفرس، فإن الفرس يرفضون آلهة السوريين. على أن البيلاسجيين(69) يرفضون آلهة تريس(70)، وأهل تريس لا يعرفون آلهة طيبة. وعلاوة على ذلك فالهنود يختلفون عن العرب بصدد أصنامهم، والعرب عن الاثيوبيين، والاثيوبيون عن العرب. والسوريون لا يعبدون أصنام الكيليكيين، بينما الأمة الكبدوكية تقيم آلهة من كائنات مخالفة لهذه. وبينما اتبع البيثينيون آلهة أخرى ابتدع الأرمن آلهة أخرى أيضًا. وما الداعي لكي أعدد الأمثلة؟ فأهل القارة يعبدون آلهة خلاف التي يعبدها أهل الجزيرة، بينما يعبد هؤلاء الأخيرون آلهة سوى التي يعبدها أهل الأراضي الأصلية.
3- وعلى العموم أن كل مدينة وقرية تفضل آلهتها -متجاهلة آلهة جيرانها- وتحكم بأن هذه وحدها هي الآلهة. أما عن المكرهات التي في مصر فلا داعي حتى للتحدث عنها، لأنها ماثلة أمام أعين الجميع. فانك ترى كيف أن للمدن ديانات مضادة ومناقضة بعضها للبعض، ويسعى الجيران دوامًا لعبادة آلهة ضد القريبين منهم(71)، لدرجة أن التمساح الذي يعبده البعض يعتبره جيرانهم مرذولًا، والأسد الذي يعبده الآخرون كإله لا يمتنع جيرانهم عن عبادته فحسب بل أيضًا يقتلونه -أن وجدوه- كوحش مفترس، والسمك الذي يقدسه بعض الشعوب يستعمل كطعام في مكان آخر. وهكذا تقوم الحروب والفتن والفرص المتعددة لسفك الدم وكل الانغماسات الشهوانية بينهم.
4- والغريب جدًا -حسب رواية المؤرخين- أن البيلاسجيين الذين تعلموا من المصريين أسماء الآلهة لا يعرفون آلهة مصر، بل يعبدون غيرها عوضًا عنها. وبصفة عامة أن لكل الشعوب التي افتتنت بالأصنام آراء مختلفة، وديانات مغايرة، ولا توجد ملاءمة في حالة واحدة. وليس هذا بالأمر العجيب.
5- لأنهم إذ انحرفوا عن التأمل في الإله الواحد انحدروا إلى أمور عديدة ومتنوعة. وإذ تحولوا عن كلمة الآب، المسيح مخلص الكل، تشعب ذهنهم بطبيعة الحال في جهات متعددة، وكما أن الناس إذا ما تحولوا عن الشمس وذهبوا إلى أمكنة مظلمة داروا وهاموا على وجوههم في طرق وعرة دون أن يروا الأشخاص الموجودين، وفي الوقت نفسه يتخيلون وجود من ليس لهم وجود، فيصبحون وهم مبصرون لا يبصرون، كذلك أيضًا أولئك الذين تحولوا عن الله، وأظلمت نفوسهم، قد أصبحت عقولهم هائمة حائرة، يتخيلون ما ليس حقيقيًا، كقوم سكارى لا يستطيعون أن يبصروا.
← انظر كتب أخرى للمترجم هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت.
_____
(69) Pelasgians شعب قديم سكن شواطئ وجزائر شرق البحر الأبيض وبحر اليونان.
(70) Thrace منطقة قديمة في الشمال الشرقي من مكدونية.
(71) (هيرودتس 2: 69).
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/fr-morcos-dawoud/against-the-heathens/pagan-worship-invalidity.html
تقصير الرابط:
tak.la/kpsjwd6