الفصل الحادي والثلاثون: 1 | 2 | 3 | 4 | 5
البرهان على وجود النفس العاقلة:
اختلاف الإنسان عن الحيوان،
قوة الإنسان على التفكير الموضوعي. التفكير للعقل كالموسيقى لآلاته. ظواهر الأحلام تدعم هذا.
1- أولًا - إذًا فالطبيعة العاقلة للنفس تتثبت بشدة من اختلافها عن المخلوقات غير العاقلة. لأن السبب في تسميتها بهذا الاسم (أي المخلوقات غير العاقلة) هو أن الجنس البشري عاقل.
2- ثانيًا - وليس هذا برهانًا عاديًا أن الإنسان هو وحده الذي يفكر فيما هو خارج عن نفسه، ويعلل الأشياء غير الموجودة أمامه فعلًا، ويتأمل، ويختار الأفضل. لأن الحيوانات غير العاقلة ترى فقط ما هو أمامها، ولا تتأثر إلا بما تقع عليه أعينها، حتى ولو كانت النتائج ضارة لها، بينما لا يتأثر الإنسان بمجرد ما يراه، بل يحكم فكره فيما يراه بعينيه. فغرائزه مثلًا كثيرًا ما يتحكم فيها العقل، وعقله خاضع لإعادة التأمل والتفكير. وكل واحد يدرك -إن كان محبًا للحق- أن عقل البشرية متميز عن حواس الجسد.
3- ولأنه متميز فهو يتحكم في الحواس، التي حينما ترى المرئيات فإن العقل يميز، ويتأمل، ويبين لها ما هو أفضل. لأن الوظيفة الوحيدة للعين أن ترى، ووظيفة الأذن أن تسمع ووظيفة الأيدي اللمس. ولكن ماذا يجب على المرء أن يرى ويسمع، ماذا يجب عليه أن يلمس ويذوق ويشم، هذا أمر خارج عن نطاق الحواس، ويتعلق بالنفس وبالعقل المستتر فيها. فاليد تستطيع أن تستل السيف، والفم قادر أن يذوق السم، ولكن كلاهما لا يعرف أن هذه مؤذية أن لم يقرر العقل.
4- وإذا ما تأملنا إلى هذه الحقيقة بالاستعانة بتشبيه وجدناه تشبه قيثارة دقيقة الصنع في يد موسيقي ماهر. لأنه كما أن لكل من أوتار القيثارة نغمتها المضبوطة، مرتفعة كانت أو منخفضة أو متوسطة، حادة أو غير حادة، إلا أن أوزانها لا يمكن تمييزها، وأزمانها لا يمكن إدراكها بدون الفنان. لأن الأوزان لا تتبين، والأزمان لا تستقيم إلا إذا ضرب على الأوتار ماسك القيثار ولمس كلا منها بدقة. هكذا الحال أيضًا فإن الحواس في الجسد كالقيثارة متى ساد عليها العقل الماهر استطاعت النفس أيضًا أن تميز وتعرف ماذا تصنع وكيف تتصرف.
5- على أن هذا تتميز به البشرية فقط، وهذه هي الناحية العقلية في النفس البشرية، وبه تختلف عن البهائم، وتبين أنها حقيقة متميزة عما يرى في الجسد. فمثلًا كثيرًا ما فكر المرء وتأمل فيما هو في السماء في الوقت الذي يكون الجسد ملقى على الأرض. وعندما يكون الجسد ساكنًا ومستريحًا ونائمًا كثيرًا ما تحرك المرء داخليًا(83) ورأى ما هو خارج عن نفسه، متجولًا في ممالك أخرى هائمًا، ملتقيًا بمعارفه، وبهذه الوسائل يتكهن ويتنبأ عن أحداث النهار. وهل يمكن أن يعزى هذا إلا للنفس العاقلة التي بها يفكر الإنسان في الأشياء التي تسمو عليه ويدركها؟
← انظر كتب أخرى للمترجم هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت.
_____
(83) وفي بعض القراءات (كثيرًا ما تحرك الإنسان الباطن أي النفس).
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/fr-morcos-dawoud/against-the-heathens/man-vs-animals.html
تقصير الرابط:
tak.la/sya6j7n