الفصل الخامس والعشرون: 1 | 2 | 3 | 4
الذبائح البشرية. سخافتها. كثرتها. نتائجها الوخيمة.
1- على أن البعض قد انحدروا في هذه الأيام إلى هوة سحيقة من الضلال والحماقة فأصبحوا يذبحون حتى الرجال ويقدمونهم ذبائح لآلهتهم الكاذبة، رغم أنها على شكل وصورة الرجال. ولم ير هؤلاء التعساء أن الضحايا التي يذبحونها هي بنفس صورة الآلهة التي يصنعونها ويعبدونها، والتي يقدمون إليها الرجال. ويمكن القول أنهم يقدمون النظائر للنظائر، أو بالحري الأعلى للأدنى. لأنهم يقدمون مخلوقات حية لمخلوقات ميتة، وكائنات عاقلة لأشياء عديمة الحركة.
2- لأن السكيثيين، الذين يدعون التوريين(72) يقدمون كذبائح لعذرائهم -كما يسمونها- أولئك الذين نجوا من السفن التي تحطمت، أي الإغريق الذي يلقون القبض عليهم، وبهذا يُمْعِنون في القسوة والفساد ضد أناس من جنسهم، ويفضحون وحشية آلهتهم، لأن أولئك الذي أنقذتهم العناية الإلهية من الخطر ومن البحر يقتلونهم هم، مقاومين العناية الإلهية، لأنهم يبطلون أعمال رحمة العناية الإلهية بأخلاقهم الوحشية، أما الآخرون فإنهم عندما يعودون من الحرب ظافرين يقسمون أسراهم إلى مئات، ويأخذون رجلًا من كل مائة ويذبحون لآريس الرجل الذي اختاروه من كل مائة.
3- على أنه ليس السكيثيون وحدهم هم الذين يرتكبون هذه الفظائع بسبب الوحشية الطبيعية فيهم كمتوحشين، بل بالعكس أن هذا العمل كان نتيجة لازمة للشر الذي يتصل بالأصنام والآلهة الكاذِبَة. لأن المصريين كانوا مُعتادين سابقًا أن يقدموا ذبائح من هذا القبيل إلى هيرا(*)، والفينيقيين والكريتيون كانوا معتادين أن يترضوا وجه كرونوس(73) بذبح أطفالهم. وحتى قدماء الرومانيين اعتادوا عبادة المشترى لاثياريوس(74) -كما كانوا يدعونه- بتقديم ذبائح بشرية، البعض بإحدى الطرق، وغيرهم بطريقة أخرى، ولكن الكل بلا استثناء ارتكبوا الرجاسات ودنسوا أنفسهم، فدنسوا أنفسهم بارتكاب أعمال القتل، ونجسوا هياكلهم إذ ملئوها بدخان مثل تلك الذبائح.
4- إذًا فقد كان هذا مصدر الشرور المتعددة للبشرية. لأنهم إذ رأوا أن آلهتهم الكاذبة سرت بهذه الأمور بدأوا يقلدون آلهتهم بنفس الأعمال السيئة، ظانين أن تقليد الكائنات السامية -كما كانوا يعتبرونها- فخر لهم. من ثم بدأت البشرية يتضاءل عددها بقتل الرجال البالغين والأولاد، وبإعطاء التصريح لارتكاب كل الأنواع. والآن أصبحت كل مدينة تقريبًا مليئة بكل أنواع الفجور، نتيجة طباع آلهتها الوحشية، كما انه لا يوجد واحد ذو حياة وقورة في هياكل الأصنام سوى ما شهد الجميع بفجوره(75).
← انظر كتب أخرى للمترجم هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت.
_____
(72) Taurians قسم من السكيثيين وكانوا يعيشون في شبه جزيرة القرم بجنوب روسيا ولا تزال المنطقة تُدعى باسمهم توريدا Taurida.
(73) Cronos من أسمَى آلهتهم وكان لا يفضله سوى زفس.
(*) توضيح من الموقع: لم تُعْرَف الذبائح البشرية في مصر، والمعبودة "هيرا" Hera هي من آلهة اليونان، وبالتالي الذبائح المقصودة لها في مصر كانت بالتأكيد فقط من المستوطنات اليونانية في مصر وقت القديس أثناسيوس، أو الذين بدأوا يعبدون آلهة يونانية معهم من المصريين. ووجود اليونانيين في مصر بدأ منذ وقت الإسكندر الأكبر فقط، في القرن الرابع قبل الميلاد. وفي هذا السياق نوضح أيضًا أن قصة موضوع التضحية بـ"عروس النيل" كذبيحة بشرية (الضحية البشرية) هي مجرد أسطورة ظهرت في القرن الخامس عشر الميلادي من خلال المقريزي، وليس لها أي أصل تاريخي في الآثار المصرية المنتشرة في مصر وجميع أنحاء العالم، ولم يقبلها كثير من علماء المصريات المُعتبرين من أمثال د. زاهي حواس وغيره. ولم يعرف المصري القديم موضوع الأضحية البشرية هذا، بل كل ما كان في الأمر أنه كان احتفالًا بالنيل ومجيء المياه، وتقديم هدايا مختلفة له.
(74) Jupiter Latius الإله الذي كان يعتبر محاميًا للتحالف اللاتيني الذي كان مكونًا من ثلاثين مدينة لاتينية.
(75) أي أن التمثال عديم الحياة هو الوحيد بين المصلين الفاجرين الخالي من الرذيلة، رغم أن المصلين ينسبون إليه صفات إلهية، وبالتالي ينسبون إليه حياة داعرة حسب خزعبلاتهم.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/fr-morcos-dawoud/against-the-heathens/human-sacrifices.html
تقصير الرابط:
tak.la/8c45gcz