الفصل الرابع: 1 | 2 | 3 | 4 | 5
انحدار النفس تدريجيًا من الحق إلى الباطل بسبب إساءة استعمالها حقها نحو حرية الاختيار.
1- وإذ ابتعدت عن التأمل في الأمور العقلية، واستخدمت لأقصى حد كل نواحي نشاط الجسد، وتلذذت بالتأمل في الجسد، ورأت أن الملذات جيدة لها، فإنها ضلت وأساءت استعمال اسم الخير، وظنت أن الملذات هي خلاصة الخير، كما لو أصيب إنسان بآفة في عقله وطلب سيفًا ليشهره ضد كل من لقيه، وظن أن هذا هو العقل السليم.
2- ولكنها إذ تردت في محبة الملذات بدأت تخرجها في أشكال مختلفة. لأنها إذ هي بالطبيعة متحركة فإنها لا تفقد حركتها حتى ولو ابتعدت عن الخير. إذن فهي تتحرك لا نحو الفضيلة فيما بعد، ولا لكي ترى الله، بل تستخدم قواها استخدامًا غريبًا، مفكرة فيما لا وجود له، ومسيئة استخدام تلك القوى كوسيلة للملذات التي اخترعتها، طالما كان لها السلطان على ذاتها.
3- لأنه كما كان في استطاعتها من الناحية الواحدة أن تنعطف نحو الخير، كذلك كان في استطاعتها من الناحية الأخرى أن ترفضه. ولكنها برفضها الخير انشغل تفكيرها بطبيعة الحال فيما هو ضده، لأنها لم تستطع مطلقًا أن تمتنع عن الحركة، فهي كما قلت متحركة بالطبيعة. وإذ كانت تعرف سلطانها على ذاتها فإنها كانت ترى بأنها تستطيع استخدام أعضاء جسدها في أحد الاتجاهين، إما إلى ناحية الموجود، أو إلى ناحية العدم.
4- على أن الخير هو الموجود، والشر هو العدم. إذًا فإنني أقصد بالموجود ما هو خير، لأن له مماثلة في الله الموجود. وأقصد بالعدم ما هو شر لأنه ينحصر في الأوهام الباطلة في أفكار البشر. لأنه مع أن للجسد عينين لرؤية الخليقة، ولإدراك الخالق بتركيبها المتوافق كل الموافقة، وأذنين للإصغاء إلى الأقوال الإلهية ونواميس الله، ويدين لإتمام الأعمال الضرورية، ولرفعها إلى الله في الصلاة، إلا أن النفس وقد ابتعدت عن التأمل في الخير، والتحرك في دائرته، صارت تهيم شاردة وتتحرك نحو ما هو ضده.
5- وهي -كما قدمت- إذ ارتضت، أو أساءت استعمال قواها، أدركت أن في استطاعتها تحريك أعضاء الجسد أيضًا في اتجاه مضاد. ولذلك فعوضًا عن النظر إلى الخليقة صارت تحول العين إلى الشهوات، مظهرة أن لها هذا السلطان أيضًا، ومتوهمة أنها بمجرد التحرك تحتفظ بكرامتها ولا ترتكب أية خطية إذا تصرفت كما تريد وتشتهي، غير عالمة أنها لم تُخلق لمجرد التحرك بل للتحرك في الاتجاه المستقيم. وهذا هو الذي من أجله يؤكد لنا أحد الأقوال الرسولية أن “كل الأشياء تحل لي لكن ليس كل الأشياء توافق” (7).
← انظر كتب أخرى للمترجم هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت.
_____
(7) (1 كو 10: 23).
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/fr-morcos-dawoud/against-the-heathens/gradual-decline.html
تقصير الرابط:
tak.la/k9d5p27