بعد هذا قال، وهو لا يعرف حتى عدد الرسل (لقد جمع يسوع حوله عشرة رجال أو أحد عشر من أشر محصلي الضرائب والملاحين، ومع هؤلاء هرب هنا وهنالك جامعًا سبل المعيشة بطريقة مزرية وبإلحاح مخز).
والآن لنرد على هذا على قدر إمكاننا. إن الأمر واضح لقراء الأناجيل. التي يبدو بأن كلسس قد أهمل حتى قراءتها، أن يسوع اختار اثني عشر رسولًا، ولم يكن من بينهم محصل ضرائب سوى متى وحده. ولعل الذين لخبط بصددهم زاعما أنهم ملاحون هم يعقوب ويوحنا نظرًا لأنهما تركا السفينة وأباهما زبدي وتبعا يسوع. لأن بطرس وأخاه أندراوس، اللذين كسبا معيشتهما بشبكة صيد، لا يعتبران ضمن الملاحين بل بين الصيادين كما يقول الكتاب المقدس.
إنني أسلم بأن لاوي أيضا الذي تبع يسوع كان محصل ضرائب، لكنه لم يكن ضمن الرسل، إلا كما ورد في إحدى نسخ إنجيل مرقس. لكننا لا نعرف ماذا كانت مهنة الباقين التي كانوا يحصلون منها على معيشتهم قبل أن يصيروا تلاميذ يسوع.
وإنني أؤكد أيضًا -ردًا على هذا- بأن الذين يدرسون موضوع رسل يسوع دراسة بفهم وتعقل يتضح لهم أن هؤلاء الناس نادوا بالمسيحية ونجحوا في المجيء بالكثيرين لإطاعة كلمة الله بقوة إلهية. لأنهم لم تكن فيهم قوة الكلام أو سرد رواية منظمة وفق المستوى اليوناني المنطقي البليغ الذي يقنع مستمعيهم.
ويبدو لي أنه لو كان يسوع قد اختار بعضًا ممن هم حكماء في أعين الجموع، ذوى قدرة على التفكير والتكلم بما يتفق مع الجماهير، ولو كان قد استخدمهم كوسائل لنشر تعليمه، لكان قد شُك كثيرًا في أنه استخدم طرقًا مماثلة لطرق الفلاسفة الذين هم قادة شيعة معينة -كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في مواضِع أخرى- ولما اتضح من الأدلة الذاتية بأن تعليمه إلهي، لأن الإنجيل والبشارة به كانا بكلام الحكمة المقنع المتضمن في الأسلوب الكتابي المنمق، ولأصبح الإيمان -كإيمان فلاسفة هذا العالم في تعاليمهم- بحكمة الناس، لا بقوة الله.
لو كان أي واحد رأى جماعة من الصيادين ومحصلي الضرائب الذين لم يتلقوا حتى الدراسة الابتدائية (كما تسجل رواية الإنجيل عنهم إلى صدقها كلسس في هذه الناحية قائلًا إنها كانت صادقة فيما قالته عن أن التلاميذ كانوا غير متعلمين) والذين بشجاعة عظيمة كلموا اليهود عن إيمان يسوع، وبشروا به بنجاح بين الأمم الأخرى، أما كان قد اجتهد بأن يكتشف مصدر قوتهم المقنعة؟ لأنها لم تكن تلك القوة التي تحسبها عامة الشعب قوة.
مَن ذا الذي لا يقول إن يسوع قد تمم هذا القول (هلم ورائي فأجعلكم صيادي الناس) (مت4: 19) بقوة إلهية معينة في رسله؟ وبعد أن بيّن بولس الرسول هذا، كما سبق أن بيّنا، قال (وكلامي وكرازتي لم يكونا بكلام الحكمة الإنسانية المقنع بل ببرهان الروح والقوة لكي لا يكون إيماننا بحكمة الناس بل بقوة الله) (1كو2: 4- 5). ووفقًا لما قيل في الأنبياء عندما أذاعوا الكرازة بالإنجيل (أعطى الرب، ملك قوات الحبيب) كلمة للمبشرين بالإنجيل بقوة عظيمة) (مز68: 11- 12). وهكذا تمت النبوة القائلة (سريعا جدًا تجرى كلمته) (مز47: 14- 15). ونحن نرى أن صوت رسل يسوع (خرج في كل الأرض وإلى أقصى المسكونة كلماتهم) (مز19: 4، رو10: 18). وبناء على هذا فإن الذين يسمعون الكلمة ينادى بها بقوة يمتلئون قوة، وهذه القوة، يظهرونها بإخلاصهم وبحياتهم وبجهادهم إلى الموت من أجل الحق (سيراخ4: 28). لكن هنالك بعض الأشخاص الفارغين، الذين ليست لديهم أية قوة إلهية رغم ادعائهم الإيمان بالله بيسوع، وهم إنما يتظاهرون بأنهم قد تجددوا وقبلوا كلمة الله.
ورغم أنى ذكرت فيما تقدم قولا نطق به المخلص في الأناجيل فإنني سأذكره لأنه مناسب الآن، إذ هو يبين سابق علم المخلص عن التبشير بالإنجيل الواضح بأنه إلهى، وعن قوة الكلمة التي تغلب -بدون معلمين- بقوة إقناعها الإلهية أولئك الذين يؤمنون. فيسوع يقول (الحصاد كثير ولكن الفعلة قليلون. فاطلبوا من رب الحصاد أن يرسل فعلة لحصاده) (مت9: 37- 38).
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/fr-morcos-dawoud/against-celsus/evangelism.html
تقصير الرابط:
tak.la/9vnyhhw