إن التحيز والمشاجرات مزعجة لأنها تجعل الناس لا يكترثون حتى بالحقائق الواضحة، وتمنعهم من الإقلاع عن العقائد التي تعودوها، والتي تشكل وتصيغ نفوسهم(19). والواقع أنه أيسر للإنسان أن يقلع عن عاداته في نواح أخري، حتى إذا ما وجده من العسير أن ينتزع نفسه منها، عن أن يقلع عن معتقداته الدينية. ومع ذلك فالناس الذين تأصلت فيهم عاداتهم لا يجدونه ميسورًا أن يهجروا ما لا يتصل بالناحية الدينية. وهكذا نري أن الناس الذين يتحيزون لبيوت معينة، أو مدن معينة، أو قرى معينة، أو لأصدقاء أليفين، لا يجدونه ميسورًا أن يهجروهم. وهذا هو السبب الذي دعا الكثيرين من اليهود وقتئذ لا يكترثون بالإتمام الواضح للنبوات، وبالعجائب التي تممها يسوع، وبالآلام التي قيل إنه تحملها.
أما إن هذا كان هو الاختبار الطبيعي للناس، فيتضح للذين يلاحظون أن مَن يتحيزون حتى لتقاليد آبائهم ومواطنيهم المخجلة جدًا والباطلة جدًا، لا يسهل تغيير آرائهم. فمثلًا لا يستطيع المرء أن يقنع المصري بسهولة بأن يحتقر ما استلمه من آبائه، فلا يؤله أي حيوان غير عاقل، أو يحذر من يذوق لحم حيوان من هذا القبيل حتى ولو أدى امتناعه إلى الموت.
ومع أننا دخلنا في التفاصيل فإننا إذ نناقش -علي أوسع مدي- هذا الموضوع المتعلق ببيت لحم والنبوة الواردة عنه -كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في مواضِع أخرى- نراه ضروريًا أن نفعل هذا ردًا علي مَن يريدون أن يقولوا بأنه إن كانت النبوات عن يسوع، التي بين أيدي اليهود، واضحة بهذه الكيفية، فلماذا إذن لم يقبلوا تعاليمه عندما جاء، ولم يغيروا حياتهم إلي مستوي التعاليم السامية جدًا التي بيّنها لهم يسوع؟ لكن يجب أن لا يوجه أي واحد لومًا من هذا القبيل لأي واحد منا نحن المؤمنين، عالمًا بأن تلك الدوافع القوية للإيمان بيسوع قد قدمها أولئك الذين تعلموا أن يصفوها.
_____
(19) أنظر ما كتبه سنيكا في كتابه Ep.Lxxi, 31.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/fr-morcos-dawoud/against-celsus/bible.html
تقصير الرابط:
tak.la/dyjqrz6