الفصل الثالث
← الرعاية الاجتماعية - الرعاية الأدبية والروحية - الرعاية والتعليم (ثلاثة أنواع من التعليم)
وتعني كل أعمال الرحمة التي خصت بها الكنيسة الأولى أعضاءها من الفقراء والمنكوبين والأرامل والأيتام في شتى صور عوزهم واحتياجاتهم... وقد استمدت الكنيسة الأولى مشاعر العطف على الفقراء من كلمات رب المجد يسوع نفسه، وحياته الجسدية على الأرض.
← نظرة الكنيسة للفقراء - التنظيم المالي والرعوي في كنيسة الرسل (التنظيم الرعوي - التنظيم المالي) - الاشتراكية الرسولية
· عاش السيد المسيح وهو رئيس ملوك الأرض (رؤ 5:1) في العالم فقيرًا، ليس له بيت يأوى إليه، ولا حتى موضع يسند فيه رأسه (مت 20:8) ولا يمتلك ثوبين... وقد أظهر بتصرفاته حنوًا بالغًا على الفقراء، وفتح بكلماته وأمثلته عن الرحمة كنوز الأغنياء، حينما أظهرها في صورة مشرقة قوية قادرة أن توصل إلى المجد.
· وهكذا رُفع الفقراء وكُرموا بعد أن جعلهم المسيح اخوته واعتبر من يصنع بهم من أعمال الرحمة كأنها قدمت إليه.
· ويقدم لنا سفر أعمال الرسل البرهان العملي على ايمان أعضاء الكنيسة الأولى بعمل الرحمة، فيذكر لنا من باعوا حقولًا وبيوتًا وقدموا أثمانها للكنيسة... ومن بينهم يسجل لنا أسماء برنابا الرسول وحنانيا وسفيرة (أع 4: 34 – 2:5). كما يذكر اسم طابيثا التي اهتمت بالفقراء وعلى الأخص بالأرامل (أع 36:9: 39).
إن المجتمع المسيحي الأول كان معظم أعضائه من العناصر الفقيرة الكادحة ومع ازدياد عدد المؤمنين يومًا فيوم أخذت مسئوليات الكنيسة تتزايد... وأصبحت الحاجة ماسة إلى تنظيم رعوي للفقراء بالإضافة إلى تنظيم مالي...
أقامت الكنيسة الأولى السعة شمامسة كهيئة مسئولة عن خدمة الموائد وهو اصطلاح يعني " الخدمة الاجتماعية ". وكانت الكنيسة في الفترة المبكرة جدًا تقدم وجبات طعام يومية لفقراء المؤمنين.
· التنظيم المالي:-
الغرض منه أن يحيا كل فرد في الجماعة حياة كريمة " لم يكن فيها أحد محتاجًا" (أع 34:4). هذه الحياة الكريمة جاءت نتيجة للحياة المشتركة " كان عندهم كل شيء مشترك" (أع 32:4).
· تتميز الاشتراكية المسيحية الأولى بما يلي:-
1- لم تكن إجبارية:-
" لكي لا يكون خيرك كأنه على سبيل الاضطرار بل على سبيل الاختيار" (غل 14:1).
2- لا تعني التجرد التام من كل شيء:-
فمريم أم يوحنا الملقب مرقس استمرت تمتلك بيتًا في أورشليم كانت تعقد فيه اجتماعات الكنيسة (أع 12:12).
3- هذه الاشتراكية كانت وليدة مفهوم روحي جديد ونتيجة عمل النعمة في القلب:-
" هكذا عن الكثيرين جسد واحد في المسيح وأعضاء بعضًا لبعض، كل واحد للآخر" (رو 5:12).
← انظر كتب أخرى للمؤلف هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت.
← الحياة الأدبية - السلطان الكنسي (أمثلة لسلطان الكنيسة) - التأديبات الكنسية
· الكنيسة المسيحية الناشئة وهي محاطة بكل غوايات الوثنية وشرورها ومفاسدها – كان عليها أن تسهر دائمًا " اسهروا. اثبتوا في الإيمان. كونوا رجالًا. تقووا" (1 كو 13:16).
· وتعكس لنا بعض رسائل القديس بولس صورًا لفساد العالم الوثني القديم وإشارات إلى أن العالم كان أقوى من بعض حديثي الإيمان واستطاع أن يستردهم ويطويهم في لججه... ومن أمثلتهم ديماس الذي " أحب العالم الحاضر" (2 تي 10:4).
· كانت المعركة التي خاضتها الكنيسة ضد كل أنواع الفساد الخلقي "عبادة الأوثان، سحر، عداوة، خصام، غيرة، سخط، تحزب، شقاق، بدعة، حسد، قتل، سكر، بطر وأمثال هذه" (غل 19:5). لكنها تركزت بالأكثر ضد خطايا الجسد فكان الامتناع عن الزنا هو أحد قرارات مجمع أورشليم (أع 15: 19-20)، التي قال عنها بولس الرسول "أعمال الجسد ظاهرة التي هي زنى، عهارة، نجاسة، دعارة" (غل 19:5).
· ويكشف لنا تحذير القديس بولس المستمر من الوقوع في خطايا الجسد، ما كان يمكن أن تحدثه هذه الخطايا في نفوس البعض، نتيجة استعدادهم الخطير للارتداد إلى غواية الخطية. وكانت الكنيسة لا تتساهل مع الأعضاء الدنسيين الذين في وسطها لأنها كانت تدرك تمامًا، أنها لو سمحت بالانحلال الخلقي والدعارة فسيتلاشى وجودها.
· فالعقوبة القاسية التي أوقعها القديس بولس على الشاب الزاني بالمحارم في كورنثوس (1 كو 5: 3-5) لم تكن حادثة فريدة. فقد كانت الكنيسة تطرد وتقطع من شركتها، مرتكبي هذه الخطايا الشنيعة.
· وبفضل جهود الكرازة والخدمة التي قام بها خدام أمناء ورعاة ملتهبون من أمثال بولس الرسول وغيره من الكارزين ومؤزارة روح الله وعمله في المخدومين، نمت أدبيات المسيحيين وروحياتهم في ذلك العصر إلى درجة كبيرة من الطهارة والتقوى والقداسة.
· واتسمت المسيحية الكنسية الأولى بكل جمال خليقة الله الجديدة. وكان لذلك أثر عظيم في انتشار الإيمان بصورة مذهلة... فقد أحب العالم القداسة وأمن بأفضليتها، حينما رأوا أناسًا قديسين.
· هذه الكنيسة التي اقتناها الله بدمه، كان لابد لها من سلطان عال يرعى كيانها ويحفظه ويدبر أمورها الداخلية... هذا ما نسميه " سلطان الكنيسة" وقد انتقل هذا السلطان إليها من الرب نفسه. الذي قال لرسله القديسين قبل صعوده إلى السماء " دُفع إليّ كل سلطان في السماء وعلى الأرض. فاذهبوا وتلمذوا جميع الأمم وعمدوهم باسم الآب والابن والروح القدس. وعلموهم أن يحفظوا جميع ما أوصيتكم به. وهاأنا معكم كل الأيام إلى انقضاء الدهر" (مت 28: 18-20).
· وقد تقلد الرسل هذا السلطان أيضًا حينما قال لهم " وإن لم يسمع من الكنيسة فليكن عندك كالوثني والعشار. الحق أقول لكم كل ما تربطونه على الأرض يكون مربوطًا في السماء وكل ما تحلونه على الأرض يكون محلولًا في السماء" (مت 18: 18، 17)... بل قد جعل الرب صوت الكنيسة كصوت الله نفسه " الذي يسمع منكم يسمع مني" (لو 16:10).
· وقد استخدمت كنيسة الرسل هذا السلطان الإلهي المعطي لها كسياج للحفاظ على حياة المؤمنين الروحية والأدبية ولصون الإيمان الأرثوذكسي وكل ما يتصل بنظام الكنيسة وعبادتها.
· تكلم القديس بولس عن هذا السلطان الإلهي فقال " فإني وإن افتخرت شيئًا أكثر بسلطاننا الذي أعطانا إياه الرب لبنيانكم لا لهدمكم لا أخجل لئلا أظهر كأني أخيفكم بالرسائل" (2 كو 10: 9، 8).
· وقال أيضًا: "لذلك أكتب بهذا وأنا غائب لكي لا أستعمل جزمًا وأنا حاضر حسب السلطان الذي أعطاني إياه الرب، للبنيان لا للهدم (2 كو 10:13).
1- المحافظة على حياة المؤمنين الروحية والأدبية:-
· موقف القديس بولس إزاء الشاب الذي ارتكب الزنا بالمحارم في كورنثوس (1 كو 5: 3-5).
· يكتب بولس لكنيسة كورنثوس: "هذه المرة الثالثة أتي الكم على فم شاهدين وثلاثة تقوم كل كلمة. قد سبقت فقلت وأسبق فأقول كما وأنا حاضر المرة الثانية وأنا غائب الآن أكتب للذين أخطأوا من قبل ولجميع الباقين إني إذا جئت أيضًا لا أشفق" (2 كو 13: 2، 1).
2- الحفاظ على الإيمان الأرثوذكسي:-
· ما قاله بولس الرسول لكنيسة غلاطية " ولكن إن بشرناكم نحن أو ملاك من السماء بغير ما بشرناكم فليكن أناثيمًا" (غل 8:1).
· ما قاله بولس الرسول عن الذين يعلمون تعليمًا خاطئًا " الذين منهم هيمينايس والاسكندر اللذان أسلمتهما للشيطان لكي يؤدبا حتى لا يجدفا" (1 تي 20:1).
3- المحافظة على نظام الكنيسة وعبادتها:-
· ما قاله معلمنا بولس لكنيسة كورنثوس: "كما دعا الرب كل واحد هكذا ليسلك وهكذا أنا آمر في جميع الكنائس" (1 كو 17:7)... " ولكن إن كان أحد يظهر أنه يحب الخصام فليس لنا نحن عادة مثل هذه ولا لكنائس الله" (1 كو 16:11).
· يقول للتسالونيكيين: "ثم نوصيكم أيها الأخوة باسم ربنا يسوع المسيح أن تتجنبوا كل أخ يسك بلا ترتيب وليس حسب التقليد الذي أخذه منا... وإن كان أحد لا يطيع كلامنا بالرسالة فسموا هذا ولا تخالطوه لكي يخجل" (2 تس 3: 14،6).
· مارست كنيسة الرسل سلطانها المعطى لها من الله لبنيان نفوس أعضائها فأوقعت على بعض المنحرفين والخطاة بعض تأديبات خاصة بقصد تقويمهم في الفضيلة وتهذيب نفوسهم وتدريبهم على التقوى... وهذه التأديبات ليست قصاصًا أو عقابًا يكفر عن خطية الإنسان فالخطية لا يكفر عنها سوى دم المسيح وحده.
· ونلاحظ في كتابات العهد الجديد وقوانين الرسل أن هذه التأديبات الكنسية كانت تتسم بروح المحبة والحنو والرحمة وطول الروح وتستهدف بالفعل بنيان المؤمنين لا هدمهم (2 كو 9:10؛ 10:13).
· فالكنيسة قد تسلمت هذه الروح من الرب يسوع الذي أظهر ملء الحنان والحب والشفقة في معاملته للخطاة وفي اقتيادهم إلى التوبة...
· فالشاب الذي ارتكب خطية زنا بالمحارم في كورنثوس بعد أن قدم ثمار توبته كتب معلمنا بولس إلى الكنيسة يقول: "مثل هذا يكفيه هذا القصاص الذي من الأكثرين حتى تكونوا بالعكس تسامحونه بالحري وتعزونه لئلا يُبتلع مثل هذا من الحزن المُفرط. لذلك أطلب أن تمكنوا له المحبة" (2 كو 2: 6-8).
· ويكتب إلى كنيسة تسالونيكي يقول: "إن كان أحد لا يطيع كلامنا بالرسالة. فسموا هذا ولا تخالطوه لكي يخجل م.. ولكن لا تحسبوه كعدو بل انذروه كأخ" (2 تس 14:3).
· فالتأديبات الكنسية تتدرج وتتفاوت في نوعها حسب الخطأ الذي ارتكبه الشخص وأقصى عقوبة كانت هي الفرز من الكنيسة... لكن حتى في هذه الحالة كان الهدف هو أن يخجل الخاطئ ويحس بما ارتكبه...
· كان التعليم يمثل قطاعًا متميزًا في الرعاية في حياة الكنيسة الأولى.
· فقد كانت وصية الرب لرسله قبيل صعوده أن يذهبوا ويتلمذوا جميع الأمم ويعمدوهم ويعلموهم أن يحفظوا جميع ما أوصي به (مت 28: 18-20) وقبل أن يأمرهم بالذهاب والتعليم وأعطاهم سلطانًا "... هذا السلطان هو سلطان التعليم. ليس لكل إنسان أن يُعلم. بل للذين أُعطي لهم. وموهبة التعليم هي إحدى مواهب الروح القدس.
· احتاجت الكنيسة الأولى إلى التعليم أكثر من أي زمان آخر. فالمؤمنون الجدد كانوا في حاجة إلى ثبات في الإيمان مقابل أعدائهم الذين كانوا يثيرون عليهم أتعابًا، وكانوا في حاجة إلى معرفة عقلية عقيدية عن هذه الديانة الجديدة وعن كل ما يتعلق بها.
· اهتم الرسل بالتعليم وجعلوه من الشروط الأساسية لاختيار السقف " أن يكون صالحًا للتعليم" (وهناك ثلاثة أنواع من التعليم):-
(1) نوع يختص بتبشير غير المؤمنين وهو ما يسمى (Kerygma).
(2) نوع يختص بتعليم الموعوظين قبل العماد وهو ما يسمى (Didache).
(3) نوع يختص بتعليم المؤمنين أنفسهم وكان يهدف إلى الحث على الثبات في الإيمان والفضيلة وهو ما يعرف باسم (Paraklesis) (أع 22:14؛ 32:15).
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/fr-maximos-samuel/st-paul/care-fields.html
تقصير الرابط:
tak.la/wy2vg33