St-Takla.org  >   books  >   fr-dawood-lamey  >   service
 
St-Takla.org  >   books  >   fr-dawood-lamey  >   service

مكتبة الكتب المسيحية | كتب قبطية | المكتبة القبطية الأرثوذكسية

كتاب الخدمة هي الحل - القمص داود لمعي

2- الوحدة

 

أ. وحيد، فقد زوجته المحبوبة من سنوات طويلة، بعد صراع مع المرض، وكان يحبها جدًا، فتركت له فراغًا هائلًا، وثلاثة أولاد!

وانشغل أ. وحيد بعمله وبأولاده كل الانشغال لكي ينسى وحدته، وكان حينما يخلو لنفسه دقائق تتسارع الدموع إلى عينيه حين يتذكر زوجته، فكان يهرب من هذه الدقائق. وكبر الأولاد وتزوجوا، وسافر اثنان منهم للخارج، والثالث مشغول في بيته مع أولاده.

ودخل أ. وحيد سن المعاش، ولم يعد هناك إلا الوحدة. وكانت علاقة أ. وحيد بالكنيسة علاقة بسيطة، فقد كان يواظب على قداس الأحد وعادة ما يتأخر عن الإنجيل، ولم يكن يقرأ أو يصلي إلا "أبانا الذي... " قبل النوم. وكان يظن أنه بهذا يُرضي الله وضميره.

ولأول مرة في القداس يبكي أ. وحيد وحدته، ويطلب معونة وتدخل إلهي! فلم يعد هناك شغل ولا زوجة، وحتى الأولاد أصبحت العلاقة مقتصرة على التليفونات! وخرج أ. وحيد بعد التناول وعلى سلم الكنيسة قابله أ. فرج بفرح، فهو زميل دراسة قديم، وسأله عن ظروفه وعن سن المعاش وكيف يشغل وقته؟ وكادت الدموع تغلبه مرة أخرى في هذا اليوم، وأحس أ. فرج به فقال له: "وحيد، إنت لازم تيجي تخدم معانا، أنا مش لاحق أروح بيتي". قالها أ. فرج بابتسامة رقيقة وربت على كتفه وقال له: "هاشوفك ضروري، في اجتماع خدام إخوة الرب يوم... الساعة... أنا عارف إنك هتنبسط".

St-Takla.org         Image: Feeling of emptiness, loneliness صورة: الشعور بالفراغ، الفراغ، التخلي، الوحدة

St-Takla.org Image: Feeling of emptiness, loneliness

صورة في موقع الأنبا تكلا: الشعور بالفراغ، الفراغ، التخلي، الوحدة

شكره أ. وحيد ومضى إلى بيته وحيدًا. وفوجئ في يوم الاجتماع أن أ. فرج يكلمه تليفونيًا قبل الاجتماع بساعتين ويؤكد عليه الحضور، فخجل منه، واستعد للذهاب.

ودخل أ. وحيد الكنيسة لأول مرة في اجتماع روحي، اجتماع الخدام، وشعر بخجل في الصلاة إذ أنه لا يعرف في الأجبية شيئًا، ولا يدري في أي صفحة يقرأون، وإدعى خجلًا أمام ضميره أن نظارة القراءة لم تكن معه!

وجلسوا للترنيم، وشعر بسعادة جديدة عليه، بتعزية. وسمع كلمة روحية عن الاقتراب لله، وكانت كل كلمة يسمعها يشعر أنها موجهة له، وكأن ليس في الاجتماع غيره، حتى أنه كان يتلفت حوله ليرى هل يرى تأثره أحد؟! ولكن الجميع كانوا منتبهين للعظة.

ولأن الاجتماع كان مزدحمًا، ظن أنه لن يجد أ. فرج واكتفى بالميعاد لأنه لا يريد التأخر ليلًا. وعلى باب الكنيسة أثناء خروجه بعد الصلاة الختامية وجد أ. فرج على الباب بابتسامته الرقيقة يقول له: "نوَّرت الاجتماع، على فين؟!". فأجابه: "مروّح، مش خلاص كده؟!". "خلاص إزاي؟! إحنا اتفقنا هنخدم، تعالى معي".

وبحب الأصدقاء أمسكه من يده، وتقدم الصفوف مرة أخرى إلى أبونا، وعرفه بالأستاذ وحيد، واستقبله أبونا باهتمام وترحيب وطلب منه الانتظار قليلًا، فلم يتركه أ. فرج، حينئذ سأله أ. وحيد "هو انتم بتعملوا إيه في الخدمة؟". قال أ. فرج: "إحنا بنخدم المناطق الفقيرة، يعني بنزورهم وبنشوف احتياجاتهم وأحوالهم وبنعيش مشاكلهم وبنصلي معاهم وبناخذ بركتهم". قال أ. وحيد: "لكن أنا عمري ما خدمت ومعرفش اتكلم في الدين". فرد أ. فرج مبتسمًا: "كلنا كنا كده، بس الحكاية سهلة والناس بسيطة، إنت هتنزل مع حد يعلمك ويسلمك، أصل الحكاية مش وعظ ولازم تجرب".

ظل أ. وحيد مترددًا إلى أن قابله أبونا وشجعه جدًا، ونصحه بأن يبدأ مع أ. فرج بحكم الصداقة القديمة. وجاء يوم الخدمة، وكان أ. وحيد رجل التزام بطبعه، فهو نتاج سنوات من العمل والنجاح. فكان في المكان المتفق عليه قبل الميعاد بدقائق، وقابله مجموعة من الخدام مختلفي الأعمار، ولكن ما شجعه أنه لاحظ أنه هناك على الأقل ثلاثة ممن هم على المعاش مثله، الكل مبتسم، مُرحب، متفائل هكذا قال أ. وحيد في سره.

وجاء أ. فرج يلهث على الميعاد بالضبط، وكان قائد الفريق (أمين الخدمة) -هكذا اكتشف أ. وحيد- ووجد الكل يحبونه ويضحكون معه كالأطفال ونظر أ. وحيد له وقال في سره: "يا بختك، كل الناس دول يعرفوك وبيحبوك!". وركبت المجموعة -المكونة من عشرون خادمًا- أتوبيس صغير وبدأوا بالصلاة، ووجد أ. وحيد إن الكرسي الملاصق له يجلس فيه إنسان وديع وإسمه وديع – في الأربعينيات من عمره، وفتح له الأجبية على الصفحة وظل يقلب معه الصفحات باتضاع وأدب، مما جعل أ. وحيد يشعر بالارتياح وبدأ يُصلي المزامير. وبعد الصلاة، قال أ. فرج بصوت عالي: "بنرحب كلنا بالأستاذ/ وحيد، وهو خادم جديد وسطينا وصديق قديم". فوجد تصفيقًا حادًا من الكل مما أجبره على ابتسامة واسعة كانت قد فارقته من سنين طويلة.

ثم بدأ أ. فرج يشرح موضوع اليوم وكان عن الصلاة، وكان مُركزًا، واضحًا، بسيطًا، وقال: "بصوا، إحنا اللي يهمنا في آخر الموضوع اللي هانقوله في كل بيت، وهو إن الناس تحب تصلي، وتبتدي تصلي بانتظام، ومش عاوزين كلام وعظ طويل، لأن الناس بسيطة وأغلبها مش بيعرف يقرأ، وعاوزين نبتدي نشجعهم يحفظوا صلاة الشكر والمزمور الخمسين، وده في مدة الستة شهور القادمة، وهانحكي معاهم النهاردة حكاية صديق نصف الليل (إنجيل لوقا 11: 5-8) (اضغط على الرابط السابق هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت لقراءة الأصحاح كاملًا).

ثم مال أ. وحيد على أ. وديع بقلق وقال: "أنا مش هاتكلم ولا أقول حاجة" فابتسم أ. وديع برقة وقال: "ماتخافش، معاك شهرين فرجة". وبدأ أ. فرج يوزع المسئوليات، والخدام اثنين اثنين، فقال أ. وحيد مندفعًا: "ممكن أنزل مع وديع؟" أجاب أ. فرج بسرعة: "طبعًا ممكن".

ووصل الفريق المنطقة الفقيرة (مكان خدمتهم)، وتعجب أ. وحيد من حماس الخدام ومحبتهم للفقراء ومقابلتهم بترحيب شديد، ودخل ثلاثة بيوت فقيرة شبه معدمة مع وديع، الذي أُعجب به جدًا في كلامه البسيط عن الصلاة، ومحاولة تكرار كلمات "فلنشكر صانع الخيرات... " للناس حتى يحفظونها، ولكنه لم يستطع أن يصارحه إلا بعد شهور أنه نفسه (أ. وحيد) لم يكن يحفظها.

واشتكى البعض من المشاكل: الفقر والظروف... ، وكان أ. وحيد صامتًا يتفرج كما أوصونه، فوجد أ. وديع يقول للناس: "ربنا يدبر الصالح، هانشوف، حاضر، مش ناسيكم... " لكنه لم يعد بشيء ولم يدفع شيء.

وفي الرجوع، وقف أ. وديع وتحدث أمام المجموعة عن مشكلة أحد البيوت التي تحتاج لسقف مسلح قبل الشتاء، وبسرعة تقدم أحد الخدام باقتراح متابعة التنفيذ، وصارحهم أ. فرج إن صندوق الخدمة لا يحتمل إلا تكلفة شهريات الأرامل وبركة العيد، واقترح الكل أن يجمعوا مبلغًا خصيصًا لهذا السقف.

وجلس أ. فرج إلى جانب أ. وحيد الدقائق الأخيرة قبل الوصول إلى الكنيسة وسأله عن رأيه، فأجاب أ. وحيد: "رائع، بس أنا مش هاعرف اتكلم زيكم". أجاب أ. فرج: "ماتخافش، إنت بس واظب على الاجتماع والخدمة كام شهر، هتلاقي كل حاجة هاتيجي في وقتها هاتبقى أحسن مننا كلنا". ورجع أ. وحيد إلى الكنيسة مرهقًا جدًا، وتذكر أيام الشغل وتعبه من سنين، لكنه كان سعيدًا.

ومرت الشهور تباعًا وأحب أ. وحيد الخدمة جدًا، وزادت مسئولياته، واستُبدلت دموع الوحدة، بدموع حب الله، ودموع حب الفقراء، ودموع الصلاة من أجل المحتاجين. وأحب الخدام أ. وحيد، وبعد سنتين فوجئ أ. وحيد بأبونا يستدعيه، وتصور أنه لا بد أنه أخطأ في شيء وشعر بالخوف من المؤاخذة. وإذ بأبونا يقول له: "إيه رأيك يا أ. وحيد آن الأوان تمسك مجموعة جديدة في منطقة جديدة فقيرة؟ لأن الحصاد كثير والفعلة قليلون (مت 9: 37)، (لو 10: 2)".

احمر وجه أ. وحيد خجلًا وقال بدون تفكير: "أنا؟! مش معقول أبدًا، أنا ما اعترفتش غير من سنتين، وأول مرة أمسك الأجبية والإنجيل بانتظام، أنا لسه في حاجات كثيرة ماعرفهاش". وابتسم أبونا وقال له: "ماتخفش، اللي ابتدى يكمل، ومتنساش إن قوته في الضعف تكمل (2 كو 12: 9)، وأ. فرج هينزل معاك أول كام مرة لتنظيم الخدمة، وأي مشكلة تبقى ترجع له أو ترجع لي، أنا واثق فيك".

خرج أ. وحيد من مكتب أبونا والدموع في عينيه، ونظر إلى السماء، وقال في سره: "ماستهلش يا رب". ولم يعد أ. وحيد وحيدًا، ولم يعد الوقت كافيًا،

ولم يعد في القلب إلا حب الله وحب الناس وحب الخدمة.


الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع

https://st-takla.org/books/fr-dawood-lamey/service/loneliness.html

تقصير الرابط:
tak.la/dpdbjs8