كانت سعاد أخصائية اجتماعية، نشيطة، محبوبة، وكانت شعلة نشاط في بيتها وفي المدرسة التي تعمل بها، ولم يكن لها إلا ابنة واحدة وزوج طيب، وبيت هادئ، ولم تكن علاقتها بالكنيسة قوية.
وكانت سعاد على خلاف قديم مع أختها، من وقت انتقال والدتهما ودخل الشيطان بينهما، ولم تعد تكلمها بالسنين! وكلما تذكرتها أحست بغضب داخلي، وتذكرت كل الكلام الصعب الذي دار بينهما، وكانت تردد بداخلها: "منها لله!". تزوجت ابنتها وسافرت مع زوجها للبلاد العربية، وتحولت علاقتهما إلى تليفونات يومية ودعوات حارة. وأحست سعاد بتعب غريب في قدميها وثقل في الحركة، وبدأت رحلة العلاج وانزعجت جدًا من تشخيص الأطباء، الذي فاجئها أنه مرض في الأعصاب، سيصيبها بشلل قريب وليس له علاج!
بكت سعاد بشدة وتذمرت، واعترضت، وقالت: "ليه؟". واستطاع زوجها أن يحضر أبونا الكاهن ليشجعها، ولكنها كانت جافة جدًا معه، وكانت دائمًا تقول: "أنا كنت عملت إيه وحش علشان يحصل كده؟". وحاول أبونا أن يقنعها بحب الله أبونا السماوي، وبركات الألم والتجربة، ولكنها كانت تسمع غير مقتنعة، وبعصبية شديدة كانت ترفض كل تشجيع.
وزاد المرض، ولم تعد قادرة على الحركة بقدميها، وكانت أول يوم تجلس فيه على الكرسي المتحرك، يومًا حزينًا لا تنساه. وجاءت ابنتها بضعة شهور لتخدمها، ولكنها لم تستطع أن تمكث معها أكثر من ذلك، من أجل زوجها وطفلتها. وظل زوجها "صالح" زوجًا صالحًا، يخدمها ويصبرها، ويحاول معها حتى أن تتناول في البيت، ولكنها بغضب كانت ترفض كل شيء!
وجاءت لزيارتها "إيمان" -خادمة من الكنيسة- كانت تعمل معها في نفس المدرسة، وكانت تحبها. وبكت معها وهي تسمع شكواها، وإحباطاتها، وكانت إيمان قد صلت كثيرًا قبل هذه الزيارة لكي يعطيها الله نعمة في الكلام مع سعاد المجربة. واستأذنت إيمان سعاد في أن تقرأ لها جزء من الإنجيل كما تعودت في زيارة الافتقاد، فأذنت لها سعاد على مضض. واختارت إيمان (يعقوب 1) لتقرأه لصديقتها القديمة: "اِحْسِبُوهُ كُلَّ فَرَحٍ يَا إِخْوَتِي حِينَمَا تَقَعُونَ فِي تَجَارِبَ مُتَنَوِّعَةٍ،3 عَالِمِينَ أَنَّ امْتِحَانَ إِيمَانِكُمْ يُنْشِئُ صَبْرًا4 وَأَمَّا الصَّبْرُ فَلْيَكُنْ لَهُ عَمَلٌ تَامٌّ، لِكَيْ تَكُونُوا تَامِّينَ وَكَامِلِينَ غَيْرَ نَاقِصِينَ فِي شَيْءٍ.5 وَإِنَّمَا إِنْ كَانَ أَحَدُكُمْ تُعْوِزُهُ حِكْمَةٌ، فَلْيَطْلُبْ مِنَ اللهِ الَّذِي يُعْطِي الْجَمِيعَ بِسَخَاءٍ وَلاَ يُعَيِّرُ، فَسَيُعْطَى لَهُ. 6 وَلكِنْ لِيَطْلُبْ بِإِيمَانٍ غَيْرَ مُرْتَابٍ الْبَتَّةَ" (رسالة يعقوب 1: 2).
وبدأت إيمان تشرح كيف يمكن للتجربة أن تصير سبب فرح بالإيمان، وبالصلاة، والصبر، والعمل التام. وفتح الله قلب سعاد لتسمع هذه المرة، وقالت لها: "طيب أنا ممكن أعمل إيه دلوقتي؟!"
أجابتها إيمان وقالت لها: كفاية تذمر، إيه رأيك تقولي: "يا ربي يسوع المسيح أشكرك، يا ربي سامحني على كل حاجة، يا ربي ساعدني على احتمال المرض"؟
قالت سعاد لأول مرة: "حاضر، هاحاول، وإيه كمان؟"
قالت لها إيمان: "وتحاولي كل يوم تِقري إصحاح بتمعن وتصلي بالأجبية باكر ونوم وتسمعي شريط وعظة".
ضحكت سعاد وقالت لها: "بالراحة عليَّ يا إيمان". فقالت "إيمان" بإيمان: "صدقيني جربي وهتشوفي إن نفسيتك هتكون أحسن، وأنا هاطلب من أبونا يجي يناولك في البيت".
بدأ التغيير يظهر على سعاد، وظلت إيمان تعاودها بالزيارة كل أسبوع، وتقرأ معها الإنجيل، ظلت سعاد متمسكة بالشفاء في كل صلواتها، وظل الوقت طويلًا مملًا.
وفي زيارة بعد شهرين، سألت سعاد إيمان: "هو اللي زيي ممكن يخدم إزاي؟ أنا سمعت عن أهمية الخدمة وبركاتها، ومش ناسية أول زيارة لكِ يا إيمان، الآية اللي بتقول: "لْيَكُنْ لَهُ عَمَلٌ تَامٌّ" (رسالة يعقوب 1: 4) (اضغط على الرابط السابق هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت لقراءة الأصحاح كاملًا)، إيه اللي ممكن أعمله وأنا كده؟ مش باتحرك برجليَّ؟".
ترددت إيمان وقالت بحكمة، خلينا نصلي الأسبوع ده وربنا يفتح لنا باب للخدمة يناسبك. وذهبت إيمان تسأل أب اعترافها، بماذا ينصحها؟! فأجاب أبونا: "التليفونات ممكن تبقى خدمة، خليها تسأل على الناس التعبانة وتقول لهم كلمة حلوة، آية أو حكمة، وبالذات الذين في وحدة أو المسنين أو حتى المرضى اللي زيها".
رجعت إيمان بالإجابة لسعاد، التي فاجأتها وقالت لها: "أنا كمان لقيت فكرة مشابهة، أنا مسجلة على الموبايل حوالي 100 تليفون ناس معرفة، هابعت لهم كل كام يوم آية من اللي بقراها لأني هاتكسف أكلم الناس كثير لحسن يزهقوا مني".
فردت إيمان: "رائع، فكرة هايلة، ومش لازم تبقي نفس الآية، فرصة تكتبي الآيات وتحفظيها".
بدأت سعاد هذه الخدمة، وتقدمت بسرعة غريبة وكانت ردود الأفعال رائعة، رجعت لها تليفونات كثيرة بالشكر والتقدير، والبعض ممكن يتكلم يسألها عن معنى الآية، وهي تحاول تشرح بعد أن تبحث في التفاسير والعظات، والبعض كان يقول لها: "الآية جات في وقتها"، وأصبحت هذه الخدمة تأخذ منها ساعات كل يوم، وتغيّر وجهها، ورجعت ابتسامتها وسعادتها، وأصبح كل من يزورها يتمتع بكلمات النعمة الغزيرة وبروحها الحلوة.
وبعد سماع عظة مؤثرة عن التسامح، ومع النمو الروحي الملحوظ، تحرك قلبها تجاه أختها التي فارقتها منذ سنين بسبب الخصام والقطيعة، وتجاسرت سعاد بعد صلاة حارة وكلمتها بالتليفون. وبكت الاثنتان تأثرًا، وسارعت أختها بزيارتها في اليوم التالي، وكان لقاءًا حارًا، فيه اعتذار وندم متبادل، ورجعت المحبة القديمة أقوى من زمان.
وقالت سعاد لزوجها يومًا: عارف يا صالح؟ أنا دلوقتي بس باشكر ربنا بجد على المرض، أنا حياتي النهاردة أحلى جدًا من زمان، وحاسة إن ليَّ لزوم ورسالة، عمري ما حسيت بالإحساس ده زي دلوقتي. تصور إني بطلت أقول: "يا رب اشفيني" من غير ما أحس! كل صلاتي دلوقتي: "يا رب يسوع سامحني، يا رب إهدي الناس كلها".
أجاب صالح: "أنا كمان تعلمت منك أحب الإنجيل والكنيسة، إنتِ مرضك جاب بركة لنا كلنا".
"نشكر ربنا على كل حال".
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/fr-dawood-lamey/service/sickness.html
تقصير الرابط:
tak.la/jr6yj7v