أولًا:
تعبير "أبرياء" غير مناسب لأن هذه الشعوب قد تغلغل فيها الشر بلا تراجع أو فائدة، وهذا يتضح مثلًا في لاويين "بِكُلِّ هذِهِ لاَ تَتَنَجَّسُوا، لأَنَّهُ بِكُلِّ هذِهِ قَدْ تَنَجَّسَ الشُّعُوبُ الَّذِينَ أَنَا طَارِدُهُمْ مِنْ أَمَامِكُمْ فَتَنَجَّسَتِ الأَرْضُ. فَأَجْتَزِي ذَنْبَهَا مِنْهَا، فَتَقْذِفُ الأَرْضُ سُكَّانَهَا. لكِنْ تَحْفَظُونَ أَنْتُمْ فَرَائِضِي وَأَحْكَامِي، وَلاَ تَعْمَلُونَ شَيْئًا مِنْ جَمِيعِ هذِهِ الرَّجَسَاتِ، لاَ الْوَطَنِيُّ وَلاَ الْغَرِيبُ النَّازِلُ فِي وَسَطِكُمْ، لأَنَّ جَمِيعَ هذِهِ الرَّجَسَاتِ قَدْ عَمِلَهَا أَهْلُ الأَرْضِ الَّذِينَ قَبْلَكُمْ فَتَنَجَّسَتِ الأَرْضُ" (لا 18: 24-27).
مع تأصُّل هذا الشر الذي صار كمرض سرطاني، ينتشر وينتقل للأجيال التالية، صار استئصال الشعب ضرورة كدينونة ونهاية للشر في هذه المنطقة، وبهذا تكون كلمة أبرياء لا تناسب حتى النساء والأطفال.
وبنفس المعنى يذكر سفر التثنية نهاية الشعوب الضالة الوثنية، "لاَ يُوجَدْ فِيكَ مَنْ يُجِيزُ ابْنَهُ أَوِ ابْنَتَهُ فِي النَّارِ، وَلاَ مَنْ يَعْرُفُ عِرَافَةً، وَلاَ عَائِفٌ وَلاَ مُتَفَائِلٌ وَلاَ سَاحِرٌ، وَلاَ مَنْ يَرْقِي رُقْيَةً، وَلاَ مَنْ يَسْأَلُ جَانًّا أَوْ تَابِعَةً، وَلاَ مَنْ يَسْتَشِيرُ الْمَوْتَى. لأَنَّ كُلَّ مَنْ يَفْعَلُ ذلِكَ مَكْرُوهٌ عِنْدَ الرَّبِّ. وَبِسَبَبِ هذِهِ الأَرْجَاسِ، الرَّبُّ إِلهُكَ طَارِدُهُمْ مِنْ أَمَامِكَ. تَكُونُ كَامِلًا لَدَى الرَّبِّ إِلهِكَ. إِنَّ هؤُلاَءِ الأُمَمَ الَّذِينَ تَخْلُفُهُمْ يَسْمَعُونَ لِلْعَائِفِينَ وَالْعَرَّافِينَ. وَأَمَّا أَنْتَ فَلَمْ يَسْمَحْ لَكَ الرَّبُّ إِلهُكَ هكَذَا" (تث 18: 10-14).
ثانيًا:
أعطى الله لهذه الشعوب فترات طويلة للتراجع والتوبة، ولم تتب، "وَأَعْطَيْتُهَا زَمَانًا لِكَيْ تَتُوبَ عَنْ زِنَاهَا وَلَمْ تَتُبْ." (رؤ 2: 21)، حتى إلى أربعمائة سنة كما ذكر سابقًا لأبينا إبراهيم "وَفِي الْجِيلِ الرَّابعِ يَرْجِعُونَ إِلَى ههُنَا، لأَنَّ ذَنْبَ الأَمُورِيِّينَ لَيْسَ إِلَى الآنَ كَامِلًا" (تك 15: 16).
ثالثًا:
أما عن هلاك الأطفال، فهناك صور أخرى من الدينونة تشمل الأطفال مثل الطوفان، وسدوم وعمورة، وموت الأبكار في مصر، ويوم القيامة الأخير... ، ولعل الله يرحمهم بهذه النهاية المبكرة من أن يزدادوا فسادًا وشرًا في كبرهم، لأنهم لو تركوا وعاشوا لصاروا مثل آبائهم وأجدادهم أو قدموا كذبائح للأوثان كما كان يحدث عادة.
رابعًا:
الله كلي القدرة وكلي الحكمة وكلي الإرادة، من حقه أن يحكم بنهاية شخص أو شعب كيفما شاء، وهذا لا يتعارض مع الإرادة الحرة للإنسان داخل حدوده البشرية الطبيعية:
+ "اُنْظُرُوا الآنَ! أَنَا أَنَا هُوَ وَلَيْسَ إِلهٌ مَعِي. أَنَا أُمِيتُ وَأُحْيِي. سَحَقْتُ، وَإِنِّي أَشْفِي، وَلَيْسَ مِنْ يَدِي مُخَلِّصٌ" (تث 32: 39).
+ "يَا لَعُمْقِ غِنَى اللهِ وَحِكْمَتِهِ وَعِلْمِهِ! مَا أَبْعَدَ أَحْكَامَهُ عَنِ الْفَحْصِ وَطُرُقَهُ عَنِ الاسْتِقْصَاءِ!" (رو 11: 33).
خامسًا:
كان شعب إسرائيل مجرد أداة في يد الله لدينونة هذا الشعب؛ كما كان شعب أشور وبابل أداة في يد الله لدينونة اليهود في زمن آخر؛ كما كان داود وجيشه أداة في يد الله لدينونة شعوب بني عمون وموآب وغيرهم؛ فالعدل الإلهي له ميعاد وأسلوب يتفق مع الحكمة والرحمة الإلهية.
سادسًا:
كان من الضروري إبادة شعب أريحا وغيرها تمامًا، لأن بقاء أي نسل منهم يعني تسرب المرض مرة أخرى وانتشاره وسط شعب الله، كما حدث مرات أخرى كثيرة في التاريخ مثل حادثة بلعام، وفساد الشعب اليهودي في آخر أيام موسى النبي (عدد 22 حتى 25)، وهكذا يكون الاستئصال أحيانًا ضرورة لنقاوة الشعب وخلاصه.
وينبغي أن نتذكر أن سلوكيات هذه الشعوب المنحرفة قد خرجت بها خارج الإنسانية الطبيعية ونزلت إلى أقل من مستوى الحيوانات، وإبادة الحيوانات المفترسة ليس شرًا في ذاته.
+ "أَمَّا هؤُلاَءِ فَكَحَيَوَانَاتٍ غَيْرِ نَاطِقَةٍ، طَبِيعِيَّةٍ، مَوْلُودَةٍ لِلصَّيْدِ وَالْهَلاَكِ، يَفْتَرُونَ عَلَى مَا يَجْهَلُونَ، فَسَيَهْلِكُونَ فِي فَسَادِهِمْ" (2بط2: 12).
+ "وَلكِنَّهُ حَصَلَ عَلَى تَوْبِيخِ تَعَدِّيهِ، إِذْ مَنَعَ حَمَاقَةَ النَّبِيِّ حِمَارٌ أَعْجَمُ نَاطِقًا بِصَوْتِ إِنْسَانٍ" (2 بط 2: 16).
+ "وَلكِنَّ هؤُلاَءِ يَفْتَرُونَ عَلَى مَا لاَ يَعْلَمُونَ. وَأَمَّا مَا يَفْهَمُونَهُ بِالطَّبِيعَةِ، كَالْحَيَوَانَاتِ غَيْرِ النَّاطِقَةِ، فَفِي ذلِكَ يَفْسُدُونَ" (يه 1: 10).
سابعًا:
بنفس هذا المنطق ولكن بنظرة روحانية خالصة نتعامل الآن مع أعدائنا الشياطين والشرور، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في مواضِع أخرى:
+ "الْبَسُوا سِلاَحَ اللهِ الْكَامِلَ لِكَيْ تَقْدِرُوا أَنْ تَثْبُتُوا ضِدَّ مَكَايِدِ إِبْلِيسَ فَإِنَّ مُصَارَعَتَنَا لَيْسَتْ مَعَ دَمٍ وَلَحْمٍ، بَلْ مَعَ الرُّؤَسَاءِ، مَعَ السَّلاَطِينِ، مَعَ وُلاَةِ الْعَالَمِ عَلَى ظُلْمَةِ هذَا الدَّهْرِ، مَعَ أَجْنَادِ الشَّرِّ الرُّوحِيَّةِ فِي السَّمَاوِيَّاتِ. مِنْ أَجْلِ ذلِكَ احْمِلُوا سِلاَحَ اللهِ الْكَامِلَ لِكَيْ تَقْدِرُوا أَنْ تُقَاوِمُوا فِي الْيَوْمِ الشِّرِّيرِ، وَبَعْدَ أَنْ تُتَمِّمُوا كُلَّ شَيْءٍ أَنْ تَثْبُتُوا" (أف 6: 11-13).
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/fr-dawood-lamey/how/people-annihilation.html
تقصير الرابط:
tak.la/x6qbpf2