السؤال السادس عشر
إن كانت الخطية وراء آلام البشر، فلماذا يتألم الأبرار الذين لم يخطئوا؟
الإجابة:
الألم صفة ملازمة لبني البشر جميعًا، ولا يوجد في جنس البشر من لم يذق الألم يومًا ما. لقد عَرَفَ الوحي الإلهي البشر بأنهم تحت الآلام قائلًا عن إيليا النبي أعظم أنبياء العهد القديم: "كَانَ إِيلِيَّا إِنْسَانًا تَحْتَ الآلاَمِ مِثْلَنَا، وَصَلَّى صَلاَةً أَنْ لاَ تُمْطِرَ، فَلَمْ تُمْطِرْ عَلَى الأَرْضِ ثَلاَثَ سِنِينَ وَسِتَّةَ أَشْهُرٍ" (يع5: 17). في النقاط التالية نعرض لمنطقية الألم وشموليته لجنس البشر:
أكد معلمنا القديس يوحنا الرسول أننا لسنا بلا خطية مؤكدًا أن ذلك حق، وما هو غير ذلك كذب قائلًا : "إِنْ قُلْنَا: إِنَّهُ لَيْسَ لَنَا خَطِيَّةٌ نُضِلُّ أَنْفُسَنَا وَلَيْسَ الْحَقُّ فِينَا.. إِنْ قُلْنَا: إِنَّنَا لَمْ نُخْطِئْ نَجْعَلْهُ كَاذِبًا، وَكَلِمَتُهُ لَيْسَتْ فِينَا" (1يو1: 8- 10). وأيضًا معلمنا بولس الرسول أكد ذلك بقوله: "الْجَمِيعُ زَاغُوا وَفَسَدُوا مَعًا. لَيْسَ مَنْ يَعْمَلُ صَلاَحًا لَيْسَ وَلاَ وَاحِدٌ." (رو3: 12). أما الرب يسوع القدوس فهو الوحيد الذي لم يعرف شر؛ لأنه القدوس الذي حبل به بالروح القدس، لذا قيل عنه: "الَّذِي لَمْ يَفْعَلْ خَطِيَّةً، وَلاَ وُجِدَ فِي فَمِهِ مَكْرٌ" (1بط2: 22).
كل إنسان هو ابن لآدم، وذاك واقع لا اختيار لبشر فيه، ولهذا ورثت البشرية من أبيها آدم الطبيعة الفاسدة التي تخطئ كثيرًا، والتي هي المسبب لكل ألم، وهذا ليس بغريب؛ فلا غرابة في مشابهة الابن لأبيه، بل ما يستحق العجب هو أن يوجد أبناء أبرار لأب البشرية آدم، فالأطفال تولد ومعهم الأنانية، وحب التملك، والغيرة من بعضهم البعض. لقد أنجب أبونا آدم ابناه قايين وهابيل بنفس طبيعته الفاسدة ، ولهذا قتل قايين أخاه هابيل بسبب غيرته وحسده له.
يرحب الإنسان بما يرثه من أبيه من ثروة، ويعتبر ذلك حقه الذي لا يمكنه التنازل عنه، ويتأثر الابن أيضًا بأخلاق أبيه، التي تؤثر في تربيته، وفي صفاته الشخصية، وأيضًا في نفسيته بطريقة مباشرة، بل قد يتأثر الابن بعلم وأخلاق أبيه. وأيضًا بصيته وسمعته الطيبة، أو الرديئة. إن هذه الحقيقة تنطبق كذلك على المجتمعات والبلاد؛ فثمرة اجتهاد أفرادها وحضارتها تورثه لأجيالها المتعاقبة.
أما المجتمعات المتخلفة فتورث أجيالها اللاحقة التخلف والفقر. إذًا هي مسئولية الآباء التي تقتضي، وتحتم عليهم السلوك بالصلاح، والقداسة خوفًا على فلذات أكبادهم (الأجيال القادمة). ولهذا حذر الرسول من نتائج الشر قائلًا: "مُلاَحِظِينَ لِئَلاَّ يَخِيبَ أَحَدٌ مِنْ نِعْمَةِ اللهِ. لِئَلاَّ يَطْلُعَ أَصْلُ مَرَارَةٍ وَيَصْنَعَ انْزِعَاجًا، فَيَتَنَجَّسَ بِهِ كَثِيرُونَ" (عب12: 15).
إن مَن يدعي أنه لم يخطئ يتناسى أن كل إنسان يرتبط بأب البشرية آدم، كما ترتبط كل أغصان الشجرة بجذعها، حتى وإن بعدت المسافة بين هذا الغصن وجزع الشجرة، وإن أي عطب في ساق أو جذع الشجرة يؤثر على أغصانها وثمارها.إن ما نراه تحت الميكروسوب من عينة لمادة حية، سواء من الجذع أومن الغصن يتطابق مع بعضه البعض من حيث إصابتها بأمراض النباتات أو سلامتها. لقد أوضح معلمنا بولس الرسول ما تسببه له هذه الطبيعة الفاسدة من أوجاع، وشقاء قائلًا: "وَلكِنِّي أَرَى نَامُوسًا آخَرَ فِي أَعْضَائِي يُحَارِبُ نَامُوسَ ذِهْنِي، وَيَسْبِينِي إِلَى نَامُوسِ الْخَطِيَّةِ الْكَائِنِ فِي أَعْضَائِي. وَيْحِي أَنَا الإِنْسَانُ الشَّقِيُّ! مَنْ يُنْقِذُنِي مِنْ جَسَدِ هذَا الْمَوْتِ؟" (رو7: 23- 24). البشرية إذًا جسد واحد تأثر بمرض واحد (الخطية) ولهذا يتألم جميع أفراد هذا الجسد.
الألم ليس مسئولية الإنسان الشخصية فقط، ولكن المخطئ يضر بمَن حوله. ويشهد علم الاجتماع بأن تزايد الأشرار، والفاسدين في مجتمع ما يسبب آلامًا كثيرة لأفراد ذلك المجتمع، والعكس صحيح. وعلى هذا إذًا لا غرابة أن يتألم البعض لشر وخطيئة غيرهم. ولهذا حذر سليمان الحكيم من مرارة وآلام الخطية قائلًا: "اَلْحِكْمَةُ خَيْرٌ مِنْ أَدَوَاتِ الْحَرْبِ. أَمَّا خَاطِئٌ وَاحِدٌ فَيُفْسِدُ خَيْرًا جَزِيلًا." (جا9: 18).
العالم الحاضر أرض مشقة، وليس أرض راحة. لقد أكد الكتاب ذلك قائلًا: "وَلكِنَّ الإِنْسَانَ مَوْلُودٌ لِلْمَشَقَّةِ كَمَا أَنَّ الْجَوَارِحَ لارْتِفَاعِ الْجَنَاحِ." (أي 5: 7). وأكد أيضًا على ضرورة احتمال المشقات بصبر في هذا العالم قائلًا: "خُذُوا يَا إِخْوَتِي مِثَالًا لاحْتِمَالِ الْمَشَقَّاتِ وَالأَنَاةِ: الأَنْبِيَاءَ الَّذِينَ تَكَلَّمُوا بِاسْمِ الرَّبِّ. هَا نَحْنُ نُطَوِّبُ الصَّابِرِينَ. قَدْ سَمِعْتُمْ بِصَبْرِ أَيُّوبَ وَرَأَيْتُمْ عَاقِبَةَ الرَّبِّ. لأَنَّ الرَّبَّ كَثِيرُ الرَّحْمَةِ وَرَؤُوفٌ." (يع5: 10- 11).
وعد الرب شعبه، وخائفيه بحياة أبدية جديدة مفرحة خالية من الأوجاع والآلام يسكن فيها البر، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في مواضِع أخرى. واصفًا تلك الحياة قائلًا: "مِنْ أَجْلِ ذلِكَ هُمْ أَمَامَ عَرْشِ اللهِ، وَيَخْدِمُونَهُ نَهَارًا وَلَيْلًا فِي هَيْكَلِهِ، وَالْجَالِسُ عَلَى الْعَرْشِ يَحِلُّ فَوْقَهُمْ. لَنْ يَجُوعُوا بَعْدُ، وَلَنْ يَعْطَشُوا بَعْدُ، وَلاَ تَقَعُ عَلَيْهِمِ الشَّمْسُ وَلاَ شَيْءٌ مِنَ الْحَرِّ، لأَنَّ الْخَرُوفَ الَّذِي فِي وَسَطِ الْعَرْشِ يَرْعَاهُمْ، وَيَقْتَادُهُمْ إِلَى يَنَابِيعِ مَاءٍ حَيَّةٍ، وَيَمْسَحُ اللهُ كُلَّ دَمْعَةٍ مِنْ عُيُونِهِمْ». (رؤ7: 15- 17). إننا الآن نجاهد بطهارة، وصبر في أرض المشقة شاكرين لكي ننال المكافأة في الأبدية بحسب قول الكتاب: "فَلْنَجْتَهِدْ أَنْ نَدْخُلَ تِلْكَ الرَّاحَةَ، لِئَلاَّ يَسْقُطَ أَحَدٌ فِي عِبْرَةِ الْعِصْيَانِ هذِهِ عَيْنِهَا." (عب4: 11).
ليس بالضرورة أن يتألم الإنسان بسبب شره، ولكن هذا الكون يتسم بصفة الألم لصعوبة الحياة ومشقتها، أو قد تكون الآلام بسبب مقاومة الأشرار للأبرار لمنعهم من صنع الخير، وعن هذا النوع من الألم قال معلمنا بطرس الرسول: "وَلكِنْ وَإِنْ تَأَلَّمْتُمْ مِنْ أَجْلِ الْبِرِّ، فَطُوبَاكُمْ. وَأَمَّا خَوْفَهُمْ فَلاَ تَخَافُوهُ وَلاَ تَضْطَرِبُوا،" (1بط3: 14). لقد أكد الرب يسوع أن مثل هذه الآلام، وما يصاحبها من حزن ستتحول إلى أفراح قائلًا: "اَلْمَرْأَةُ وَهِيَ تَلِدُ تَحْزَنُ لأَنَّ سَاعَتَهَا قَدْ جَاءَتْ، وَلكِنْ مَتَى وَلَدَتِ الطِّفْلَ لاَ تَعُودُ تَذْكُرُ الشِّدَّةَ لِسَبَبِ الْفَرَحِ، لأَنَّهُ قَدْ وُلِدَ إِنْسَانٌ فِي الْعَالَمِ" (يو16: 21).
إنها عظمة الله التي لا نستطيع إدراكها. ومن منا بمقدوره أن يخبر طفله الصغير كل ما يدركه من حقائق هذه الحياة،؟! وهل إن فعل ذلك سيدرك طفله ما يدركه هو من حقائق؟! إنه لمن المنطقي أن يعترف الإنسان بقصوره وضعفه، وأن يثق في الله، ولا يخاصمه بحسبما علمنا الوحي الإلهي القائل: "... لأَنَّ اللهَ أَعْظَمُ مِنَ الإِنْسَانِ. لِمَاذَا تُخَاصِمُهُ؟ لأَنَّ كُلَّ أُمُورِهِ لاَ يُجَاوِبُ عَنْهَا" (أي33: 12- 13).
لا يسعنا غير أن نقول إنها إرادة وحكمة الخالق، التي ليس بمقدورنا أن نلم بها تمامًا، فنحن كبشر ليس لنا أن نتجرأ لنطالب الله بإعطائه لنا حسابًا، أو تبريرًا عما لا ندركه، لأن طبيعتنا قاصرة، ولا تستوعب المعرفة الكاملة. لقد سبق معلمنا بولس الرسول وأجاب على مثل هذه التساؤلات قائلًا: "بَلْ مَنْ أَنْتَ أَيُّهَا الإِنْسَانُ الَّذِي تُجَاوِبُ اللهَ؟ أَلَعَلَّ الْجِبْلَةَ تَقُولُ لِجَابِلِهَا: «لِمَاذَا صَنَعْتَنِي هكَذَا؟»" (رو9: 20). إن الله كأب حنون بحكمته قد يعلن للإنسان ما هو مناسب لفائدته، ويحجب عنه أيضًا ما هو ليس لفائدته، وقد شهد بذلك موسى النبي قائلًا: "السَّرَائِرُ لِلرَّبِّ إِلهِنَا، وَالْمُعْلَنَاتُ لَنَا وَلِبَنِينَا إِلَى الأَبَدِ، لِنَعْمَلَ بِجَمِيعِ كَلِمَاتِ هذِهِ الشَّرِيعَةِ." (تث29: 29).
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/fr-bishoy-fayek/question-2/16.html
تقصير الرابط:
tak.la/4j7sk5d