6- الكنيسة "الاكلسيولوجى"
يرتبط الاكلسيولوجي عند ايريناؤس بمبدأ الانجماع الكلى recapitulation، فالله يجمع في المسيح، ليس فقط الماضي، بل وأيضًا المستقبل، لذلك جعله رأسا للكنيسة كلها كي يستمر عمله في التجديد من خلالها حتى نهاية العالم:
"لذلك هناك إله آب واحد، ويسوع المسيح ربنا الواحد، الذي يأتي بتدبير مسكوني ويجمع كل الأشياء في نفسه، لكن في "كل الأشياء" الإنسان متضمن أيضًا، إذ انه خليقة الله، لذلك فهو (المسيح) يجمع الإنسان فيه، الغير منظور يصير منظورا، غير المدرك يصير مدركا، والمستحيل يصير ممكنا، واللوغوس إنسان مجمعًا ومعيدًا كل الأشياء فيه، وهكذا، كما أنه الأول في الأمور المنظورة المحسوسة، وجعل نفسه رأسا للكنيسة وسيجمع كل الأمور فيه في الوقت المعين". (11)
ويري ايريناؤس أن الكنيسة حفظت التقليد المسلم من الرسل حيًا بلا تغيير وتسلمه لأطفالها، وهذا التقليد هو نبع ومعيار الإيمان، هو قانون الإيمان The Canon of Faith، ويبدو أن قانون الإيمان هذا بالنسبة لايريناؤس هو القانون الذي يتلى عند المعمودية لأنه يقول أننا نستلمه في المعمودية. (2)
ورأى أن التقليد المقدس تقليد حي مستقل نوعا ما عن الوثائق المكتوبة، وأشار (3) إلى القبائل البربرية التي "تسلمت الإيمان بدون رسائل" وبخلاف تقليد الغنوصيين السري المزعوم، كان التقليد علنيا لأن الرسل سلموه لخلفائهم وهؤلاء بدورهم لخلفائهم وهو مرئي وواضح في الكنيسة لكل من يريد أن يراه:
"أن تقليد الرسل الذي صار واضحا في العالم كله، يمكن لهؤلاء الذين يريدون أن يعرفوا الحق أن يروه في كل كنيسة، ويمكننا أن نعدد هؤلاء الذين أقامهم الرسل أساقفة في الكنيسة، ونعدد خلفائهم حتى وقتنا هذا، وسنجد أن أيًا منهم لم يعلم ولم يفكر مثل هذه الأفكار المجنونة، وحتى لو كان الرسل قد احتفظوا بمعرفة الإسرار في الخفاء وعلموها للكاملين سرًا بعيدًا عن الآخرين، لكانوا سلموها خاصة لهؤلاء الذين استأمنوهم على الكنائس ذاتها، لأنهم أرادوا بالتأكيد أن يكون هؤلاء الذين سيخلفونهم والذين سيستلمون مركزهم التعليمي، كاملين بلا لوم، إذ أن سلوكهم الصحيح منفعة عظيمة، أما فشلهم فهو كارثة كبيرة". (4)
وأوضح ايريناؤس نقطتين هامتين:
1) التسلسل الأسقفي الغير منقطع الذي يعود للرسل هو الذي يحفظ ويحرس تطابق وتماثل التقليد الشفاهي مع الاستعلان الأصلي بلا تغيير. (5)
2) الروح القدس هو أيضا حارس لهذا التماثل لأن الرسالة سلمت في الكنيسة، والكنيسة هي بيت الروح (6)، وأساقفة الكنيسة هم رجال مملوؤون من الروح القدس وقد أعطوا "نعمة الحق التي لا تخطئ". (7)
وقدم أبو التقليد الكنسي وصفا لإيمان الكنيسة يتبع فيه تمامًا قانون إيمان الرسل:
"رغم أن الكنيسة منتشرة في العالم كله حتى أقاصيه، إلا أنها تسلمت من الرسل ومن تلاميذهم الإيمان بالله الواحد، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في أقسام أخرى. الآب ضابط الكل خالق السماء والأرض البحار وكل ما فيها، بيسوع المسيح الواحد ابن الله الذي تجسد من أجل خلاصنا وبالروح القدس الذي أعلن بالأنبياء عن التدبير، وعن المجيء (أي التجسد)، وعن الميلاد البتولي، وعن الآلام والقيامة من الأموات، وصعود ربنا يسوع المسيح الحبيب إلى السموات جسديا، ومجيئه من السموات في مجد أبيه وظهوره الآتي من السموات ليجمع كل الأشياء فيه وليقيم جسد البشرية كلها إلى الحياة، لكي تنحني كل ركبة في السماء وعلى الأرض وتحت الأرض للمسيح يسوع ربنا وإلهنا ومخلصنا وملكنا، بحسب إرادة الآب غير المنظور، وحتى يعترف له كل لسان، ويحكم هو حكما عادلا على الجميع ويطرد أرواح الشر والملائكة الذين سقطوا في التعدي وصاروا مرتدين، وكذلك الذي بلا اله، والشرير، والذي بلا ناموس، والمجدف، في النار الأبدية، لكي في محبته وعطفه سيهب الحياة وجعالة عدم الفساد والمجد الأبدي لهؤلاء الذين حفظوا وصاياه وثبتوا في محبته سواء منذ بداية حياتهم أو منذ توبتهم.
هذا التعليم وهذا الإيمان تحفظه الكنيسة بعناية وحرص بالرغم من انتشارها في العالم كله، كما لو كانت تسكن في بيت واحد، وتؤمن كما لو كان لها عقل واحد وتعلم كما لو كان لها فم واحد، ورغم أن هناك لغات كثيرة في العالم، إلا أن معنى التقليد هو هو واحد، لأن نفس الإيمان تتمسك به وتسلمه الكنائس التي في ألمانيا وأسبانيا والتي بين قبائل الـCelts، والتي في الشرق، في مصر، في ليبيا والتي في مركز الأرض، إذا كما أن الشمس، خليقة الله، هي واحدة في العالم كله، كذلك أيضًا كل نور تعليم الحق، يسطع على كل هؤلاء الذين يرغبون في معرفة الحق". (8)
لذا لا يمكن الاعتماد إلا على الكنائس المؤسسة على الرسل، من اجل التعليم الإيماني الصحيح ومن اجل الحق، لأن التسلسل والتتابع الأسقفي الغير منقطع في هذه الكنائس يحرس ويحفظ حقيقة وصدق عقيدتها، ففي الكنيسة:
"استودع الرسل وديعتهم كما يصنع الأغنياء، إذ سلموها كل ما يتعلق بالحق حتى أن كل من يريد يستطيع أن يأخذ منها ماء الحياة، فالكنيسة هي باب الحياة، والآخرون هم سٌرَّاق ولصوص، لذا يجب علينا أن نتجنبهم ونحب بغيرة عظيمة كل شيء في الكنيسة وبذا نتمسك بتقليد الحق" . (9) Tradition of the Truth
وأكد القديس على أننا ننال حياة داخل الكنيسة، لأن فيها يوجد روح الله وكل نعمة:
"لقد اؤتمن الكنيسة على عطية الله، تماما مثل النفس في خليقة الله، حتى أن كل الأعضاء الذين يستلمون هذه العطية ينالون حياة، وفيها نجد شركة مع المسيح، أي الروح القدس عربون الأبدية، ثبات إيماننا، سلم الصعود إلى الله أناسًا في الكنيسة أولًا رسلًا، ثانيًا أنبياء، ثالثًا معلمين" {1 و12: 28}..... وهؤلاء الذين لا يأتون إلى الكنيسة لا يتشاركون في النعمة بل يحرمون أنفسهم من الحياة بعقائدهم وأعمالهم الشريرة، لأنه حيثما توجد الكنيسة يوجد روح الله وحيثما يوجد روح الله توجد الكنيسة وكل نعمة.
ولأن الروح هو الحق، لذلك هؤلاء الذين لا يتشاركون في الروح لا يتغذون على صدر الأم الكنيسة إلى الحياة، ولا ينالون غذاء من نبع صافى ينبع من جسد المسيح بل يحفرون لأنفسهم "أبارا مشققة" {ار 2: 13}". (10)
لأن فداء الفرد تحققه الكنيسة وأسرارها باسم وفي اسم المسيح، فالسر هو للطبيعة، مثل ما يكون ادم الجديد للعتيق، فالمخلوق ينال كماله في الأسرار، لأن السر هو ذروة انجماع الخليقة في المسيح.
وحث إيريناؤس شعبه على التمسك بالتسلسل الرسولي والهيرارخية hierarchy في كنيسة الله، والتعلم من هؤلاء الذين أقامهم الروح في الكنيسة:
"يجب أن نستمع ونصغي لهؤلاء الشيوخ في الكنيسة، الذين لهم التسلسل من الرسل، مع تتابع الأسقفية، واستلموا نعمة الحق الخاصة، أما الباقون، هؤلاء الذين يبتعدون عن التتابع الأصلي ويجتمعون بعيدا، فيجب أن نشك فيهم أما أنهم هراطقة أو أن لهم أفكارًا خاصة، أو أنهم منشقون متكبرون ومكتفون بذرواتهم، أو أنهم منافقون يعملون من أجل المال أو من اجل الشهرة، وهؤلاء جميعهم ضالون عن الحق.
يجب أن تبتعدوا عن كل من هم مثل هؤلاء، وتظلوا قريبين من هؤلاء الذين تمسكوا بالتتابع الرسولي في طقس الكهنة، الذين لهم تعليم صحيح وسلوك بلا عيب كمثال وقدوة صالحة لتقويم الآخرين". (11)
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/fr-athnasius-fahmy/st-erinaos/ecclesiology.html
تقصير الرابط:
tak.la/gq5jgtz