اعلم أنكم تجاهدون بقلبكم وقد دخلتم تجربة عظيمة، لكن إذا احتملتموها برجولة وصبر، فسوف يأتيكم الفرح، لأنه إن لم تأت عليكم التجارب، سواء علانية أو سرًا، لن تستطيعوا أن تتقدموا أكثر من درجتكم الحالية، لأن القديسين جميعًا عندما طلبوا أن يزداد إيمانهم دخلوا في تجارب، إذ عندما ينال إنسان بركة من الله، تزداد في الحال تجربة العدو له، لأنه يريد أن يحرمه من البركة التي باركه الله بها، لأن الشياطين، إذ يعرفون أن النفس تنمو وتتقدم عندما تنال بركة، يصارعون ضدها سواء في الخفاء أو علانية، وهكذا عندما أعطى يعقوب بركة من أبية، جُرب في الحال بتجربة عيسو، لأن الشرير حرك قلبه (قلب عيسو) ضد يعقوب، مريدًا أن ينتزع منه البركة، لكنه بلا قوة أمام البار، لأنه مكتوب "لاَ تَسْتَقِرُّ عَصَا الأَشْرَارِ عَلَى نَصِيبِ الصِّدِّيقِينَ" (مز125: 3) وكانت النتيجة أن يعقوب لم يفقد البركة التي حظي بها، بل كان ينميها يومًا بعد يوم.
لذلك أنتم ابذلوا قصارى جهدكم كي تنتصروا في تحاربكم، فهؤلاء الذين ينالون بركات لابد أيضًا أن يحتملوا التجارب، وأنا أبوكم تحملت أيضًا تجارب عظيمة، في العلن وفي الخفاء, واحتملتها متضرعا في رجاء والرب خلصني.
كذلك الحال أيضًا معكم أنتم يا أحبائي، طالما قد نلتم بركة الله، كونوا مستعدين للتجارب حتى تعبروها، وعندئذ سيكون لكم تقدم ونمو عظيم في كل فضائلكم، وسيُعطى لكم فرح عظيم من السماء لم تعرفوه قبلًا.
ووسيلة عبور التجارب هي أن لا تخوروا، بل تضرعوا إلى الله من كل قلبكم شاكرين وصابرين في سائر الأشياء، وعندئذ ستعبر عنكم التجربة، لأن إبراهيم جُرب هكذا، وظهر أنه مصارع مَجيد، لأنه مكتوب "كَثِيرَةٌ هِيَ بَلاَيَا الصِّدِّيقِ، وَمِنْ جَمِيعِهَا يُنَجِّيهِ الرَّبُّ" (مز34: 19) ويعقوب يقول في رسالته"أَعَلَى أَحَدٍ بَيْنَكُمْ مَشَقَّاتٌ؟ فَلْيُصَلِّ" (يع5: 13). انظروا كيف التجأ جميع القديسين إلى الله عند دخولهم في تجارب، وأيضًا مكتوب: "اللهَ أَمِينٌ، الَّذِي لاَ يَدَعُكُمْ تُجَرَّبُونَ فَوْقَ مَا تَسْتَطِيعُونَ" (1كو10: 13).
وبسبب استقامة قلبكم، يعمل الله فيكم، فلو لم يحبكم، لما جربكم "لأَنَّ الَّذِي يُحِبُّهُ الرَّبُّ يُؤَدِّبُهُ، وَكَأَبٍ بِابْنٍ يُسَرُّ بِهِ" (مز 3: 12؛ عب 12: 6) فالتجارب نافعة للمؤمن، وبينما يرتدون الزى الرهباني، ينكرون معناه، لأن الانبا انطونيوس اعتاد أن يقول لنا: "بدون تجارب لن يدخل أحد ملكوت الله"، والمبارك بطرس يقول في رسالته: "الَّذِي بِهِ تَبْتَهِجُونَ، مَعَ أَنَّكُمُ الآنَ إِنْ كَانَ يَجِبُ تُحْزَنُونَ يَسِيرًا بِتَجَارِبَ مُتَنَوِّعَةٍ، لِكَيْ تَكُونَ تَزْكِيَةُ إِيمَانِكُمْ، وَهِيَ أَثْمَنُ مِنَ الذَّهَبِ الْفَانِي، مَعَ أَنَّهُ يُمْتَحَنُ بِالنَّارِ" (1بط1: 6، 7) ويقال عن الأشجار أنه كلما عصفت بها الرياح، كلما تأصلت جذورها ونمت، وكذلك الحال مع احتمال البار (للتجارب)، لكن في هذا الأمر وفي الأمور الأخرى، استمعوا وأصغوا إلى معلميكم كي تتقدموا وتنموا.
وفي بداية الحياة الروحية يجب أن تتعلموا كيف يهب الروح القدس الفرح للناس عندما يرى قلوبهم تنقى، لكن بعدما يهبهم الروح فرحًا وحلاوة (تعزية)، يرحل ويتركهم، وهذه علامة على عمله وتحدث مع كل نفس تطلب وتخاف الله، فهو يتركهم ويظل بالقرب منهم حتى يعرف هل سيستمروا في طلبه أم لا، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في أقسام أخرى. فالبعض عندما يبتعد عنهم، يتثقلون ويجلسون في ثقلهم بلا حراك، لأنهم لا يسألون الله أن يزيل عنهم هذا الثقل وأن يهبهم ثانية الفرح والحلاوة التي عرفوها قبلًا، لكن نتيجة لإهمالهم ومشيئتهم الخاصة، يتغربون عن حلاوة الله، ولذلك يصيرون جسدانيين يلبسون زى الرهبان بينما ينكرون معناه، فهؤلاء هم العميان الذين لا يدركون عمل الله فيهم.
أما إذا لاحظوا الثل غير المعتاد بالمقارنة مع الفرح الذي كان لهم قبلًا، وطلبوا من الله بدموع وصوم، عندئذ، متى رأى الله أنهم يطلبون باستقامة من كل قلوبهم وأنهم يتركون مشيئتهم الخاصة، يهبهم بنعمته فرحًا أعظم من الأول، ويثبتهم أكثر.
هذه هي العلامة التي يعطيها (الروح القدس) لكل نفس تطلب الله.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/fr-athnasius-fahmy/st-amonas/letter9.html
تقصير الرابط:
tak.la/s6bztw9