ما أعجب صعودك على الخشبة بينما ملعون كل من علق عليها، لكنك لم تمسك يا رب في اللعنة بل حملتها وألغيتها، وأعطيتنا أن لا تسود علينا الخطية لأننا تحت النعمة، وبصعودك على الصليب اشتريتنا وعملت لنا الصلح بدمك وباحتمالك للصلب مستهينا بالخزي من أجل السرور الموضوع أمامك.
ما أعجب أن تصلب عوض باراباس فتأخذ أنت موضع هذا القاتل (يو 19: 19- 22). وما أعجب أن تكون علة صلبك أنك ملك اليهود لتنهى محاولة آدم أن يكون ملكا بدون الله، فإذا كان آدم الأول قد أراد أن يملك بالتمرد على الله، جئت أنت آدم الثاني لكي تملك بالطاعة والبذل (فى 2: 5).
ما أعجب أن تكتب علة صلبك بثلاث لغات "العبرانية واليونانية واللاتينية"، فالأولى لغة الدين والثانية لغة الفكر، والثالثة لغة المجتمع، وكأنك أردت أن يكون هذا تمهيد لطريق الكرازة بخلاصك العجيب على مستوياته الثلاثة الدينية والفكرية والاجتماعية. لقد أردت بتدبيرك الإلهي غير المدرك أن يكون هذا العنوان بلغاته الثلاثة إعلانا لملكوتك جهارا بأكثر اللغات المعروفة.
ما أعجب يوم جمعة صلبوتك. إنه يوم واحد معروف لم يكن فيه النور (زك 4: 6) فلم يكن نهارًا عاديًا تشرق فيه الشمس كعادتها من الشروق إلى الغروب، بل في ذلك اليوم غيب الله الشمس في الظهر وقتم الأرض في يوم نور (عا 8: 9)، لأن أذهان صالبيك قد التحقت بالظلمة والإظلام فلم ينظروا (مز 69: 23)، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في أقسام أخرى. فما أعجبك أيها المسيح المصلوب يا من ألبست السموات ظلاما وجعلت المسح غطاءها في ذلك اليوم (أش 50: 3).
ما أعجب يديك المبسوطتين على عود الصليب لتجمع الشعوب، فهاتان اليدان تجمعان الكل لأن رأسك تتوسطهما لتكون إله واحد على الكل وبالكل وفي كلنا (أف 4: 6) حيث أن خلاصا واحدا من الأنبياء إلى الإنجيل حققه الرب الواحد عينه عندما بسط يديه لصالبيه لأنه هو ذلك العبد المتألم الممدود الذراعين لخلاص كل الشعوب، والذي على امتداد ذراعيه سيثبت بره وحقه نورا للأمم.
ما أعجب أن تحيط بك ثيران كثيرة وأن توثق كذبيحة بربط على قرون المذبح، وما أعجب أنهم قد ثقبوا يديك ورجليك وأحصوا عظامك. وما أعجب أن يحصوك مع الأثمة وينظرون إليك ويتفرسون فيك. وما أعجب أن يقتسموا ثيابك بينهم وعلى لباسك يقترعون. وما أعجب أن يجعلوا في طعامك علقما وفي عطشك يسقونك خلا. وما أعجب أن تحفظ جميع عظامك وواحدة منها لا تنكسر.
ما أعجبك يا رب وأنت مسمر على الصليب كمن تقول لنا: "لا شيء يمكنكم أن تصنعوه بي قادر أن يوقف محبتي من نحوكم. من الممكن أن تضربوني وتسحقوني وتجلدوني، ويمكنكم أن تصلبوني، لكنني لن أتوقف عن محبتكم، هذا هو عظم محبتي لكم (يا أبتاه اغفر لهم)". إن ما حدث على الجلجثة كان نافذة يمكننا أن نرى من خلالها قلب المحب المتألم من أجلنا. لقد قدم الإنسان لله ذبائح كثيرة لعدة قرون خلت، أما أنت يا رب فما أعجب ذبيحة جلجثتك التي قدمت فيها ذاتك فدية عن الإنسان، وهذا هو حبك العجيب لكل واحد منا.
ما أعجب صلبك وآلامك التي جمعت الجرح والدواء معًا، المرضى والطبيب، فما قد سقط في الموت أقمته من جديد إلى الحياة، وما وقع تحت الفساد طردت الفساد عنه. لقد ظهرت كأنك أمسكت في الموت بينما أنت أقوى من الموت. أرادوا أن يحرموك من الحياة وأنت معطى الحياة. إنه سر اتخاذك أيها الكلمة بالجسد الإنساني لتصنع سر الفداء.
ما أعجب أن تصلب بين لصين، واحد عن يمينك والآخر عن يسارك، بينما أنت سيد عظيم ورب وفادى. وما أعجب أنهما احتلا اليمين واليسار لك يا رب عوض يعقوب ويوحنا. وما أعجب أن الذي صلب على يسارك كان يعيرك لكي تحصى مع أثمة ليس بسبب اللصين بل من أجل أنك حسبت خاطئًا من الخطاة بل أخطى الخطاة جميعا، بل الحامل للخطاة ولخطاياهم معا. وما أعجب هذا اللص الذي آمن في الوقت الذي فيه فشل المعلمون، واعترف بذاك الذي رآه مسمرا على الصليب ولم يره قائما أو ملكا. وما أمجدك وأعجبك يا يسوع المصلوب لأنك جلبت اللص المصلوب معك من الصليب إلى الفردوس.
ما أعجب أن تصلب مع لصين ومن أجلهما حتى أن من يقبلك منهما ترتفع به إلى فردوسك. ما أعجب أن تفتح باب الفردوس للص وأنت معلق على الصليب بينما هو لم يراك متجليا على جبل طابور، لكنه رأى المسامير والصليب والهُزء، وأبصر صليبك وعرش قضائك الذي صلبت عليه أيها الديان في الوسط، لكنه آمن فخلص، والآخر جدف فدين، لتتأكد الخليقة كلها من أنك ديان الأحياء والأموات، نعم فالبعض سيكون عن يمينك والآخر عن يسارك.
ما أعجب أن يجدف عليك وأن تتهم بأنك لا تقدر أن تخلص نفسك بينما أنت وضعت ذاتك بإرادتك وسلطانك وحدك لترضى مشيئة أبيك، وأنت القادر أن تحضر جيوش من الملائكة لتهلك الأثمة، لكن كان يجب أن تشرب الكأس التي يريد الآب أن يقدمها لك.
ما أعجب أن تصلب أنت العود الرطب الذي تحمل أوراقا وثمار وأزهار التي هي تعاليمك وقوة لاهوتك ومعجزاتك التي لا ينطق بها. حقيقة أنك العود الرطب لأنك أنت الحياة وقوة الطبيعة الإلهية أما نحن البشر فندعى العود الجاف، ولكن بك تكون لنا الجرأة والقدوم عن الثقة (أف 3: 12).
ما أعجب أن بتمدد جسدك على خشبة الصليب وأنت الحمل الذي بلا عيب ولا دنس، بينا صنعت هذا التدبير الخلاصي لتجعل حياة البشر تعبر من الشر إلى الخير. وما أعجب أن يموت الحمل الإلهي نحو المساء لأن آلامك تمت في آخر الزمن حيث مساء العالم، فليس في قدور أحد آخر أن يجعل المائت غير قابل للموت سواك أنت يا ربي يسوع المسيح إذ أنت "الحياة نفسها" يا صاحب الاسم العجيب.
لقد حملت حزني لتهبني سعادة ونزلت حتى هوة الموت لترجعنا للحياة ثانية، وتألمت لتنصرنا على الحزن. إنك تتألم لا بسبب جراحاتك بل بسبب ضعفاتنا، وهذا الضعف ليس من طبعك يا رب لكنك أخذته لأجلى.
ما أعجب أن يموت الحمل الواحد من أجل الجميع لكي يخلص كل القطيع الأرضى لله الآب، الواحد من أجل الجميع لكي يخضع الجميع لله ولكي يربح الجميع، حتى فيما بعد لا يعيش الجميع من أجل أنفسهم بل من أجل الذي مات من أجلهم وقام. فإذا كنا بعد خطاة مباعين للفساد والموت بذل الآب ابنه فدية من أجلنا، الواحد من أجل الجميع لأن الجميع فيك وأنت أكرم الجميع، الواحد مات من أجل الجميع ليعيش الجميع فيك.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/fr-athnasius-fahmy/passion/cross.html
تقصير الرابط:
tak.la/kjsqdp2