كان يتفق في بعض النقاط مع الفصح الأول ويختلف في أخرى. فهم مثلًا أهملوا رش الدم على الأبواب، ولكن احتفظوا بأكل لحم الخروف. أيضًا أضافوا للطقس شرب بعض كئوس النبيذ. لذلك لزم أن ننظر لطقس الفصح من خلال كتابات أحبار اليهود التي شرحوا فيها طريقة الاحتفال بالفصح.
ونجد أن هناك 4 فروق أساسية مع الفصح الأول يجب الالتفات إليها:-
1- الاحتفال بذبيحة الفصح في الهيكل:- اختلف مكان تقديم الذبيحة، فالفصح الأول كانوا يعملونه في بيوتهم، وصاروا بعد ذلك يذبحونه في الهيكل، وتؤكل لحوم الخراف في أورشليم. وفي الفصح الأول كان رب الأسرة هو من يقدم الدم، وفي أيام المسيح كان الكهنة وحدهم هم الذين يسكبون الدم عند المذبح في الهيكل (تث16: 5-7) وهذا ما نص عليه موسى، ونرى في هذا النص أن الفصح هو "ذبيحة فصح للرب" كما قيل أيضًا في (خر12: 27)، وكل الذبائح بما فيها الفصح تقدم عند المذبح في هيكل أورشليم. لذلك في أعياد الفصح كانت أورشليم تمتلئ بملايين اليهود. قال يوسيفوس المؤرخ وهو كان أيضًا كاهن يهودي فهو شاهد عيان... أن في المتوسط كان كل 10 أفراد (وقد يصل العدد إلى 20) يقدمون خروفًا، فلا يحق لأحد أن يحتفل بالفصح بمفرده. وقال يوسيفوس أنه أحصى عدد الذبائح التي قدمت فكانت 256500 خروفًا. فيكون عدد الحاضرين أكثر من 2700000. وتصور كمية الدم المسفوك. لم يكن يهودي في عصر الهيكل لا يفهم أن:-
الفصح هو ذبيحة وهو أيضًا ليؤكل.
وهكذا لا يكفى سفك دم المسيح على الصليب فالمسيح وضع شرطا أن نأكل.
وحيث أنه لا ذبائح دموية إلا في الهيكل فبعد تدمير الهيكل سنة 70 م. لم تقدم ذبائح دموية فلا يوجد هيكل. وصارت العبادة في المجامع. وفيها يفسر الربيين الناموس مع بعض الترانيم. وطبعا صار اليهود يعيدون الفصح بعيدًا عن الهيكل، وإذ لا هيكل صاروا يعملونه في بيوتهم ويسمون طقس الفصح الآن (seder). ويمكننا تشبيه الوضع أيام الهيكل بالعبادة في الكنائس التقليدية التي تؤمن بذبيحة الإفخارستيا. والعبادة اليهودية الآن تشبه العبادة في الكنائس البروتستانتية حيث لا ذبائح، فاليهود في مجامعهم الآن لا يقدمون ذبائح دموية. وفي أيام المسيح كان لا بد من تقديم ذبائح يقدمها كاهن وليس علماني. ولهذا قلنا أن المسيح رئيس كهنتنا، فهو قدم ذبيحة نفسه.
2- صلب الخروف:- سجل التقليد اليهودي أنهم كانوا يدخلون سيخين من الخشب أحدهم عبر ذراعي الخروف. والآخر يدخل من فمه ويخرج من مؤخرته، وعلى هذا السيخ يثبتون رجليه وبهذا فهم كانوا يصلبون الخروف بعد ذبحه ثم يسلخونه، وبعد ذلك يشوونه. وفي حوار للقديس يوستين الشهيد مع الرابي تريفو اليهودي في منتصف القرن الثاني ذكر موضوع صلب خروف الفصح هكذا. وهذا تماما ما عمله اليهود مع المسيح فصحنا الحقيقي. وهذا ما تنبأ به المسيح وأخبر به تلاميذه أنه "ينبغي أن يذهب لأورشليم ويتألم كثيرًا من الشيوخ والكهنة ورؤساء الكهنة والكتبة ويقتل" (مت16: 21). ويضيف "إن أراد أحد أن يأتي ورائي فلينكر نفسه ويحمل صليبه ويتبعني" (مت16: 24). وفي (مت20: 19 + 26: 2) يتنبأ المسيح صراحة بأن اليهود "سيسلمونه للأمم ليهزأوا به وليصلب".
3- الاشتراك في خروف الفصح الأول:- الاختلاف الثالث أن الفصح أيام المسيح لم يكن فقط كتذكار لما حدث مع الآباء بل اعتبروه اشتراكًا في الخلاص الذي حصل عليه آباءهم، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في مواضِع أخرى. وقالت تعاليم المشناة اليهودية أنه "على كل شخص أن يعتبر نفسه كأنه كان محبوسا في مصر وخرج وتحرر منها، فيسأله ابنه الأكبر عن معنى الفصح فيشرح من أول اختيار إبراهيم في أور. ثم ما حدث في مصر وأن الله أخرجهم من الحزن إلى فرح وأعياد نحتفل بها، ومن العبودية إلى الحرية والمجد، ومن الظلمة إلى النور، وأن الله أعطانا فداء. ويتكلم الأب ويشرح كأنه اختبر وتعايش مع هذه الأحداث". فكانوا في أيام المسيح كأنهم يشتركون في الفصح الأول أو كأنهم يستحضرون ليلة الفصح ويشتركون فيها، فلم تصبح مجرد ذكرى، بل أن هذا الخلاص هو لهم كما كان لآبائهم. وتقول المشناة أنهم يسبحون "هلليلويا" لأنهم هم أنفسهم قد خلصوا وتم فداءهم. وهم يتكلمون عن هذه الليلة كما لو كانوا قد اشتركوا مع الآباء أنفسهم واختبروا ما حدث، فالخلاص كان لهم كما كان لآبائهم، ويكون هذا الاشتراك بعمل الفصح.
4- فصح المسيح:- ربطت تقاليد اليهود بين عيد الفصح ومجيء المسيح وبزوغ فجر عصر الخلاص. فقال أحدهم "في هذه الليلة تم فداء إسرائيل، وأيضًا في هذه الليلة (ليلة فصح) سيتم فداء إسرائيل". فهم يتوقعون الفداء الآتي أن يكون ليلة الاحتفال بالفصح. وهم بنوا هذا الرأي على قول الكتاب "أنها ليلة تحفظ للرب" (خر12: 42) وفي الإنجليزيةnight to be observed of all children of Israel in their generations. وتعنى ليلة مراقبة ونوبات حراسة ويجب الانتباه فيها في كل أجيال إسرائيل. فالفصح الأول كان ليلة راقبوا فيها مجيء الملاك المهلك. وفي تقاليد اليهود الأخيرة قالوا أن الفصح صار ليلة يراقبون فيها مجيء المسيح وفدائه المنتظر. وجاء هذا في كتابات المسيحيين الأوائل، فقال القديس جيروم "أن اليهود ينتظرون مجيء المسيح الفادي في منتصف ليلة الفصح كما حدث في مصر بحسب تقاليدهم". وقال أحد الربيين أن الفصح كان رجوعا وذكرى للفصح الأول في مصر، ونبوة وانتظارًا لفداء جديد، كان الفداء في مصر نموذجًا أوليًا له.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/fr-antonios-fekry/jewish-eucharist/passover.html
تقصير الرابط:
tak.la/vszcm68