(مت13: 54 - 58 ، 10: 1 ، 5 - 42 ، 11: 1 + مر 6: 1 - 13 + لو9: 1 - 6)
كان خروج السيد المسيح من كفرناحوم خسارة عظيمة لهذه المدينة. فمنذ هذه اللحظة لم تعد مركزا لنشاط الرب ولكنه كان أحيانًا يمر بها. وذلك بسبب العداء المتزايد للفريسيين ضده، وأيضًا بسبب قرب قصر هيرودس في طبرية من كفرناحوم. ولم يعد للرب مكان إقامة ثابت، وراجع قوله "ليس لإبن الإنسان أين يسند رأسه". وقول القديس مرقس "وخرج من هناك وجاء إلى وطنه وتبعه تلاميذه" (مر6: 1). ويفهم من هذا وصول السيد إلى وطنه الناصرة بعد أن غادر بيت يايرس. وربما تفاخر أهل الناصرة بالمسيح الذي ذاعت شهرته وأنه من الناصرة لكن العجيب أنهم أصروا على عدم إيمانهم به، والسبب راجع لأن كل ما يعرفونه عن يسوع أنه ابن النجار. ولكنهم لا يعرفون قصة تجسده وميلاده العجيب. فقد مرت 30 سنة على هذه الأحداث ونسى الناس قصة الرعاة والمجوس وهذه حدثت في اليهودية أما هم ففى الجليل وصعب نقل الأخبار في ذلك الزمان. وحكم هيرودس الدموى قاتل أطفال بيت لحم جعل الناس ينشغلون عن الروايات التي يسمعونها. ولم يكن هناك غير العذراء الأم التي تعرف السر.
لقد غادر يسوع الناصرة أول مرة ليذهب ليعتمد من يوحنا المعمدان. وحدث ما حدث في أورشليم وشفائه لمريض بيت حسدا وبداية صدامه مع الربيين والرؤساء في أورشليم. وعاد إلى الناصرة وصاحبته شهرته عن طريق الجليليين الذين كانوا في أورشليم وأتوا بالأخبار. وذهب للمجمع وإلتف حوله الكثيرين ليسمعوه فكلمهم ليس عن مجد إسرائيل المنتظر كما يتكلم الربيين بل عن إحتياج الروح العميق للتعزية. وكان كلامه حلوا جذب إنتباههم، ولكن كانت مشكلتهم أنهم يعرفون عائلته المتواضعة. كأن شرط النبوة هو عراقة عائلة النبي. ولكن الإعتراض الكبير كان بسبب ذكره لموضوع إيليا وإليشع وتفضيل الأمم عنهم. فحاولوا قتله. وغادر المدينة وها هو يعود لها بعد حوالى 9 أو 10 شهور وبظروف مختلفة فقد إتسعت شهرته. ومع ذلك لم يقبله حتى إخوته وأخواته ولم يعطوه كرامته كنبى. وإستمروا يسمعوه بإعجاب ولكن لم يؤمنوا به والسبب أنهم يعرفون مهنته البسيطة السابقة كنجار وبساطة عائلته. وحتى اليوم فكل من لا يؤمن بالمسيح له أسبابه التافهة دون البحث في أقواله وسيرته وأعماله. وكان مجيئه للمرة الثانية إلى وطنه الناصرة كمن يعطى شعبه فرصة ثانية وستكون هي الأخيرة فهو سيبدأ في إرسال تلاميذه بعد ذلك. والرب واضح من وصاياه لتلاميذه قبل إرساليتهم أنه يرسلهم إلى عالم من ذئاب معادٍ لهم. وكانت وصية الرب لهم أن لا يقتربوا من حدود للسامريين أو للأمم. فهم كيهود لهم إنحيازهم ضد السامريين والأمم بالإضافة لعدم تأهلهم الكافى بعد. بل هم سيواجهون من اليهود بحوارات شديدة. وكان اليهود يعتبرون أن حتى تراب بلاد الوثنيين نجس، أما بالنسبة للسامريين فبيوتهم وينابيعهم وطرقهم وبعض مأكولاتهم طاهرة. ولكن السامريين أنفسهم فهم كالأمم تمامًا.
وكانت وصية الرب لتلاميذه بعدم حَمْل ذهب أو فضة أو مزود للطريق، وكان للربيين تعاليم مناظرة. ولكن كان الربيين يقولون هذا عن دخول الهيكل، حتى لا يبدو من يدخل الهيكل وكأنه منشغلا بأمور الدنيا. ونفس المنطق نجده في تعليم المسيح لتلاميذه فهم في رسالتهم للعالم لا يجب أن ينشغلوا بأى شيء، أو يحملوا هم شيء، فهم عاملين عند الرب والرب متكفل بهم. ولكن الرب هنا يخاطب تلاميذه بحسب مفهومهم الذي درجوا عليه، وأن ذهابهم في إرساليتهم للكرازة هو عمل مقدس كدخولهم الهيكل. وهذا ما قاله المسيح لوالديه "ينبغى أن أكون فيما لأبى" (لو2: 49). ومن لايقبلهم يكون مصيره كسدوم وعمورة، وعليهم أن ينفضوا غبار أرجلهم بعد الخروج من المكان الذي رفضهم. نجد الرب في حديثه هنا مع التلاميذ يستخدم اللغة التي تعودوا أن يسمعوها من الربيين ليكون كلامه مألوفا لديهم فيفهمون كلامه، ثم بعد ذلك ينطلق بهم إلى عمق الحياة السماوية. وقال أيضًا "غنم وسط ذئاب وحكماء كالحيات وبسطاء كالحمام" وهذه تعبيرات من المدراش اليهودي [بسطاء أمام الله وحكماء أمام العالم]. لكن اليهود يستعملونها على أن الحملان هم اليهود والذئاب هم كل الأمم في العالم الذين يعيش اليهود وسطهم. أما الرب فكان يقصد أن تلاميذه حين يبدأون عملهم وسط اليهود سيكونون كحملان وسط الذئاب أي اليهود، فهم سيواجهون محاكمات السنهدريم مرات، وبعد ذلك حين يتوجهون للعالم يكون العالم هم الذئاب كما كانت الدولة الرومانية. وهكذا أيضًا الكرازة بلا مقابل "مجانا إعطوا" هو تعليم من المدراش. بل حتى موضوع إحتمال الصليب كما إحتمله هو معلمهم كان تعليم من المدراش مألوف عندهم فلم يندهشوا منه بل فهموا كلامه بسهولة. فيقول المدراش أن التلميذ الذي أحب معلمه عليه أن يحتمل في سبيله أكثر مما يحتمل لأجل والده، فالوالد أعطاه حياة مؤقتة أما المعلم فأعطاه حياة أبدية. ثم يكمل الرب كلامه ويظهر لهم أن وقوف العالم ضدهم هو موقف عام ضدهم وضد الأجيال التالية أي لكل الكنيسة. وعليهم الإحتمال، فإن كان هو معلمهم قد إحتمل فعليهم أن يحتملوا. وإستخدم الرب يسوع قول شائع عند الربيين "ليس التلميذ أفضل من معلمه". وقال لهم "إن كانوا قد لقبوا رب البيت بعلزبول...". وهذه الكلمات كانت سببا لتعزية المسيحيين بعد هذا حينما إضطُهدوا في كل زمان ومكان ونهبت أموالهم.
رب البيت = هذا التعبير الذي إستخدمه الرب هنا غالبا له معنى راجع لأنه حين طهر الهيكل المرة الأولى، سخر منه الفريسيين إذ قال أن البيت هو بيت أبيه. وقالوا هو رب البيت بلهجة ساخرة. بل أكملوا بل هو بعلزبول وهذه معناها:- بعل = رب + زبول = تعني الهيكل بالذات. وكان اليهود يعتقدون أن هناك 7 سماوات، وفي السماء الرابعة وإسمها زبول (تكتب زبهول) يوجد أورشليم السماوية وبها الهيكل، وأن الملاك ميخائيل هو الذي يخدم في هيكلها. ومن الناحية الأخرى فهناك كلمة أخرى متشابهة ولكنها مختلفة في الهجاء هي (زببول) وهذه تعني تقديم الذبائح للأوثان. وبالتالي يصبح اللقب الذي أعطوه للمسيح بعلزبول هو رئيس هيكل عبادة الأوثان، وهو أسوأ أنواع الشياطين وهو الذي يغوى الناس على العبادة الوثنية.
لا تكملون مدن إسرائيل حتى يأتي ابن الإنسان = تعبير ابن الإنسان مأخوذ من (دا7: 13 + 22) وفيه تصوير لإبن الإنسان الديان. فاليهود يفهمون التعبير على أنه للدينونة. وهذا ما حدث فعلًا سنة 70م. على يد تيطس الروماني. ويعتبر هذا مجئ غير مرئى لإبن الإنسان ليدين فيه أورشليم. لكن مجيئه الثاني العلنى سيكون للدينونة العامة ولخلاص أبدى لمن ينتظرونه. وبهذا يمكننا فهم حجم الغضب عند قيافا عندما سمع قول الرب يسوع أثناء محاكمته "من الآن تبصرون ابن الإنسان جالسا عن يمين القوة.." (مت26: 64) فمن قول الرب "من الآن" فهم قيافا أن المسيح يقصد - أن دينونة إسرائيل تبدأ من الآن.
وطلب الرب من تلاميذه الكرازة جهرًا وفي كل مكان وفي النور وبلا خوف حتى من الموت، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في مواضِع أخرى. وعليهم أن يكرزوا بكل ما يخص ملكوت الله وبكل ما يعرفوه عن شخصه. وهذا بعكس الربيين الذين كانوا يقولون التعاليم العالية والعميقة للخاصة، وهذه تختلف عن التعاليم العامة. أو كما كان المعلم يهمس بما يريده للمترجم والمترجم هو الذي يكلم الناس. بل أباحوا كل شيء فيما عدا القتل وزنا المحارم وعبادة الأوثان لكى ما ينقذ المعلم حياته حال تعرضه للخطر. بل جعلوا هذا واجب، وحاولوا إثبات هذا من الناموس. بل أباحوا عبادة الأوثان على أن تكون سرا فلا يعثروا أحد. أما تعاليم الرب يسوع، فالعلن هو نفسه ما نؤمن به سرا. وعلى تلاميذه أن لا يخافوا إنسانا بل الله فقط. فحماية الله تمتد ليس عليهم فقط بل حتى لأصغر المخلوقات.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/fr-antonios-fekry/jesus-the-messiah/visit.html
تقصير الرابط:
tak.la/kkmaw4j