St-Takla.org  >   books  >   fr-antonios-fekry  >   jesus-the-messiah
 

مكتبة الكتب المسيحية | كتب قبطية | المكتبة القبطية الأرثوذكسية

كتاب حياة السيد المسيح والزمان الذي عاش فيه - تأليف: ألفريد إدرشيم - ترجمة وعرض: القمص أنطونيوس فكري

8- الفصل السادس: الحياة السياسية والدينية للشتات اليهودي في الغرب - إتحادهم في رجاءهم العظيم في مجيء المخلص

 

لم يتمتع اليهود في العاصمة روما فقط بحقوق المواطنة، بل كان ذلك أيضًا ليهود أسيا الصغرى. وكان حكام سوريا من السلوكيين قد أعطوا مميزات لليهود في أماكن كثيرة. ولذلك حاز اليهود على حقوق مزدوجة:-

1) وضع ومقام المواطن الروماني.

2) مميزات المواطنة في أسيا الصغرى.

بل كان لهم حكومة مدنية ويختاروا هم حكامها بالإستقلال عن حكومة المدن نفسها. وحدث هذا في ساردس وأفسس وغيرها وغالبا حدث هذا في إنطاكية. بل كان لهم حكم ذاتى في أماكن كثيرة فيما عدا أيام الإضطهاد. ولكن نشأت لهذا مشاكل كثيرة ظهرت في تصادم الحاكم الذي يحكم اليهود مع سلطات الدولة أو حين يعترض اليهود على أحكامه. وتمتع اليهود بحرية دينية ومزايا في الحكم. وتعاطف الحكام معهم وإحترموا هيكل أورشليم ووقروه وأرسلوا له هدايا، حتى أن أغسطس قيصر فعل نفس الشيء. وأيضًا أرسلوا هدايا لمجامع اليهود في الولايات الرومانية. وأرسل ملوك مصر من البطالمة هدايا للهيكل. ولكن هذا توقف بعد الحرب الأخيرة. ويبدو أن الأمم من كل مكان كانوا يزورون الهيكل اليهودي في أورشليم، فوضع اليهود حجارة منقوشة من الرخام تحذر الأمم من تجاوز خط محدد وإلا قتلوا (إكتشف هذا الحجر أخيرا). وهذا مما يدل على كثرة الزائرين. وهذا الوضع المميز كان لليهود في إنطاكية عاصمة سوريا. بل كانت حقوق اليهود تنقش على ألواح نحاسية.

St-Takla.org Image: Jewish Menorah of the Temple: candleholder/candlestick - The Irish Jewish Museum, Dublin, Ireland - Photograph by Michael Ghaly for St-Takla.org, June 6, 2017. صورة في موقع الأنبا تكلا: المينوراه اليهودية: الشمعدان السباعي - من صور المتحف اليهودي الأيرلندي، دبلن، أيرلندا - تصوير مايكل غالي لموقع الأنبا تكلاهيمانوت، 6 يونيو 2017.

St-Takla.org Image: Jewish Menorah of the Temple: candleholder/candlestick - The Irish Jewish Museum, Dublin, Ireland - Photograph by Michael Ghaly for St-Takla.org, June 6, 2017.

صورة في موقع الأنبا تكلا: المينوراه اليهودية: الشمعدان السباعي - من صور المتحف اليهودي الأيرلندي، دبلن، أيرلندا - تصوير مايكل غالي لموقع الأنبا تكلاهيمانوت، 6 يونيو 2017.

وكانت إنطاكية هي المدينة الثالثة في الدولة الرومانية، وكانت مملوءة من اليهود وكانت مكانا مفضلا لهم. وكان لها مكانا مميزا في الكنيسة المسيحية الأولى وفي إنطاكية أولًا سُمِّىَ المسيحيين مسيحيين. وقد إعتبر الربيين إنطاكية أرضا مقدسة. وكان بها مجمع يهودي ضخم. وكانت العلاقات قوية بين أورشليم وإنطاكية. وكل ما يحدث في إنطاكية كان تحت سمع وبصر أورشليم. لذلك كان إنتشار المسيحية في إنطاكية محل إهتمام أورشليم، وأرسلوا ربيين ليلقوا القبض على المسيحيين في إنطاكية. وكان يهود إنطاكية هيللينستيين. ومع كل المميزات التي حصل عليها اليهود من الحكام، كانت الشعوب الذين يحيون وسطهم يحاولون أن يحرموهم من هذه الحقوق والحصانات بل حتى من حقوقهم العادية. وكان السبب الأساسى هو التضاد بين الوثنية والمجامع، بالإضافة لعزلة اليهود عن المجتمع. بل هم حرَّموا أن يلتصق يهودي بأجنبى أو يدخل معه في شركة (أع10: 28). ولكن كان اليهود يفتخرون بناموسهم وشريعتهم (رو2: 17 - 24). وإتفق هليل مع فيلو مع وجود الإختلافات بينهم على أن لليهود التفوق الكامل والمطلق على الجميع.

كل هذه المميزات لليهود أثارت حسد وغضب بقية المواطنين من الأمم، فلم يستطع اليهود أن يكسبوا أي نوع من التعاطف مع البلاد التي يحيون فيها. وكانوا يستمتعون بكل المميزات ولكنهم يحتقرون البلاد التي يحيون فيها، فأثاروا مواطنيهم في كل مكان. فتحوصل اليهود في أحيائهم منعزلين عن الباقين ولكن مترابطين معًا ولهم قوانين مشتركة واحدة تجمعهم ولهم رجاء واحد. تجمعهم في مكان غربتهم شريعة موسى. وعاش اليهودي الهيللينستى وسط مجتمع عدائى، غريب وسفيه. ومع كل هذا كانوا يضعون على يمين مداخل أبوابهم المازوزة (تث4: 4 - 9 + 11: 13 - 21). وهى ورقة مطوية كنوع من البركة للمنزل. ويضعون على أياديهم اليسرى وجباههم التفيلين Tephillin وهذه توضع كحجاب يحفظهم (مت23: 5 + خر13: 1 - 10 ، 11 - 16) + (تث6: 4 - 9 + 11: 13 - 21) ويهتموا بأن تكون الـTsitsith ظاهرة كشراشيب على أطراف ملابسهم. ولكن هذا لم يكن محتما على كل يهودي. ولهم دائما مجامعهم. وإذا لم يكن لهم مجمع في مكان ما، كانوا يجتمعون في أرض فضاء أو بجانب نهر أو بحر أو في مسرح كنوع من إظهار مكانتهم. وكان الأمم يلاحظون كل ذلك ويلاحظون ترانيمهم وتقديسهم للسبت ويوم الكفارة وصومهم للسبت وقوانينهم في الطعام وحجهم في المواسم المقدسة إلى أورشليم، وترانيمهم التي يبدأون بها يوم السبت. ووجد كل هذا بعض المتعاطفين مع اليهود. وكان المجمع هو المكان الذي يجمع اليهود في كل مكان. وفي كل مكان وفي كل مجمع يجتمعون يوم السبت لقراءة أجزاء من الناموس وشرحها. وهذه الأجزاء تقرأ في كل مجامع العالم، وترانيمهم هي نفسها التي تردد في هيكل أورشليم.

وكان أعمق كل إقتناع لهم هو مشاعرهم وحبهم العميق لأورشليم مدينة الله، فرح الأرض كلها، مجد شعب الله "إن نسيتك يا أورشليم..." ويتفق في هذا يهود الشرق ويهود الغرب. الكل ينجذب لتراب أرض الأباء وشعبها ومقابر أبائهم، لا ينسوا هيكلهم وتسابيح هيكلهم. ويعتقد الجميع أن العبادة الحقيقية لله هي في هيكل أورشليم كما إتجه دانيال في صلاته إلى أورشليم. ومجامعهم وفي صلواتهم يتجهون إلى أورشليم. وفي مواسمهم المقدسة كالفصح يتجهون لأورشليم (يصعدون) ومعهم عطايا قيمة. وهكذا ذهب فيلو السكندري ليقدم صلواته وذبائحه كموفد أو مندوب عن يهود الإسكندرية غير القادرين على الصعود لأورشليم. وقدر يوسيفوس الحجاج في أحد الأعياد الكبرى بـ 3 مليون يهودي.

ولكن أكبر الروابط التي تجمعهم هو رجاءهم الواحد في مجئ المسيح ليعيد مملكة إسرائيل ويعود الشتات إلى فلسطين. وكان كل اليهود يصلون في كل العالم لأجل أن يجمعهم الله إلى أرضهم ويجمع معهم شتات الأسباط العشرة. وهم فهموا هذا من النبوات التي تتنبأ بأن الله سيعيدهم من كل أنحاء الكون. وهم فهموا أنهم شجرة زيتون هبت عليها عاصفة التجارب فإقتلعت أوراقها لتنقيتها وليس لتدميرها. وفهموا أن الإضطهادات ضدهم كانت لحمايتهم من الإختلاط بالوثنية وبالتالي حمايتهم من الإرتداد للوثنية.

وهم إعتقدوا أن السماء والأرض يزولان ولكن إسرائيل لا تزول، وأن خلاصهم النهائى سيكون أروع كثيرًا من خلاصهم من مصر. وأن هناك ريح سوف تهب لتجمع كل اليهود من كل العالم حتى لا يبقى يهودي واحد خارج إسرائيل مهما كان بعيدا عنها. وستكون هناك ترانيم جديدة تسبح الله بالإضافة للقديم. وستتسع أرض إسرائيل لتشمل الكل بحسب وعد الله لإبراهيم. وكان هذا سؤال التلاميذ للمسيح (أع1: 6). وهذه الأفكار وجدت في الكتابات التلمودية والكتب الأبوكريفية مثل نبوة أخنوخ ووحي سبلة (Sybil) وإشتملت نبواتهم على أن هذه الأحداث ستحدث متزامنة مع مجيء المسيح وبناء الهيكل وعودة الشتات. وستأتى ثروة كل الأمم إلى أسرائيل وهيكل أورشليم. وقيل في كتبهم "مغبوط هو من سيعيش في هذه الأيام". وقالوا أن هذا سيحدث حين يظهر الملك ابن داود ويطهر الأرض من الوثنيين ويبيدهم بكلمة من فمه. ويعطى الأرض ويقسمها للأسباط ويجمعهم كشعب طاهر ويحكمهم بالعدل ولن يعيش وسطهم غريب.

هناك وقفة أخرى قبل زمن مجئ المسيح حول كتاب اليوبيل (Jubilees) المنسوب لهذه الفترة، ونجده ينتمى للربيين أكثر منه رؤيوى. وحتى في هذا الكتاب نجد فيه إشارة بوضوح للمستقبل المجيد، وأن الله سيجمع اليهود من كل مكان ويبنى هيكلهم ويقيم وسطهم ويدوم للأبد. وسيرى الله كل إنسان وسيعرف كل واحد أن الله هو إله إسرائيل وأن إسرائيل بني يعقوب هم أبناءه. وهو سيكون ملك إسرائيل للأبد وستكون صهيون وإسرائيل مقدسة.

St-Takla.org Image: Phylactery for arm (arm-tefillin) - from the book: The Universal Bible Dictionary, edited by: F. N. Peloubet, 1912. صورة في موقع الأنبا تكلا: فيلاكتري (تيفيلين لليد: تفلين) - من كتاب: قاموس الكتاب المقدس العالمي، تحرير: ف. ن. بالوبيت، 1912 م.

St-Takla.org Image: Phylactery for arm (arm-tefillin) - from the book: The Universal Bible Dictionary, edited by: F. N. Peloubet, 1912.

صورة في موقع الأنبا تكلا: فيلاكتري (تيفيلين لليد: تفلين) - من كتاب: قاموس الكتاب المقدس العالمي، تحرير: ف. ن. بالوبيت، 1912 م.

ولذلك نتصور حين نسمع هذه اللغة، مدى رفض اليهود للمسيح كونه رجلًا متواضعًا ومن الناصرة. وحين كان يدين اليهود وأنه سوف يهدم هيكلهم. فكان هذا لا يتماشى مع أحلامهم وكبريائهم، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في مواضِع أخرى. وبعد إنتشار الكنيسة وإنكسار اليهود ظلت نفس الأفكار وإزدراء المسيحية والصليب. بل وجدنا في كتاب أبوكريفى مثل إزدراس الرابع تعاليم مستمدة من المسيحية مثل فكرة وراثة الخطية وهذه فكرة غريبة تمامًا عن الربيين والهيللينيين إستخدمها الكاتب وهى مستمدة من رسالة رومية ليعبر بها عن سبب خراب الأمة اليهودية. ولكن أفكاره عن طريق النهوض بالأمة اليهودية لم تخرج عن الفكر اليهودي في البر الذاتى وأعمال البر الشخصى.

وهناك كتاب آخر رؤيوى من هذه الفترة كمحاولة لتفسير خراب إسرائيل وتصور مستقبلهم. وهذا أيضًا نجد فيه صدى لأقوال العهد الجديد. فقال الكتاب أن ابنه الذي إحتفظ به العلى لفترة طويلة ليخلص الخليقة به، سيظهره فجأة على هيئة إنسان. وسيخرج من فمه ويلات ونار وعواصف وهذه تعبر عن ويلات الأيام الأخيرة. وسيتجمعوا لمحاربته فيقف على جبل صهيون والمدينة المقدسة وسيأتى من السماء ويدمر أعداءه. ولكن سيجتمع حوله جمع مسالم. هؤلاء من الأسباط العشرة وسينفصلوا عن الأمم وسيعينهم الله بمعجزات ويعيدهم لأرضهم. وهذا الابن ومن سيصحبه لن يستطيع أحد أن يراه حتى يأتي.

وهذه الكتابات معظمها لها مسحة هللينيستية وبالذات من فكر فيلو السكندري. وقالوا أن مهما كان شأن اليهود قد إنحط وتشردوا في العالم، فهم سيعودون للفضيلة مما سيجعل سادتهم يطلقونهم أحرارا. وسيعودون بمعجزات إلهية لبلادهم أينما كانوا وستتحول كل أراضيهم حتى ما كان منها برية إلى أراضٍ مثمرة. ويستعيدوا مجدهم مع مجئ المسيا. هذا الرجاء هو ما أعطاهم صبرا في عبادتهم مثبتين قلوبهم وأفكارهم نحو أورشليم. وأن هذا الموعود به سوف يأتي ولا يتأخر ويعود لهم مجدهم وبركاتهم.

وكانوا ينتظرون أخبار مجيء المسيح في أي لحظة ليعود مجدهم في كل الأرض من أقصى السموات إلى أقصائها. وأن المسيح الآن موجود ولكنه سيظهر مع توبة إسرائيل ويخرج من المكان المختبئ فيه.


الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع

https://st-takla.org/books/fr-antonios-fekry/jesus-the-messiah/political.html

تقصير الرابط:
tak.la/hhz5rsc