حين تطأ قدما اليهودي أرض إسرائيل في المواسم المقدسة (الحج) يشعر كأنه إنتقل من العالم إلى عالم آخر. فالعادات والقوانين والحياة والعلاقات بين البشر تختلف. فالدين يحكم كل شيء. ما يحكم عقلياتهم وجود الهيكل والشاكيناة (مجد الله الذي يظهر بين كاروبى تابوت العهد) في أرضهم. الأفق الروحي لليهودي الأرثوذكسي محدود بأرض إسرائيل. هي الأرض وكل العالم ما عدا بابل هي خارج الأرض. كل شيء فيها مقدس حتى لو لم يذكر ذلك، فيكفى أن يقولوا الأرض...إذًا هي الأرض المقدسة. الأرض ومن يحيا عليها، الكل مقدس. فهم لهم الشريعة وهم أولاد إبراهيم وصارت لهم كل مميزات إبراهيم. الله خلق العالم كله لمصلحتهم، وظل يُعِّد العالم لفترة طويلة لهم. وكان الله كمن ينتظر ولادة ابنه - فهم أولاد الله.
ولنتصور مدى التناقض بين تعاليم السيد المسيح وتصورات اليهود، هؤلاء الذين يحتقرون الأمم بشدة ويحتقرون طرقهم وأفكارهم، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في مواضِع أخرى. هم يعبدون حرف الناموس، في بر ذاتى وكبرياء ناشئ عن أنهم أولاد الأباء المحبوبين من الله. ينتظرون مسيا يتوافق مع أفكارهم. فلما رأوا معجزات السيد المسيح ذهلوا، ولكن تعاليمه وحياته كانت ضد أحلامهم في مملكة عظيمة. وهم قالوا أن التوراة كانت موجودة قبل خلقة العالم بـ 2000 سنة. وأن الله قدم التوراة للأمم لكنهم رفضوها، وحتى لو تاب الأمم الآن فهم مرائين. وقالوا أن الأباء البطاركة كان لهم مدارسهم ومنها كانت التقاليد التي إنتقلت إلى شعب إسرائيل. أما اليهود فهم حتى لو كانت أفعاهم الصالحة قليلة فإن الله سيجمعهم من وسط الشعوب وسيكونون عظماء في الأبدية. وسيغفر لهم الله سيئاتهم كما يفعل الإنسان مع صديقه. وكانت تعاليم الربيين أنهم سيكونون كجسد واحد يتألمون معًا وينعمون معًا. وبولس الرسول كان له نفس فكرة الجسد الواحد ولكن بمعنى روحي.
وإعتبر الربيين أن تفوق إسرائييل راجع للأرض المقدسة، فإشتكوا من أن حدودها صارت ضيقة عليهم. ولذلك كان بالنسبة لهم تحديد الأرض إلهيا وليس جغرافيا. وإعتبروا أن كل الأراضى من الفرات هي إسرائيل ومن ضمنها سوريا. وإمتد فكرهم إلى إمتلاك مصر وبابل وموآب وعمون. ومن هنا نفهم فكرهم حين أرسلوا شاول الطرسوسي ليقبض على مسيحيى إنطاكية فهم يعتبرونها أرضهم، مع أنها الآن خارج حدودهم. ولقد قسموا الأرض المقدسة لدرجات عشر في القداسة، أقدسها الهيكل وآخرها تراب إسرائيل. وذلك حسب شعائر تميز مكانا عن الآخر. وفي المقابل فإن أي تراب من أي أرض أخرى هو تراب نجس مثل القبور.
وقد إنتشرت مدنا كثيرة يونانية على الطراز اليوناني، ومدنا بناها هيرودس الكبير مثل سبسطية في السامرة وقيصرية في الغرب. وقام فيلبس ببناء قيصرية فيلبس، وبنى هيرودس أنتيباس طيبارية. وسكن الأمم هذه المدن وسط إسرائيل وكان لهم قوانينهم الخاصة كالمدن اليونانية. والسبب في هذه المدن أن هيرودس كان يعلم مدى عدم شعبيته وسط اليهود فأحاط نفسه بمدن محصنة مملوءة بالأجانب ليحيطوا بيهود أورشليم من كل جهة. وأقام فيها هياكل وثنية تكريما لقياصرة روما، وتمتعت هذه المدن بنوع من الحكم الذاتى. وكان لكل مدينة خليط من العبادات، بل وشجع هيرودس وخلفاءه عبادة الإمبراطور، ووضع في هذه الهياكل تماثيل آلهة رومانية ويونانية. وحاول فرض الثقافة اليونانية. وحتى في أورشليم أقام مسارح يونانية تقام فيها ألعاب أوليمبية كل 4 سنوات تكريما لأغسطس قيصر. بل وضع بجانب الكرمة الذهبية الضخمة عند مدخل الهيكل وهى رمز لأسرائيل، وضع نسرا ذهبيا هو رمز روما. وهذا أدى لمؤامرات ضده ولكنها لم تكن في عنف الثورة التي قامت حين وضعوا تمثال لكاليجولا في الهيكل. والتلمود لم يمنع التواجد في هذه المسارح بطريقة واضحة لكنه إعتبر هذا جلوس في مجالس المستهزئين.
وبالنسبة لتصوير وعمل تماثيل لطيور أو مخلوقات بحرية...إلخ، فبالرغم من نفور الربيين من كل ما هو وثنى، كان هناك في المشناة بعض التسامح في ذلك. ولكن لم يوجد في وسط اليهود فنان يستطيع أن يصور تماثيل. وحين إحتاجوا لعمل تمثال كاليجولا إستعانوا برجل فينيقى.
هذا الإحتفار اليهودي للوثنية وضع حاجزا بينهم وبين الأمم. ومع أن اليهود خضعوا للحكم الروماني إلا أنهم كانوا يشفون غليلهم منهم خلال الحوارات الأكاديمية التي كان اليهود يخرجون منها منتصرون على فلاسفتهم. وكان الإمبراطور أنطونيوس يعامل الربيين بتواضع شديد. وقال الربيين أن روما هي الوحش الرابع في (دا7) وفي الأيام القادمة حين تصير أورشليم عاصمة الأرض كلها، ستقدم روما إعتذار عما إقترفته في حق إسرائيل. فإن كانت روما سيدة الأرض كلها ستقدم إعتذار لهم فلنتصور ماذا يكون موقف بقية الأمم التي سترتعد حينئذ. وقالوا لولا أن اليهود في سيناء قبلوا التوراة لكن الله قد دمر الأرض كلها. وقالوا أن أي مولود من الوثنيين يولد نجسا، وأن كل عباد الأوثان يجب قتلهم بالسيف، ووصل بعض المعلمين لقولهم بوجوب سحق رأس الوثنى وسط الثعابين.
ولأن هذا غير ممكن فقد وضع الربيين قوانين لمنع اليهود من السقوط سهوا في الوثنية. وتتلخص التعليمات في عدم فعل أي شيء مما يفعله الوثنيون في عبادتهم ولا يعطون أي مساعدة لوثنى، ولا يكونوا سببا في سعادة وثنى. وطبقوا هذا بتعصب خطير وصل في المشناة لعدم تقديم مساعدة لأم في حالة ولادتها، أو تقديم طعام لطفلها حتى لا تلد طفلا وثنيا. وعليهم عدم إنقاذ وثنى من الخطر. وكل يهودي مرتد يجب إلقاءه في مخاطر حقيقية، وإن وقع في مخاطر يجب عدم إنقاذه. وإذا عاد المرتد لليهودية يجب أن يقتل كتكفير عما فعله وخوفا من إرتداده ثانية. [قصة حدثت:- يهودي لدغته حية، فجاء يهودي متحول للمسيحية وشفاه بإسم المسيح فرفضوا ورفض هو أيضًا]. وقارن مع تعاليم المسيح لترى بشاعة تعاليمهم في نور تعاليم المسيح. ورجعت كراهية اليهود للوثنية بالأكثر لما ينسب للوثنيين من جرائم بشعة. وقالوا أن الوثنية قد لوثت حياتهم ومنازلهم، فكانوا يخافون من إستضافتهم في منازلهم أو على موائدهم لئلا يلوثوها. وكانوا لا يتركوا مواشيهم لرعاتهم ولا يذهبوا لأطبائهم ولا لممرضاتهم ولا يرعون أولادهم. ويتحاشون التعامل معهم إلا في الضرورة مثل العمل. ويتحاشون حتى السير في أماكن تواجدهم أو مدنهم إذا كان لهم أعياد وثنية. وكانوا لا يجلسون تحت ظل شجرة من الأشجار المخصصة للعبادة الوثنية، فخشب الشجرة قد تلوث. ولو إستعملوا خشب الشجرة في خبيز خبزههم فقد تلوث الخبز وصار نجسا. ولا يشترك يهودي في بناء مسارحهم ولا دور عبادتهم أو دور قضائهم. ولا يبيعون لهم منازلهم أو قطعانهم ولا يشترون خبزهم ولا زيتهم ولا خمرهم.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/fr-antonios-fekry/jesus-the-messiah/gentiles.html
تقصير الرابط:
tak.la/dsc9jf5