St-Takla.org  >   books  >   fr-angelos-almaqary  >   john-chrysostom-virginity
 

مكتبة الكتب المسيحية | كتب قبطية | المكتبة القبطية الأرثوذكسية

كتاب البتولية: للقديس يوحنا ذهبي الفم - القمص أنجيلوس المقاري

57- عن المنغصات التي تصحب الزواج دائمًا

 

1- أتريد مع ذلك أن نترك هذا جانبًا ولنفحص الضيقات المرتبطة بالزواج التي طوعًا أو كرهًا غير مستطاع الفرار منها، فما هي هذه المنغصات؟ آلام الحمل والولادة وتربية الأطفال، ولكن بالأحرى فلنأخذ أمور ما قبل الزواج ونتعرف عليها في حدود الإمكان. ها هوذا فترة الخطوبة قد وصلت والاهتمام باللبس والماكياج شيء مقطوع به، يا ترى أي زوج سيكون زوجها؟ ألن يكون وضيع المولد، ذو سمعة سيئة، خبيث، هجاص (فشّار)، وقح، غيور، أحمق وغبي، متخنث؟

بالطبع كل هذا لا يحدث بنفس الشدة لكل الفتيات التي ستتزوجن، ولكن الكل يقلقن وتشغلهن هذه الأفكار، إذ إنهن يجهلن من أي نوع سيكون عريسهن، وإذ هم في عدم تيقن مما ينتظرهن، لذلك تجدهن منزعجات ومضطربات لهذا الأمر. وإذا ادّعى أحد لإحداهن صفاته عكس ما تتخوفه، فإنها ستكون في غاية الفرح، إذ سيكون لها ما تتمناه ولكن الأمل في السعادة لا يولد البهجة الأكيدة، لأن الانزعاج والتخوف حتى ولو مجرد شك بسيط فإنه كفيل بأن يلقي في النفس الاضطراب والضيق.

 

2- وهذا مثلما يحدث للعبيد فجهلهم بمن سيكونون له عبيد لا يترك لنفوسهم أي لحظة للراحة (وهم في سوق العبيد)، وهكذا الفتيات، فنفوسهن عندما تحين فترة الخطوبة تشبه سفينة تتمايل في العاصفة، لأن الأسرة كل يوم توافق وترفض على التوالي المتقدمين للخطوبة، فالذي يفوز بالأمس، يأتي خطيب آخر في الغد يبعده، وهذا يأتي ثالث ليحل محله، وهكذا دواليك، بل يحدث أحيانًا قبل الزواج بأيام قليلة يخرج العريس المنتظر صفر اليدين ويزوجها والديها لعريس غير منتظر.

هذا ليس فقط قدر الفتيات، بل الشبان أيضًا يختبرون قلقًا شديدًا جدًا، إذ يريدون أن يعرفوا المزيد عن زوجة المستقبل، عن شخصيتها وجاذبيتها وأشياء أخرى كثيرة عنها، ولكن كيف هذا وهي دائمًا حبيسة في منزل أسرتها ولا تخرج منه.

هذا أثناء فترة الخطوبة، ولكن عندما يأتي يوم الزواج فالانزعاج يتضاعف والخوف يكتسح أمامه كل بهجة، الخوف من أن تظهر في هذا المساء خالية من الجاذبية أو أقل مما تأمل. إن يكون المدح والإعجاب في الأول ثم بعد ذلك المحقرة، فهذا شيء محتمل، ولكن إن اختبرت التنافر من الأول، فمتى تستطيع في المستقبل أن تنتزع الإعجاب؟

 

St-Takla.org Image: Jealousy word in Arabic and English - ai art, idea and edit by Michael Ghaly for St-Takla.org, 11 March 2023. صورة في موقع الأنبا تكلا: كلمة الغيرة باللغة العربية والإنجليزية - فن بالذكاء الاصطناعي، فكرة وتعديل مايكل غالي لموقع الأنبا تكلاهيمانوت، 11 مارس 2023 م.

St-Takla.org Image: Jealousy word in Arabic and English - ai art, idea and edit by Michael Ghaly for St-Takla.org, 11 March 2023.

صورة في موقع الأنبا تكلا: كلمة الغيرة باللغة العربية والإنجليزية - فن بالذكاء الاصطناعي، فكرة وتعديل مايكل غالي لموقع الأنبا تكلاهيمانوت، 11 مارس 2023 م.

3- ولا تقل لي وماذا إن كانت جميلة؟ حتى ولو، فإنها لن تكون بمعزل عن هذا الهمّ، فكم من فتيات ذوات جمال مشهود له، ومع ذلك لم يستطعن أن يفزن بقلوب أزوجهن الذين تركوهن وسلّموا أنفسهم لمن لا يساويهن على الإطلاق في جمالهن. وإن تبدد هذا القلق، فللحال يأتي ويظهر نوع آخر من المشاكل التي تنشأ عن المهر، فوالد العروس الذي سينفذ هذا الاتفاق كرهًا، لأنه بالنسبة له فهي صفقة خاسرة، ومن ناحية أخرى يضغط العريس لاستيفاء كل بنود اتفاق المهر ولكن يخجل من أن يجبره على الدفع، وهذا التأخير وتلك المماطلة تحرج العروس وتخجلها أمام زوجها من أجل مماطلة أبيها، وعن بقية المنغصات سأعبر عنها الآن.

← انظر كتب أخرى للمؤلف هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت.

 

4- إن انقشع هذا القلق في ذلك الوقت، فإن الخوف من العقم في الحال يخترق قلبها وأيضًا العكس، الخوف من أن تكون ذات عدد كبير جدًا من الأطفال، إذ أنها ستكون غير متيقنة من هذا الموضوع، لذلك كلا الاحتمالين يقلقانها من البداية، وإن حبلت سريعًا، فالفرحة ستكون مختلطة بالخوف، لا يوجد شيء في الزواج لا يصاحبه خوف: الخوف من الإجهاض أو أن يولد الطفل ميتًا، أو من موت الأم أثناء الولادة، ومن ناحية أخرى فإن طال الانتظار (من أجل الإنجاب) فالمرأة لا تجرؤ على فتح فاها وكأنها هي المسئولة عن ولادتها، وعند وقت الولادة، فالآلام التي تعانيها على مدى وقت طويل آنذاك، كفيلة بأن تنسيها أفراح وبهجات الزواج وتلقيها جانبًا، وقلق وهموم أخرى تلحق بتلك لتغذيها، فالخوف من وفاة الطفل أو من أن يكون مصاب بمرض أو مشوه بدلًا من أن يكون سليمًا، هذا غير أنها كانت تتمنى ولدًا بدلًا من البنت، كل هذا الضيق، ألا يعذبها بأكثر من آلام الولادة؟ لأنه حتى ولو لم يكن لهن دخل فيما حدث، فهذا لا يعفيهن من الخوف والارتعاد أمام أزواجهن وكأنهن مسئولات عما حدث، وفي وضع حرج كهذا يهملن التفكير في أمانهن وسلامتهن عقب الولادة (نتيجة) للإحباط الذي حدث لهن إذ لم ينلن استحسان ورضا أزواجهن عما حدث، وما أن يولد الطفل ويبدأ صرخته حتى تبدأ هموم أخرى في تربيته وسلامته الصحية.

 

5- إن وجد الطفل ذو صحة جيدة وعلى أحسن ما يرام، فهوذا والديه من جديد يقعان في الخوف لئلا يصيبه أذى أو موت مبكر أو ينحرف لأحد الرذائل، ليس فقط الخوف من السلوك الردئ، بل أيضًا (من الانحدار) من الاستقامة إلى الخبث والرذيلة.

وإن حدث وتحقق ما كانوا يخافون من وقوعه، فإن الحزن حينئذ سيفوق كثير جدًا عن خوفهم الأول (يوم ولادته)، ولكن لو كان العكس وكانت كل الصفات الحسنة متأصلة في ابنهم، فعلى الأقل الخوف من التغير (للأسوأ) دائمًا مجود في نفوس والديه ويحرمهم من لذة استمتاعهم بالحياة.

ولكن ليس كل المتزوجين لديهم أطفال! ألن يكون هذا أيضًا مصدر دائم لضيقهم وحزنهم؟وهكذا فسواء عندهم أطفال أو بلا أطفال، سواء كان أولادهم ذوي صفات حميدة أو رديئة، فالوالدان دائمًا محل أحزان وهموم من كل نوع. فكيف نستطيع نحن في مثل هذه الظروف أن نتحدث عن مباهج الزواج؟

 

6- وأيضًا إن سادت الألفة بين الزوجين، فالخوف يتملكهم لئلا يأتي الموت لأحدهما ويضرب سعادتهما أو بالأحرى ها ليس فقط خوف، بل هو شر محتم سيصيب أحدهما يومًا ما، لأنه لم يُرَ قط أن الموت يخطف الزوجين بآن واحد ومادام هذا الأمر غير ممكن حدوثه، فليس مفر لمن تبقى منهما أن يحتمل بحزن عميق جدًا فراق الآخر سواء طالت أو قصرت حياتهما الزوجية سويًا. وكلما طال زمن عشرتهما سويًا، كلما زاد الألم والحزن، لأن طول زمن العشرة يجعل الانفصال (بالموت) غير محتمل بالمرة، ولكن لمن قبل أن يتلذذ ويختبر الحب وهو في كل حميته للشهوات الجسدية ويُسلب منه الطرف الآخر، يستشعر بالتعب والحزن، طالما هو حي بعد، وهكذا لأسباب متعارضة يتحمل الاثنان(71) أحزان متماثلة.

 

7- وماذا نقول عن الانفصال الذي يحدث لهم من السفريات الطويلة إلى القلق الذي يصحبهم أثناء المرض؟ ومن يعترض قائلًا: وما علاقة هذا بالزواج؟

(فنجيب) أولًا من جراء زلة الزواج، كثير من النساء تسقط صريعة المرض كضحايا العنف والغضب، أحيانًا من السخط والغيظ وأحيانًا أخرى من القنوط الذي يسلّمهم من حمّى إلى حمى، وحتى إن كانوا معتوقين من مثل هذه المعاملة وأزواجهن كانوا بالقرب منهن واعتنوا بهن جدًا، فإن حدث ابتعاد (لسبب ما) فهن أيضًا سيكن ضحايا لهذه الأوجاع! ومع هذا فنحن لن نتحدث عن كل هذا ولن نلوم الزواج في شيء، ولكن على الأقل لن نستطيع بنفس القدر أيضًا أن نغبطه لشكوى أخيرة. كيف؟ فإن النصيب الذي يحفظه للرجل السليم ليس أحسن من ذاك الذي للمريض، لأن ضيقاتهم واحدة في الاثنين.

_____

الحواشي والمراجع لهذه الصفحة هنا في موقع الأنبا تكلاهيمانوت:

(71) يقصد من هنا طالت عشرته ومن قصرت فترة عشرته للطرف الآخر.


الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع

https://st-takla.org/books/fr-angelos-almaqary/john-chrysostom-virginity/troubles-of-marriage.html

تقصير الرابط:
tak.la/sa5xs5a