![]() |
1- لماذا في هذا الموقف بالذات ذكر نفسه قائلًا "أريد أن يكون جميع الناس كما أنا" (1كو 7: 7). حسنًا، ولو لم يضف هذه الكلمات "لكن كل واحد له موهبته" لكنا اتهمناه بالافتخار. لماذا إذن أضاف "كما أنا"؟
هو قال هذا ليس على سبيل الافتخار، لأن الرجل الذي فاق كل الرسل في أتعاب الكرازة حكم على نفسه أنه غير أهلّ لأن يُدعى رسولًا، فبعد أن قال "إني أصغر الرسل"وكأنه فاه بكلمة تفوق أيضًا استحقاقه عاد سريعًا فقال "لست أهلًا أن أُدعى رسولًا" (1كو 15: 9). لماذا إذن في هذا الموضع بالذات أضاف مثاله إلى ما ينصح به؟ هذا ليس اعتباطًا ولا عن غير قصد فهو يعلم جيدًا أنه بالنسبة لتلاميذه فإن أحسن دافع يؤثر فيهم هو القدوة والمثال الذي يأخذونه من معلميهم. وهكذا فإن الرجل الذي يكتفي بفلسفة الكلام دون مثال عملي يعضد به كلماته لن يكون له تأثير يُذكر على سامعيه وبالمقابل فمن يستطيع أن يُظهر أنه أول من يطبق ما ينادي به من مبادئ، فهو بهذه الطريقة سيكون له حظ أوفر في اجتذاب سامعيه.
ومن ناحية أخرى فبولس الرسول أظهر خلوه من الغيرة والكبرياء، وهو يريد أن يشاركه تلاميذه في الامتياز الذي يتمتع به، وهو لا يسعى أن يكون أعظم منهم، بل في كل شيء يرغب أن يكونوا مساويين له.
2- وأستطيع أن أقدم أيضًا سببًا ثالثًا وهو أن الفضيلة تبدو صارمة وغير مقبولة على الإطلاق عند الغالبية، وهو إذ يريد أن يُظهر أنها في غاية السهولة يقدم نفسه كمثال لإنسان مارسها حتى لا يُنظر إليها كشيء صعب جدًا، فما أن يلقي التلاميذ الأنظار تجاه المرشد حتى ينهمكوا بكل ثقة أيضًا في ارتياد نفس الطريق.
وقد تصرف بولس الرسول بنفس الطريقة في موقف آخر عندما توجه بكلامه للغلاطيين طالبًا أن يحررهم من الخوف من الناموس - الخوف الذي كان يجتذبهم نحو عاداتهم القديمة في حفظ آلاف الفرائض، فماذا قال؟ "كونوا كما أنا، لأني أنا أيضًا كما أنتم" (غل 4: 12)، أي أنه يريد أن يقول: لن تستطيع أن تعارضني، فأنت قد تحولت اليوم وأتيت من الوثنية ولا تعرف الخوف الذي ينشأ من تعدي الناموس (مثلي) فلا تتجشم العناء ببسط هذه العقيدة (والفرائض) أمامك، لأني أنا أيضًا في السابق قد خضعت لهذه العبودية وكنت خاضعًا لوصايا الناموس واعتنيت بمنتهى الدقة أن أحفظ هذه الوصايا. ولكن ما أن أُظهرت لي نعمة الله حتى تحولت بالكلية من القديم إلى الجديد، وهذا لم يعد تعدٍ بعد لأننا قد صرنا خاضعين لرجل آخر(65)، ولا يستطيع إنسان أن يدّعي أنني أفعل شيئًا وأعلّم بما يخالفه أو أؤّمن نفسي وأعرضكم للخطر -فإن وجد هناك خطر فأنا لن أجازف وأعرّض خلاصي للخطر- وهكذا إذن كما أن الرسول بولس في تلك الرسالة أظهر نفسه كمثال لكي يحررهم من الخوف، فعل نفس الشيء هنا، ولكي يطرد الجزع عن الأرواح أعطى نفسه مثالًا.
_____
(65) هنا يتذكر ذهبي الفم (ار 3: 1) ويود أن يقول إنه لا يوجد تعد للناموس لأن الطاعة ليهوه يتبعه الطاعة للمسيح في العهد الجديد.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/fr-angelos-almaqary/john-chrysostom-virginity/paul-example.html
تقصير الرابط:
tak.la/2xpr88k