1- عندما تسمع (حرفيًا ترى) عن السيرافيم أنهم يطيرون حول العرش في سموه ورفعته، يغطون وجوههم بجناحين ويسترون أرجلهم باثنين ويصيحون بصوت مملوء رعدة، لا تظن أن لهم ريشًا وأرجلًا وأجنحة.
2- لأن هذه القوات غير مرئية، لكنه بفضل هذه التشبيهات تفكر في أن من هو جالس على العرش غير مُدرك ولا يمكن الدنو منه.
حقًا إن الله حتى بالنسبة لهذه الطغمات غير مُدرك ولا يقدرون على الدنو منه. لهذا فهو يتنازل ليظهر بالطريقة التي وردت في الرؤيا، إذ أن الله لا يحده مكان ولا يجلس على عرش.
3- إنما جلوسه على العرش وإحاطته بالقوات السمائية، هي علامات من قبيل تنازله، وليس مجرد كونه جالسًا. فهذه القوات لم تستطع رؤيته ولا حتى احتملت التطلع إلى بهاء نوره، فغطت أعينها بأجنحتها، ولم يعد لها إلا أن تسبح وترنم بتسابيح مملوءة مجدًا ورعدة مقدسة، وبتراتيل عجيبة تشهد لقداسة ذلك الجالس على العرش.
![]() |
4- ألا تختبئ تحت الآكام يا من بمثل هذه الجسارة تريد أن تفحص عناية إله قوته لا توصف ولا يُعبّر عنها وغير مدركة للقوات السماوية؟
5- لأن كل ما يختص به (أي بالآب) معروف وبتحديد (قاطع) فقط للابن وللروح القدس، وليس لأي أحد سواهما. وقد سعى يوحنا الإنجيلي إلى إفهامنا الحقيقة الأولى، وبولس الرسول الثانية.
إن ابن الرعد الذي أحبه الرب جدًا، والذي دل لقبه على سمو فضيلته والذي تمتع بالاتكاء على صدر الرب يقول: "الله لم يره أحد قط" والرؤية هنا تعني المعرفة.
6- "الابن الوحيد الذي في حضن الآب هو خبّر" (يو 1: 18). والمسيح نفسه شرح هذا سابقًا في موضع آخر عندما تحادث مع اليهود فقال "ليس أن أحد رأى الآب إلا الذي من الله. هذا قد رأى الآب" (يو 6: 46).
7- وعندما أراد الإناء المختار (بولس) أن يتحدث عن مقاصد الله ويشير إلى الأسرار كما عرفها قال "نتكلم بحكمة الله في سر، الحكمة المكتومة التي سبق الله فعينها قبل الدهور لمجدنا، التي لم يعلمها أحد من عظماء هذا الدهر. لأنهم لو عرفوا لما صلبوا رب المجد بل كما هو مكتوب ما لم تسمع عين ولم تسمع به أذن ولم يخطر على بال إنسان ما أعده الله للذين يحبونه" (1كو 2: 7-9).
← انظر كتب أخرى للمؤلف هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت.
8- إذًا كيف عرفنا حكمة الله يا بولس ومن كشفها لنا؟ ومن أوضح لنا الأمور التي لم ترها عين ولم تسمع بها أذن ولم تخطر على بال إنسان؟
9- أخبرنا، من هو الذي وهب لنا هذه المعرفة العجيبة؟
فيجيب بولس: "أعلنه الله لنا بروحه" (1كو 12: 10).
ولئلا يظن أحد أن الروح القدس يعرف فقط ما يكشفه الله لنا بواسطة ملائكته، وأنه لا يملك قوة المعرفة، أضاف بولس قوله "لأن الروح يفحص كل شيء حتى أعماق الله. لأن مَنْ من الناس يعرف أمور الإنسان إلا روح الإنسان الذي فيه؟! هكذا أيضًا أمور الله لا يعرفها (أحد) إلا روح الله" (1كو 2: 10-11). هذه الكلمات تعني أنه كما يعرف روح الإنسان ما يخصه بدقة، هكذا يعرف روح الله المعرفة الإلهية الكاملة بدقة لا يُعبّر عنها.
10- بقوله أن أمور الله لا يعرفها إلا روح الله، استبعد عن هذه المعرفة الدقيقة ليس فقط البشر، بل أيضًا كل المخلوقات السماوية. من أين هذه النصائح الحكيمة: "لا تطلب ما يعييك نيله، ولا تبحث عما يتجاوز قدرتك، لكن ما أمرك الله به، فيه تتأمل ولا ترغب في استقصاء أعماله التي تتجاوز عقلك البشري" [(بن سيراخ 3: 22) بحسب النص].
11- هذا القول يعني أنه يليق بك ألا تنسب معرفتك لذاتك، فلن تكفيك الطبيعة لمعرفة كل الأشياء، إنما أنت أخذت من فوق معرفة أكثر الأمور (التي عرفتها)، إذ هي تفوق إدراكك.
لماذا تحاول استقصاء الأمور العميقة بقوتك الذاتية، مع أن أغلبها يفوق قوة تفكيرك التي وهبها الله لك؟
12- ألعل بولس كان يحاول الإشارة إليك حين قال: "أي شيء (لك)لم تأخذه؟ وإن كنت قد أخذت فلماذا تفتخر كأنك لم تأخذ؟!" (1كو 4: 7).
إذًا لتهرب من حب الجدال واقبل هذه النصيحة المملوءة حكمة: "لا تقل ما هذا؟ ولماذا حدث هذا؟ لأن كل الأشياء قد خُلقت لاحتياجها(81)" (بن سيراخ 39: 21).
_____
(81) أي أن الله خلق كل شيء لاحتياج البشر في الانتفاع منه.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/fr-angelos-almaqary/john-chrysostom-providence-of-god/divinity.html
تقصير الرابط:
tak.la/pjy2a8b