17- أولئك الذين يباشرون الخدمة العامة في المجال الدنيوي غالبًا ما يلبسون علامة الشعار الإمبراطوري على أرديتهم، ولهذا السبب يظهرون جديرين بالثقة في عيون الكل. هؤلاء الناس لم يحتملوا إطلاقًا صنع أي شيء يشين هذا الرداء الذي يحمل العلامة الإمبراطورية وحتى لو حاولوا أن يتصرفوا هكذا سيجدون كثيرين يمنعونهم وإن وجد هناك من يرغب أن يسئ إلى هؤلاء الناس فإن الرداء الذي يرتدونه هو خير ضامن لردعهم. كذلك أولئك الذين لهم المسيح ليس على أرديتهم بل ساكنًا في نفوسهم ومعه أبيه في حضور الروح القدس سيبرهنون بضمان أعظم ويظهرون للكل بسلوكهم المضبوط والسهر على حياتهم أنهم أيضًا حاملين الصورة الملوكية.
18- كما أن الذين يطبعون على ملابسهم الشارات الملكية معروفون للكل، فهكذا في القليل نحن الذين قررنا ولبسنا المسيح دفعة واحدة واستحققنا أن يمكث داخلنا نستطيع بانضباط حياتنا فقط أن نبين للكل -دون أن ننطق كلمة واحدة- قوة ذاك الذي يسكن فينا. إن الرداء الذي ترتدونه الآن ذاك من خلال سلوككم التقوي وتلمذتكم المنضبطة، سيمكنّكم دائمًا أن تجتذبوا آنذاك كل من ينظر إليكم ليُظهر نفس الغيرة ويسبح الله.
![]() |
19- إن المسيح لهذا السبب قال "فليضئ نوركم قدام الناس لكي يروا أعمالكم الحسنة ويمجدوا أباكم الذي في السموات" (مت 5: 16). هل ترون كيف أنه يحثنا أن ندع النور يضئ داخلنا ليس بالملابس بل بالأعمال؟ فبعد أن قال "فليضئ نوركم" أضاف قوله "لكي يرى الناس أعمالكم الحسنة". هذا النور لا يتوقف عند المعنى الحسي بل هو نور يضئ نفس وفهم أولئك الذين يرونه، وبعد أن تنقشع ظلمة الشر، يجتذب أولئك الذين يجدونه ليضيئوا بنورهم ويعتدوا بحياة الفضيلة.
20- إنه يقول "فليضئ نوركم قدام الناس" والرب كان محقًا في قوله "قدام الناس". إنه يقول "اجعلوا نوركم قوي فلا يضئ لكم أنتم فقط، بل أيضًا أمام الناس الذين يحتاجونه ليرشدهم. وكما أن النور يطارد الظلمة أمام عيني الجسد ويجعل من يسافر في الطريق المادي يتخذ المسار الصحيح، هكذا النور الذي يأتي من سمو سلوككم يضئ الطريق لمن رؤيتهم الذهنية قد تشوشت جدًا بظلمة الضلال حتى أنهم لا يستطيعون رؤية طريق الفضيلة، يقشع هذا النور الضباب بعيدًا عن العيون الروحية لأولئك المسافرين ويضعهم على الطريق الصحيح ويجعلهم يسيرون من الآن في طريق الفضيلة.
21- "ليروا أعمالكم الحسنة ويمجدوا أباكم الذي في السموات". إن الرب بهذا القول يريد أن يقول: اجعلوا فضيلتكم وسلوككم المنضبط واستقامة أعمالكم تحرك أولئك الذين ينظرونكم ليسبحوا ربنا كلنا. إنني أحثكم أن تجعلوا كل واحد منكم متشوق ليحيا حياته بمثل هذا الانضباط حتى أن كل من ينظركم يرفع صلوات تمجيد لرب الكل.
22- لهذا السبب فإن بولس الطوباوي المقتدي بالمسيح ومعلّم السلوك الكامل الذي بشر في كل مكان وصنع كل شيء لأجل خلاص البشر (إخوته) قال في رسالته لأهل كورنثوس: "إن كان أحد في المسيح فهو خليقة جديدة، الأشياء العتيقة قد مضت، هوذا الكل قد صار جديدًا" (2كو 5: 17). إنه كما لو كان ينصحنا فيقول: لقد خلعتم عنكم الرداء العتيق ولبستم الجديد الذي هو من اللمعان حتى أنه يضاهي أشعة الشمس في لمعانها. فانظروا أن تجعلوا أرديتكم تنطق بالبهاء بنفس الطريقة لأنه طالما أن الشيطان الخبيث عدو خلاصنا يرى هذا الرداء الروحي الذي لنا يلمع، فإنه لن يجرؤ على الاقتراب منا، إذ سيخاف جدًا من بهائه. لذلك فأنا أحثكم أن تظهروا أنفسكم محاربين صناديد من البداية واجعلوا أنفسكم لامعين ببهاء واجعلوا بهاء هذا الرداء أكثر لمعانًا وأكثر إشراقًا بكل طريقة "لا تخرج كلمة ردية من أفواهكم" (أف 4: 29). لنتبصر أولًا إن كان ما نقوله يمكن أن يكون ذا نفع ويمكنه أن يبني من يسمعه، وبعد ذلك فلنقل ما نريد قوله بمخافة عظيمة كما لو كان هناك شخص واقف بجانبنا يسجل كلماتنا ولنتذكر ما قاله ربنا "لكن أقول لكم أن كل كلمة بطالة يتكلم بها الناس سوف يعطون عنها حسابًا يوم الدين" (مت 12: 36).
23- ليتنا نتجنب أية محادثة دنيوية باطلة وغير نافعة. لقد اخترنا من الآن حياة مختلفة وجديدة وينبغي لأعمالنا أن تطابق هذه الحياة الجديدة لكي لا نصير غير جديرين بها. ألا ترون كيف أنه فيما يختص بمراكز العالم أن أولئك المتشوقين للانتماء إلى مجلس الشورى -كما يدعونه- ممنوعين بحسب القوانين البشرية من أعمال معينة، مع أن هذه الأعمال مسموح بها للآخرين. بنفس الطريقة يا من اعتمدتم للتو، ونحن الذين استحققنا هذه النعمة في الماضي وتم تسجيلنا في هذا الاجتماع (الكنيسة) نحن مطالبون بأن لا نسعى لنفس الأشياء الدنيوية (مثل من هم من خارج) بل نُظهر انضباط (في) كلامنا وطهارة أفكارنا، ونعلّم كل عضو من أعضاء جماعتنا ألا يباشر إلا العمل الذي يجلب منفعة عظيمة للنفس.
24- ماذا أقصد بهذا؟ استخدموا اللسان فقط في التسبيح والترتيل وقراءة الكلمة الإلهية والمحادثة الروحية "كل ما هو صالح للبنيان حسب الحاجة كما يعطي نعمة للسامعين ولا تحزنوا روح الله القدوس الذي به خُتمتم" (أف 4: 29-30). هل ترون أن الفشل في التصرف هكذا يحزن الروح القدس جدًا؟ لذلك أتوسل إليكم لنسع ألا نصنع شيء يحزن الروح القدس، حتى إن اضطررنا للخروج من بيوتنا ليتنا لا نتردد على الأماكن التي تسبب لنا ضرر، ولنتحاشى اللقاءات غير المفيدة والمملوءة بأشياء فارغة. وفوق كل شيء لا نعتبر أي شيء أكثر كرامة من كنيسة الله بيت الصلاة التي فيها نجتمع للحديث عن الأمور الروحية.
← انظر كتب أخرى للمؤلف هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت.
25- ليت كل أعمالنا تكون مصبوغة باللياقة لأن "زينة الرجل وضحك الأسنان وممشى الإنسان تخبرنا بما هو فيه" (سي 19: 3). إن المظهر الخارجي للإنسان يمكن أن يعطي صورة واضحة عن الحالة الداخلية للنفس وحركة الأطراف هي خير دليل على الجمال الداخلي. إن سرنا في السوق فلنعبر فيه باتزان رصين يجعل كل من يقابلنا يلتفت لينظر إلينا. لنحفظ أعيننا عن الجولان وأرجلنا من الدوران، لنجعل لساننا يتكلم كما ينبغي بهدوء، وباختصار لنجعل مظهرنا الخارجي يُظهر جمال النفس الساكن فينا. لندع حياتنا من الآن تصير غريبة ومختلفة (عما سبق). حيث أن كل ما ينتمي لنا الآن هو جدير وغريب كما أشار إلى هذا بولس الطوباوي عندما قال "إن كان أحد في المسيح فهو خليقة جديدة".
26- لكي تعلموا أن العطايا التي نلناها جديدة وغير عادية فهوذا الدليل: نحن الذين قبل هذا الوقت كنا أكثر دناءة من الطين وكنا -إن جاز القول- نزحف على الأرض، صرنا فجأة أكثر لمعانًا من الذهب واستبدلنا الأرض بالسماء، هذا لأن كل العطايا التي وهبت لنا تنتمي للروحيات. إن ردائنا بل وطعامنا وشرابنا أيضًا روحيين. بناء على هذا يتحتم أن كل أعمالنا وأفعالنا ينبغي من الآن أن تكون روحية، لأن ثمار الروح كما يقول بولس الرسول هي هذه "محبة، فرح، سلام، طول أناة، لطف صلاح، إيمان، وداعة، تعفف، ضد أمثال هذه ليس ناموس" (غلا 5: 21-23) وهو محق في قوله، لأن أولئك الذين يسعون نحو الفضيلة هم فوق الناموس وليسوا خاضعين للناموس. "الناموس لم يوضع للبار" (1تي 1: 9).
27- بعد أن عدّد بولس الرسول ثمار الروح قائلًا "الذين هم للمسيح قد صلبوا الجسد مع الأهواء والشهوات" (غلا 5: 24) وكأن شخصًا ما يقول: لقد بينوا أن الجسد لم يعد كفء لعمل الأعمال الشريرة وقد جعلوه غير عمّال في أمور الشر. لقد قاتلوه بطريقة جعلته يتسامى على أهوائه ورغباته. وهذا ما بود أن يفهمه لنا بولس وذلك عندما قال "هم صلبوا الجسد". عندما يُدّق إنسان على الصليب وتخترقه المسامير، فإن الألم يسحقه ويمزق كل جزء في كيانه. وفي هذه الحالة لا يمكن لشهوات الجسد أن تزعجه بل كل هوى ورغبة شريرة تنهزم من الإحساس بالألم الذي لا يترك أي مجال لهذه الأهواء. بنفس الطريقة أولئك الذين كرسوا أنفسهم للمسيح قد سمروا أنفسهم له بهذا التكريس واستهزأوا بشهوات الجسد كما لو كانوا قد صلبوا أنفسهم مع أهوائهم ورغباتهم.
28- حيث إننا قد صرنا للمسيح ولبسناه وحيث إننا قد اُعتبرنا جديرين بطعامه وشرابه الروحيين، فلندرب أنفسنا لنعيش كأناس ليس لهم شيء مشترك مع الحياة الحاضرة، لأننا قد تسجلنا كمواطنين في عداد وطن آخر وهو أورشليم السمائية. لذلك فلنظهر أعمالًا جديرة بهذا الوطن لكي بهذه الأعمال -التي بها نمارس الفضيلة وندعو الآخرين ليمجدوا الرب- نكسب نعمة فائضة من فوق، وعندما يتمجد الرب فإنه يسكب عطاياه علينا ببذخ حيث أنه قبل إرادتنا الحسنة ورأى أنه لم يمنح عطاياه لنفوس غير شاكرة وذوي إرادة سيئة.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
تقصير الرابط:
tak.la/tq6cx87