هو سمعان بن يونا، ولد في قرية بيت صيدا الواقعة على بحر طبرية، قبل ميلاد السيد المسيح بعدة سنوات، قد تصل إلى العشرة أو تزيد قليلًا، وكان يشتغل بصيد السمك شأنه في ذلك شأن الكثيرين من سكان قريته... يُحتمل أنه كان -مع أخيه أندراوس- تلميذًا ليوحنا المعمدان(2)... كان لقاؤه الأول بالرب يسوع، بعد أن أخبره أندراوس أخوه -بناء على توجيه يوحنا- "قد وجدنا المسيا"، واصطحبه إلى حيث المسيح... وفي ذلك اللقاء قال له الرب: "أنت سمعان بن يونا، أنت تدعى صفا" (يو 1: 35- 42)... أما دعوته للتلمذة فكانت عقب معجزة صيد السمك الكثير، حينما طمأنه الرب بقوله: "لا تخف. من الآن تكون تصطاد الناس". وحالما وصل بالسفينة إلى البر ترك كل شيء وتبعه، هو وأخوه وابنا زبدي (لو 5: 1- 11)... وما لبث أن شرفه الرب بدرجة الرسولية ودعاه "بطرس".
كان بطرس أحد التلميذين اللذين ذهبا ليعدا الفصح الأخير، وأحد الثلاثة الذين عاينوا إقامة ابنة يايرس بعد موتها، وتجلى المسيح على جبل طابور، وصلاته في جثسيماني، وأحد الأربعة الذين سمعوا نبوته عن خراب أورشليم والهيكل.
كان بطرس ذا حُب جَم لسيده وغيرة ملتهبة، لكنه كان متسرعًا ومندفعًا تَحْدُوه إلى ذلك دوافع جسدية... فهو الأول الذي اعترف بلاهوت المسيح، والأول الذي بشر بالمسيح في اليوم الخمسين. لكنه في اندفاعه حاول أن يمنع المسيح أن يموت (مر 8: 31- 33). ولما قال له المسيح أنه سينكره ثلاثة مرات قبل أن يصيح الديك مرتين، أجاب في تحدٍ "ولو اضطررت أن أموت معك لا أنكرك"... وفي لحظة القبض على المسيح استل سيفه ليدافع عن ذاك الذي مملكته ليست من هذا العالم!!
كان بطرس والحال هذه بحاجة إلى تجربة مرة تهزه وتعرفه ضعفه... فكان أن أنكر سيده ومعلمه بتجديف ولعن وقسم أمام جارية!! لكنه سرعان ما رجع إلى نفسه وثاب إلى رشده وندم ندمًا شديدًا وبكى بكاءًا مرًا، وقصد قبر معلمه باكرًا جدًا فجر يوم قيامته... وقد قبل الرب توبته، وأظهر له ذاته على بحر طبرية بعد قيامته، وعاتبه في رفق مخاطبًا إياه باسمه القديم قائلًا له "يا سمعان بن يونا أتحبني"... وقد وجه إليه هذه الكلمات ثلاث مرات مقابل إنكاره المثلث، ورده إلى رتبته الرسولية ثانية بقوله "ارع غنمي"...
وعقب تأسيس الكنيسة يوم الخمسين بدأ خدمته بين اليهود من بني جنسه في اليهودية والجليل والسامرة... وكان الرب يتمجد على يديه ببعض الآيات كشفاء المقعد عند باب الهيكل الجميل (أع 3)، وشفاء إينياس في مدينة اللد وإقامة طابيثا بعد موتها في يافا (أع 9)...
وقد فتح الرب باب الإيمان للأمم على يديه في شخص كرنيليوس قائد المائة عقب رؤيا أُعلنت له بخصوصه (أع 10)... فلما خاصمه يهود أورشليم المنتصرين من أجل قبول الأمم، شرح لهم الأمر وقال: "بالحق أنا أجد أن الله لا يقبل الوجوه، بل في كل أمة الذي يتقيه ويصنع البر مقبول عنده" (أع 10: 34، 35). ومع ذلك فقد ظل ميدان العمل الأساسي لهذا الرسول هو تبشير اليهود (غل 2: 7-9).
ليس من ينكر الدور الرئيسي الذي قام به بطرس في الطور الأول لتأسيس الكنيسة، فالرسول بولس يذكره مع الرسولين يعقوب ويوحنا على أنهم مُعتبرون أعمدة في كنيسة الله... جال كارزًا بإنجيل الخلاص في جهات متفرقة من العالم القديم... كرز في أنطاكية -لكنه ليس مؤسس كنيستها- وطاف بلاد بنطس وغلاطية وكبادوكية وبيثينية، وبعض مقاطعات آسيا الصغرى، وهي الأقاليم التي وجه إليها رسالته الأولى... أما الروايات التي تنسب لبطرس الكرازة في بلاد اليونان ومصر وروما وكل جزء هام في العالم، فليست إلا من صنع المسيحيين المتهودين ليجعلوا من بطرس رسول الختان، كارزًا للعالم أجمع، ومبشرًا كل الخليقة!
← انظر كتب أخرى للمؤلف هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت.
ويكاد يكون ثابتًا أن القديس بطرس ختم حياته في روما، حين حُكم عليه بالموت صلبًا في عهد نيرون الطاغية، وإن كنا لا نستطيع أن نحدد على وجه الدقة تاريخ استشهاده لكنه على أية الحالات بعد يوليو سنة 64...
على أن ذهاب القديس بطرس إلى روما لم يكن إلا قبيل استشهاده مباشرة. وهذا يؤكده أقوال آباء الكنيسة ومعلميها الأوائل، وجداول الأزمنة، والأسفار التي قطعها في رحلاته التبشيرية... ولا صحة مطلقًا لما يدعيه الكاثوليك من أنه أسس كنيسة روما وأنه أسقفها الأول، وأنه أمضى بها خمسًا وعشرين سنة!! وقد يكون ذهابه إليها بقصد الاستشهاد بعد أن قُبض عليه في مكان ما في حدود الإمبراطورية، وسيق إلى روما ليلقى حتفه على نحو ما سيق إليها القديس أغناطيوس الأنطاكي سنة 107 ليلقى للوحوش. فقد كانت هذه هي عادة الحكام الرومان أن يرسلوا إلى روما بعض البارزين لعرضهم على الشعب هناك، كنوع من التحقير. إن كل الأدلة تجمع على أنه لم يذهب إلى روما إلا أواخر حياته. وقد يكون ذهابه إليها بقصد اللحاق بسيمون الساحر الذي كان قد التقى به في السامرة والتصدي له على نحو ما تروي بعض الروايات خاصة كتب الأبوكريفا.
وقبل أن ننتقل من سيرة هذا الرسول إلى غيره من الرسل، نسجل تعليقًا بسيطًا على اسم بطرس، الذي جعل الكاثوليك منه مؤيدًا لنظريتهم في رئاسة بطرس على سائر التلاميذ والرسل، وبالتالي رئاسة خليفته في نظرهم (بابا روما) على العالم المسيحي، دون أن نناقش هذه النظرية...
فيما كان السيد المسيح يسأل تلاميذه عن عقيدة الناس فيه، اعترف بطرس بلاهوته "أنت هو المسيح ابن الله الحي"، فطوبه السيد المسيح، وقال له "أنت بطرس وعلى هذه الصخرة أبني كنيستي" (مت 16: 13- 18)... لكن الكاثوليك يترجمون هذه الآية هكذا "أنت الصفاة. وعلى هذه الصفاة سأبني كنيستي"... وهم يقصدون بذلك أن المسيح بنى الكنيسة على بطرس كأساس لها... هل هذا الخلط حدث من تجاور كلمتي "بطرس" و"صخرة"؟!! إن بطرس هو اللفظ اليوناني، يقابله في الآرامية "كيفا" وفي العربية "صفا"... فهذه الأسماء الثلاثة واحدة ولكن بلغات مختلفة... وبطرس باليونانية لا يعني "صخرة"، فصخرة اسم مؤنث وهو "بترا"، أما بطرس فاسم مذكر معناه حجر مقطوع من صخرة... وهذه التفرقة بين بطرس واضحة في كل اللغات القديمة اليونانية واللاتينية والسريانية والقبطية(3).
هذا والمسيح لم يؤسس كنيسته على بطرس(4)... ولكنه أسسها على هذا الإيمان "المسيح ابن الله الحي". وكل من يريد أن يصير مسيحيًا يجب أن يعترف أولًا ويبني إيمانه على هذه الصخرة التي هي "أؤمن أن يسوع المسيح هو ابن الله الحي"... أما وضع بطرس في الكنيسة فهو كحجارة في أساسها، شأنه في ذلك شأن باقي الرسل... هكذا صرح يوحنا في رؤياه "وسور المدينة كان له اثنا عشر أساسًا، وعلى أسماء رسل الخروف الاثني عشر" (رؤ 21: 14)... ويقول القديس بولس "مبنيين على أساس الرسل والأنبياء ويسوع المسيح نفسه حجر الزاوية" (أف 2: 20)... يجب ألا ننسى دائمًا أن المسيح هو حجر الزاوية، وهو نفسه الصخرة (1كو 10: 4) وهو أساس الكنيسة... هكذا يقول معلمنا بولس: "فإنه لا يستطيع أحد أن يضع أساسًا غير الذي وضع، الذي هو يسوع المسيح" (1كو 3: 11)... هذا هو إيمان كل آباء الكنيسة، وكمثال نذكر القديس أوغسطينوس في العظة العاشرة على تفسير رسالة يوحنا الأولى(5).
_____
(2) Dictionary of the Bible, Vol. 2, p.
798; De Pressensé, Vol. 1, p. 33.(3) انظر الترجمات اليونانية والقبطية للعهد الجديد - وبخصوص الترجمة السريانية، انظر: تاريخ الكنيسة السريانية الإنطاكية جـ 1 ص 53 لمار سويريوس يعقوب توما. - وانظر أيضًا:
Young's; Analytical Comcordance to the Bible; Liddell and Scott's Greek-English Lexicon.
(4) عن هذا الموضوع انظر: دكتور أسد رستم، نحن ورومه والفاتيكان.
(5) N. P. N. F.,
1st Series, Vol. 7, p. 520.الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/anba-yoannes/apostolic-church/st-peter.html
تقصير الرابط:
tak.la/9975ktd