محتويات: (إظهار/إخفاء) |
حالتهم السياسية حالتهم الاقتصادية والاجتماعية حالتهم الدينية والأدبية |
منذ أن دخل القائد الروماني بومبي أورشليم ظافرًا سنة 63 ق.م، صار اليهود خاضعين سياسيًا للرومان الوثنيين. أقام بومبي حاكمًا يهوديًا على البلاد تحت إشراف ممثل روما... وكان هذا عاملًا قويًا في اشتعال رجاء اليهود في المسيا المخلص، لكن بمفهوم مادي، فتطلعوا إلى منقذ سياسي يعيد مملكة داود، على مستوى مجد عالمي.
كانت سيئة للغاية... والأمثلة التي ساقها الرب يسوع -وإن كان قد قصد بها معاني روحية- لكنها تصور لنا هذه الحالة خير تمثيل... فمثل صديق نصف الليل (لو11: 5-7)، والدرهم المفقود (لو 15: 8،9). ووصفه للفقراء في مثل العشاء والمدعوين (لو 14: 21-23) والعمال البطالين في السوق طوال اليوم في مثل الفعلة وصاحب الكرم (مت 20: 1-7) إنما تعكس لنا صورة حية نابضة عن حالة الطبقة الكادحة في المجتمع اليهودي إبان قيام الكنيسة المسيحية... يقابل هذه الطبقة المعدمة، فئة من كبار الملاك الأثرياء الذين لم يكن لهم سوى زيادة ثرواتهم، غير مبالين بالفقراء. وقد صور الرب هذا التناقض الصارخ بين الفريقين في مثل الغني الذي أخصبت كورته ولم يفكر إلا في ذاته وفي كنز ثروته (لو 12: 6-21).
أضِف إلى هذا، الضرائب التي أثقلت كاهل الشعب... فمن ضرائب كانت تجبى لحساب روما يجمعها العشارون بقسوة وإذلال وظلم، إلى ضرائب دينية متنوعة. كان عليهم تقديمها إلى الهيكل وإلا اتهموا بالخروج على الناموس...
من أجل ذلك كله ساءت أحوال اليهود الاقتصادية وانتشرت البطالة، واضطر البعض إلى احتراف السرقة والإجرام. وكانوا يتخذون من طرق فلسطين الجبلية المقفرة مسرحًا لجرائمهم... ولعل المثل الذي قدمه المسيح عن الإنسان الذي كان مسافرا من أورشليم إلى أريحا ووقع بين اللصوص فعروه وجرحوه وتركوه بين حي وميت (لو 10: 30)، إنما يصور هذه الحالة أيضًا.
← انظر كتب أخرى للمؤلف هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت.
كان اليهود من الناحية الأدبية يفضلون الأمميين(4) الوثنيين بكثير... لكنهم تحت مظهر الطاعة الشديدة لناموسهم، كانوا يخفون فسادًا مريعًا. وقد دُعوا في العهد الجديد "أولاد الأفاعي" (مت3:7)، "أولاد إبليس" (يو 8: 44)، "قساة الرقاب وغير المختونين بالقلوب والآذان" (أع 7: 51). ويوسيفوس مؤرخهم، الذي كان يهمه أن يُظهر مواطنيه لليونان والرومان في صورة مشرقة، يصفهم في القرن الأول، بأنهم شعب فاسد شرير، استحقوا بعدل العقاب المخيف في خراب أورشليم.
أما من الناحية الدينية، فقد تمسكوا بحرفية الناموس وبتقاليدهم دون أن يفهموا روح الشريعة أو يعرفوا قوتها... كانوا يتحفظون تحفظ الخوف من الوثنيين، ولذا فقط نالوا احتقارهم كأعداء للجنس البشري... ومع ذلك فقد استطاعوا بكفاحهم وحصافتهم، أن يجمعوا ثروات طائلة، وأن تكون لهم مكانة في بعض المدن الكبيرة في الإمبراطورية الرومانية(5).
وعلى الرغم من تمسكهم بالناموس الذي يمنعهم من الاتصال بالأمم الأخرى فإنهم تحت ضغط الظروف السياسية التي مروا بها انتشروا في العالم أجمع حتى أنه في خلال العصر الرسولي، كان لا يخلو إقليم في الإمبراطورية الرومانية كلها من وجود جالية يهودية(6).
وتبعًا لهذا الاختلاط بالأمم، أصبحت لغة فلسطين - التي توالى عليها حكم الأجانب خاصةً بعد فتح الإسكندر الأكبر(7).
ومنذ القرن الأول قبل الميلاد، خرج اليهود عن مألوفهم، وتحولت اليهودية من ديانة متحوصلة إلى ديانة كارزة، لها إرساليات تعمل، الأمر الذي أشار إليه السيد المسيح بقوله للكتبة والفريسيين: "تطوفون البحر والبر لتكسبوا دخيلًا واحدًا" (مت 23: 15)... وعلى الرغم من هذه الجهود، فقد كان عدد المتهودين ضئيلًا وفضل الوثنيون -ممن أعجبوا بأدبيات اليهود- أن يظلوا على الهامش "كخائفي الله"(8)، لأنهم لم يكونوا مستعدين للخضوع لقيود الناموس الطقسي الشديد(9)... وكان هؤلاء يحضرون المجامع اليهودية كموعوظين... ولعل مما ساعد على حركة الانضمام هذه، الترجمة السبعينية للعهد القديم من العبرية إلى اليونانية التي تمت في عهد وبرغبة بطليموس الثاني ملك مصر (285 - 246 ق.م) لمنفعة شعبه من اليهود الذين كانوا يجهلون العبرية.
_____
(4) "الأمم" لقب أطلقه اليهود على الشعوب الوثنية، على نحو ما أطلق الرومان لقب "برابرة" على غير الرومان، وكما أطلق العرب لقب "أعجمي" على غير العربي
(5) Schaff, Vol. 1, pp. 63, 64.
(6) عبر عن ذلك القديس يعقوب في مجمع أورشليم حينما قال "لأن موسى منذ أجيال قديمة، له في كل مدينة من يكرز به، إذ يُقرأ في المجامع كل سبت" (أع 15: 21).
(7) خضعت بلاد اليهودية منذ سنة 330 ق.م إلى سنة 167 ق.م للحكم الإغريقي "الإسكندر الأكبر والبطالمة والسلوقيين". ثم قامت ثورات المكابيين "167 - 141 ق.م" لأجل الاستقلال القومي. ثم أسس المكابيون دولة دينية "141 - 63 ق.م". ومنذ سنة 63 ق.م خضعت للحكم الروماني بعد أن دخلها القائد بومبي ظافرًا
(8) انظر (أع 13: 43، 50 - 16: 14 - 17: 4، 17 - 18: 7).
(9) The book of the Acts of God, pp. 228, 229.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/anba-yoannes/apostolic-church/jewish-life.html
تقصير الرابط:
tak.la/3v59cvd