St-Takla.org  >   books  >   anba-yoannes  >   apostolic-church
 

مكتبة الكتب المسيحية | كتب قبطية | المكتبة القبطية الأرثوذكسية

كتاب الكنيسة المسيحية في عصر الرسل - الأنبا يوأنس أسقف الغربية

175- كانت تُقدَّم العبادة للمسيح

 

* أولًا- كانت تُقدَّم له العبادة:

كانت الكنيسة منذ البداية -جماعة وأفراد- تُقدِّم العبادة للرب يسوع:

+ هكذا صلَّت الكنيسة في علية صهيون لانتخاب خلفًا ليهوذا الاسخريوطي (أع 24:1).

+ وبطرس في عظة يوم الخمسين اقتبس من نبوءة يوئيل "وَيَكُونُ كُلُّ مَنْ يَدْعُو بِاسْمِ الرَّبِّ (يُصلِّى باسم الرب يسوع) يَخْلُصُ" (يوئيل 32:2؛ أع 21:2).

+ واستفانوس أول شهداء المسيحية -فيما كانوا يرجمونه- كان "يَدْعُو وَيَقُولُ: «أَيُّهَا الرَّبُّ يَسُوعُ اقْبَلْ رُوحِي»" (أع 59:7)... لقد ختم استفانوس حياته وهو يُردد عبارتين من العبارات السبع، التي قالها الرب يسوع على الصليب... "أَيُّهَا الرَّبُّ يَسُوعُ اقْبَلْ رُوحِي... يَا رَبُّ لاَ تُقِمْ لَهُمْ هَذِهِ الْخَطِيَّةَ" (أع 60،59:7)... وبينما وجَّه الرب يسوع عبارتيه للآب، فإنَّ استفانوس وجَّههما للرب يسوع. ومثال استفانوس له قيمته، خاصة في تلك اللحظات الحاسمة التي رأى فيها مجد الله والسموات مفتوحة، وكان وجهه يُضئ كوجه ملاك. وهو الشخص الذي شهد عنه الكتاب المقدس أنَّه كان مملوءًا من الإيمان والروح القدس (أع 5:6؛ 56،55:7)... على أنَّ صلاة استفانوس وأسلوبها، لم تكن حدثًا. فَممَّا لا شك فيه أنَّها كانت نموذجًا وامتدادًا لصلواته السابقة التي اعتادها، بل ولصلوات الكنيسة كلها آنذاك(34).

St-Takla.org Image: Ancient Greek icon of Jesus Pantocrator. صورة في موقع الأنبا تكلا: أيقونة يونانية أثرية تصور السيد المسيح ضابط الكل.

St-Takla.org Image: Ancient Greek icon of Jesus Pantocrator.

صورة في موقع الأنبا تكلا: أيقونة يونانية أثرية تصور السيد المسيح ضابط الكل.

+ وفي قصة إيمان بولس، نقرأ عن المسيحيين أنَّهم كانوا يَدعون باسم الرب يسوع(35) أي يُصلون باسمه. هكذا قال حنانيا للرب يسوع. وهذا ما علَّق به كل مَن سمع بولس يَكرز بالمسيح في دمشق عقب إيمانه (أع 21،14:9). وبعد أن التقى حنانيا بشاول (بولس) قال له: "وَالآنَ لِمَاذَا تَتَوَانَى؟ قُمْ وَاعْتَمِدْ وَاغْسِلْ خَطَايَاكَ دَاعِيًا بِاسْمِ الرَّبِّ" (أع 16:22)(36)، أي صلِّ للرب (يسوع)... وبعد فترة وجيزة، كتب بولس رسالة إلى كنيسة كورنثوس عَنونها: "إِلَى... الْمَدْعُوِّينَ قِدِّيسِينَ مَعَ جَمِيعِ الَّذِينَ يَدْعُونَ بِاسْمِ رَبِّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ(37) فِي كُلِّ مَكَانٍ" (1كو 2:1).

+ والقديس بولس الرسول كان يُصلي للرب يسوع في الهيكل بأورشليم (أع 22: 17-21).

+ ويقول لأهل فيلبي: "عَلَى أَنِّي أَرْجُو فِي الرَّبِّ يَسُوعَ أن أُرْسِلَ إليكم سَرِيعًا تِيمُوثَاوُسَ" (في 19:2). وفي (1تي 12:1) يقول: "وَأنَا أشْكُرُ الْمَسِيحَ يَسُوعَ رَبَّنَا الَّذِي قَوَّانِي، أنَّهُ حَسِبَنِي أمِينًا، إذْ جَعَلَنِي لِلْخِدْمَةِ"... وكلا التعبيريْن يُظهران أنَّ الرب يسوع كان هو محور تفكير الرسول بولس، على نحو ما نُطلق التعبيرات المعتادة، إن شاء الله، وأشكر الله... إنَّ الرب يسوع هو الإله الذي عبده بولس، والذي ظهر له في الجسد.

+ وواضح من كلام بولس بخصوص شوكة جسده، أنَّ صلواته كان يُقدمها للرب يسوع... "مِنْ جِهَةِ هَذَا تَضَرَّعْتُ إِلَى الرَّبِّ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ فَبِكُلِّ سُرُورٍ أَفْتَخِرُ بِالْحَرِيِّ فِي ضَعَفَاتِي، لِكَيْ تَحِلَّ على قُوَّةُ الْمَسِيحِ" (2كو 9،8:12).

+ ولم تكن الكنيسة المجاهدة على الأرض هي وحدها التي تُقدم العبادة للرب يسوع المسيح، بل اشتركت معها في ذلك كل الخلائق سواء في السماء أو على الأرض... يقول معلمنا بولس عن الرب يسوع: "مَتَى أَدْخَلَ الْبِكْرَ إِلَى الْعَالَمِ يَقُولُ: «وَلْتَسْجُدْ لَهُ كُلُّ مَلاَئِكَةِ اللهِ»" (عب 6:1). ويقول أيضًا "لِذَلِكَ (من أجل تواضعه) رَفَّعَهُ اللهُ أيضًا، وَأَعْطَاهُ اسْمًا فَوْقَ كُلِّ اسْمٍ لِكَيْ تَجْثُوَ بِاسْمِ يَسُوعَ كُلُّ رُكْبَةٍ مِمَّنْ فِي السَّمَاءِ وَمَنْ عَلَى الأَرْضِ وَمَنْ تَحْتَ الأَرْضِ" (في 10،9:2)...

← انظر كتب أخرى للمؤلف هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت.

من هذه الآيات يتضح أنَّ الرب يسوع -الإله المتجسد- عَبَدَهُ الملائكة والبشر وأرواح المنتقلين... ولم تكن صلوات عبيده وخدامه على الأرض، إلاَّ إنعكاسًا لصلوات الكنيسة المنتصرة في السماء. والأمر واضح في رسائل يوحنا ورؤياه... يقول:

"وَهَذِهِ هِيَ الثِّقَةُ الَّتِي لَنَا عِنْدَهُ: أَنَّهُ إِنْ طَلَبْنَا شَيْئًا حَسَبَ مَشِيئَتِهِ يَسْمَعُ لَنَا. وَإِنْ كُنَّا نَعْلَمُ أَنَّهُ مَهْمَا طَلَبْنَا يَسْمَعُ لَنَا، نَعْلَمُ أَنَّ لَنَا الطِّلْبَاتِ الَّتِي طَلَبْنَاهَا مِنْهُ.." (1يو 15،14:5)...

هذه التوسلات من الكنيسة المجاهدة على الأرض تتوافق مع العبادة التي تقدم للرب يسوع المسيح في السماء.

"وَرَأَيْتُ فَإِذَا فِي وَسَطِ الْعَرْشِ... خَرُوفٌ قَائِمٌ كَأَنَّهُ مَذْبُوحٌ" (رؤ 6:5)... ثم يرسم لنا يوحنا صورة ثلاثة فئات تُقدِّم العبادة للمسيح "الخروف القائم كأنَّه مذبوح"... الفئة الأولى: الأربعة حيوانات غير المتجسدين والأربعة وعشرون كاهنًا... والفئة الثانية: ربوات وألوف من الملائكة... والفئة الثالثة، يقول عنها يوحنا: "كُلُّ خَلِيقَةٍ مِمَّا فِي السَّمَاءِ وَعَلَى الأَرْضِ وَتَحْتَ الأَرْضِ، وَمَا عَلَى الْبَحْرِ، كُلُّ مَا فِيهَا" (رؤ 13:5).

قد يختلف المفسرون في مدلولات رموز سفر الرؤيا النبوية، لكن لن يختلف اثنان في مَن يكون الحمل المذبوح، وطبيعة العبادة التي تُقدَّم له... إنَّ السجود والعبادة تختص بالله وحده (تث 13:6؛ 20:10؛ مت 10:4)... والعبادة التي كانت تُقدَّم للمسيح في العصر الرسولي ، هي نفس العبادة الواجبة لله وحده... وقد سلَّمت كنيسة الرسل هذه العقيدة إلى الأجيال التالية.

+ والآباء الرسوليين يُشيرون في كتاباتهم إلى عبادة ربنا، كشيء غير قابل للنقاش.

فالقديس أغناطيوس الأنطاكى الشهيد، يطلب من مؤمني رومية قائلًا: (اسألوا المسيح أن يجعل مني ضحية بواسطة هذه الحيوانات)(38).

+ والقديس بوليكاربوس يفتتح رسالته إلى أهل فيلبي ببركة هي في حقيقتها صلاة ليسوع المسيح ربنا... وفي وقت استشهاده قدَّم صلاته للمسيح(39).

وتقول قصة استشهاد بوليكاربوس التي كتبتها كنيسة سميرنا عقب استشهاده مباشرةً، أنَّ اليهود أدركوا رغبة المسيحيين في اختطاف جسد بوليكاربوس من النار، فَحرَّضوا الوالي ألاَّ يُسلم الجسد للمسيحيين، لئلاَّ يتركوا المصلوب ويعبدوا بوليكاربوس... ثم يُعلِّقون على ذلك بقولهم عن اليهود: (غير عالمين أنَّنا لن نترك المسيح الذي تألم من أجل خلاص كل العالم ولن نعبد آخر)(40).

* والمدافعون المسيحيون أشاروا إلى هذه العبادة. فقد اتهمهم الوثنيون في ذلك الوقت المبكر بعبادة آلهة متعددة. لذلك نجد يوستينوس الفيلسوف الشهيد يقول في دفاعه أنَّ المسيحيين يعبدون الله وحده، لكنَّه يؤكد أنَّ الابن والروح القدس يشتركان مع الآب في العبادة التي تُقدَّم إليه(41)... وفي حواره مع تريفو اليهودي، أثبت له أنَّ الأنبياء تنبأوا عن عبادة المسيا(42).

* والليتورجيات القديمة تقطع بأنَّ العبادة كانت تُقدَّم للسيد المسيح. ففي ليتورجية القديس يعقوب أخ الرب(43)، يقول الكاهن في صلاة رفع البخور... " يا ربنا وملكنا يسوع المسيح، يا كلمة الله، الذي قدَّم ذاته بإرادته، لله الآب، ذبيحة بلا عيب على الصليب... ". وأيضًا " يا ربنا وإلهنا يسوع المسيح، الذي من أجل صلاحه الفائق، ومحبته التي لا تعاق، صُلبت، ولم ترفض أن تُطعن بالحربة وتُثقب بالمسامير. الذي أعطانا هذه الخدمة السرية المخوفة... ".

ويرتل الشماس قائلًا: " أنت هو ابن الله الوحيد وكلمة الله غير المائت، الذي تنازلت من أجل خلاصنا، وأخذت جسدًا من والدة الإله القديسة مريم الدائمة البتولية... أنت أيها المسيح إلهنا، دست الموت بموتك ".

وفي ليتورجية القديس مار مرقس (القداس الكيرلسي)، يُصلي الكاهن " أنت هو الذي خلق الإنسان كصورتك وكشبهك، وخلقت كل الأشياء بحكمتك. نورك الحقيقي ابنك الوحيد ربنا وإلهنا ومخلصنا وملكنا كلنا يسوع المسيح، هذا الذي من قبله نشكر ونُقرب لك معه ومع الروح القدس الثالوث المقدس المساوي غير المفترق هذه الذبيحة الناطقة وهذه الخدمة غير الدموية"(44).

* والتسابيح والمزامير التي استخدمت في العبادة في الكنيسة الأولى تشهد بذلك. ويُسجل لنا يوسابيوس المؤرخ عبارة وردت في مؤلَّف قديم تقول (مزامير الأخوة وتسابيحهم، التي كتبها المؤمنون منذ أيام المسيحية الأولى، كلها تُقدِّم التسبيح للمسيح كلمة الله، وتعلن لاهوته)(45).

ويشير أوريجينوس إلى أنَّ التسابيح وُجِّهت لله فقط، وابنه الوحيد الكلمة الذي هو الله أيضًا(46).

وما زالت بين أيدينا تسابيح ممَّا كانت تستخدمها الكنيسة الأولى في عبادتها، وجميعها مُقدَّمة للمسيح... وهناك تسبحة قديمة تقول: " أيها الرب الإله حمل الله ابن الآب حامل خطايا العالم ارحمنا"(47).

وفي التقرير الذي أنفذه بليني الأصغر Pliny حاكم بيثينية سنة 112م إلى الإمبراطور تراجان، يصف فيه عبادة المسيحيين، يقرر (أنَّه كان من عادتهم أن يجتمعوا معًا في يوم معيَّن من الأسبوع قبل الفجر وينشدون بالتناوب ترنيمة للمسيح باعتبار أنَّه الله)(48).

_____

الحواشي والمراجع لهذه الصفحة هنا في موقع الأنبا تكلاهيمانوت:

(34) The Divinity of Our Lord; p. 377.

(35) هكذا في القبطية ettwb\ `mpekran^ `nnettwb\ `mpairan بمعنى صلَّى أو طلب وتضرع.

(36) هكذا في القبطية ektwb\ `mpefran.

(37) لا جدال في أنَّ هذا التعبير معناه الصلاة - انظر:

Hastings, Dictionary of the Bible, p. 744.

(38) Rom. 4. 3.

(39) Mart. St. Polyc. Ch. 14.

(40) Martyrdom of Polycarp; ch. 17.

(41) Justin; 1; Apol., 6. 17.

(42) Justin; Dial., ch. 68.

(43) يؤكد كثير من العلماء صحة نسبتها إليه - انظر:

A.N.F., Vol. 7; pp. 537،538.

(44) A.N.F., Vol 7; p. 555.

(45) H.E., 5, 28, 5.

(46) Contra Celsus; 8, 67.

(47) The Divinity of Our Lord; pp. 394, 395.

ما زالت هذه الفقرة في تسبحة الملائكة ضمن صلاة باكر المستخدمة في الكنيسة حتى الآن.

(48) Documents of the Christian church, pp. 4،5.


الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع

https://st-takla.org/books/anba-yoannes/apostolic-church/christ-adoration.html

تقصير الرابط:
tak.la/fj3zd68