* ثانيًا- كتابات الآباء الرسل:
وليس موضوع تقديم العبادة للرب يسوع المسيح وباسمه، هو الوحيد الذي يقوم شاهدًا على لاهوت المسيح، بل إنَّ كتابات الآباء الرسل، التي حواها كتاب العهد الجديد تقطع بذلك... فقد لَقَّب الآباء الرسل السيد المسيح بكل الألقاب الإلهية، كما نسبوا إليه جميع الصفات الإلهية، التي لا يُلقَّب بها غير الله:
الله - يهوه - صورة الله غير المنظور - إله - رب - ابن الله الوحيد الجنس - كلمة الله (اللوغوس)
* (أ) الله:
"وَبِالإِجْمَاعِ عَظِيمٌ هُوَ سِرُّ التَّقْوَى: اللهُ ظَهَرَ فِي الْجَسَدِ" (1تي 16:3). سأل حافظ سجن فيلبي بولس وسيلا عمَّا يفعله لكي يخلص. أجاباه: "آمِنْ بِالرَّبِّ يَسُوعَ الْمَسِيحِ فَتَخْلُصَ أنتَ وَأَهْلُ بَيْتِكَ"... وبعد أن اعتمد "تَهَلَّلَ مَعَ جَمِيعِ بَيْتِهِ إِذْ كَانَ قَدْ آمَنَ بِاللَّهِ" (أع 34،31:16)... واضح من هاتيْن الآيتيْن اللتيْن دوَّنهما القديس لوقا في سفر الأعمال، أنَّ الإيمان بالرب يسوع، هو بِعَينه الإيمان بالله. يقول المرتل في (مز 7،6:45): "كُرْسِيُّكَ يَا اللهُ إِلَى دَهْرِ الدُّهُورِ"... ويقتبس بولس هذه الآية، فيقول في (عب 8:1): "وَأَمَّا عَنْ الاِبْنِ: كُرْسِيُّكَ يَا أَللهُ إِلَى دَهْرِ الدُّهُورِ". وواضح هنا أنَّ الابن هو الله.
وفي مدينة ميليتس، حثَّ القديس بولس قسوس أفسس أن يرعوا "كَنِيسَةَ اللهِ الَّتِي اقْتَنَاهَا بِدَمِهِ" (أع 28:20). وضمير الغائب المفرد في كلمة "دَمِهِ" تعود على الله، والذي سُفِكَ دمه هو المسيح. واضح أنَّ المسيح هنا هو الله.
* (ب) يهوه (الله في العهد القديم):
في الإصحاح العاشر من رسالة بولس الرسول الأولى إلى أهل كورنثوس يسوق الرسول بولس مثليْن على ذلك، وهو يتكلم عن بني إسرائيل الذين خرجوا من مصر مع موسى، وظلوا في البرية أربعين سنة. قال:
"لأَنَّهُمْ كَانُوا يَشْرَبُونَ مِنْ صَخْرَةٍ رُوحِيَّةٍ تَابِعَتِهِمْ وَالصَّخْرَةُ كَانَتِ الْمَسِيحَ" (1كو 4:10). وبالرجوع إلى (خر 7،6:17) حيث سجل هذا الحادث، نجد أنَّ موسى دعا اسم ذلك الموضع "مَسَّةَ وَمَرِيبَةَ" من أجل تجربتهم للرب قائلين، أفي وسطنا الرب أم لا... وبمقارنة النصيْن يتضح أنَّ يهوه (الله) كان في وسطهم، الذي كشف عنه بولس أنَّه المسيح(49). "وَلاَ نُجَرِّبِ الْمَسِيحَ كَمَا جَرَّبَ أيضًا أُنَاسٌ مِنْهُمْ فَأَهْلَكَتْهُمُ الْحَيَّاتُ" (1كو 9:10). وبمقارنة هذه العبارة بالحادث المشار إليه في العهد القديم (عدد 6،5:21). ومع ما ذكره معلمنا بولس في (عب 3: 7-10)، يتضح أنَّ المسيح هو يهوه العهد القديم، الذي تذمر عليه بنو إسرائيل في البرية.
إنَّ الدارِس لرسالة معلمنا يعقوب يستطيع أن يُدرك أنَّه يتكلم عن السيد المسيح على أنَّه هو يهوه العهد القديم(50)... وبمقارنة (يع 12:4) حيث يتكلم عن الله واضع الناموس والديان، مع (يع 9:5) حيث يتكلم عن المسيح الديان، يزداد الأمر وضوحًا.
* (جـ) صورة الله غير المنظور:
قال القديس بولس "الَّذِي (يسوع المسيح) إِذْ كَانَ فِي صُورَةِ اللهِ، لَمْ يَحْسِبْ خُلْسَةً أن يَكُونَ مُعَادِلًا للهِ" (في 6:2)... يقول الأستاذ الدكتور وست(51) Wuest: (هذه الآية وحدها كافية لدحض ادعاء مُنكري لاهوت المسيح)... لا بُد إذن من وقفة عند هذه الآية التي تتكلم عن المسيح "صُورَةِ اللهِ"...
في الآية السابقة، الكلمة اليونانية المترجمة صورة هي Morphi وكلمة صورة لا تُعبر بدقة عن المعنى المقصود. وعلى كلٍ، فلا يوجد في اللغات الحالية -سواء العربية أو غيرها- لفظ واحد يُعبر عن معنى الكلمة اليونانية... هي لا تعني الشكل الجسدي، بل كانت تعبيرًا يونانيًا (فلسفيًا) يُعبَّر به عن الكائن الذي يحمل في ذاته الطبيعة والصفة المميزتين للكائن الذي ينسب إليه... فهي والحال هذه تدل على الوصف الخارجي الذي ينبع من الداخل والذي يُعبِّر به الكائن عن طبيعته في أعمق أعماقها. كان ربنا يسوع في صورة الله بهذا المعنى الذي أشرنا إليه. ولفظ "الله" ورد في النص اليوناني بدون أداة تعريف، لذا فهو يشير إلى الجوهر الإلهي...
ومن هنا يتضح المعنى: فتعبير الرب يسوع الخارجي لأعمق أعماقه الداخلية بالنسبة لطبيعته، إنَّما هو تعبير عن جوهر اللاهوت الإلهي. وحيث أنَّ ذلك التعبير الخارجي -الذي يدل عليه لفظ "صُورَةِ"- نابع من الكيان الداخلي، ويُصوِّره تصويرًا حقيقيًا، فإنَّه يتبع ذلك، أنَّ ربنا يسوع - من جهة طبيعته يملك جوهر اللاهوت الإلهي، ويشترك مع الله الآب، والله الروح القدس في نفس جوهر اللاهوت...
وثمة ملاحظة أخرى على هذه الآية... عبارة " إِذْ كَانَ" في أصلها اليوناني لا تشير إلى الزمن الماضي، الذي تم وانقضى، بل هي في الصيغة التي تُعبر عن حالة في الماضي تمتد إلى الحاضر... والمعنى أنَّ الرب يسوع -من جهة حوزته جوهر اللاهوت- لم يتوقف عن ذلك حينما (أخلى ذاته) بالتجسد... وبعبارة أخرى، أنَّ الرب يسوع كان بجوهر اللاهوت، ليس فقط قبل تجسده، بل بعد هذا التجسد أيضًا.
عبارة "لَمْ يَحْسِبْ" في اليونانية، تفيد الحكم المبني على حقائق.
"مُعَادِلًا للهِ" (مساويًا لله)... ومرة أخرى كلمة الله بدون أداة تعريف، وتعني اللاهوت في جوهره. والمساواة هنا لا يقصد بها المساواة بين أقانيم الثالوث القدوس - أي أنَّها لا تشير إلى مساواة الرب يسوع للأقنومين الآخرين، فيما يختص بجوهر اللاهوت. إنَّما هي تشير هنا إلى مشاركة الرب يسوع للأقنومين الآخرين في التعبير عن الجوهر الإلهي الأقدس. وهذه نقطة هامة. لأنَّه حينما "أخلى ذاته"، لم يُخلِ ذاته من حوزة اللاهوت، بل أخلى ذاته من التعبير عنه(52) "آخِذًا صُورَةَ عَبْدٍ، صَائِرًا فِي شِبْهِ النَّاسِ".
* وعن المسيح "صُورَةِ اللهِ" يقول معلمنا بولس أيضًا "الَّذِي هُوَ صُورَةُ اللهِ غَيْرِ الْمَنْظُورِ" (كو 15:1)... "الْمَسِيحِ، الَّذِي هُوَ صُورَةُ اللهِ" (2كو 4:4) وهنا كلمة صورة في النص اليوناني هي εικών = eikon. وتعني في معناها الأصلي المماثلة. وأنَّها نموذج مطابق تمامًا للأصل. وهي تختلف عن كلمة يونانية أخرى homoioma وتفيد معنى التشابه... أي أنَّ الابن هو نفس صورة الآب (صورة طبق الأصل للآب).
هكذا نفهم كلمات الرب يسوع "اَلَّذِي رَآنِي فَقَدْ رَأَى الآبَ" (يو 9:14). أي أنَّ الابن هو نفس صورة الآب (صورة طبق الأصل للآب)... إنَّها تفيد الإعلان عن المخفي وإظهاره(53)... وثمة فكرة أخرى تنطوي عليها كلمة "صُورَةُ"... فالابن (اللوغوس) هو إظهار للآب غير المنظور "اَللهُ لَمْ يَرَهُ أَحَدٌ قَطُّ. اَلابْنُ الْوَحِيدُ الَّذِي هُوَ فِي حِضْنِ الآبِ هُوَ خَبَّرَ" (يو 18:1).
← انظر كتب أخرى للمؤلف هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت.
* (د) إله: "الْمَسِيحُ... الْكَائِنُ عَلَى الْكُلِّ إِلهًا مُبَارَكًا إِلَى الأَبَدِ" (رو 5:9) "فَإِنَّهُ فِيهِ يَحِلُّ(54) كُلُّ مِلْءِ اللاَّهُوتِ جَسَدِيًّا" (كو 9:2)... "هذَا هُوَ الإِلهُ الْحَقُّ وَالْحَيَاةُ الأَبَدِيَّةُ" (1يو 20:5)... "الإِلهُ الْحَكِيمُ الْوَحِيدُ مُخَلِّصُنَا، لَهُ الْمَجْدُ وَالْعَظَمَةُ وَالْقُدْرَةُ وَالسُّلْطَانُ" (يه 25).
* (هـ) رب: انظر (أع 36:2؛ 1كو 6:8؛ 3:12؛ 2كو 5:4؛ أف 5:4؛ في 11:2؛ 2تس 16:2؛ 2بط 2:1؛ رؤ 15،8:11)... بل دُعِي رب الأرباب (رؤ 16:19) ودعاه القديس يعقوب "رَبِّ الْمَجْدِ" (يع 1:2).
* (و) ابن الله الوحيد الجنس: انظر (أع 20:9؛ رو 3:1؛ 32،29:8؛ أف 13:4؛ كو 13:1؛ عب 2:1؛ 2يو 3).
وتعبير ابن الله الوحيد الجنس هو التعبير الذي أطلقه رب المجد يسوع على ذاته واستخدمه ليُبيِّن لليهود وللبشر علاقته بالآب... أو العلاقة بين الله غير المنظور (الآب) وقد أصبح منظورًا في المسيح (الابن). وعبارة ابن الله معناها أنَّه مساوِ لله... هكذا فهم اليهود هذا التعبير "فَمِنْ أَجْلِ هذَا كَانَ اليهود يَطْلُبُونَ أَكْثَرَ أن يَقْتُلُوهُ، لأَنَّهُ... قَالَ أيضًا إِنَّ اللهَ أَبُوهُ، مُعَادِلًا نَفْسَهُ بِاللهِ" (يو 18:5). فعبارة أنَّ الله أبوه معناها أنَّه مساوٍ لله في الجوهر (من ذات جوهر الآب)...
* (ز) كلمة الله (اللوغوس): (يو 14،1:1؛ 1يو 1:1؛ 7:5).
الخالق - أزلي أبدي - روح الله هو روحه - قدوس - لا يتغير - الدَّيان - هو الحياة ومصدرها وواهبها، وله سلطان الموت - عالِم بكل شيء - قادر على كل شيء ويمنح القوة - بلا خطية - غافر الخطايا والمُطهِّر من كل إثم - مُخلِّص البشر وحده - المؤمنون يُعمدون باسمه - البشر يُدعَون عبيده وقديسيه - رجاء المؤمنين - أعداؤه نهايتهم الهلاك الأبدي - اليوم الأخير هو يومه - الملكوت الأبدي هو ملكوته
+ الخالق: (يو 10،3:1؛ رو 36:11؛ كو 16:1؛ عب 10،2:1).
+ أزلي أبدي: (1تي 16:6؛ عب 1: 10-12؛ 1يو 20:5؛ رؤ 18،8،4:1).
+ روح الله هو روحه: "وَأَمَّا أنتُمْ فَلَسْتُمْ فِي الْجَسَدِ بَلْ فِي الرُّوحِ، أن كَانَ رُوحُ اللهِ سَاكِنًا فِيكُمْ. وَلكِنْ أن كَانَ أَحَدٌ لَيْسَ لَهُ رُوحُ الْمَسِيحِ، فَذلِكَ لَيْسَ لَهُ" (رو 9:8).
+ قدوس: (أع 15،14:3؛ 27:4؛ 35:13؛ عب 26:7).
+ لا يتغير: "يَسُوعُ الْمَسِيحُ هُوَ هُوَ أَمْسًا وَاليوم وَإِلَى الأَبَدِ" (عب 8:13)... ونلاحظ أنَّ الرسول بولس بعد هذه الآية مباشرةً، يقول للعبرانيين: "لاَ تُسَاقُوا بِتعاليم مُتَنَوِّعَةٍ وَغَرِيبَةٍ". وفي ذلك تحذير من بعض الهرطقات التي ظهرت في ذلك الوقت مُشوِّهة لاهوت المسيح.
+ الدَّيان: (أع 42:10؛ رو 12،10:14؛ 1كو 5:4؛ 2كو 10:5؛ 2تي 8،1:4؛ 1بط 5:4؛ رؤ 12:22).
+ هو الحياة ومصدرها وواهبها، وله سلطان الموت: (يو 1: 1-4؛ 1يو 9:4؛ 5: 10-12؛ في 21،20:3؛ 1تس 16:4).
+ عالِم بكل شيء: (2بط 14:1؛ رؤ 23:2).
+ قادر على كل شيء ويمنح القوة: (2كو 9:12؛ في 13:4؛ كو 29،28:1؛ 2تي 18،17:4؛ رؤ 8:1).
+ بلا خطية: (عب 15:4؛ 26:7؛ 1بط 22:2؛ 1يو 5:3).
+ غافر الخطايا والمُطهِّر من كل إثم: (أع 31:5؛ 60،59:7؛ 43:10؛ 18:26؛ كو 13:3؛ 1يو 9،7:1؛ 12:2).
+ مُخلِّص البشر وحده: "لَيْسَ بِأَحَدٍ غَيْرِهِ الْخَلاَصُ. لأن لَيْسَ اسْمٌ آخَرُ تَحْتَ السَّمَاءِ، قَدْ أُعْطِيَ بَيْنَ النَّاسِ، بِهِ يَنْبَغِي أن نَخْلُصَ" (أع 12:4).
+ المؤمنون يُعمدون باسمه: (أع 38:2؛ 16:8؛ 48:10).
+ البشر يُدعَون عبيده وقديسيه: (أع 13:9؛ رو 7،1:1؛ غل 10:1؛ في 1:1).
+ رجاء المؤمنين: (رو 2:5؛ 1كو 19:15؛ أف 12:1؛ 1تس 3:1؛ 1تي 1:1).
+ أعداؤه نهايتهم الهلاك الأبدي: (في 28،27:1؛ 19،18:3؛ 2تس 9:1؛ يه 5،4).
+ اليوم الأخير هو يومه: (2بط 12،10:3).
+ الملكوت الأبدي هو ملكوته: "لأَنَّهُ هكَذَا يُقَدَّمُ لَكُمْ بِسِعَةٍ دُخُولٌ إِلَى مَلَكُوتِ رَبِّنَا وَمُخَلِّصِنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ الأَبَدِيِّ" (2بط 11:1؛ 2تي 1:4).
_____
(49) موضوع الصخرة موضوع جدير بالملاحظة والتأمل، خصوصًا بعد أن كشف معلمنا بولس أنَّ "الصَّخْرَةُ كَانَتِ الْمَسِيحَ". فحينما طلب موسى أن يرى مجد الله، أمره الرب أن يقف على صخرة (خر 33: 18-23). هل في ذلك إشارة إلى أنَّه لن يرى الله إلاَّ مَنْ يقف على الصخرة أي يكون على أساس المسيح؟! انظر وتأمل في (مز 41:105؛ 8:114) بعد ربط الصخرة بالنهر والمياه والينابيع...
(50) انظر: (يع 15،14،11،10،8،7،4:5؛ 1:2).
(51) الأستاذ السابق للغة العهد الجديد اليونانية بمعهد مودى للكتاب المقدس في شيكاغو.
(52) Wuest; philippians in the Yreek N.T.; pp. 62;65.
(53) Wuest; Colossians in the Yreek N.T.; pp. 181-183.
(54) كلمة "يَحِلُّ" في النص اليوناني الأصلي يُفيد عنصر الدوام والاستمرار ولا يعني الحلول المؤقت.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/anba-yoannes/apostolic-church/christ-god.html
تقصير الرابط:
tak.la/kxpmb5m