1- في أنطاكية:
حدثت بلبلة شديدة في أنطاكية عقب مجمع أورشليم مباشرةً، بعد وصول تلاميذ من عند يعقوب أخي الرب إليها. كان بطرس الرسول موجودًا في ذلك الوقت في أنطاكية إلى جانب بولس وبرنابا. وقد كان مجيء هؤلاء التلاميذ، ليروا إلى أي مدى يلتزم المتنصرون بالناموس "ليتجسسوا حريتنا التي لنا في المسيح كي يستعبدونا" (غل 2: 4)... وقد أثمرت مساعي هؤلاء، فبدأ بطرس -وكان موجودًا وقتذاك في أنطاكية- وبرنابا وبعض اليهود المتنصرين يمتنعون عن مخالطة الأمم (غل 2: 12، 13)، بعد أن كانوا يأكلون مع المتنصرين من الأمم في ولائم الأغابي التي تتم في اجتماعات العبادة، كتعبير عن الإخوة المسيحية.
 |
كان هذا التصرف من جانب القديس بطرس غريبًا، واعتبره القديس بولس رياء. وعندما ذكر هذا الحادث لكنيسة غلاطية قال: "لكن لما أتى بطرس إلى أنطاكية قاومته مواجهةً لأنه كان ملومًا لأنه قبلما أتى قوم من عند يعقوب كان يأكل مع الأمم. ولكن لما أتوا كان يؤخر ويفرز نفسه خائفًا من الذين هم من الختان. وراءى معه باقي اليهود أيضًا، حتى برنابا أيضًا انقاد إلى ريائهم" (غل2: 11-13)... ولا ندري سببًا لانقلاب بطرس في تصرفه. هل عاودته طبيعته القديمة، وأنكر في هذه المرة حق التلاميذ الأمميين بعد أن دافع عنهم في مجمع أورشليم(48)؟! يبدو أن ضغط هؤلاء التلاميذ الوافدين من عند يعقوب كان شديدًا، حتى أن برنابا الذي وقف إلى جانب بولس في الدفاع عن حقوق الأمميين، انحاز إلى بطرس وباقي اليهود(49).
لكن مَنْ يكون هؤلاء التلاميذ الوافدون من عند يعقوب؟ هل قصد بهذه العبارة أنهم مرسلون من قبله، أم أنهم من رعيته فقط؟
يميل كثير من العلماء -والنص الكتابي واضح- أنهم كانوا موفدين من قبله... ولو كانوا لا يعبرون عن رأي يعقوب لما عمل لهم بطرس أي حساب فالقديس يعقوب أخو الرب كان شخصية قوية لها مكانتها ووزنها - ليس بين المسيحيين وحدهم، بل حتى بين اليهود أنفسهم(50)... والقديس بولس حينما يذكره، يقدمه على بطرس "فإذ علم بالنعمة المعطاة لي يعقوب وصفا (بطرس) ويوحنا المعتبرون أنهم أعمدة.." (غل 2: 9). وقد رأس مجمع أورشليم، وكان رأيه الذي أعلنه أمام المجمع، هو نفس قرار المجمع... بل يبدو أنه هو نفسه الذي كتب هذا القرار، فأسلوب افتتاحية هذا القرار يتفق مع أسلوب افتتاحية رسالته(51).
← انظر كتب أخرى للمؤلف هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت.
لكن كيف نستطيع أن نفسر هذا التناقض الظاهري في موقف القديس يعقوب بخصوص قرار مجمع أورشليم، ويمين الشركة التي أعطاها لبولس وبرنابا من ناحية، والمندوبين الذين أرسلهم إلى أنطاكية من ناحية أخرى؟!
الواقع -كما يبدو لنا من الدراسة- أنه ليس ثمة تناقض في موقف يعقوب... لقد كان الموقف حساسًا للغاية بين أهل الختان... كان حماسهم شديدًا للناموس القديم، وثقل عليهم أن يتخلوا نهائيًا وللحال عن طقوسهم القديمة التي تشبعوا بها وقتًا طويلًا... كانت الآمال معقودة على القديس يعقوب لما له من مكانة ممتازة بين المسيحيين من الفريقين. وكان هو يرأس الكنيسة الأم في أورشليم... ولعله أراد أن يقود سفينة الكنيسة بحكمة وسط عواصف التهود التي ثارت، ويقود المتحمسين لموسى برفق إلى المسيح. ويؤيد هذا التعليل ما دار من حديث بين القديس يعقوب ومعه خدام كنيسة أورشليم، والقديس بولس في زيارته الخامسة والأخيرة إلى أورشليم حوالى سنة 58 م.(52).
_____
(48) قال القديس بطرس في مجمع أورشليم دفاعًا عن الأمميين: "والله العارف القلوب شهد لهم معطيًا لهم الروح القدس كما لنا أيضًا. ولم يميز بيننا وبينهم بشيء إذ طهر بالإيمان قلوبهم"(أع 15: 8، 9).
(49) Schaff, Vol. 1, pp. 352-354.
(50) اعتبر يوسيفوس المؤرخ اليهودي خراب أورشليم سنة 70 م انتقامًا إلهيًا عادلًا من اليهود لقتلهم للقديس يعقوب هذا.
(51) قارن (أع 15: 23) مع (يع 1: 1).
(52) انظر بإمعان: أع 21: 17-26. لكن هل يمكن تفسير موقف بطرس في أنطاكية حينما امتنع عن مخالطة الأمميين، على أنه هو الآخر كان في موقف حساس لكونه رسول الختان وكان لا يريد أن يضع عثرات في سبيل خدمته الكرازية؟! تساؤل لا يمكننا إعطاء إجابة قاطعة ومقنعة عنه...
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/anba-yoannes/apostolic-church/antioch-jewish-like.html
تقصير الرابط:
tak.la/5y9q6px
