7- المسيح بكر البشر:
المسيح هو رأس وبكر وجذر جديد للبشر ونائب وشفيع كفاري وسابق لأجلنا.
بصفته بكرنا، دخل كسابق من أجلنا إلى الأقداس العليا، مباركًا بذلك طبيعتنا البشرية، وفاتحًا لنا الباب، أن ندخل فيه ومعه إلى الأقداس العليا، ونجلس معه وفيه في السماويات، وذلك في حياة الدهر الآتي.
فبسبب اتحادنا به بالإيمان، والمعمودية، والافخارستيا، يصير السيد المسيح رأس الكنيسة، ونحن أعضاء هذا الجسد العظيم.
“لِأَنَّ ٱلرَّجُلَ هُوَ رَأْسُ ٱلْمَرْأَةِ كَمَا أَنَّ ٱلْمَسِيحَ أَيْضًا رَأْسُ ٱلْكَنِيسَةِ، وَهُوَ مُخَلِّصُ ٱلْجَسَدِ.” (أف 5: 23)
“وَهُوَ رَأْسُ ٱلْجَسَدِ: ٱلْكَنِيسَةِ. ٱلَّذِي هُوَ ٱلْبَدَاءَةُ، بِكْرٌ مِنَ ٱلْأَمْوَاتِ، لِكَيْ يَكُونَ هُوَ مُتَقَدِّمًا فِي كُلِّ شَيْءٍ.” (كو 1: 18)
“وَأَمَّا أَنْتُمْ فَجَسَدُ ٱلْمَسِيحِ، وَأَعْضَاؤُهُ أَفْرَادًا.” (1كو 12: 27)
وبذلك يكون الرب يسوع المسيح، بكرًا لنا نحن البشر بدلًا من آدم بكرنا الأول، الذي أخطأ، ومات، وفسد، فأصاب جنسنا الإنساني في آدم، الخطية، والموت، والفساد، فجاء اللوغوس كلمة الآب؛ ليكون لنا رأسًا، ورئيسًا، وبداية جديدة، وجذرًا، وبكرًا، ونائبًا، وشفيعًا؛ فننال فيه وبه، البر عوض خطية آدم، والحياة عوض موت آدم، وعدم الفساد في مقابل ميراثنا الفاسد من آدم. لذلك كان من ضمن تدبير الخلاص، أن يحمل الرب يسوع المسيح، طبيعتنا البشرية في جسده الخاص، ويدخل بها إلى الأقداس العليا، كسابق، وباكورة؛ ليبارك طبيعتنا فيه (المسيح الباكورة [98]، بكر كل خليقة [99]).
لأنه كما أخذ على نفسه باكورة طبيعتنا البشرية، كذلك أيضًا أخذهم إلى الرب. ومثلما يحدث عندما تكون الحقول ممتلئة بالقمح، ويجمع إنسان قليلًا من السنابل ويجعلهم حزمة صغيرة، ويقدِّمها إلى الله وبواسطة تقديم هذه الكمية القليلة الحقل كله يكون مُباركًا، هكذا فعل المسيح، الذي بواسطة جسده الواحد، وهذا الباكورة، قد نقله لكي الجنس البشري كله يكون مُباركًا.
ولماذا لم يُقدِّم طبيعتنا كلها؟ لأن السبب هو أن الذي يُقدِّم الكل لا يُقدِّم الباكورة. لكن إذا هو قدَّم جزءًا صغيرًا، فبواسطة هذا الجزء يجعل الكل مُباركًا. ولكن، أحدهم سيقول، إذا تم تقدِّيم باكورة إذًا المرء المولود أولًا (بكر) يجب تقدِّيمه؛ لأن الباكورة هم أولئك الذين يُولَدُونَ أولًا، ويَنْبُتُونَ أولًا. أيها الأخوة الأحباء، نحن لا نكون قد قدمنا باكورة، عندما تكون الباكورة التي قدمناها، فقيرة وضعيفة، بل عندما نكون قد قدمنا ما هو كامل وجدير (ثمين). لذلك بما أن الأول (آدم) كان خاضعًا لخطية، لم يتم تقدِّيمه، على الرغم من أنه (المسيح) أتى بعد الأول؛ لكن هذا الأخير كان خاليًا من كل خطية، وعلى هذا الأساس هذا قُدِّم؛ لأنه على الرغم من أنه وُلد فِيمَا بَعْدُ، كان هو الباكورة (البكر)[100]
لقد وعدنا بالحياة الأبدية وعدم الفساد، ونكون مثله، لأننا سنراه كما هو[101]، ونلبس صورة السماوي، ونتغير إلى تلك الصورة عينها [102]، يا للمجد!!
لقد دخل السيد المسيح كسابق عنا إلى الأقداس العليا من أجلنا ووعدنا بالجلوس معه في عرشه، كل من يغلب[103]، ونرث فيه وبه كل شيء [104].(المسيح الجليس مع الآب).
← انظر كتب أخرى للمؤلف هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت.
"يا يسوع المسيح، ذا الاسم المخلِّص، ... رئيس كهنة الخيرات العتيدة، الذي صعد إلى السموات، وصار فوق السموات، ودخل داخل الحجاب، موضع قدس الأقداس، الموضع الذي لا يدخل إليه ذو طبيعة بشرية. وصار سابقًا عنا، صائرًا رئيس كهنة إلى الأبد، على رتبة ملكيصادق."[105]
وطبعًا جلوسنا مع المسيح في عرشه يعني نعمة عظيمة، وعطية لا يُعبّر عنها، لكنه لا يعني بأي حال مساواتنا للمسيح في مجده اللاهوتي، وعظمته الإلهية.
يقول القديس كيرلس الكبير: "كرامة جلوسه تخص المسيح بالطبيعة بصفته الابن، ونحن يمكننا بصواب وبحق أن ننسب مجد الجلوس هناك له، وله وحده. ولكن حقيقة أن المسيح الذي يجلس هناك هو يُشبهنا تمامًا، أي أنه ظهر كإنسان، بينما في الوقت ذاته نحن نفهم أنه إله من إله - تلك الحقيقة تنقل، نعمة تلك الكرامة أيضًا إلينا".
حتى لو لم نجلس بجانب الآب (لأنه كيف يمكن للعبد أن يصعد إلى نفس كرامة السيد؟)، إلا أنه وعد التلاميذ المقدسين أنهم سيجلسون على عروش. فهو يقول: "مَتَى جَلَسَ ابْنُ الإِنْسَانِ عَلَى كُرْسِيِّ مَجْدِهِ، تَجْلِسُونَ أَنْتُمْ أَيْضًا عَلَى اثْنَيْ عَشَرَ كُرْسِيًّا تَدِينُونَ أَسْبَاطَ إِسْرَائِيلَ الاثْنَيْ عَشَرَ" (مت28:19)[106].
“ٱلَّذِي هُوَ لَنَا كَمِرْسَاةٍ لِلنَّفْسِ مُؤْتَمَنَةٍ وَثَابِتَةٍ، تَدْخُلُ إِلَى مَا دَاخِلَ ٱلْحِجَابِ، حَيْثُ دَخَلَ يَسُوعُ كَسَابِقٍ لِأَجْلِنَا، صَائِرًا عَلَى رُتْبَةِ مَلْكِي صَادَقَ، رَئِيسَ كَهَنَةٍ إِلَى ٱلْأَبَدِ.” (عب 6: 19-20).
“فَإِذْ لَنَا رَئِيسُ كَهَنَةٍ عَظِيمٌ قَدِ ٱجْتَازَ ٱلسَّمَاوَاتِ، يَسُوعُ ٱبْنُ ٱللهِ، فَلْنَتَمَسَّكْ بِٱلْإِقْرَارِ.” (عب 4: 14).
_____
[98] “وَأَيْضًا مَتَى أَدْخَلَ ٱلْبِكْرَ إِلَى ٱلْعَالَمِ يَقُولُ: «وَلْتَسْجُدْ لَهُ كُلُّ مَلَائِكَةِ ٱللهِ».” (عب 1: 6).
[99] “ٱلَّذِي هُوَ صُورَةُ ٱللهِ غَيْرِ ٱلْمَنْظُورِ، بِكْرُ كُلِّ خَلِيقَةٍ.” (كو 1: 15).
[100] القديس يوحنا ذهبي الفم، عظة قالها عن عيد الصعود بعنوان "صعود المسيح تمجيد الإنسان":
Toal, M. F. (Ed.). (2000). The Sunday Sermons of the Great Fathers. (M. F. Toal, Trans.) (Vol. 2, pp. 432–440). San Francisco: Ignatius Press, V. ST JOHN CHRYSOSTOM, BISHOP AND DOCTOR, Christ’s Ascension Man’s Exaltation.
[101] “أَيُّهَا ٱلْأَحِبَّاءُ، ٱلْآنَ نَحْنُ أَوْلَادُ ٱللهِ، وَلَمْ يُظْهَرْ بَعْدُ مَاذَا سَنَكُونُ. وَلَكِنْ نَعْلَمُ أَنَّهُ إِذَا أُظْهِرَ نَكُونُ مِثْلَهُ، لِأَنَّنَا سَنَرَاهُ كَمَا هُوَ.” (1يو 3: 2).
[102] “وَنَحْنُ جَمِيعًا نَاظِرِينَ مَجْدَ ٱلرَّبِّ بِوَجْهٍ مَكْشُوفٍ، كَمَا في مِرْآةٍ، نَتَغَيَّرُ إِلَى تِلْكَ ٱلصُّورَةِ عَيْنِهَا، مِنْ مَجْدٍ إِلَى مَجْدٍ، كَمَا مِنَ ٱلرَّبِّ ٱلرُّوحِ.” (2كو 3: 18).
"وأنعم بعدم الفساد على الجميع بوعد القيامة، إذ قد أقام جسده كباكورة مُظهِرًا إياه كتذكار الانتصار على الموت وفساد الموت بعلامة الصليب": تجسد الكلمة، الفصل الثاني والثلاثون.
[103] “مَنْ يَغْلِبُ فَسَأُعْطِيهِ أَنْ يَجْلِسَ مَعِي فِي عَرْشِي، كَمَا غَلَبْتُ أَنَا أَيْضًا وَجَلَسْتُ مَعَ أَبِي فِي عَرْشِهِ.” (رؤ 3: 21).
[104] “مَنْ يَغْلِبْ يَرِثْ كُلَّ شَيْءٍ، وَأَكُونُ لَهُ إِلَهًا وَهُوَ يَكُونُ لِيَ ٱبْنًا.” (رؤ 21: 7).
[105] قسمة السبت الكبير.
[106] القديس كيرلس الكبير، شرح إنجيل القديس يوحنا (يو14: 2-3).
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/anba-raphael/you-desired-to-renew-him/jesus.html
تقصير الرابط:
tak.la/xk4k443