(3) العهد القديم يشهد للسيد المسيح:
إن العهد القديم كله هو الوعد بمجيء السيد المسيح، والعهد الجديد هو تحقيق هذا الوعد.. وسنتكلم عن هذا الأمر بأكثر استفاضة فيما بعد.. لكن دعنا الآن نرى بعض الأمثلة التي وردت تصريحًا أو تلميحًا عن السيد المسيح في العهد القديم بروح النبوة والإعلان المُسبّق:
* جاء الكلام النبوي عن السيد المسيح مبكرًا جدًّا في سفر التكوين منذ السقوط، حيث أشير إليه بكلمة (نسل المرأة).. "وأضَعُ عَداوَةً بَينَكِ (الحية) وبَينَ المَرأةِ، وبَينَ نَسلِكِ ونَسلِها (المسيح). هو (المسيح) يَسحَقُ رأسَكِ (يميت الشيطان)، وأنتِ تسحَقينَ عَقِبَهُ (الصليب)" (تك3: 15).
إنها من أوائل الإشارات إلى تجسد الله الكلمة، وسحقه للشيطان بالصليب.. فكيف نتجاهل العهد القديم الذي تكلّم هكذا عن السيد المسيح بكل هذا الوضوح؟
وكيف يفهم الإنسان البركة التي بارك بها الله إبراهيم؟ "وتتبارَكُ فيكَ جميعُ قَبائلِ الأرضِ" (تك12: 3).
كيف تتبارك جميع قبائل الأرض في إبراهيم إلاَّ من خلال نسله الذي هو السيد المسيح؟ كيف نفهم العهد القديم بدون السيد المسيح؟ وكيف نتعرف على السيد المسيح بدون العهد القديم؟ إنه ارتباط عضوي بين العهدين.
* وعندما نسمع يعقوب أبا الآباء يُبارك بنيه، نرى السيد المسيح واضحًا جليًّا في نبوة يعقوب عن ابنه يهوذا، حيث قال: "لا يَزولُ قَضيبٌ مِنْ يَهوذا ومُشتَرِعٌ مِنْ بَينِ رِجلَيهِ حتَّى يأتيَ شيلونُ ولهُ يكونُ خُضوعُ شُعوبٍ. رابِطًا بالكَرمَةِ جَحشَهُ، وبالجَفنَةِ ابنَ أتانِهِ، غَسَلَ بالخمرِ لباسَهُ، وبدَمِ العِنَبِ ثَوْبَهُ" (تك49: 10-11).
فالسيد المسيح من نسل يهوذا، و(القضيب) يُشير إلى المُلك، و(المشترع) يُشير إلى شريعة جديدة يضعها المسيح، و(له يكون خضوع شعوب) يُشير إلى دخول الأمم في الإيمان بالمسيح، وذِكر (الكرمة والجفنة والخمر ودم العنب) يُشير إلى خلاص المسيح الذي تم بالفداء بالدم الذي نأخذه في الإفخارستيا في صورة خمر، و(لباس المسيح وثوبه) يُشير إلى الكنيسة المقدسة التي اغتسلت بدمه الكريم الطاهر.
* السيد المسيح نفسه اهتم بأن يشرح ما يختص به في جميع الكتب من العهد القديم.. وهذا ما حدث مع تلميذي عمواس: "فقالَ لهُما: "أيُّها الغَبيّانِ والبَطيئا القُلوبِ في الإيمانِ بجميعِ ما تكلَّمَ بهِ الأنبياءُ! أما كانَ يَنبَغي أنَّ المَسيحَ يتألَّمُ بهذا ويَدخُلُ إلَى مَجدِهِ؟". ثُمَّ ابتَدأَ مِنْ موسَى ومِنْ جميعِ الأنبياءِ يُفَسرُ لهُما الأُمورَ المُختَصَّةَ بهِ في جميعِ الكُتُبِ" (لو24: 25-27).
* وكرّر نفس الشرح مع التلاميذ: "وقالَ لهُمْ: "هذا هو الكلامُ الذي كلَّمتُكُمْ بهِ وأنا بَعدُ معكُمْ: أنَّهُ لا بُدَّ أنْ يتِمَّ جميعُ ما هو مَكتوبٌ عَني في ناموسِ موسَى والأنبياءِ والمَزاميرِ". حينَئذٍ فتحَ ذِهنَهُمْ ليَفهَموا الكُتُبَ. وقالَ لهُمْ: "هكذا هو مَكتوبٌ، وهكذا كانَ يَنبَغي..." (لو24: 44-46).
* وقد اكتشف بعض التلاميذ شخص السيد المسيح بسبب ما كُتب عنه في الناموس والأنبياء: "وجَدنا الذي كتَبَ عنهُ موسَى في النّاموسِ والأنبياءُ يَسوعَ ابنَ يوسُفَ الذي مِنَ النّاصِرَةِ" (يو1: 45).
* وكانت كل كرازة الآباء الرسل تنحصر في إقناع اليهود أن السيد المسيح هو الشخص الذي تكلّمت عنه الأنبياء في الكتب المُقدَّسة:
- "وأمّا اللهُ فما سبَقَ وأنبأَ بهِ بأفواهِ جميعِ أنبيائهِ، أنْ يتألَّمَ المَسيحُ، قد تمَّمَهُ هكذا" (أع3: 18).
- "فإنَّ موسَى قالَ للآباءِ: إنَّ نَبيًّا مِثلي سيُقيمُ لكُمُ الرَّبُّ إلهُكُمْ مِنْ إخوَتِكُمْ. لهُ تسمَعونَ في كُل ما يُكلمُكُمْ بهِ" (أع3: 22).
- "وجميعُ الأنبياءِ أيضًا مِنْ صَموئيلَ فما بَعدَهُ، جميعُ الذينَ تكلَّموا، سبَقوا وأنبأوا بهذِهِ الأيّامِ. أنتُمْ أبناءُ الأنبياءِ، والعَهدِ الذي عاهَدَ بهِ اللهُ آباءَنا قائلًا لإبراهيمَ: وبنَسلِكَ تتبارَكُ جميعُ قَبائلِ الأرضِ. إلَيكُمْ أوَّلًا، إذ أقامَ اللهُ فتاهُ يَسوعَ، أرسَلهُ يُبارِكُكُمْ برَد كُل واحِدٍ مِنكُمْ عن شُرورِهِ" (أع3: 24-26).
* وكل الكلام الذي تكلّم به استفانوس الشهيد الأول كان حول هذا المحور.. أن السيد المسيح هو الذي تكلّم من أجله الأنبياء (راجع أع7).
* وكان هذا أيضًا هو الدفاع الذي دافع به بولس الرسول عن نفسه أمام الملك أغريباس: "وأنا لا أقولُ شَيئًا غَيرَ ما تكلَّمَ الأنبياءُ وموسَى أنَّهُ عَتيدٌ أنْ يكونَ: إنْ يؤَلَّمِ المَسيحُ، يَكُنْ هو أوَّلَ قيامَةِ الأمواتِ، مُزمِعًا أنْ يُناديَ بنورٍ للشَّعبِ وللأُمَمِ" (أع26: 22-23).
نحن لا نستطيع أن نلغي العهد القديم.. إذ هو الأساس الذي بُنيت عليه الأسفار المُقدَّسة في العهد الجديد وحقائق الإيمان المسيحي، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في مواضِع أخرى.. "مَبنيينَ علَى أساسِ الرُّسُلِ والأنبياءِ، ويَسوعُ المَسيحُ نَفسُهُ حَجَرُ الزّاويَةِ" (أف2: 20).
* فمثلًا تكلّم موسى النبي بخصوص السيد المسيح قائلًا:
- "يُقيمُ لكَ الرَّبُّ إلهُكَ نَبيًّا مِنْ وسطِكَ مِنْ إخوَتِكَ مِثلي. لهُ تسمَعونَ" (تث18: 15).
- "أُقيمُ لهُمْ نَبيًّا مِنْ وسطِ إخوَتِهِمْ مِثلكَ، وأجعَلُ كلامي في فمِهِ، فيُكلِّمُهُمْ بكُل ما أوصيهِ بهِ. ويكونُ أنَّ الإنسانَ الذي لا يَسمَعُ لكلامي الذي يتكلَّمُ بهِ باسمي أنا أُطالِبُهُ" (تث18: 18-19).
كان الكلام هنا ينطبق تاريخيًّا على يشوع بن نون، ويشير نبويًّا إلى مجيء السيد المسيح الذي دُعي هنا (نبي) بالرغم أنه الله الظاهر في الجسد.. لأن السيد المسيح بتجسده صار إنسانًا كاملًا مثلنا وحمل صفة أنه كاهن ونبي ومَلِك بدون أن يفقد طبيعته أنه هو الله بالحقيقة.
ولا نبالغ إذا قلنا إن كل ما كتب في الأسفار المُقدَّسة بالعهد القديم كان خاصًا بالسيد المسيح سواء نبوات صريحة أو بالتلميح من خلال الرمزية في الشخصيات والأحداث والرموز والنصوص... الأمر الذي يصعب أن يحتويه مجلدات كثيرة، ولكننا ههنا نكتفي بهذه الإشارات، آملين أن يعطينا الرب فرصة لاكتشاف ربنا يسوع المسيح في أسفار العهد القديم في كتب أخرى نوالي تقديمها للقارئ العزيز.
فإذا كان العهد القديم يتكلَّم بهذه الكثافة عن شخص ربنا يسوع المسيح.. فكيف لنا أن نهمله أو نقلل من شأنه؟
إننا لن نتعرف على ألوهية المسيح إلهنا إلاَّ باكتشاف وجوده المختبئ في أسفار العهد القديم.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/anba-raphael/credibility-of-revelation/jesus.html
تقصير الرابط:
tak.la/gsj253f