كانت قصة نزول يعقوب وأسرته معه إلى مصر، واستعبادهم في عبودية مُرّة بأرض مصر لمدة أربعمائة سنة، ثم عودتهم إلى أرضهم إسرائيل.. قصة طويلة تحمل في طياتها رمزًا وإشارة ونبوة عما عمله السيد المسيح مع البشر بتجسده وتأنسه وفدائه العظيم الذي أتمه على الصليب.
* خروج إسرائيل من أرض الموعد إلى أرض مصر كان إشارة إلى خروج آدم من الفردوس إلى أرض الشقاء. لقد كان خروج آدم بسبب الأكل.. وكذلك نزول إسرائيل إلى مصر كان بسبب الأكل.
* فرعون يرمز إلى الشيطان بسبب الكبرياء والوثنية واستعباد الناس بعبودية مُرّة.. فصار إسرائيل تحت سلطان فرعون لمدة أربعمائة سنة رمزًا إلى استعباد الشيطان للناس حتى مجيء السيد المسيح المُخلِّص.. "فقالَ لأبرامَ: اعلَمْ يَقينًا أنَّ نَسلكَ سيكونُ غَريبًا في أرضٍ ليستْ لهُمْ، ويُستَعبَدونَ لهُمْ. فيُذِلّونَهُمْ أربَعَ مِئَةِ سنَةٍ. ثُمَّ الأُمَّةُ التي يُستَعبَدونَ لها أنا أدينُها، وبَعدَ ذلكَ يَخرُجونَ بأملاكٍ جَزيلَةٍ" (تك15: 13-14).
حقًّا.. صار الإنسان غريبًا في أرض ليست له، لأن موطننا الأصلي هو السماء.. واُستعبد الإنسان للخطية والظلمة والشيطان، ولنا رجاء في الله أن نخرج من هذه الأرض إلى السماء بأملاك جزيلة أي بأكاليل النصرة وثمار الروح القدس بعد حرب طويلة ضد قوات الظلمة.
* الأربعمائة سنة ترمز إلى أربع أحقاب طويلة مرت بها البشرية قبل مجيء المُخلِّص الرب يسوع، وهي من آدم إلى نوح، ومن نوح إلى إبراهيم، ومن إبراهيم إلى موسى، ومن موسى إلى المسيح.
* في نهاية المدة التي حددها الله بنفسه لامتحان شعبه.. هيأ لهم مُخلِّصًا هو موسى النبي العظيم الذي كان رمزًا لشخص ربنا يسوع المسيح.. فأخرجهم موسى من سلطان فرعون بيد عزيزة وذراع عالية، كمثلما أخرجنا السيد المسيح من سلطان الشيطان.
* عمل موسى النبي معجزات عظيمة قبل إخراج الشعب من مصر.. وكذلك عمل السيد المسيح معجزات باهرة قبل صلبه المُقدَّس الذي به حررنا من عبودية إبليس.
* كانت آخر ضربات مصر هي ضربة قتل الأبكار، مع قصة خروف الفصح الذي كان رمزًا واضحًا لموت السيد المسيح على الصليب، ثم خرج الشعب من مصر بعد ذبح الخروف، وكذلك خرجنا نحن أيضًا بالمسيح بموته على الصليب.. "لأنَّ فِصحَنا أيضًا المَسيحَ قد ذُبِحَ لأجلِنا" (1كو5: 7).
* عندما خرج الشعب من مصر عبروا أولًا في البحر الأحمر، وكان هذا رمزًا للمعمودية التي نتحرر بها من سلطان الشيطان، ونبدأ حياة جديدة في رعوية شعب المسيح.. "فإني لستُ أُريدُ أيُّها الإخوَةُ أنْ تجهَلوا أنَّ آباءَنا جميعَهُمْ كانوا تحتَ السَّحابَةِ، وجميعَهُمُ اجتازوا في البحرِ، وجميعَهُمُ اعتَمَدوا لموسَى في السَّحابَةِ وفي البحرِ" (1كو10: 1-2).
* بعد عبورهم البحر لم يدخلوا مباشرة إلى أرض الموعد، ولكن تاهوا في البرية لمدة أربعين سنة كانت إشارة إلى فترة الجهاد الروحي التي يقضيها الإنسان منذ معموديته حتى دخوله إلى السماء بالموت الجسدي، مع ملاحظة أن رقم أربعين يرمز إلى جيل كامل أي إلى عمر الإنسان كله.
فنحن مطالبون أن نجاهد في برية هذه الحياة طوال العمر.. حتى ندخل إلى السماء..
+ "مَنْ يُجاهِدُ يَضبُطُ نَفسَهُ في كُل شَيءٍ. أمّا أولئكَ فلكي يأخُذوا إكليلًا يَفنَى، وأمّا نَحنُ فإكليلًا لا يَفنَى" (1كو9: 25).
+ "جاهِدْ جِهادَ الإيمانِ الحَسَنَ، وأمسِكْ بالحياةِ الأبديَّةِ التي إليها دُعيتَ أيضًا، واعتَرَفتَ الاِعتِرافَ الحَسَنَ أمامَ شُهودٍ كثيرينَ" (1تي6: 12).
+ "وأيضًا إنْ كانَ أحَدٌ يُجاهِدُ، لا يُكلَّلُ إنْ لم يُجاهِدْ قانونيًّا" (2تي2: 5).
+ "قد جاهَدتُ الجِهادَ الحَسَنَ، أكمَلتُ السَّعيَ، حَفِظتُ الإيمانَ" (2تي4: 7)
* كانوا في البرية يأكلون طعامًا من السماء هو المَن الذي كان رمزًا لجسد السيد المسيح الذي نغتذي به في حياتنا في هذه البرية..
+ "وجميعَهُمْ أكلوا طَعامًا واحِدًا روحيًّا" (1كو10: 3).
+ "أنا هو خُبزُ الحياةِ. آباؤُكُمْ أكلوا المَنَّ في البَريَّةِ وماتوا. هذا هو الخُبزُ النّازِلُ مِنَ السماءِ، لكَيْ يأكُلَ مِنهُ الإنسانُ ولا يَموتَ. أنا هو الخُبزُ الحَيُّ الذي نَزَلَ مِنَ السماءِ. إنْ أكلَ أحَدٌ مِنْ هذا الخُبزِ يَحيا إلَى الأبدِ. والخُبزُ الذي أنا أُعطي هو جَسَدي الذي أبذِلُهُ مِنْ أجلِ حياةِ العالَمِ" (يو6: 48-51).
* وكانوا يشربون في البرية من الصخرة التي ضربها موسى بالعصا فخرج منها ماء.. "وجميعَهُمْ شَرِبوا شَرابًا واحِدًا روحيًّا، لأنَّهُمْ كانوا يَشرَبونَ مِنْ صَخرَةٍ روحيَّةٍ تابِعَتِهِمْ، والصَّخرَةُ كانَتِ المَسيحَ" (1كو10: 4).
"الصخرة" هي المسيح، و"العصا" هي الصليب.. و"ضرب الصخرة بالعصا" يرمز إلى صلب السيد المسيح وآلامه وموته، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في مواضِع أخرى. و"خروج الماء" يرمز إلى نهر الخلاص الذي نبع لنا من صليب المسيح.
* في مرة أخرى عطش الشعب وتذمروا، فصرخ موسى النبي للرب، فكان كلام الرب إليه قائلًا: "خُذِ العَصا واجمَعِ الجَماعَةَ أنتَ وهارونُ أخوكَ، وكلِّما الصَّخرَةَ أمامَ أعيُنِهِمْ أنْ تُعطيَ ماءَها، فتُخرِجُ لهُمْ ماءً مِنَ الصَّخرَةِ وتسقي الجَماعَةَ ومَواشيَهُمْ" (عد20: 8).
"العصا" هي الصليب، و"اجمع الجماعة" يعني الاجتماع الليتورجي، و"هرون" يمثل الكهنوت، و"كلِّما الصخرة" تعني الصلاة إلى السيد المسيح بالقداس أن يعطينا خلاصه الثمين بدمه الكريم، وفي نهاية القداس نتناول من جسد الرب ودمه (تسقي كل الجماعة).
ففي المرة الأولى أمر الرب موسى النبي أن يضرب الصخرة، وفي الثانية أن يكلّمها.. رمزًا إلى أن السيد المسيح مات مرة واحدة بالصليب، وبعد ذلك يسيل دمه إلينا بالصلاة في القداس وليس بتكرار الصلب.
* استمر الشعب في البرية حتى مات موسى النبي، ثم أدخلهم يشوع إلى أرض الموعد.. إشارة إلى أن الناموس والأنبياء لم يستطيعوا تخليص الإنسان وإدخاله إلى السماء إلاَّ المسيح وحده يشوعنا الجديد، الذي استطاع أن يدخلنا إلى الفردوس بنعمته.. أما الناموس فقد كان (مؤدبنا إلى المسيح).. "إذًا قد كانَ النّاموسُ مؤَدبَنا إلَى المَسيحِ، لكَيْ نتبَرَّرَ بالإيمانِ. ولكن بَعدَ ما جاءَ الإيمانُ، لسنا بَعدُ تحتَ مؤَدبٍ" (غل3: 24-25).
* وعند دخولهم إلى أرض الموعد عبروا نهر الأردن ليكون رمزًا جديدًا للمعمودية ثم حاربوا حروبًا صعبة إشارة إلى الحروب الروحية قبل أن يتمكنوا من تملك الأرض التي أعطاها إياهم الله التي هي رمز للسموات بعينها.
ترى إذًا أن فترة طويلة من تاريخ الإنسان (نحو خمسمائة عام) استخدمها الله ليكشف لنا خطته في الخلاص بعد السقوط والنفي، ثم عصر الأنبياء، وأخيرًا مجيء المسيا المُخلِّص قبل أن نعود عودة نهائية إلى أرضنا الحقيقية التي هي ملكوت السموات.
ربي يسوع.. مخلصي القدوس..
أيها الكائن الأزلي قبل كل الأكوان وقبل كل الكائنات.. أسبحك وأمجد اسمك القدوس المبارك.. لأنك أظهرت ذاتك لنا في ملء الزمان، وفتحت لنا الباب لنفهم الكتاب، فأكتشفك بغنى في أسفار العهد القديم كائنًا ومنيرًا وكاشفًا للخطة الإلهية من أجل خلاص الإنسان حبًا وفداءً ومغفرة بسفك دمك الثمين.
حقًا يا ربي يسوع..
لقد تمتعنا بك في هذه الرحلة السريعة في سفر التكوين.. وإني أسأل نفسي كم تكون المتعة حينما نراك ونكتشف أسرارك ومعانيك في باقي الكتاب.. الخروج، وذبائح اللاويين، وتسابيح المزامير، ورموز النشيد، ونبوات إشعياء وإرميا، ورؤى داينال وحزقيال.. إنه بحر عميق مَنْ يستطيع أن يدرك أعماقه!!
لك المجد أيها الكائن قبل إبراهيم.. لك المجد أيها الذبيح، والسلّم، والابن الوحيد، والعريس السماوي لعروستك الكنيسة المجيدة.
ربي يسوع..
دعني أقبِّل قدميك، وأدهنهما بطيب عمري تحت أقدام الكتاب المُقدَّس.. أشبع بك وأتأمل في شخصك، وكل ما يحكى عنك في القديم والجديد.. آمين.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/anba-raphael/christ-in-genesis/jacob-egypt.html
تقصير الرابط:
tak.la/t3f2c3w