ثانيًا: الخلفية الكتابية للخلافة الرسولية وتسلسل الكهنوت:
إذا رجعنا إلى الكتاب المقدس منذ العهد القديم، نجد أن الله لا يسمح لأي أناس بممارسة الكهنوت إلاَّ المختارين منه، والمقامين لأداء هذه الوظيفة السامية بطريقة رسمية صحيحة.. "ولا يأخُذُ أحَدٌ هذِهِ الوَظيفَةَ بنَفسِهِ، بل المَدعوُّ مِنَ اللهِ، كما هارونُ أيضًا" (عب 4:5).
* "ولَمّا تشَدَّدَ ارتَفَعَ قَلبُهُ إلَى الهَلاكِ وخانَ الرَّبَّ إلهَهُ، ودَخَلَ هيكلَ الرَّب ليوقِدَ علَى مَذبَحِ البَخورِ. ودَخَلَ وراءَهُ عَزَريا الكاهِنُ ومعهُ ثَمانونَ مِنْ كهنةِ الرَّب بَني البأسِ. وقاوَموا عُزيَّا المَلِكَ وقالوا لهُ: ليس لكَ يا عُزيَّا أنْ توقِدَ للرَّب، بل للكهنةِ بَني هارونَ المُقَدَّسينَ للإيقادِ. اُخرُجْ مِنَ المَقدِسِ لأنَّكَ خُنتَ وليس لكَ مِنْ كرامَةٍ مِنْ عِندِ الرَّب الإلهِ. فحَنِقَ عُزيَّا. وكانَ في يَدِهِ مِجمَرَةٌ للإيقادِ. وعِندَ حَنَقِهِ علَى الكهنةِ خرجَ بَرَصٌ في جَبهَتِهِ أمامَ الكهنةِ في بَيتِ الرَّب بجانِبِ مَذبَحِ البَخورِ. فالتَفَتَ نَحوَهُ عَزَرياهو الكاهِنُ الرّأسُ وكُلُّ الكهنةِ، وإذا هو أبرَصُ في جَبهَتِهِ، فطَرَدوهُ مِنْ هناكَ حتَّى إنَّهُ هو نَفسُهُ بادَرَ إلَى الخُروجِ لأنَّ الرَّبَّ ضَرَبَهُ. وكانَ عُزيَّا المَلِكُ أبرَصَ إلَى يومِ وفاتِهِ، وأقامَ في بَيتِ المَرَضِ أبرَصَ لأنَّهُ قُطِعَ مِنْ بَيتِ الرَّب، وكانَ يوثامُ ابنُهُ علَى بَيتِ المَلِكِ يَحكُمُ علَى شَعبِ الأرضِ" (2أخ 16:26-21).
حقًا قال في هذا يوحنا المعمدان: "لا يَقدِرُ إنسانٌ أنْ يأخُذَ شَيئًا إنْ لم يَكُنْ قد أُعطيَ مِنَ السماءِ" (يو 27:3).
* "وقَربْ إلَيكَ هارونَ أخاكَ وبَنيهِ معهُ مِنْ بَينِ بَني إسرائيلَ ليَكهَنَ لي. هارونَ نادابَ وأبيهو ألِعازارَ وإيثامارَ بَني هارونَ" (خر 1:28).
برغم اختيار الله الواضح لهارون للكهنوت، فقد خرج قوم لاويون (من سبط لاوي) يُطالبون أن يكونوا كهنة بدون اختيار إلهي.. وهي قصة:
راجع (سفر العدد، أصحاح 16)، مع التركيز على الآيات التالية:
* "فاجتَمَعوا علَى موسَى وهارونَ وقالوا لهُما: كفاكُما! إنَّ كُلَّ الجَماعَةِ بأسرِها مُقَدَّسَةٌ وفي وسطِها الرَّبُّ. فما بالُكُما ترتَفِعانِ علَى جَماعَةِ الرَّب؟" (3).
* "كفاكُمْ يا بَني لاوي!" (7).
* "فقَرَّبَكَ وجميعَ إخوَتِكَ بَني لاوي معكَ، وتطلُبونَ أيضًا كهَنوتًا!" (10).
* "فقالَ موسَى: بهذا تعلَمونَ أنَّ الرَّبَّ قد أرسَلَني لأعمَلَ كُلَّ هذِهِ الأعمالِ، وأنَّها ليستْ مِنْ نَفسي. إنْ ماتَ هؤُلاءِ كموتِ كُل إنسانٍ، وأصابَتهُمْ مَصيبَةُ كُل إنسانٍ، فليس الرَّبُّ قد أرسَلَني. ولكن إنِ ابتَدَعَ الرَّبُّ بدعَةً وفَتَحَتِ الأرضُ فاها وابتَلَعَتهُمْ وكُلَّ ما لهُمْ، فهَبَطوا أحياءً إلَى الهاويَةِ، تعلَمونَ أنَّ هؤُلاءِ القَوْمَ قد ازدَرَوْا بالرَّب" (28-30).
* "وخرجَتْ نارٌ مِنْ عِندِ الرَّب وأكلَتِ المِئَتَينِ والخَمسينَ رَجُلًا الذينَ قَرَّبوا البَخورَ" (35).
* "لا يَقتَرِبَ رَجُلٌ أجنَبيٌّ ليس مِنْ نَسلِ هارونَ ليُبَخرَ بَخورًا أمامَ الرَّب، فيكونَ مِثلَ قورَحَ وجَماعَتِهِ، كما كلَّمَهُ الرَّبُّ عن يَدِ موسَى" (40).
* "ولَمّا انتَهَوْا إلَى بَيدَرِ كيدونَ، مَدَّ عُزّا يَدَهُ ليُمسِكَ التّابوتَ، لأنَّ الثيرانَ انشَمَصَتْ. فحَميَ غَضَبُ الرَّب علَى عُزّا وضَرَبَهُ مِنْ أجلِ أنَّهُ مَدَّ يَدَهُ إلَى التّابوتِ، فماتِ هناكَ أمامَ اللهِ" (1أخ 9:13-10).
مات عُزّا لأنه لم يكن من ضمن اللاويين المُختارين من الله لحمل التابوت أو لمسه.. لذلك ففي المرة الثانية لنقل التابوت تكلّم داود مع سبط لاوي قائلًا:
* "أنتُمْ رؤوسُ آباءِ اللاويينَ، فتقَدَّسوا أنتُمْ وإخوَتُكُمْ وأصعِدوا تابوتَ الرَّب إلهِ إسرائيلَ إلَى حَيثُ أعدَدتُ لهُ. لأنَّهُ إذ لم تكونوا في المَرَّةِ الأولَى، اقتَحَمَنا الرَّبُّ إلهنا، لأنَّنا لم نَسألهُ حَسَبَ المَرسوم" (1أخ 12:15-13).
(راجع 1صم 8:13-14). لاحظ توبيخ صموئيل له بكلمة: "قد انحَمَقتَ".
(راجع 1مل 19).
(2مل 9).. (وإن كان الأمر هنا يخص النبوة والمملكة، إلاَّ أنه يُعبِّر عن منهج الله في تتابع الرئاسة والخدمة بطريقة تسلسلية تنظيمية، وليست بحسب استحسان كل إنسان لنفسه).
ورد في سفر إرميا هذه القصة:
رجل اسمه "شِمْعيَا النِّحْلامِي" ادّعى أنه كاهن، وأرسل رسائل إلى كل الشعب والكهنة يخبرهم بهذا الادعاء الكاذب، فكانت النتيجة أن الرب عاقبه كما في النص التالي:
"وكلمْ شِمْعيَا النِّحْلامِي قائلًا: هكذا تكلَّمَ رَبُّ الجُنودِ إلهُ إسرائيلَ قائلًا: مِنْ أجلِ أنَّكَ أرسَلتَ رَسائلَ باسمِكَ إلَى كُل الشَّعبِ الذي في أورُشَليمَ، وإلَى صَفَنيا بنِ مَعسيّا الكاهِنِ، وإلَى كُل الكهنةِ قائلًا: قد جَعَلكَ الرَّبُّ كاهِنًا عِوَضًا عن يَهوياداعَ الكاهِنِ، لتكونوا وُكلاءَ في بَيتِ الرَّب لكُل رَجُلٍ مَجنونٍ ومُتَنَبئٍ، فتدفَعُهُ إلَى المِقطَرَةِ والقُيودِ. والآنَ لماذا لم تزجُرْ إرميا العَناثوثيَّ المُتَنَبئَ لكُمْ. لأنَّهُ لذلكَ أرسَلَ إلَينا إلَى بابِلَ قائلًا: إنَّها مُستَطيلَةٌ. ابنوا بُيوتًا واسكُنوا، واغرِسوا جَنّاتٍ وكُلوا ثَمَرَها. فقَرأَ صَفَنيا الكاهِنُ هذِهِ الرسالَةَ في أُذُنَيْ إرميا النَّبي. ثُمَّ صارَ كلامُ الرَّب إلَى إرميا قائلًا: أرسِلْ إلَى كُل السَّبيِ قائلًا: هكذا قالَ الرَّبُّ لشِمعيَا النِّحلامي: مِنْ أجلِ أنَّ شِمعيَا قد تنَبّأَ لكُمْ وأنا لم أُرسِلهُ، وجَعَلكُمْ تتَّكِلونَ علَى الكَذِبِ. لذلكَ هكذا قالَ الرَّبُّ: هأنذا أُعاقِبُ شِمعيَا النِّحلاميَّ ونَسلهُ. لا يكونُ لهُ إنسانٌ يَجلِسُ في وسطِ هذا الشَّعبِ، ولا يَرَى الخَيرَ الذي سأصنَعُهُ لشَعبي، يقولُ الرَّبُّ، لأنَّهُ تكلَّمَ بعِصيانٍ علَى الرَّب" (إر 24:29-32).
* "فصَلّوا ووَضَعوا علَيهِمِ الأياديَ" (أع 6:6).
* "وبَينَما هُم يَخدِمونَ الرَّبَّ ويَصومونَ، قالَ الرّوحُ القُدُسُ: أفرِزوا لي بَرنابا وشاوُلَ للعَمَلِ الذي دَعَوْتُهُما إليهِ. فصاموا حينَئذٍ وصَلّوا ووَضَعوا علَيهِما الأياديَ، ثُمَّ أطلَقوهُما" (أع 2:13-3).
يُلاحظ هنا أن الروح القدس فوَّض الكنيسة في إفراز الرسولين، ووضع الأيادي عليهما، وإرسالهما رغم أنهما مختاران من الله نفسه، وهذا تأكيد من الروح القدس على سلطان الكنيسة في إقامة خلفاء ومساعدين للرسل.
ووضع اليد هنا (للسيامة الكهنوتية) يختلف عن وضع اليد للبركة أو للشفاء أو للمعمودية وحلول الروح القدس، لكنه وضع اليد للتكريس للكهنوت والخدمة الليتورجية.. بدليل الآيات التالية:
* "لا تُهمِلِ المَوْهِبَةَ التي فيكَ، المُعطاةَ لكَ بالنُّبوَّةِ مع وضعِ أيدي الْمَشْيَخَةِ (القسوسية)" (1تي 14:4).
* "لا تضَعْ يَدًا علَى أحَدٍ بالعَجَلَةِ، ولا تشتَرِكْ في خطايا الآخَرينَ. اِحفَظْ نَفسَكَ طاهِرًا" (1تي 22:5).
من الواضح هنا أنه ليس وضع اليد للبركة أو للشفاء أو لحلول الروح القدس على المُعمدين، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في مواضِع أخرى.. "فلهذا السَّبَبِ أُذَكرُكَ أنْ تُضرِمَ أيضًا مَوْهِبَةَ اللهِ التي فيكَ بوَضعِ يَدَيَّ" (2تي 6:1).
إن هذا الترتيب الإلهي يشبه إلى حد كبير ما عمله الله مع موسى النبي، حينما أمره أن يختار سبعين شيخًا يساعدونه في قيادة الشعب، حيث قال: "آخُذَ مِنَ الرّوحِ الذي علَيكَ وأضَعَ علَيهِمْ".
* "فأنزِلَ أنا وأتكلَّمَ معكَ هناكَ، وآخُذَ مِنَ الرّوحِ الذي علَيكَ وأضَعَ علَيهِمْ، فيَحمِلونَ معكَ ثِقلَ الشَّعبِ، فلا تحمِلُ أنتَ وحدَكَ" (عد 17:11).
* "فنَزَلَ الرَّبُّ في سحابَةٍ وتكلَّمَ معهُ، وأخَذَ مِنَ الرّوحِ الذي علَيهِ وجَعَلَ علَى السَّبعينَ رَجُلًا الشُّيوخَ. فلَمّا حَلَّتْ علَيهِمِ الرّوحُ تنَبّأوا، ولكنهُمْ لم يَزيدوا" (عد 25:11).
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/anba-raphael/apostolic-succession/priesthood.html
تقصير الرابط:
tak.la/53gdhmv