محتويات: (إظهار/إخفاء) |
(1) الهرطقات تعليم شيطاني (2) الهراطقة يحكمون على أنفسهم (3) لا بُد أن تأتي العثرات أولًا: امتحنوا الأرواح ثانيًا: مواجهة الهراطقة الآباء الرسل في مواجهة الهراطقة كنموذج لنا خاتمة |
الجزء الثاني: الحرب ضد الهرطقات(1):-
فيما نتكلَّم عن الحب والاتحاد والسلام الكامل.. يبرز للكنيسة من آن لآخر تيار غريب يُهدِّد سلامة التعليم الأرثوذكسي، وتضطر الكنيسة إلى أن تحارب هذا التيار، وقد تلجأ إلى سلاح القطع والحرمان من أجل حفظ سلام الكنيسة وسلامة التعليم.
قد يتساءل البعض..
* ألا يتعارض هذا مع تعليم السيد المسيح الخاص بالمحبة وقبول الآخر، والاتجاه نحو الوحدة والسلام؟
* كيف للكنيسة وهي مسئولة عن سلام العالم، ومسئولة عن نشر فكر السيد المسيح، وتعميق روح الحب.. كيف لها أن تحارب أشخاصًا وتطردهم وتقطعهم؟
* ألا يوجد هنا شبهة قساوة وإرهاب فكري، وتعارض مع اتجاه التجميع، والاحتضان والتسامح والحب؟!!!
ولكن أيضًا دعنا نتساءل:
* هل للكنيسة أن تترك كل إنسان يفكر كما يشاء، وينشر فكره مهما كان.. تحت إدعاء طيبة القلب والتساهل، وخلاص نفس الآخر بقبوله؟!!! وهل هذا يُخلِّص نفس المنحرف إيمانيًا؟
فلنناقش الأمر كتابيًا.. لنرى رأي الكتاب المقدس، وفكر السيد المسيح من جهة هذا الأمر.. خاصة وأن الكنيسة بطول الزمان لجأت إلى منهج عقد المجامع، ومحاكمة الهراطقة وقطعهم وفرزهم.. ونحن مازلنا نمدح أبطال الإيمان الذين شاركوا في قطع الهراطقة، وأمضوا عمرهم كله في جهاد عنيف ضد الأفكار المنحرفة، كمثل القديس أثناسيوس والقديس كيرلس والقديس ديسقوروس.. وغيرهم.
* هل أخطأ الآباء في منهجهم هذا، ولم يتوافقوا مع فكر السيد المسيح؟
* هل علينا الآن في عصر الحرية والفكر المنفتح والديمقراطية.. أن نغيِّر منهج الآباء القدامى، ونسلك مع الهراطقة بروح جديدة حفظًا لتواجدهم معنا في الكنيسة، ومنعًا لاستخدام سلاح الطرد والتشهير والحرمان كما يقولون؟
* هل مبدأ "ليكون الجميع واحدًا" يتعارض مع منهج قطع الهراطقة وفرزهم وطردهم من الكنيسة؟
* هل شرح الإيمان والفروق العقيدية بين الطوائف لتوعية الشعب، تعتبر نوعًا من الكراهية ولا يحقق مبدأ "ليكون الجميع واحدًا"؟
دعنا نناقش الأمر بحسب فكر الكتاب المقدس..
أول حقيقة تقابلنا عند دراسة هذا الموضوع.. أن الشيطان هو المُحرِّك لكل هرطقة في الكنيسة: "ولكن الروح يقول صريحًا: إنه في الأزمنة الأخيرة يَرتدُّ قوم عن الإيمان، تابعين أرواحًا مُضِلَّة وتعاليم شياطين، في رياء أقوال كاذبة، مَوسُومة ضمائرهم" (1تى4: 1-2).
فهل مطلوب من الكنيسة أن تحمى تعليم الشيطان وتقبله؟
* "ليست هذه الحكمة نازلة من فوق، بل هي أرضية نفسانية شيطانية" (يع3: 15).
* "لأنه سيكون وقت لا يحتملون فيه التعليم الصحيح، بل حسب شهواتهم الخاصة يجمعون لهم مُعلِّمين مُستحكَّة مسامِعُهم، فيَصرفون مسامِعُهم عن الحقِّ، وينحرفون إلى الخرافات" (2تى4: 3-4).
فهل الكنيسة مسئولة عن حماية الانحرافات والخرافات والشهوات الخاصة في التعليم؟ إن مثل هؤلاء المُعلمين الكذبة يحكم عليهم الكتاب المقدس بالهلاك..
* "ولكن، كان أيضًا في الشعب أنبياء كذبة، كما سيكون فيكم أيضًا مُعلِّمون كذبة، الذين يَدسُّون بِدَع هلاكٍ. وإذ هم يُنكرونَ الرب الذي اشتراهُم، يَجلبون على أنفسهم هلاكًا سريعًا. وسيتبع كثيرون تَهلُكَاتهم. الذين بسببهم يُجدَّف على طريق الحقِّ. وهم في الطمع يَتَّجِرون بكم بأقوالٍ مُصنَّعةٍ، الذين دينونتهم منذ القديم لا تتوانى، وهلاكُهم لا يَنعَسُ" (2بط2: 1-3).
* "لأن مثل هؤلاء هم رُسل كَذَبة، فَعَلة ماكرون، مُغيِّرون شكلهم إلى شبه رُسُل المسيح. ولا عجب. لأن الشيطان نفسَه يُغيِّر شكلَه إلى شبه ملاك نور! فليس عظيمًا إن كان خُدَّامه أيضًا يُغيَّرون شكلَهم كخُدَّام للبرِّ. الذين نهايَتُهم تكون حسب أعمالهم" (2كو11: 13-15).
لقد وصف هنا – مُعلِّمنا بولس الرسول الهراطقة.. بأنهم خدام الشيطان وكذبة وماكرون.. فهل تقبلهم الكنيسة وهم هكذا؟
إن الأساس الذي تُبنى عليه الأفكار الهرطوقية هو التمرد.. "فإنه يوجد كثيرون مُتمرِّدين يتكلَّمون بالباطل، ويخدعون العقول" (تى1: 10).
والتمرد محسوب في فكر الكتاب المقدس أنه مثل عبادة الأوثان.. "لأن التمرُّد كخطية العرافة، والعِناد كالوثن والترافيم" (1صم15: 23).
فهل مطلوب من الكنيسة أن تتغاضى عن عبادة الأوثان؟ إنهم بتعبير مُعلِّمنا بولس الرسول:
* "الإخوة الكذبة المُدخَلين خفية، الذين دخلوا اختلاسًا" (غل2: 4).
* "وهم أعداء صليب المسيح" (في3: 18).
إن التعليم الهرطوقي ليس إطلاقًا من الله، ولا من الروح القدس روح الحق.. بل هو من العالم والشيطان وروح الضلال..
* "هم من العالم. من أجل ذلك يتكلَّمون من العالم، والعالم يسمع لهم. نحن من الله. فمَنْ يعرف الله يسمع لنا، ومَنْ ليس من الله لا يسمع لنا. من هذا نعرف روح الحقِّ وروح الضَّلال" (1يو4: 5-6).
* "الذي من الله يسمع كلام الله. لذلك أنتم لستم تسمعون، لأنكم لستم من الله" (يو8: 47).
قيل عن الهراطقة: "مِنَّا خرجوا، لكنهم لم يكونوا مِنَّا، لأنهم لو كانوا مِنَّا لبقوا معنا. لكن ليُظهَروا أنهم ليسوا جميعهم مِنَّا" (1يو2: 19).
إن الإنسان المسيحي الحقيقي يشعر أنه عضو في الجسد.. يسلك كباقى الجسد، ويفكر بفكر المسيح رأس الجسد.. "أما نحن فلنا فكر المسيح" (1كو2: 16)، ويكون حريصًا ألا يخرج عن إجماع الفكر الكنسي والتقليد الرسولي.. ويبرهن على صدق عضويته بطاعته وتوافق فكره الخاص مع فكر السيد المسيح في الكنيسة.
* "وأطلب إليكم أيها الإخوة أن تُلاحظوا الذين يصنعون الشِّقاقات والعثرات، خلافًا للتعليم الذي تعلَّمتموه، وأَعرِضوا عنهم. لأن مثل هؤلاء لا يخدمون ربنا يسوع المسيح بل بطونهم. وبالكلام الطيب والأقوال الحسنة يخدعون قلوب السُّلماء" (رو16: 17-18).
* "عالمًا أن مثل هذا قد انحرف، وهو يخطئ محكومًا عليه من نفسه" (تي3: 11).
إن الكنيسة في حكمها على الهراطقة.. إنما تقرر حكمًا سبق أن حكموا به هم على أنفسهم بسبب عدم طاعتهم للحق.
لا تستغرب من وجود هراطقة، وافتراق عن الكنيسة، لقد سبق وأنبأ الكتاب المقدس بهذا.. "لأني أعلم هذا: أنه بعد ذهابي سيدخل بينكم ذئاب خاطفة لا تُشفق على الرعية. ومنكم أنتم سيقوم رجال يتكلَّمون بأمورٍ ملتويةٍ ليجتذبوا التلاميذ وراءهم" (أع20: 29-30).
حقًا.. قال السيد المسيح: "ويل للعالم من العثرات! فلابد أن تأتي العثرات، ولكن ويل لذلك الإنسان الذي به تأتي العثرة" (مت18: 7).
لقد نبهنا السيد المسيح بنفسه ألا نتبع الأنبياء الكذبة.. "ويقوم أنبياء كذبة كثيرون ويُضلُّون كثيرين" (مت24: 11).
فإن كان الكتاب المقدس قد أنبأنا مسبقًا عن حتمية ظهور الهراطقة والذئاب الخاطفة.. فلماذا نبهنا لذلك؟ وما هو دور الكنيسة إزاءهم؟ وما هي خطة الكتاب المقدس لمواجهتهم؟
لقد وضع الكتاب المقدس خطة فعلية لمواجهة هؤلاء الهراطقة:
أول كل شيء أن يكون لنا روح التمييز والإفراز..
* "أيها الأحباء، لا تُصدِّقوا كلَّ روحٍ، بل امتحنوا الأرواح: هل هي من الله؟ لأن أنبياء كذبة كثيرين قد خرجوا إلى العالم" (1يو4: 1).
* "وأنبياؤها قد طَيَّنوا لهم بالطُّفَال، رائين باطلًا وعارفين لهم كذبًا، قائلين: هكذا قال السيد الرب، والرب لم يتكلَّم" (حز22: 28).
ليست البساطة هي السذاجة وقبول أي فكر.. بل مع البساطة لابد من وجود الحكمة والإفراز.. "كونوا حُكماء كالحيَّات وبُسطاء كالحمام" (مت10: 16).
ولذلك فمن ضمن المواهب التي يمنحها الله للكنيسة موهبة "تمييز الأرواح" (1كو12: 10).. لكي تنفذ الكنيسة وصية السيد المسيح القائلة:
* "احترزوا من الأنبياء الكذبة الذين يأتونكم بثياب الحملان، ولكنهم من داخل ذئاب خاطفة" (مت7: 15).
* "امتحنوا كل شيءٍ. تمسَّكوا بالحَسَنِ" (1تس5: 21).
إنك تحتاج نعمة خاصة وموهبة روحية لكي تكتشف الذئب الذي يرتدي ثوب الحمل.. "من ثمارهم تعرفونهم" (مت7: 16).
ما هي ثمارهم؟ الحسد والخصام والانقسام والعناد والتحزب..
* "إن كان أحد يُعلِّم تعليمًا آخر، ولا يُوافق كلمات ربنا يسوع المسيح الصحيحة، والتعليم الذي هو حسب التقوى، فقد تَصلَّف، وهو لا يفهم شيئًا، بل هو مُتعلِّل بمُباحثات ومُماحكات الكلام، التي منها يَحصُل الحسد والخصام والافتراء والظنون الرديَّة، ومُنازعات أُناسٍ فاسدي الذهن وعادمي الحقِّ" (1تي6: 3-5).
* "لأن مثل هؤلاء لا يخدمون ربنا يسوع المسيح بل بطونهم" (رو16: 18).
فأول علامة للفكر المنحرف هو التحزب وافتعال الخصومات..
* "إن كان لكم غيرة مُرَّة وتحزُّب في قلوبكم، فلا تفتخروا وتكذبوا على الحقِّ. ليست هذه الحكمة نازلة من فوق، بل هي أرضية نفسانية شيطانية. لأنه حيث الغيرة والتحزُّب، هناك التشويش وكل أمرٍ رديءٍ" (يع3: 14-16).
* "أما قوم فعن حسدٍ وخصامٍ يَكرزون بالمسيح.. فهؤلاء عن تحزبٍ يُنادون بالمسيح لا عن إخلاص" (في1: 15-16).
إذًا مطلوب منا أن نميز الخادم الذي يخدم بروح الله، والمزيف الذي يخدم بروح مضلة، ونكتشف هل هذا التعليم من الله أم لا؟
* "أن لا تتزعزعوا سريعًا عن ذهنكم، ولا ترتاعوا، لا بروح ولا بكلمة ولا برسالة كأنها مِنَّا" (2تس2: 2).
* "الذين نحن لم نأمُرهم" (أع15: 24).
* "وإنما أقول هذا لئلا يخدعَكُم أحد بكلام مَلِقٍ" (كو2: 4).
لم يكتفِ الكتاب بأن نعرف الهراطقة ونُميِّزهم فقط، بل طالبنا بأن نواجههم..
* "ثم نُوصيكم أيها الإخوة، باسم ربنا يسوع المسيح، أن تتجنبوا كل أخٍ يسلُك بلا ترتيبٍ، وليس حسبَ التعليمِ (التقليد) الذي أخذه مِنَّا" (2تس3: 6).
* "تَجنَّب مثلَ هؤلاءِ" (1تي6: 5).
وليس الأمر فقط التجنب بل هناك أيضًا الإنذار..
* "ونطلب إليكم أيها الإخوة: أَنذِروا الذين بلا ترتيبٍ" (1تس5: 14).
* "وإن كان أحد لا يُطيع كلامنا بالرسالة، فسموا هذا ولا تُخالطوه لكي يخجل، ولكن لا تحسبوه كعدوٍّ، بل أَنذروه كأخٍ" (2تس3: 14-15).
* "لكي تُوصي قومًا أن لا يُعلِّموا تعليمًا آخر، ولا يُصغوا إلى خرافاتٍ وأنسابٍ لا حدَّ لها، تُسبِّب مباحثاتٍ دون بُنيان الله الذي في الإيمان" (1تي1: 3-4).
وإن لم يستجب الهرطوقي للإنذار.. فهناك عقوبة التجنب..
* "الرجل المُبتدِع بعد الإنذار مرَّةً ومرتين، أَعرِضْ عنه" (تي3: 10).
* "أَعرِضوا عنهم" (رو16: 17).
وليست العقوبة هي فقط التجاهل بل أيضًا التوبيخ..
* "فلهذا السبب وبِّخهُم بصرامةٍ لكي يكونوا أصحَّاء في الإيمان، لا يُصغون إلى خرافاتٍ يهوديةٍ، ووصايا أُناسٍ مُرتدِّين عن الحقِّ" (تي1: 13-14).
* "الذين يُخطئون وبِّخهُم أمام الجميع، لكي يكون عند الباقين خوف" (1تي5: 20).
وقد يتطور الأمر إلى القطع من شركة الكنيسة..
* "إني أتعجَّب أنكم تنتقلون هكذا سريعًا عن الذي دَعاكُم بنعمة المسيح إلى إنجيل آخر! ليس هو آخر، غير أنه يوجد قوم يُزعِجونَكم ويريدون أن يُحوِّلوا إنجيل المسيح. ولكن إن بشرناكم نحن أو ملاك من السماء بغير ما بشرناكم، فليكن أناثيما (محرومًا)" (غل1: 6-8).
ويجوز أيضًا مقاطعة هذا الإنسان نهائيًا حتى يستفيق إلى نفسه، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في مواضِع أخرى..
* "إن كان أحد يأتيكم، ولا يجيء بهذا التعليم، فلا تقبلوه في البيت، ولا تقولوا له سلام. لأن مَنْ يُسلِّم عليه يشترك في أعماله الشريرة" (2يو10-11).
والكنيسة لها سلطان أن تعزل وتفصل العضو الخاطئ والمبتدع، كمثلما فعل مُعلِّمنا بولس الرسول مع خاطئ كورنثوس (على سبيل المثال)..
* "أن لا تُخالطوا ولا تؤاكلوا مثل هذا" (1كو5: 11).
* "فاعزلوا الخبيث من بينكم" (1كو5: 13).
* "حتى يُرفع من وسطكم الذي فعل هذا الفعل" (1كو5: 2).
ليس عن حقد وخصومة.. بل بهدف ربح نفس هذا الإنسان..
* "وعبد الرب لا يجب أن يُخاصم، بل يكون مترفقًا بالجميع، صالحًا للتعليم، صبورًا على المشقات، مؤدبًا بالوداعة المقاومين، عسى أن يُعطيهم الله توبة لمعرفة الحقِّ، فيستفيقوا من فخ إبليس إذ قد اقتنصهم لإرادته" (2تي2: 24-26).
وكان الأمر في العهد القديم أكثر خطورة.. إذ كان يُحكم على هؤلاء بالقتل..
* "إذا قام في وَسطِكَ نبي أو حالم حُلمًا، وأعطاكَ آية أو أُعجوبة، ولو حدثت الآية أو الأُعجوبة التي كلَّمك عنها قائلًا: لنذهب وراء آلهةٍ أخرى لم تعرفها ونعبُدها، فلا تسمع لكلام ذلك النبي أو الحالم ذلك الحلم... وذلك النبي أو الحالم ذلك الحلم يُقتل، لأنه تكلَّم بالزَّيغِ من وراء الرب إلهكم... فتنزعون الشرَّ من بينكُم" (تث13: 1-5).
لقد كان جهاد الآباء الرسل ينصب في اتجاهين متكاملين: أولًا: نشر الكرازة بالإنجيل، وثانيًا: حفظ الإيمان سليمًا بلا عيب.. لئلا يتغير إنجيل المسيح.
لذلك وقفوا بالمرصاد لكل مَنْ يخرج عن الإيمان الأرثوذكسي. انظر ما قاله مُعلِّمنا يوحنا الرسول:
* "ديوتريفس الذي يحب أن يكون الأول بينهم لا يَقبلُنا. من أجل ذلك، إذا جئت فسأُذكِّرُه بأعمالِهِ التي يعملُها، هَاذرًا علينا بأقوالٍ خبيثةٍ" (3يو9-10).
وكانت سيامة الأساقفة هدفها الأساسي هو حفظ الإيمان، كما أوصى مُعلِّمنا بولس الرسول تلميذيه تيموثاوس وتيطس:
* "كما طلبت إليكَ أن تمكث في أفسس، إذ كنت أنا ذاهبًا إلى مكدونية، لكي تُوصي قومًا أن لا يُعلِّموا تعليمًا آخر" (1تي1: 3).
* "إن فكَّرْت الإخوة بهذا، تكون خادمًا صالحًا ليسوع المسيح، مُتربيًا بكلام الإيمان والتعليم الحسَن الذي تتبَّعتهُ" (1تي4: 6).
* "يا تيموثاوس، احفظ الوديعة، مُعرِضًا عن الكلام الباطل الدنس، ومُخالفات العلم الكاذب الاسم، الذي إذ تظاهر به قوم زاغوا من جهة الإيمان" (1تي6: 20-21).
* "تمسك بصورة الكلام الصحيح الذي سمِعتَه مني، في الإيمان والمحبة التي في المسيح يسوع. احفظ الوديعة الصالحة بالروح القدس الساكن فينا" (2تي1: 13-14).
ليس هذا فقط.. بل كان أيضًا مسئولًا عن اختيار الخدام الأكفاء الذين ينقلون التعليم سليمًا:
* "وما سمِعتَه مني بشهودٍ كثيرين، أُودِعهُ أناسًا أُمناء، يكونون أكفاءً أن يُعلِّموا آخرين أيضًا" (2تي2: 2).
ويكون أيضًا:
* "مُلازمًا للكلمة الصادقة التي بحسب التعليم، لكي يكون قادرًا أن يعظ بالتعليم الصحيح ويُوبِّخ المُناقضين" (تي1: 9).
وكان دائمًا هدف التوبيخ والعقوبة هو الخلاص..
* "خلِّصوا البعض بالخوف، مُختَطِفين من النار" (يه23).
وكان التخوف الوحيد هو انتشار الفكر الهرطوقي فيهلك كثيرون..
* "خميرة صغيرة تُخمِّر العجين كله. ولكنني أثقُ بكم في الرب أنكم لا تفتكرون شيئًا آخر. ولكن الذي يُزعجُكم سيحمل الدينونة أي مَنْ كان" (غل5: 9-10).
حقًا.. إن كل الهراطقة كانوا أعضاء في جسد المسيح، لكنهم اختاروا لأنفسهم القطع..
* "كل غصن فيَّ لا يأتي بثمر ينزعه" (يو15: 2).
* "إن كان أحد لا يَثبُت فيَّ يُطرح خارجًا كالغصن، فيجفُّ ويجمعُونَه ويطرحونه في النار، فيحترق" (يو15: 6).
إن وحدة جسد المسيح لا تحتمل وجود الهراطقة.. بل قطع الهراطقة هو ضمان لحفظ وحدانية الجسد والروح والفكر، ووجود الهراطقة داخل الكنيسة يُهدد وحدتها، وسلامة إيمانها..
* "وأطلب إليكم أيها الإخوة أن تُلاحظوا الذين يصنعون الشِّقاقات والعثرات، خِلافًا للتعليم الذي تعلَّمتموه، وأَعرِضوا عنهم. لأن مثل هؤلاء لا يخدمون ربنا يسوع المسيح بل بُطُونَهم" (رو16: 17-18).
* "ألستم تعلمون أن خميرة صغيرة تُخمِّر العجين كله؟ إذًا نقُّوا منكم الخميرة العتيقة، لكي تكونوا عجينًا جديدًا كما أنتم فطير" (1كو5: 6-7).
* "ولكن إن كان أحد يُظهِر أنه يحب الخصام، فليس لنا نحن عادة مثل هذه، ولا لكنائس الله" (1كو11: 16).
* "كي لا نكون في ما بعد أطفالًا مُضطربين ومحمولين بكل ريح تعليم، بحيلة الناس، بمكر إلى مكيدة الضلال، بل صادقين في المحبة، ننمو في كل شيء إلى ذاك الذي هو الرأس المسيح" (أف4: 14-15).
إذًا علينا أن نحب الجميع، ونحفظ الوحدة مع الجميع، ولكن إذا برز داخل الجسد عضو مريض ينشر فساده في داخل الجسد مما يهدد سلامته ووحدته، فيجب بتر هذا العضو المُسمّم، وعزله حتى يُشفى، ثم يُرد إلى الكنيسة مرة أخرى، ليُعاود اتحاده مرة أخرى بهذا الجسد بعد أن يكون قد تخلّص من مرضه الهرطوقي الخطير.
وكل أب أرثوذكسي غيور يحارب الهراطقة، ويكشف حيلهم الرديئة، ويفند آراءهم الفاسدة.. إنما يُحسب بطل إيمان بحسب تقدير الكتاب المقدس.. ولا يمكن أن يُنظر إليه كمَنْ يضاد فكرة التجميع والوحدة.. بل بالعكس فهو بجهاده لحفظ الإيمان نقيًا يحقق قصد الله، وينفذ وصيته المقدسة، ويحفظ الوحدة الحقيقية للكنيسة في الإيمان الواحد.. بعيدًا عن وحدة مزيفة يطالب بها البعض دون التركيز على وحدانية الإيمان.
فليست الوحدة هي مجرد تجمع بشري زائف.. ولكن هي وحدة مبنية على أساس.. "رب واحد، إيمان واحد، معمودية واحدة" (أف4: 5).
إننا نصلي من أجل وحدة الكنيسة واجتماعها على إيمان واحد مشترك سليم ونقي بحسب تحديدات الكتاب المقدس كما فهمه آباء الكنيسة القديسون. إن وحدة الكنيسة هي رغبة ربنا يسوع المسيح.
تعالوا معي أصدقائي القرّاء نعمل معًا لبنيان جسد المسيح، وتجميع الكنيسة.. لذلك علينا أن:
(1) نُصلي من أجل وحدة الكنيسة، كما علَّمنا ربنا يسوع المسيح.
(2) نتعامل معًا بالحب، وطيبة القلب، والصفح، والتسامح.. حسب تعليم ربنا يسوع المسيح.
(3) نجتهد أن نحفظ وحدانية الروح برباط الصلح الكامل.
(4) نجتمع معًا خاضعين للكنيسة الواحدة حسب قصد السيد المسيح، ممارسين:
* المعمودية والميرون (لنا ولأولادنا)، ونثبُت فيهما، ونتذكر فِعلهُما فينا.
* نتوب معًا وفرادى، لنعود إلى شركة الكنيسة بعد غياب وانفصال.
* نُشارك المرضى بزيارتهم، والسؤال عنهم، وتخفيف آلامهم، والمشاركة في علاجهم، والصلاة عنهم، وإبلاغ الأب الكاهن ليمسحهم بسر مسحة المرضى.
* نخضع للكهنوت، ونقدِّر دوره، ونحترم الآباء، ونصلي عنهم، ونسمع لتعليمهم لحفظ وحدانية الكنيسة.
* نشترك معًا في التناول من جسد الرب ودمه الكريميْن، لنُثبِّت عضويتنا في الجسد المقدس، واتحادنا بعضنا ببعض.
* أن نتفهم روحانية وطهارة وعمق سر الزيجة المقدسة، ويعيش الأزواج مع أبنائهم في شركة الحب الأسري المقدس برهان على سكنى روح الله فيهم.
* أن نحب الجميع حتى الأعداء والمُسيئين.
* أن نفرز الهراطقة والمُبتدعين، ولا ننخدع بتعاليمهم الباطلة، حتى لا تتعرض الكنيسة للانقسام بسبب آرائهم الهرطوقية.
الله قادر أن يُحقق قصده المقدس فينا..
"أن يكون الجميع واحدًا".
_____
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/anba-raphael/all-may-be-one/war-against-heresies.html
تقصير الرابط:
tak.la/49d6ss4