إن مَنْ يتبعون هذه الآراء اللاهوتية من الأرثوذكس الخلقيدونيين لا يؤمنون باتحاد الجوهر الإلهي بالجوهر البشري في التجسد الإلهي. فقال كاتب "التأله هدف حياة الإنسان":
"إن قدرات الله هي قدرات إلهية، إن هذه القدرات هي الله بدون أن تكون جوهره."[42]
وقال أيضًا:
"لو أن الله له فقط جوهر لا يمكن الاقتراب منه دون أن يكون له قدرات لبقى الله وحده منغلقًا على ذاته وليس له أية علاقة مع خلائقة."[43]
وختم كتابه بقوله:
"الله يريد ويرغب في أن نتأله ولهذا السبب أصبح إنسانًا ومات على الصليب حتى يشع كشمس بين الشموس وكإله بين الآلهة."[44]
وقد اكتشفت أن الاتحاد بين اللاهوت والناسوت في تجسد الكلمة عند بعض الروم الأرثوذكس هو κατ҆ ἐνέργειαν (كاتا انرجيان) وليس κατα ϕύσιν (كاتا فيزين) أي أنه اتحاد "بحسب الطاقة" وليس "بحسب الطبيعة".
وناسوت المسيح عندهم تألّه بالطاقة وليس بإتحاد بين جوهر اللاهوت وجوهر الناسوت، أو بإتحاد الطبيعة الإلهية بالطبيعة البشرية.
ولذلك فإن البروفسور "فلاسيوس فيداس" في دمشق أثناء اجتماع لجنة الحوار الليتورجي مع الروم الأرثوذكس قال لي إن أحدًا عندهم لن يوافق على "الاتحاد الطبيعي" ἕνωσις ϕυσική أو ἕνωσις κατα ϕύσιν أي natural union. والبروفسور فيداس هذا هو صديق لنا وأستاذ في جامعة أثينا، وقد درّس طلابنا هناك في كلية اللاهوت، وكان قد وقّع على الاتفاقية اللاهوتية بيننا وبين الروم الأرثوذكس، والتي تنص على "الاتحاد الطبيعي" بين اللاهوت والناسوت في التجسد، وذلك في مصر في دير الأنبا بيشوى عام 1989، وفي شامبيزيه في جنيف عام 1990، ولكنه عاد في حوالى عام 1994 في دمشق وقال إن أحدًا لن يوافق على "الاتحاد الطبيعي". قلت في نفسي ماذا يعني الاتحاد بين الطبيعتين إذن؟! هل لم يكن هناك اتحادًا؟ ألا يكفيهم التشدد أمام تعبير الطبيعة الواحدة؟ ولاحظت أن ثلاث كنائس فقط من الروم الأرثوذكس للأسف من ضمن خمس عشر كنيسة هي التي قبلت نص الاتفاق الكريستولوجى من وقتها وحتى الآن، والاثني عشر كنيسة التي لم تقبل الاتفاق حتى الآن في مقدمتها كنيسة روسيا وكنيسة اليونان وأديرة رهبان جبل آثوس. وظللت أفكر في الأمر إلى أن قرأت في سنة 2010 م. في هذا الكتاب لكبير لاهوتيى جبل آثوس الأب جورجيوس كابسانيس ترجمة الأب إبراهيم دبور الكاهن المعروف لدينا من طائفة الروم الأرثوذكس في الأردن ما يُفهم منه أن الاتحاد في تجسد الكلمة هو بحسب الطاقة وليس اتحادًا جوهريًا ولا طبيعيًا. ولكي يصل لهذه النتيجة قال أن الطاقة هي الله، والله ليس الجوهر فقط. أي أن الجوهر هو الله غير المقترب منه والطاقة هي الله الذي يمكن الاتحاد به فقال "نحن نتحد مع الله بواسطة قدراته غير المخلوقة وليس في جوهره"[45].
وللأسف فإن كتاب "الأرثوذكسية قانون إيمان لكل العصور" تأليف الأب أنتونى م. كونياريس وترجمة الراهب يوئيل المقارى قد أورد مفهوم أن التجسد الإلهي هو مثل إتحاد المؤمنين بالطاقة الإلهية وليس بالجوهر الإلهي بما نصه:
"إن الكلمة الذي صار جسدًا في يسوع، هو نفسه يجب أن يصير جسدًا فينا، يجب أن يتكرر الاتحاد بين ما هو بشري وما هي إلهي في حياة كل مؤمن، بطريقة سرية.. أنا وأنت كأولاد وبنات الله ننال قوة، لنصير إمتدادًا للتجسد.. لنكون في هذا العالم مسيحًا على الأرض، إمتدادًا لتجسده.. الكلمة الذي صار متجسدًا في بولس بطريقة سرية، يستطيع أن يتجسد أيضًا فينا بنفس الطريقة."[46]
وقد أدان المجمع المقدس للكنيسة القبطية الأرثوذكسية في جلسته بتاريخ 27 مايو 2007م برئاسة مثلث الرحمات قداسة البابا شنودة الثالث هذا النص في فاتحة النصوص التي أوردتها لجنة الإيمان والتعليم والتشريع في تقريرها للمجمع المقدس بشأن خطورة التعليم في هذا الكتاب وقرر المجمع المقدس الإعلان عن هذه الأخطاء.
وإذا تكلمنا عن التجسد الإلهي فلابد أن نتذكر الإعلان عن حقيقته في العليقة المشتعلة بالنار وهي لا تحترق حينما ظهر الابن الوحيد الجنس لموسى عند جبل سيناء "وَظَهَرَ لَهُ مَلاَكُ الرَّبِّ بِلَهِيبِ نَارٍ مِنْ وَسَطِ عُلَّيْقَةٍ فَنَظَرَ وَإِذَا الْعُلَّيْقَةُ تَتَوَقَّدُ بِالنَّارِ وَالْعُلَّيْقَةُ لَمْ تَكُنْ تَحْتَرِقُ.. ثُمَّ قَالَ: أَنَا إِلَهُ أَبِيكَ إِلَهُ إِبْرَاهِيمَ وَإِلَهُ إِسْحَاقَ وَإِلَهُ يَعْقُوبَ. فَغَطَّى مُوسَى وَجْهَهُ لأَنَّهُ خَافَ أَنْ يَنْظُرَ إِلَى اللهِ" (تك 3: 2، 6).
← انظر كتب أخرى للمؤلف هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت.
حتى في تعريف مجمع خلقيدونية الذي يقرونه كتب:
“Our Lord Jesus Christ, is perfect God and perfect man. As God, he is consubstantial with God the Father; and as man the same is consubstantial with us. He is unlike us only in that He is absolutely without sin.”[47]
"ربنا يسوع المسيح إله كامل وإنسان كامل. كإله هو مساوي لله الآب وكإنسان مساوي لنا. هو لا يشبهنا في شيء واحد وهو أنه بلا خطية مطلقًا."
وكتب القديس كيرلس الكبير:
“The same one is consubstantial with the Father according to his divinity and consubstantial with us according to his humanity.” [48]
"هو نفسه مساو للآب من حيث لاهوته ومساو لنا من حيث ناسوته".
ومعروف أن الناسوت مكوّن من جوهرين وطبيعتين؛ وهي الجسد الإنساني والروح الإنساني ويكونان معًا طبيعة بشرية واحدة وجوهر بشري واحد والسيد المسيح هو مساو لنا في الجوهر من حيث ناوسته بلا خطية فالاتحاد الطبيعي يقود حتمًا إلى الاتحاد الجوهرى.
ثم أن مفهوم التجسد كما شرحه الآباء وعلى رأسهم القديس كيرلس الكبير عمود الدين هو اتحاد طبيعة إلهية بطبيعة بشرية بغير اختلاط ولا امتزاج ولا تغير ولا انفصال ونتج عن ذلك "طبيعة واحدة متجسدة لله الكلمة". وكثيرًا ما أكد القديس كيرلس على الاتحاد الطبيعي والأقنومى بين الطبيعتين في المسيح شارحًا باستفاضة سر التجسد الإلهي.
فيقول القديس كيرلس في رسالته الثالثة إلى نسطور (الفقرة 9):
“Neither do we say that the Word of God dwelled, as in an ordinary man, in the one born of the Holy Virgin, in order that Christ might not be thought to be a man bearing God. For even if the Word both “dwelt among us,”(Jn 1:14) and it is said that in Christ “dwells all the fullness of the Godhead bodily,”(Col 2:9) we do not think that, being made flesh, the Word is said to dwell in him just as in those who are holy, and we do not define the indwelling in him to be the same. But united kata phusin, and not changed into flesh, the Word produced an indwelling such as the soul of man might be said to have in its own body.”[49]
"ولسنا نقول أن كلمة الله حل في ذلك المولود من العذراء القديسة، كما في إنسان عادي، لكي لا يُفهم أن المسيح هو "إنسان يحمل الله". لأنه حتى إن كان "الكلمة حل بيننا" فإنه أيضًا قد قيل إن في المسيح "يحل كل ملء اللاهوت جسديًا" (كو 2: 9). لذلك إذن نحن ندرك أنه إذ صار جسدًا فلا يقال عن حلوله إنه مثل الحلول في القديسين، ولا نحدد الحلول فيه أنه يتساوى وبنفس الطريقة كالحلول في القديسين. ولكن الكلمة إذ اتحد "حسب الطبيعة" (κατα ϕύσιν) ولم يتغيّر إلى جسد، فإنه حقق حلولًا مثلما يقال عن حلول نفس الإنسان في جسدها الخاص."
ومن المفهوم طبعًا أن حلول نفس الإنسان في جسدها الخاص يحقق تكوين جوهر بشري واحد من جوهرين وطبيعة بشرية واحدة من طبيعتين.
وفي (الفقرة 10) من نفس الرسالة يقول:
“The Word of God united, as we already said before, to flesh according to hupostasis is God of all and is Lord of all, and neither is he servant of himself nor master of himself.”[50]
"وكما قلنا سابقًا، فإن كلمة الله قد اتحد بالجسد أقنوميًا (καθ' ὑπόστασιον)، فهو إله الكل ورب الجميع، وليس هو عبد لنفسه ولا سيد لنفسه."
وكتب القديس كيرلس الكبير في رسالته (رقم 40) إلى أكاكيوس أسقف ميليتين في الفقرة (14) ما يلي:
“Wherefore, we say that the two natures were united, from which there is the one and only Son and Lord, Jesus Christ, as we accept in our thoughts; but after the union since the distinction into two is now done away with, we believe that, there is one phusis of the Son, as one, however, one who became man and was made flesh.”[51]
"ولذلك نقول أن الطبيعتين إتحدتا، ومنهما نتج إبن ورب واحد يسوع المسيح، كما نقبل في أفكارنا، لكن بعد الإتحاد، إذ قد زال الآن التفريق إلى إثنتين، نؤمن أن هناك طبيعة واحدة للابن كواحد، واحد تأنس وتجسد".
وكتب الشهيد كبريانوس:
“Christ is both man and God, compounded of both natures, so that He could be a Mediator between us and the Father. In Jermiah: “And he is man, and who will know him?” Also, in Numbers: “A star will arise out of Jacob and a man will rise up from Israel.”[52]
"المسيح هو إنسان وإله، مركب من الطبيعتين، حتى يمكنه أن يكون وسيط بيننا وبين الآب. في إرميا يقول: "هو إنسان من سيعرفه" وأيضًا في سفر العدد يقول "يبرز كوكب من يعقوب وإنسان من إسرائيل".
← انظر كتب أخرى للمؤلف هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت.
وفي رسالته لإفلوجيوس الكاهن (الرسالة 44) فقرة 2 كتب القديس كيرلس الكبير محاولًا توضيح مفهوم الاتحاد بين الطبيعتين ومثّله باتحاد الروح والجسد في الإنسان لتكوين الطبيعة البشرية فقال:
“For we, when asserting their union, confess one Christ, one Son, the one and same Lord, and finally we confess the one incarnate phusis of God. It is possible to say something such as this about any ordinary man, for he is of different natures, both of the body, I say, and of the soul. Both reason and speculation know the difference, but when combined then we get one human phusis. Hence knowing the difference of the natures is not cutting the one Christ into two.”[53]
"لأننا حينما نوحدهما نعترف بمسيح واحد وهو نفسه رب واحد، وإذن نحن نعترف بأن طبيعة الابن المتجسدة واحدة. من الممكن أن يقال مثل هذا الكلام عن الإنسان بوجه عام، لأنه من طبيعتين مختلفتين أي من الجسد والنفس. والفكر والتأمل يدركان هذا الاختلاف، ولكن حينما تتحد الطبيعتان فإننا نحصل على طبيعة واحدة للإنسان. ومن ثم ندرك أن اختلاف الطبيعتين لا يقسم المسيح الواحد إلى إثنين."
طبعًا اتحاد الروح بالجسد في الإنسان ليس "بحسب الطاقة" ولكن بحسب الجوهر والطبيعة لأنهما يكونان معًا طبيعة بشرية واحدة!!
وفي رسالته لسكسينسوس (رسالة 45) فقرة 6 كتب:
“Accordingly when we assert the union of the Word of God the Father to his holy body which has a rational soul, a union which is ineffable and beyond thought and which took place without blending, without change, without alteration, we confess one Christ, Son and Lord, the Word of God the Father, the same God and man, not one and another, but one and the same, being, and known to be, God and man.. While skillfully examining the manner of his dispensation with flesh and finely probing the mystery, we see that the Word of God the Father was made man and was made flesh and that he has not fashioned that holy body from his divine nature but rather took it from the Virgin Mary. Since how did he become man, if he has not possessed a body like ours? Considering, therefore, as I said, the manner of his Incarnation we see that his two natures came together with each other in an indissoluble union, without blending and without change, for his flesh is flesh and not divinity, even though his flesh became the flesh of God, and likewise the Word also is God and not flesh, even though he made the flesh his own according to the dispensation. Therefore, whenever we have these thoughts in no way do we harm the joining into a unity by saying that he was of two natures, but after the union we do not separate the natures from one another, nor do we cut the one and indivisible Son into two sons, but we say that there is one Son, and as the holy Fathers have said, that there is one Phusis of the Word [of God] made flesh.”[54]
"وتبعًا لذلك، فحينما نؤكد إتحاد الكلمة الذي من الله الآب بجسده المقدس ذى النفس العاقلة، وهو اتحاد يفوق الإدراك ويعلو على الفكر، وقد حدث بدون إختلاط، وبدون تغيير، وبدون تحول، فنحن نعترف بمسيح واحد الابن والرب، كلمة الله الآب، هو نفسه إله وإنسان، ليس واحد وآخر، لكن واحد هو نفسه كائن ومعروف أنه إله وإنسان.. فبينما نحن نبحث كيفية تدبيره بالجسد ونسبر أعماق السر، نرى أن الكلمة الذي من الله الآب تأنس وتجسد وأنه لم يصنع ذلك الجسد المقدس من طبيعته الإلهية بل بالحري أخذه من العذراء مريم. لأنه كيف صار إنسانًا لو لم يكن قد لبس جسدًا مثل أجسادنا؟ لذلك فعندما نعتبر -كما قلت- كيفية تأنسه نرى أن طبيعتين اجتمعتا إحداهما مع الأخرى في اتحاد لا يقبل الانفصام، وبدون اختلاط وبدون تغيير، لأن جسده هو جسد وليس لاهوتًا رغم أن جسده قد صار جسد الله. وبالمثل فالكلمة أيضًا هو الله وليس جسدًا، رغم أنه جعل الجسد خاصًا به بحسب التدبير. لذلك فحينما تكون لنا هذه الأفكار، فنحن عندما نقول إنه كان من طبيعتين فنحن لا نجرح الوحدة، ولكن بعد الاتحاد لا نفصل الطبيعتين إحداهما عن الأخرى، ولا نجزئ الابن الواحد غير المنقسم إلى ابنين، بل نقول بابن واحد. وكما قال الآباء "طبيعة واحدة متجسدة لله الكلمة".
وفي رسالة ثانية لسكسينسوس (رسالة 46) فقرة 6 كتب:
“The nature of the Word has not passed over into the nature of the flesh. Neither has the nature of the flesh passed over into the nature of the Word, but remaining and being considered in the propriety according to the nature of each ineffably and inexplicably united, in accordance with the reasoning just given by us, this has shown forth for us the one phusis of the Son; but, as I said, incarnate.”[55]
"طبيعة الكلمة لم تتحول إلى طبيعة الجسد. ولا طبيعة الجسد تحولت إلى طبيعة الكلمة، بل كل منهما ظلت كما هي في ذاتيتها بحسب طبيعة كل منهما، وتعتبران متحدتان بطريقة تفوق الفهم والشرح، وقد ظهر لنا من هذا طبيعة الابن الواحدة، ولكن -كما قلت- متجسدة."
_____
[42] "التأله هدف حياة الإنسان" صفحة 37.
[43] "التأله هدف حياة الإنسان" صفحة 36.
[44] "التأله هدف حياة الإنسان" صفحة 78، 79.
[45] "التأله هدف حياة الإنسان" صفحة 38.
[46] "الأرثوذكسية قانون إيمان لكل العصور" تأليف الأب أنتونى كونياريس وترجمة الراهب يوئيل المقارى صفحة 151.
[47] V.C. Samuel, The Council of Chalcedon Re-examined, The Senate of Serampore College 1977, p. 174, quoting ACO. II, I, p. 326:30-34.
[48] The Fathers of the Church, St. Cyril of Alexandria, Letters 1-50, Vol. 76, translated by John I McEnerney, To Acacius Bishop of Melitene, Letter 40, point 10, p. 157.
[49] To Nestorius, Letter 17, par. 9, 83, 84.
[50] Ibid. 84, 85.
[51] To Acacius Bishop of Melitene, Letter 40, point 14, p. 160.
[52] A.N. Fathers, Vol. V, The Treatise of Cyprian, point 10, p. 519.
[53] To Eulogios the Priest, Letter 44, par, 2, p. 186.
[54] To Succensus of Deocaesarea, Letter 45, par. 6, 193.
[55] To Succensus of Deocaesarea, Letter 46, par. 6, 201.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/anba-bishoy/theosis-energy-grace/divine-incarnation-eucharist.html
تقصير الرابط:
tak.la/ds8493j