St-Takla.org  >   books  >   anba-bishoy  >   cross
 
St-Takla.org  >   books  >   anba-bishoy  >   cross

مكتبة الكتب المسيحية | كتب قبطية | المكتبة القبطية الأرثوذكسية

كتاب لماذا الصليب بالذات؟ - الأنبا بيشوي

3- بالصليب صار هو الكاهن والذبيحة

 

1- بالصليب صار هو الكاهن والذبيحة

          لم يكن السيد المسيح هو مجرد ذبيحة قُدِّمت عن حياة العالم؛ لكنه كان هو الكاهن وهو الذبيحة في آنٍ واحد. فإذا كان قد تم ذبحه على الأرض مثلًا؛ سيكون في هذا الوضع ذبيحة وليس كاهنًا. ولكن على الصليب هو يرفع يديه ككاهن وهو في نفس الوقت الذبيح المعلّق. فالناظر إليه يراه ككاهن يصلى وفي نفس الوقت يراه ذبيحًا ويقول "فصحنا أيضًا المسيح قد ذبح لأجلنا" (1كو 5 : 7). هو يشفع في البشرية أثناء تقديمه لذاته كذبيحة. لذلك رآه يوحنا الحبيب في سفر الرؤيا مثل "خروف قائم كأنه مذبوح" (رؤ5: 6).

 

 الجرح الداخلى أعمق

St-Takla.org Image: Jesus bearing the cross and falling down on the ground صورة في موقع الأنبا تكلا: يسوع يحمل الصليب ويسقط به على الأرض

St-Takla.org Image: Jesus bearing the cross and falling down on the ground

صورة في موقع الأنبا تكلا: يسوع يحمل الصليب ويسقط به على الأرض

          كان لابد أن يكون السيد المسيح قائمًا؛  فلا يمكنه أن يكون ملقيًا أثناء ممارسته لعمله كرئيس للكهنة، وستجد المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلاهيمانوت في أقسام المقالات والكتب الأخرى. لذلك فإن عملية الذبح كانت داخلية (بالرغم من وجود جراحات مثل آثار المسامير وإكليل الشوك) لكن الجرح الأساسي كان داخليًا. وهنا تظهر نقطة عميقة في محبة الله، وهي تتمثل في شخص السيد المسيح أنه مذبوح في داخله كما يقول بولس الرسول "فى أحشاء يسوع المسيح" (فى1 :8) فالذبح الداخلى أصعب بكثير من الذبح الخارجي وفي هذا يقول الشاعر:

وظُلم ذوى القُربى أشد مضاضة على النفس من وقع الحُسام المُهندِ

فوقع السيف الحاد أخف من ظلم ذوى القرابة. ويقول الكتاب في هذا المعنى "ما هذه الجروح في يديك؟! فيقول: هي التي جُرِحتُ بها في بيت أحبائي" (زك13: 6).

 

النزيف الداخلى

          إن السياط التي جُلد بها السيد المسيح كانت مصنوعة من سيور البقر وفي أطرافها عظم أو معدن، لذلك فقد مزّقت الشرايين المحيطة بالقفص الصدرى وأحدثت نزيفًا داخليًا. فلما ضربه الجندي بالحربة كان الدم عندئذ يملأ القفص الصدري فسال الهيموجلوبين الأحمر (كرات الدم الحمراء) بلون الدم ثم البلازما الشفافة ثم السوائل الخاصة بالأوديما (أى الارتشاح المائي). هذه التي عبّر عنها ببساطة القديس يوحنا أنه بعدما طعن في جنبه بالحربة "خرج دم وماء" (يو19: 34). وقد رأى القديس يوحنا مركبات الدم مفصولة لأن السيد المسيح كان قد أسلم  الروح في الساعة التاسعة وعندما طعنه الجندي قرب الغروب كان قد مضى حوالي ساعتين.

 

 مات ذبيحًا

          اهتم القديس يوحنا أن يذكر واقعة خروج الدم والماء لكي يؤكّد أن السيد المسيح مات ذبيحًا، ويقول "الذي عاين شَهَد، وشهادته حق" (يو19 :35). كانت رقبة السيد المسيح سليمة نسبيًا والصدر سليم نسبيًا بحسب الظاهر خارجه؛ بينما كان النزيف حادً من الداخل. في الخارج كانت تظهر آثار ضربات السياط، بالإضافة إلى الجروح التي كانت في اليدين والقدمين، وقد أحدثت نزيفًا خارجيًا لكنه محدود. فالمصلوب كان يمكن أن يبقى معلقًا على الصليب ويتعذب وقد لا يموت إلا بعد ثلاثة أيام. ولكن كان يهّم القديس يوحنا الإنجيلي جدًا أن يؤكّد أن السيد المسيح هو خروف الفصح الذي ذُبح لأجلنا، لذلك أكَّد خروج الدم والماء من جنبه لكي نعرف أنه ذُبح.

 

St-Takla.org Image: Jesus Christ carrying the Holy Cross at the road of passion, and we can see Siomon the Cerene, the crying Marys, and St. Veronica the holder of the handkerchief - Modern Coptic icon, painted by the nuns of Saint Demiana Monastery, Egypt صورة في موقع الأنبا تكلا: السيد المسيح يسوع في طريق الآلام وهو يحمل الصليب، ونرى في الصورة سمعان القيرواني، والمريمات وهن يبكين، والقديسة فيرونيكا حاملة المنديل - أيقونة قبطية حديثة من رسم راهبات دير الشهيدة دميانة بالبراري، مصر

St-Takla.org Image: Jesus Christ carrying the Holy Cross at the road of passion, and we can see Siomon the Cerene, the crying Marys, and St. Veronica the holder of the handkerchief - Modern Coptic icon, painted by the nuns of Saint Demiana Monastery, Egypt

صورة في موقع الأنبا تكلا: السيد المسيح يسوع في طريق الآلام وهو يحمل الصليب، ونرى في الصورة سمعان القيرواني، والمريمات وهن يبكين، والقديسة فيرونيكا حاملة المنديل - أيقونة قبطية حديثة من رسم راهبات دير الشهيدة دميانة بالبراري، مصر

سبب الهبوط في القلب

           لقد نتج عن النزيف الداخلى الحاد الذي تعرَّض له السيد المسيح نقص كبير في كمية الدم الباقية في الدورة الدموية، لذلك احتاج القلب أن يعمل بسرعة لتعويض الدم المفقود. ولكي يعمل بسرعة، كان القلب نفسه كعضلة، يحتاج لكمية أكبر من الدم. ولكن الشرايين التاجيّة التي تغذّى القلب لم يكن في إمكانها أن تقوم بهذا الدور لقلة كمية الدم الواصل إليها نتيجة للنزيف. وإذا كانت سرعة ضربات القلب في الإنسان الطبيعي هي سبعين نبضة في الدقيقة؛ ففي حالات النزيف ترتفع  إلى 140 نبضة. وكل هذا يجهد عضلة القلب فتصل إلى مرحلة الهبوط الحاد جدًا في الجزء الأيمن منها ويؤدى ذلك إلى الوفاة.

 

صرخة الانتصار

          كان السيد المسيح يقترب من هذه اللحظة الأخيرة؛ وهنا وفي آخر لحظة صرخ بصوت عظيم وقال "يا أبتاه؛ في يديك أستوْدِع روحي" (لو23: 46). وقد كانت هذه الصرخة هي صرخة انتصار. لأنه لأول مرة منذ سقوط أبينا آدم من الفردوس يستطيع أحد أن يخاطب الله ويقول له "في يديك أستودع روحي" فكل من مات لم يستطع أن يستودع روحه في يدي الآب بل كان إبليس يقبض على تلك النفوس. وإذ صرخ السيد المسيح بصوت عظيم رغم حالة الإعياء الشديدة التي كان يعانى منها إنما أراد بذلك أن يلفت النظر إلى عبارة الانتصار هذه. وهذه هي أول مرة -منذ سقطة آدم- يضع  ذو طبيعة بشرية روحه في يدي الآب.

صار السيد المسيح هو القنطرة أو الجسر الذي يعبر عليه المفديون من الجحيم إلى الفردوس وإلى ملكوته. وقد خاب أمل الشيطان في هذه اللحظة لأنه رأى أمامه قوة الذي انتصر بالصليب.

وفى قداس للقديس يوحنا ذهبي الفم يقول: ]عندما انحدرت إلى الموت أيها الحياة الذي لا يموت حينئذ أمتَّ الجحيم ببرق لاهوتك. وعندما أقمت الأموات من تحت الثرى صرخ نحوك القوات السمائيون أيها المسيح الإله معطى الحياة المجد لك[. فقد أبرق السيد المسيح حينما سلّم روحه في يدي الآب. وبتعبير آخر: أصبح كالبرق وأفزع كل مملكة الشيطان.

أخفى السيد المسيح لاهوته عن الشيطان وكان يقول "نفسي حزينة جدًا حتى الموت" (مر14: 34).كان يجاهد ويأتي ملاك ليقويه في الصلاة من أجل إخفاء لاهوته عن الشيطان ولكن في اللحظة التي أسلم فيها روحه على الصليب؛ أي عندما غادرت روحه الإنسانية الجسد، في الحال أبرق بمجد لاهوته، لذلك يقول "إذ جرّد الرياسات والسلاطين أشهرهم جهارًا ظافرًا بهم فيه (في الصليب)" (كو2: 15). فقد تحوّل الموقف تمامًا وكأن الشيطان يقيم حفلًا أو وليمة وأحضر معه كل بوابات الجحيم وكل قوات الظلمة لتحيط بمنطقة الجلجثة فوقف أمامه من "خرج غالبًا ولكي يغلب" (رؤ6: 2) ففزعت من أمامه كل هذه القوات حينما أبصرت مجد لاهوته.


الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع

https://st-takla.org/books/anba-bishoy/cross/priest.html

تقصير الرابط:
tak.la/89smrcb