بالرغم من أن السيد المسيح هو ملك الملوك ورب الأرباب، وبالرغم من أنه هو رئيس الكهنة الأعظم.. إلا أنه عاش بعيدًا عن المناصب المختصة بالمُلك، والمختصة بالكهنوت. لم يمجّد نفسه، ولم يُنافس الناس في مناصبهم، بل كان بعيدًا عن كل هذه الأمور..
عاش السيد المسيح تحت سلطة الملوك والأباطرة والحكام.. لم تكن له أية وظيفة، ولا رئاسة، ولا سلطان ينافس به الحكام في سلطتهم.
خشى هيرودس الملك من ولادة السيد المسيح ملك اليهود، وأراد أن يتخلّص منه، وذبح جميع أطفال بيت لحم.. ولكنه لم يفهم طبيعة مُلك السيد المسيح الذي قال للوالي الروماني بعد ثلاثين عامًا: "مملكتي ليست من هذا العالم" (يو18: 36).
لم يستخدم السيد المسيح حقه الإلهي في أن يسود على الجميع، بل وضع نفسه تحت الكل، وكان خاضعًا لسلطان البشر.
دَفَعَ الجزية للحكام، ورفض أن تجعله الجموع ملكًا ينتزع ما اعتبروه حقوقًا لهم. ولم يقاوم الذين ألقوا القبض عليه، و"ظلم أما هو فتذلل ولم يفتح فاه، كشاه تساق إلى الذبح" (إش53: 7)، ولم يقاوم اللطم والإهانات وجلد السياط، ولا ما اقترن بالصليب من إهانات وآلام متنوعة.
رفض السيد المسيح الملك الزمني، وكل أمجاده، لأنه كان يريد أن يملك على القلوب بمحبة إذ قال: "أنا إن ارتفعت.. أجذب إليَّ الجميع" (يو12: 32)، بمعنى أنه حينما يرتفع معلقًا على خشبة الصليب، فسوف يجتذب إليه محبة وإيمان الكثيرين. وفي موضع آخر تكلم عن الصلب فقال: "متى رفعتم ابن الإنسان" (يو8: 28).
حقًا "إن الرب قد ملك على خشبة" (مز95: 10).. ملك على قلوب الذين افتداهم وخلصهم من سلطان الخطية وعبوديتها.
عاش السيد المسيح في عالم ممتلئ بالمشاكل والاضطرابات.. ولم يحاول إطلاقًا أن يدخل في خضم هذا البحر المتلاطم. بل عالج مشكلة الإنسان الداخلية.. وأراد أن يحرر الإنسان من الداخل؛ عملًا بقول الكتاب أن "مالك روحه خير ممن يأخذ مدينة" (أم16: 32).
إن في تحرير الإنسان من الخطية، وفي تحريره من ذاته ومن الأنانية، الحل الحقيقي لمشاكل البشرية ولكل معاناة الإنسان.
كانت الحرية في نظر البشر شيئًا، وفي نظر السيد المسيح شيئًا آخر.. لهذا قال: "إن حرركم الابن فبالحقيقة تكونون أحرارًا" (يو8: 36).
أن يتحرر الإنسان من الداخل معناه أن يحيا في حرية مجد أولاد الله في الحياة الأبدية، في شركة مقدسة مع الله، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في أقسام أخرى. أما التحرر من العبودية الخارجية للبشر، فلا يؤثر في مصير الإنسان الأبدي.. بل هو وضع مؤقت لا يمكن أن يدوم.
وبهذا فقد اهتم السيد المسيح بأن يملك على قلوب الذين اشتراهم من حمأة الخطية والموت الأبدي.
لم يأخذ السيد المسيح مُلكًا أرضيًا، ولكن في السماء له ملكوت أبدي. فهو الملك الذي لا نهاية لملكه.
ترك السيد المسيح لكهنة اليهود وظائفهم في خدمة الكهنوت الهاروني بتقديم الذبائح الحيوانية في الهيكل.
لم يطلب منصبًا كهنوتيًا، ولا خدمة طقسية في ذلك الهيكل الذي هو المسكن الأول. بل جعل من جسده هيكلًا لتقديم الذبيحة الحقيقية "وأما المسيح وهو قد جاء رئيس كهنة للخيرات العتيدة، فبالمسكن الأعظم والأكمل غير المصنوع بيد، أي الذي ليس من هذه الخليقة. وليس بدم تيوس وعجول بل بدم نفسه دخل مرة واحدة إلى الأقداس فوجد فداءً أبديًا" (عب9: 11، 12). لقد دخل السيد المسيح إلى الأقداس السمائية ليشفع فينا أمام الآب السماوي.
لم يزاحم السيد المسيح أحدًا في منصبه الكهنوتي، بل جاء كهنوته، بحسب تدبير الله، كشيء ملازم لتقديم ذاته كذبيحة خلاص حقيقية مقبولة من الآب السماوي.
لم يأخذ السيد المسيح رئاسة الكهنوت كوظيفة أو منصب خارجي، بل نبع ذلك من صميم قدرته على تقديم ذاته ذبيحة عن حياة العالم.
كان هو الكاهن، وهو الذبيحة. كما أنه هو الهيكل، وهو القربان. وهو الحمل وهو الراعي في آنٍ واحد.
كان الآب هو الذي اختاره ليكون رئيس كهنة إلى الأبد على رتبة ملكي صادق. وقد دفع السيد المسيح حياته ثمنًا لعمله الكهنوتي.. فما أمجد كهنوت مثل هذا؟.. أو هل كان ممكنًا لمثل هذا أن لا يصير كاهنًا؟!
حقًا قال معلمنا بولس الرسول: "ولا يأخذ أحد هذه الوظيفة بنفسه بل المدعو من الله كما هارون أيضًا. كذلك المسيح أيضًا لم يمجد نفسه ليصير رئيس كهنة، بل الذي قال له أنت ابني أنا اليوم ولدتك. كما يقول أيضًا في موضع آخر أنت كاهن إلى الأبد على رتبة ملكي صادق" (عب5: 4-6).
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/anba-bishoy/christ/post.html
تقصير الرابط:
tak.la/fgxdz2d