حينما وقف السيد المسيح ليحاكم أمام بيلاطس الحاكم الروماني، وسأله بيلاطس: "أنت ملك اليهود؟.. أجاب يسوع: مملكتي ليست من هذا العالم. لو كانت مملكتي من هذا العالم لكان خدامي يجاهدون لكي لا أسلم إلى اليهود. ولكن الآن ليست مملكتي من هنا" (يو18: 33-36).
ليس هناك شك في أن السيد المسيح هو الملك الآتي باسم الرب ولهذا فعند دخوله إلى أورشليم "ابتدأ كل جمهور التلاميذ يفرحون ويسبحون الله بصوت عظيم لأجل جميع القوات التي نظروا. قائلين: مبارك الملك الآتي باسم الرب. سلام في السماء ومجد في الأعالي" (لو19: 37، 38).
"وكانوا يصرخون أوصنا مبارك الآتي باسم الرب ملك إسرائيل. ووجد يسوع جحشًا فجلس عليه كما هو مكتوب: لا تخافي يا ابنة صهيون، هوذا ملكك يأتي جالسًا على جحش أتان. وهذه الأمور لم يفهمها تلاميذه أولًا. ولكن لما تمجد يسوع حينئذ تذكروا أن هذه كانت مكتوبة عنه وأنهم صنعوا هذه له" (يو12: 13-16).
في بشارة الملاك للعذراء القديسة مريم بميلاد السيد المسيح قال لها: "هذا يكون عظيمًا وابن العلي يُدعى ويعطيه الرب الإله كرسي داود أبيه. ويملك على بيت يعقوب إلى الأبد ولا يكون لملكه نهاية" (لو1: 32، 33).
وحينما جاء المجوس من
المشرق قالوا: "أين هو المولود ملك اليهود. فإننا رأينا نجمه في المشرق وأتينا لنسجد له" (مت2: 2).
وعلى الصليب "كان عنوان مكتوب فوقه بأحرف يونانية ورومانية وعبرانية: هذا هو ملك اليهود" (لو23: 38).
وفي سفر الرؤيا كتب يوحنا الرسول عن السيد المسيح "وله على ثوبه وعلى فخذه اسم مكتوب ملك الملوك ورب الأرباب" (رؤ19: 16).
الله هو الملك الحقيقي. وعرشه كائن في السماء. وكان ينبغي أن يملك الله على شعبه. ولكن شعب إسرائيل أرادوا أن يختاروا لهم ملكًا مثل باقي شعوب الأرض. واستاء صموئيل النبي من ذلك. ولكن الله قال لصموئيل: "لم يرفضوك أنت، بل إياي رفضوا حتى لا أملك عليهم" (1صم8: 7). وأمره الرب أن يمسح لهم الملك الذي أرادوه. ومسح شاول ملكًا. ولكنه لم يكن يطيع الوصايا ففارقه روح الرب وبغته روح رديء من قبل الرب (انظر 1صم16).
ثم اختار الرب داود ومسحه ملكًا بيد صموئيل النبي. وبالرغم من محبة الرب لداود، إلا أن داود قد أخطأ لسبب الضعف البشري. كما أنه لم يتمكن من تحرير شعبه من سلطان إبليس الذي سيطر على العالم بواسطة الخطية.
كان ينبغي أن يملك الله نفسه لكي يحرر شعبه من خطاياهم ويمنحهم ميراث الحياة الأبدية.
لهذا جاء السيد المسيح إلى العالم. وحينما سأله بيلاطس "أفأنت إذًا ملك. أجاب يسوع أنت تقول إني ملك. لهذا قد ولدت أنا ولهذا قد أتيت إلى العالم لأشهد للحق. كل من هو من الحق يسمع صوتي" (يو18: 37).
ولكن المُلك الذي يليق بالله هو المُلك السمائي وليس المُلك الأرضي، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في أقسام أخرى. لأن عرش الله هو في السماء. وحينما مَلك السيد المسيح في مجيئه إلى عالمنا، فقد ملك على خشبة الصليب معلقًا بين الأرض والسماء.. مؤكدًا هذه الحقيقة أن مملكته ليست من هذا العالم.
لقد رفضت الأمة اليهودية ملكها واقتادته إلى موت الصليب.. تمامًا مثلما رفضت الرب قديماً في أيام صموئيل النبي من أن يملك عليها ولكن الرب المرفوض قد جعل ملكه العجيب فوق خشبة الصليب. لأن المحبة المرفوضة استطاعت أن تملك.. وأن تنتصر.. وأن تتألق.. وأن تجتذب الجميع..
لهذا قال السيد المسيح: "أنا إن ارتفعت عن الأرض أجذب إلى الجميع" (يو12: 32). حقاً صار المَلِك المرفوض أكثر جاذبية من كل ملوك الأرض. لأن محبته قد فاقت كل توقعات بني البشر.
أخيرًا أمكن للبشرية أن تدرك مقدار حب الله لها في المسيح. وأن تسعى نحوه في فرح وشكر ليملك عليها.. ولا يكون مرفوضًا فيما بعد.. لأنه قد صالحها لنفسه، محررًا إياها من الموت والهلاك الأبدي.
حقا لقد صارت الكنيسة عروسًا للمسيح تقبل ملكه الروحي وتنتظر ملكوته السماوي وتعلن مجده وخلاصه في كل الأرض.. تحمل سماته.. وتعانق صليبه.. ولا تسعى نحو الملك الأرضي لأن ملكها هو في السماء حيث يجلس عن يمين العظمة في الأعالي.
السيد المسيح لم يطلب لنفسه مُلكًا.. بل إنه حينما رفض المُلك إلى المُنتهى، فقد ملك هناك.. في نفس الموضع الذي أعلن فيه العالم رفضه له كمَلِك.. لأنه صار هو المَلِك المصلوب.
وكان عنوان علته الذي صلب بسببه مكتوبًا فوقه على الصليب "يسوع الناصري ملك اليهود. فقرأ هذا العنوان كثيرون من اليهود لأن المكان الذي صلب فيه يسوع كان قريبًا من المدينة. وكان مكتوبًا بالعبرانية واليونانية واللاتينية. فقال رؤساء كهنة اليهود لبيلاطس: لا تكتب ملك اليهود بل إن ذاك قال أنا ملك اليهود. أجاب بيلاطس ما كتبت قد كتبت" (يو19: 19-22).
كانت هذه هي تهمته.. وهي سبب موته.. وموته كان سببًا في تحقيقها؛ لأن الرب بالصليب قد صنع أمجادًا يحتار فيها عقل البشر، وترتفع بسببها قلوبهم نحو أمجاد السماء.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/anba-bishoy/christ/not.html
تقصير الرابط:
tak.la/fk2v7p8