كان ظهورًا عجيبًا لزوجين من الأبرار في العهد القديم، وقد وردت قصة هذا الظهور في الأصحاح الثالث عشر من سفر القضاة، إذ تبدأ القصة كما يلي: "ثم عاد بنو إسرائيل يعملون الشر في عينيّ الرب؛ فدفعهم الرب ليد الفلسطينيين أربعين سنة. وكان رجل من صرعة من عشيرة الدانيين اسمه منوح وامرأته عاقر لم تلد" (قض13: 1، 2).
وقد ظهر السيد المسيح للمرأة وقال لها "ها أنت عاقر لم تلدي، ولكنك تحبلين وتلدين ابنًا.. فدخلت المرأة وكلّمت رجلها قائلة: جاء إليَّ رجل الله ومنظره كمنظر ملاك الله مُرهب جدًا، ولم أسأله من أين هو، ولا هو أخبرني عن اسمه" (قض13: 3، 6).
نلاحظ هنا أن المرأة قد شاهدت رجلًا يكلمها ولكن منظره كمنظر ملاك الله مُرهب جدًا، بمعنى أنه سفير إلهي لأن كلمة ملاك في اللغة العبرية (ملاخ) كما أوضحنا سابقًا تعني "سفير أو مفوّض أو مُرسِل" ولا تعني بالضرورة أحد الأجناد الملائكية مثل الملاك جبرائيل مثلًا، فمنظر السيد المسيح المرهب عند ظهوره قبل التجسد قد عبّر عنه البعض بأنه كملاك الله، وعبّر عنه البعض بأنه "شبيه بابن الآلهة" (دا3: 25) مثلما قال نبوخذ النصر الملك عندما رأى السيد المسيح في وسط الثلاثة فتية في أتون النار في مملكة بابل وسجل ذلك دانيال النبي في سفر نبوته.
وبعدما أخبرت امرأة منوح زوجها بما رأته وسمعته "صلى منوح إلى الرب وقال أسألك يا سيدي أن يأتي أيضًا إلينا رجل الله الذي أرسلته، ويعلّمنا ماذا نعمل للصبي الذي يولد. فسمع الله لصوت منوح" (قض 13: 8، 9).
وبعدما ظهر السيد المسيح أيضًا لزوجة منوح التي أسرعت ودعت زوجها وتكلّم معه بكل ما هو مطلوب للصبي الذي يولد كنذير للرب، قال له منوح: "دعنا نعوِّقك ونعمل لك جدي معزى" (قض13: 15).
فأجاب السيد المسيح قائلًا "ولو عوقتني لا آكل من خبزك، وإن عملت محرقة؛ فللرب أَصعِدهَا. لأن منوح لم يعلم أنه ملاك الرب. فقال منوح لملاك الرب: ما اسمك حتى إذا جاء كلامك نكرمك. فقال له ملاك الرب: لماذا تسأل عن اسمي وهو عجيب؟" (قض13: 16-18).
المقصود بملاك الرب هنا كما أوضحنا هو "سفير الرب" الذي في هذه الواقعة هو "الابن الوحيد" أي "السيد المسيح" الذي قال عنه الرب بفم إشعياء النبي "لأنه يولد لنا ولد ونعطى ابنًا وتكون الرياسة على كتفه ويدعى اسمه عجيبًا مشيرًا إلهًا قديرًا أبًا أبديًا رئيس السلام" (إش9: 6).
لقد سأل يعقوب أب الآباء السيد المسيح عن اسمه عندما صارعه طوال الليل عند مخاضة يبوق. فقال له السيد المسيح "لماذا تسأل عن اسمي؟" (تك32: 29).
وحينما سأل منوح أيضًا كما ذكرنا "ما اسمك؟" أجاب السيد المسيح: لماذا تسأل عن اسمي وهو عجيب. ولا غرابة في ذلك. فقد قال الآب عن ابنه "يدعى اسمه عجيبًا" (إش9: 6)، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في أقسام أخرى. بل أكثر من ذلك لقد تساءل الكاتب في الأصحاح الثلاثين من سفر الأمثال عن الله وعن ابنه، فقال "من ثبَّت جميع أطراف الأرض ما اسمه وما اسم ابنه إن عرفت؟" (أم 30: 4).
إن اسم الله الذي أُعلن في العهد الجديد هو "الآب"، واسم ابنه الذي أُعلن في العهد الجديد هو "يسوع". وقال الملاك الذي أعلن الاسم: إن سبب ذلك إنه "يخلص شعبه من خطاياهم" (مت1: 21) لأن اسم "يسوع" في اللغة العبرية هو يهوشع أي "يهوه خلّص"بمعنى "الله خلّص".
بعد ذلك "أخذ منوح جدي المعزى والتقدمة وأصعدهما على الصخرة للرب، فعمل عملًا عجيبًا. ومنوح وامرأته ينظران. فكان عند صعود اللهيب عن المذبح نحو السماء؛ أن ملاك الرب صعد في لهيب المذبح، ومنوح وامرأته ينظران، فسقطا على وجهيهما إلى الأرض. ولم يعد ملاك الرب يتراءى لمنوح وامرأته حينئذ عرف منوح أنه ملاك الرب. فقال منوح لامرأته نموت موتًا لأننا قد رأينا الله" (قض13: 19-22).
إذًا فحينما عرف منوح أن السيد هو ملاك الرب؛ لم يكن المقصود ملاكًا عاديًا لأنه قال "قد رأينا الله" (قض13: 22). إذًا لقد فهم منوح أن سفير الرب هو المسيح، أي هو الله الابن الذي ظهر له ولزوجته التي طمأنته بقولها: "لو أراد الرب أن يميتنا لَما أخذ من يدنا محرقة وتقدمة. ولَمَا أرانا كل هذه، ولَمَا كان في مثل هذا الوقت أسمعنا مثل هذه" (قض13: 23).
إن صعود السيد المسيح في نار الذبيحة؛ قد أشار إلى تقديم نفسه صعيدة ومحرقة وقربان لله أبيه عند تجسده في ملء الزمان "المسيح الذي بروح أزلي قدّم نفسه لله بلا عيب" (عب9: 14).
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/anba-bishoy/christ/manoh.html
تقصير الرابط:
tak.la/29z4fh7